ما المشكلة في تعريف الخطية على أنها كل ما نفعله عندما نكون غير مكتفون بالله؟

يُعَرِّفُ جون بايبر الخطية على أنها:

"الخطية هي كل ما تفعله عندما يكون قلبك غير مكتف بالله".

ميزة هذا التعريف أنه يلفت النظر إلى حالة القلب بحيث أن كل شئ يعمله الإنسان، بما في ذلك الأعمال الصالحة والخدمة، بينما هو غير مكتف بالله، فهو خطية. وهذا أمر سليم، إلا أنه ليس الصورة بأكملها. إنه جزء من الحقيقة ولا ينبغي أن يشكل الحق الجوهري المتعلق بالخطية.

إن هذا التعريف به أكثر من مشكلة. أهمها هو أنه متمركز حول الإنسان. إذ ينطلق في تعريف الخطية من أسفل إلى أعلى، وليس من أعلى إلى أسفل (كما ينبغي أن يكون). فما يحدد الخطية من عدمها في الأساس، طبقًا لهذا التعريف، هو موقف الإنسان نحو الله (وليس موقف الله تجاه الإنسان كما يغفل التعريف). مدى اكتفاء الإنسان بالله، وليس مدى رضا الرب عن الإنسان. بكلمات أخرى، إن هذا التعريف يحدد معنى الخطية بالإشارة إلى الإنسان نفسه وليس الله. قياس طبيعة الإنسان على الإنسان ذاته. أنثروبولجي غير مؤسس على الثيولوجي بروبر (وهذا مخالف للمنهج المصلح المؤسس على مركزية الله).

إن المشكلة في هذا التعريف تتضح أكثر إن سالنا أنفسنا هذا السؤال: طبقًا لأي مقياس أنا مكتف بالله؟ فما أعتبره أنا تقصير في الاكتفاء بالله قد لا يعتبره غيري كذلك. والعكس صحيح. ولا سيما إن كان الإنسان غير مجدد ليس له الروح القدس في قلبه. إذًا، فأنا في حاجة إلى معيار موضوعي (خارجي) أقيس به مدى اكتفائي بالله. وهنا يأتي الدور الخطير والمركزي الذي يقوم به الناموس في تعريف الخطية. إن هذا التعريف للخطية يغفل الناموس من الصورة. فالناموس هو إنعكاس لطبيعة الله الصالحة. إن تعريف مشكلة الإنسان ينبغي أن يكون بالقياس على طبيعة الله وليس بقياس الإنسان على نفسه.

مشكلة أخرى في هذا التعريف هي أنه لا يصل إلى جذور المشكلة، إذ يغفل الطبيعة البشرية الفاسدة. إنه يحصر الخطية إما في الفعل أو في حالة القلب. بينما المشكلة أعمق من ذلك؛ في ذات الطبيعة البشرية قبل أن يفعل الإنسان أي شئ. إن هذا التعريف لا يستطيع استيعاب قول بولس "كنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقون أيضًا". فالخطية جذور قبل أن تكون ثمار. وطبيعة قبل أن تكون فعل أو حالة قلبية. إن عدم الاكتفاء بالرب شئ كامن في الطبيعة البشرية قبل أن يكون حالة في القلب أو السلوك. والناموس يخبرنا أيضًا أننا غير متوافقون مع الله بطبيعتنا التي تجنح إلى الشر.

أيضًا، إن التعريف أعلاه مؤسس على افتراض مسبق بأن عدم الاكتفاء بالله شر. إنه يُعَرِّف الخطية بالافتراض مسبقًا أن عدم الاكتفاء بالرب خطية. إنه منطق دائري. الخطية هي عدم الاكتفاء بالله، ولكن في نفس الوقت عدم الاكتفاء بالله شئ شرير أو سئ. ولكن كيف عرفنا ذلك؟ أو لماذا تعتبر أن عدم الاكتفاء بالله شر أو خطية؟ إن هذا التعريف يفترض مسبقًا النتيجة التي يحاول الوصول إليها. ولا عجب أن هذا التعريف به منطق دائري لكونه يعرف الإنسان بالإشارة إلى نفسه.

فضلاً عن ذلك، لو أخذنا ها التعريف إلى أبعاده المنطقية لاتضحت عدم دقته. على سبيل المثال، إن افترضنا جدلاً أن الخطية هي عدم الاكتفاء بالله (وهو أمر صحيح بصورة جزئية فقط)، فالبر إذًا هو الاكتفاء بالله. إلا أن البر هو الله نفسه وليس حالة في داخلي أو أفعال أقوم بها. الكتاب المقدس يقول أن "الله نور". البر أو الصلاح موجود بصورة مستقلة عني وسواء خُلِقَ الإنسان أو لم يُخلق. البر هو الله المعلن لنا في الكتاب المقدس وليس شبعنا أو اكتفاءنا بالله.

أخيرًا وليس آخرًا، إن هذا التعريف للخطية متسق مع منهج جون بايبر في إعطاء الاختبار مكانة مركزية في الفكر اللاهوتي. إنه يذكرني بمقولة أخرى له بأن "غفران الخطايا مجرد وسيلة إلى غاية أكبر وأعظم: الله نفسه". قد سبق وتناولت هذا التصريح في مقال مستقل. لكن فقط أريد لفت النظر إلى العلاقة بين التصريحين. إن كانت الخطية هي حالة عدم الاكتفاء، يصبح الغرض من الخلاص إذًا هو حالة الاكتفاء أكثر من غفران الخطايا نفسه. أي طالما أن المشكلة الجوهرية هي حالة عدم الاكتفاء بالرب، إذًأ الحل الذي يقدمه الصليب هو الاكتفاء أو الشبع. وهذا صحيح ولكنه ليس البعد الرئيسي في الخلاص. إن الجانب المركزي في الخلاص هو غفران الخطايا (وهو ذات الأمر الذي يهمشه تصريح جون بايبر). إنه موقف الله منا قبل أن يكون موقفنا من الله. رضا الله عنا قبل أن يكون شبعنا به. إن الخلاص يقدم حلاً لكلا الأمرين؛ موقف الله منا، وموقفنا من الله، ولكن المركزية للأول.

إن التعريف السليم للخطية يكون بالنظر إلى الله من خلال ناموسه. أي أن ننظر إلى الخارج، إلى مشيئة الله المعلنة في الناموس. لهذا فإن الخطية، في الأساس، هي كل عدم امتثال لناموس الله بالفكر أو بالفعل أو بالطبيعة. إن عدم الاكتفاء بالله شر لأنه عدم امتثال لناموس الله. كما أن الناموس وحده هو القادر على إخبارنا بالضبط كيف ينبغي أن يكون الاكتفاء بالله. إن تعريف الخطية بالإشارة إلى الناموس هو السبيل الوحيد الذي يضمن أن يكون لنا فكر لاهوتي متمركز حول الله.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس