المسيح في منافسة مع الكتاب المقدس؟


يرفض البعض فكرة أن يكون الكتاب المقدس هو معيار الصواب والخطأ، وبدلاً من ذلك يقدمون المسيح نفسه كالمعيار. وهذا الادعاء يقال بأكثر من صيغة. مثل أن تقول أن المسيح هو مقياس الصواب والخطأ في الكتاب المقدس. أو أن أي شىء في العهد القديم وليس في يسوع غير صحيح. أو أن المسيح قام بإبطال العهد القديم أو تصحيحه. أو أن المسيح كسر السبت، الأمر الذي يعني ضمنًا أن المسيح فوق الوصية، وأن هناك وصايا مجحفة في العهد القديم مثل السبت.

إن مثل هذا الادعاء السابق، بأشكاله المختلفة التي تضع يسوع في منافسة أو عداوة مع الكتاب المقدس، يعني أن صاحب هذا الادعاء وقع على الأقل في أربعة أخطاء. الأول هو التناقض الذاتي. نظرًا للندرة المعلوماتية الشديدة عن حياة المسيح خارج العهد الجديد، الأمر الذي يحتم أن يكون صاحب الادعاء هذا استقى معرفته عن المسيح من العهد الجديد، فقد افترض صحة الكتاب المقدس ليعود ويطعن بها في بعض أجزاءه التي لا تتسق مع صورة يسوع التي يتوهمها هو. يمكننا صياغة هذا الادعاء بصورة مختلفة لإظهار تناقضه الذاتي: الكتاب المقدس صحيح لأنه يحدثنا عن المسيح، وفي نفس الوقت الكتاب المقدس غير صحيح لأن هناك اجزاء فيه تتعارض مع صورة يسوع (التي يتوهمها صاحب الادعاء).

الخطأ الثاني هو أن قائل الادعاء هذا قدم نفسه كالسلطة العليا والمعصومة في تحديد ما هو صواب وما هو خطأ في الكتاب المقدس. بحيث أن كل ما يتعلق بيسوع صحيح وأي جزء آخر عكس الصورة التي يظنها هو عن يسوع يكون خطأ بالنسبة له. أي أنه، لم يضع نفسه كسلطة معصومة فوقنا فقط ، بل وضع نفسه كسلطة معصومة فوق الكتاب المقدس ذاته. نوع من مارسيونية القرن الثاني أو من النقد التاريخي للقرن السابع عشر. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هو الدليل الذي يمتلكه صاحب هذا الادعاء على عصمته حتى نصدقه؟

الخطأ الثالث هو أن صاحب هذا الادعاء أغفل أوضح وأهم ما في حياة المسيح؛ طاعته الكاملة والمطلقة للناموس (العهد القديم)، ومن ثم مصادقته عليه. فضلاً عن هذه المصادقة الضمنية، من خلال الطاعة الكاملة، هناك الكثير من أقوال المسيح التي تثبت مصادقته التامة على كل ما في العهد القديم. مثل أنه ما جاء لينقض الناموس بل ليكمله (مت ١٧:٥)، وأمره بطاعة الناموس (مت ٤:٨)، وأنه ينبغي أن تكمل الكتب (من ٢٦ : ٥٤)، وأن زوال السماء والأرض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس (لو ١٧:١٦)، وأنه لا يمكن أن يُنقض المكتوب (يو ٣٥:١٠). لاحظ أن هذه التصريحات كلها قيلت عن العهد القديم بصفة خاصة، إذ لم يكن العهد الجديد قد كُتب بعد. فضلاً عن الكثير جدًا من الأقوال الأخرى الصريحة والضمنية التي تثبت إيمان المسيح بسلطة ومن ثم عصمة المكتوب.

الخطأ الرابع هو الإفتراض بأن الصورة التي تقدمها الأناجيل عن يسوع تخلو من أية صرامة أو غضب أو دينونة. لكن يسوع نطق بالطوبي والويل. وتحدث عن الجحيم أكثر ما تحدث عن السماء. وعد المتعبين الذين يأتون إليه بالراحة وتوعد الأشرار بأنه سيقول لهم اذهبوا عن يا ملاعين. للمزيد أنظر مقال آخر بعنوان "يسوع الطوبى والويل".

وعليه، فهذا الادعاء الذي يضع المسيح في منافسة أو عداوة مع الكتاب المقدس، أو يدق إسفينًا بينه وبين العهد القديم، يفشل على كافة المستويات. لتناقضه الذاتي، ولتناقضه مع ما عمله وعلّم به المسيح نفسه بخصوص العهد القديم، ولافتراض صاحبه العصمة والسلطان في نفسه لتقرير ما هو صواب وما هو خطأ في الكتاب المقدس.

ملاحظة أخيرة. الذين يدعون بأن المسيح وضع نفسه في منافسة أو عداوة مع العهد القديم يستندون في ذلك على العظة على الجبل. لكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.

لم يكن المسيح يحاول في عظته على الحبل أن يضع نفسه في منافسة أو عداوة مع العهد القديم كما يُساء الفهم. ولم تكن عظته على الحبل سعيًا من طرفه لتصحيح العهد القديم كما يتوهم البعض. بل إن العكس صحيح تمامًا. وهو أن المسيح أراد أن يثبت ويؤكد على سلطة، ومن ثم عصمة، العهد القديم، في مقابلة سوء التفسير الذي مارسه يهود عصره للناموس، من خلال فضح تشويه اليهود للعهد القديم. كان المسيح يقصد بـ "سمعتم أنه قيل" التفسير الخاطىء للعهد القديم من طرف اليهود المعاصرون له. بينما قصد بعبارته "أما أنا فأقول" هو تقديم التفسير الصحيح، باعتباره صاحب الناموس ومعطيه، وباعتباره الرابي (المعلم اليهودي) الوحيد المعصوم. عندما اقتبس الرب يسوع المسيح من العهد القديم، في تجربة البرية، كان يبدأ اقتباسه بـ "مكتوب". تفسيرات البشر للمكتوب بالنسبة للمسيح كانت "سمعتم أنه قيل". بينما العهد القديم نفسه هو "المكتوب" ومن ثم السلطة الوحيدة المعصومة. إن يسوع تجربة البرية لا يمكن أن يكون في تضاد أو اختلاف مع يسوع العظة على الجبل. كلاهما مسيحًا واحدًا أراد أن يعظم الشريعة ويكرمها (إش ٢١:٤٢)، بتقديم التفسير الصحيح والواضح لها في عظة الجبل، وبطاعتها في تجربة البرية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس