الله مذكر أم مؤنث؟


يستغل الليبراليون بعض النصوص الكتابية، التي تشبّه نعمة الله من نحو شعبه بعناية الأم وحنوها، ليدفعوا بأجندتهم الليبرالية والنسوية.

لكن كل النصوص التي شبهت نعمة الله من نحو شعبه بعناية الأم استعملت أسلوب التشبيه "كإنسان تعزيه أمه هكذا أعزيكم أنا". في المقابلة مع ذلك، فإن الكتاب المقدس تحدث عن الله بصيغة المذكر.

وتشبيه حنو الله وعنايته على خاصته بحنو الأم على أولادها شىء طبيعي، بما أن الله هو خالق الأمومة والأنوثة. إلا أن خلق الله للأمومة والأنوثة لا يبرر عدم الحديث عنه بصيغة المذكر كما يعلم الكتاب المقدس. شتان الفرق بين أن يشبه الكتاب المقدس عناية الله بحنو الأم وبين أن يستعمل صيغة المؤنث للحديث عنه.

صحيح أن الله يسمو عن الذكورة والأنوثة، ويسمو عن كل ما هو بشري. لكن يظل أن الكتاب المقدس استعمل صيغة المذكر في الحديث عنه. وُصف بأنه رجل الحرب. ووُصفت علاقته العهدية (الروحية) مع إسرائيل بعلاقة العريس بالعروس. وعندما تجسد اتخذ جسد رجل وسيظل به للأبد. وعلاقته بالكنيسة علاقة العريس بالعروس. فضلاً عن وَصفه بأنه ملك وقاضي وسيد. كما أن وَصف العلاقة الأقنومية الأزلية الفريدة بين الأقنومي الأول والثاني هو: آب وابن. صحيح أنها ليست كالعلافة البشرية بين الأب والابن، مع ذلك فقد وُصفت العلاقة الأقنومية هكذا. والنصوص التي تتحدث عن أبوة الله أكثر بما لا يقاس من تلك النصوص التي تشبه عنايته بحنو الأم. لكن الليبراليون يستغلونها استغلالاً خاطئًا.

وينبغي ملاحظة أن لغة الكتاب المقدس في الحديث عن الله لغة قياسية analogical . أي للتعبير عن الحقائق الإلهية التي تسمو عن الإنسان بلغة يفهمها البشر. وهذا يعني أنه حدث نوع من الموائمة أو التهيئة أو التنازل لتوصيل حقائق إلهية أزلية وغير محدودة تسمو عن الزمان والمكان بلغة يستوعبها الإنسان المحدود. ولكن هذه الموائمة أو ذلك التنازل حدث دون الإخلال بجودة الإعلان الإلهي المكتوب.

الكتاب المقدس لم يتحدث عن الله بلغة المذكر لكونه كُتب في مجتمع ذكوري كما يدعي الليبراايون. فالثقافات القديمة كانت تعرف مفهوم الإلهة (مؤنث إله). بل إن بني إسرائيل أنفسهم عبدوا الإلهة عشتاروت طبقًا للعهد القديم. كما أن القول أن الكتاب المقدس اضطر للحديث عن الله بلغة المذكر بسبب الثقافة الذكورية لا يفسر لماذا تجسد الله في صورة رجل. ولا يفسر لماذا هو آب وابن في ثالوث منذ الأزل.

وهذا يقودنا إلى السؤال لماذا أصر الكتاب المقدس للحديث عن الله بلغة المذكر؟ تصوري هو أن الرب خلق الرجل ليكون قائدًا وليمثله كنائب. وبولس يؤسس الدور القيادي للرجل في كونه خُلق أولاً (١ تي ٢ : ١٣) وهذا الدور النيابي يفترض كونه حارسًا للجنة ولزوجته. الأمر الذي أخفق في فعله، فسمح للشيطان بالوجود في الجنة والحديث مع زوجته. لهذا ينسب الكتاب المقدس له مسؤولية السقوط بصفة رئيسية (رومية ٥). الكتاب المقدس، إذًا، بإستعمال صيغة المذكر عن الله يشير ضمنًا، إلى قوة الله وقيادته وحفظه وحمايته.

الأهم من كل ما سبق هو أن الله أعلن عن نفسه في المكتوب بصيغة المذكر. أن تنكر هذا هو أن تتحدى سلطان الله في الطريقة التي أعلن بها عن نفسه.

ختامًا، كتب أستاذ التحليل النفسي بول فيتز كتابًا عنوانه "سيكولوجية الإلحاد: إيمان من لا أب لهم". وفحوى الكتاب هو الرد على الإدعاء الإلحادي بأن فكرة الإله من اختراع الإنسان لسد حاجة سيكولوجية لديه مثل الخوف من الطبيعة ومن ثم الحاجة إلى حماية. لكن فيتز يستخدم ادعاء الملحدين ليفند به إلحادهم. يعرض فيتز لمجموعة من الملحدين المشاهير، رجال ونساء، ليفحص ماضيهم، فيجد أنهم ألحدوا بسبب وجود خلل في علاقة كل واحد بأبيه. ففي كل حالة كانت العلاقة مع الأب معيبة، بسبب كونه غائبًا، أو بسبب موته، أو هجره للأسرة، أو بسبب عدم أي فعالية له، أو بسبب تعسفه. هذه العلاقة المعيوبة مع الأب البشري انعكست في صورة كراهية لله. إن صحت نظرية فيتز، فإن هذا يخبرنا بشىء عن صورة الله الأبوية المغروسة في الإنسان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس