لا ... سلوكك ليس إنجيلاً خامسًا


فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبًّا، وَلَكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيدًا لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ.
(٢ كو ٤ : ٥)

فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلَا كَارِزٍ؟
(رو ١٠ : ١٤)


كثيرًا ما نسمع الادعاء بأن سلوكنا وحياتنا هما كرازة بالإنجيل. والبعض يتطرف في ذلك إلى حد القول بأن حياتنا هي إنجيلاً خامسًا. أو كما وردت على لسان أحدهم:

كارز إنجليزي قال إنه في خمس أناجيل ... متى، مرقس، لوقا، يوحنا وإنت!!
أغلب الناس مش بتقرا ال ٤ أناجيل المكتوبة ... لكن شايفين سلوكك ... شايفين حياتك.
الناس مش بتقرا الكتاب المقدس ومتعرفش مين متى ومرقس ولوقا ويوحنا لكن الناس بتقراك إنت!!
ترنيمة قديمة جداً بتقول (هل فيك يرون يسوع؟؟) ... كويس ان احنا بطلنا نقول الترنيمة دي في الكنيسة علشان نبطل نمتحن أنفسنا.
جمله مشهورة ... إن المؤمنين مش فارقين عن الناس كتير!!
هل فيك يرون يسوع؟؟


الكلمات الساقة بها أكثر من مشكلة لاهوتية. المشكلة الأولى متعلقة بالسوتيريولوجي (عقيدة الخلاص). وهي تكمن في تحويل رسالة الإنجيل من رسالة مسموعة (أو مقروءة) إلى شهادة سلوكية غير كلامية وليس بها أي محتوى معلوماتي. القول أن المسيحي هو الإنجيل الخامس يعني أنه يكرز بذاته. سلوكي أو سلوكك مهما كان عظيم ليس رسالة الإنجيل. الإنجيل هو "الخبر السار"، وهو "كلمة الحق". وموضوع الإنجيل هو يسوع وليس سلوكك البار الذي يجلب لك المجد.

تعلّمنا العقيدة الإنجيلية المصلحة بأن الإيمان لا يمكن أن يوجد بدون المعرفة العقلية عن المسيح. طبعًا الإيمان أكثر من مجرد المعرفة. فهو يشمل كل من المحتوى المعرفي (نوتيشيا)، وتصديق ذلك المحتوى المعرفي (أسينيوس)، ثم الثقة والإتكال القلبيين في فحوى تلك المعرفة، أي عمل النعمة (فيدوشيا).

إلا أن هذه الثقة لا يمكن أن توجد بمعزل عن المعرفة العقلية التي هي الخبر السار. المعرفة العقلية يمكن أن توجد بدون الثقة القلبية، لكن العكس غير صحيح، أي أن الثقة القلبية لا يمكن أن تتوافر بدون المعرفة العقلية. لأنه لابد من حد أدنى من المعرفة يتوافر عن الشخص موضوع الثقة، وإلا سنثق به بناء على ماذا؟ لهذا يقول بولس أنه لا يمكن أن يكون هناك إيمان بدون سماع رسالة الإنجيل.

فضلاً عن ذلك، لو كان مجرد السلوك الحسن هو الإنجيل، فسقراط والمهاتما غاندي، إذًا، يمكن اعتبارهما إنجيلاً خامسًا. بل وأي شخص ملحد ذو أخلاق حسنة يمكن أن يكون إنجيلاً خامسًا.

من ناحية أخرى لو كان سلوكي هو الإنجيل، أو كنت أنا إنجيلاً خامسًا، فهذا ليس بالخبر السار إطلاقًا، لكوني معرض للخطأ في كل لحظة. إنه إنجيل يمكن أن يفسد في أي وقت. وحينها سأجلب الدينونة وليس الخبر السار لمن يرونني. إن كان خلاص الآخرين متوقفًا على أمانتي أو قداستي فالدينونة ستكون نصيبهم.

إن البشيرون الأربعة أنفسهم لم يعتبروا ذواتهم إنحيلاً فكتبوا لنا عن الإنجيل الوحيد؛ تجسد وموت وقيامة الرب يسوع المسيح. إن هذا بمثابة إنجيل آخر أن نعتبر أنفسنا إنجيلاً خامسًا. إنه إنجيل الأعمال والأخلاقية Moralism وليس الإخبار المباشر بأن الله يبرر الفاجر على حساب عمل المسيح من أجله.

إن القول أن حياتنا هي الإنجيل الخامس، أو أن كل واحد فينا مسيح صغير، هو بمثابة إزاحة الطاعة الإيجابية للمسيح Active Obedience من المركز ووضع طاعتنا بدلاً منه. ليس فقط أن دينونة خطايانا حُسبت على المسيح في الصليب، بل إن طاعته للناموس طيلة حياته حُسبت لنا أيضًا. إن الإنجيل هو المسيح في حياته وموته وقيامته. أن تدعي إذًا أنك الإنجيل الخامس هو أن تقول أن سلوكك هو البشارة وليس سلوك المسيح النيابي. 

المشكلة الثانية متعلقة بالبيبليولوجي (عقيدة الكتاب المقدس). القول أن حياتنا أو سلوكنا هو إنجيلاً خامسًا من شأنه أن يضع السلوك، الذي يخلو من أي محتوى معرفي عن المسيح، على قدم المساواة مع الإعلان المكتوب. لكن العقيدة المصلحة تعلمنا بما يُعرف بـ "كفاية الكتب المقدسة". الإعلان اكتمل عندما كتب آخر واحد من الرسل آخر كلمة في العهد الجديد، والذي يرجح أنه سفر الرؤيا ليوحنا الرسول. أن تقول أن حياتك هي إنجيلاً خامسًا يوحي بأنها على قدم المساواة مع الإعلان المكتوب. وفي الحقيقة، وإن كان هناك أربعة أناجيل، إلا أنهم إنجيل واحد بصفة جوهرية ولكن من أربعة زوايا مختلفة. حتى أن بولس نفسه يصف الإنحراف عن هذا الإنجيل بإعتباره إنجيل آخر، ويسوع آخر، وروح آخر (٢ كو ١١ : ٤).

المشكلة الأخيرة ربما مشكلة لاهوتية. إن مثل هذا الكلام يحمل رسالة ضمنية مفادها أن العقيدة غير هامة. وأننا لسنا في حاجة للصدام مع الآخرين بإخبارهم أنهم خطاة تحت دينونة الله وعاجزون عن تخليص أنفسهم. أو أن الحديث مع الآخرين سيدخلنا في جدالات أخرى حول عصمة الكتاب والخلق والتطور وطبيعة كفارة المسيح لهذا فإن القول بأن حياتنا هي الإنجيل الخامس يتجنب الدخول في هذا المنعطف بالتخلص تمامًا من الإلتزام بضرورة الكرازة الكلامية. إن مثل هذا الإدعاء تفوح منه رائحة ما بعد الحداثة، بأن الحق نسبي، وأن المهم هو العلاقات والمحبة وقبول الآخرين.

بقيت ملاحظة أخيره وهي أنه ليس الغرض من هذه الإعتراضات التي أبديها هنا هو التهميش أو الإقلال من ضرورة السلوك المقدس، إطلاقًا، ولكن التأكيد على أنه لا يمكن الإستغناء عن الكرازة المسموعة برسالة الإنجيل. السلوك المقدس يدعم كرازتنا بالإنجيل كدعامة ثانوية. أو قل أنه يمكن أن يكون مدخل كرازي. لكن حاشا له أن يثنينا أو يغنينا عن الكرازة بالمسيح نفسه. وإن لم يكن هناك من لم يقرأ الأناجيل الأربعة، وهم كثيرون، فهذا ليس مدعاة بأن نكتفي بشهادتنا السلوكية. بل بالحري، فلنقرأ لهم نحن الأناجيل، أو نقدم لهم رسالة الإنجيل البسيطة. لكن أن نحول رسالة الإنجيل من الخبر السار عن شخص وعمل المسيح إلى أعمالنا الحسنة هو أن نكرز بأنفسنا ومن ثم نحرم الآخرين من سماع الإنجيل الحقيقي.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس