ما المشكلة في تعريف الخطية على أنها أنانية؟


يوجد الكثيرون اليوم على الساحة اللاهوتية يعرّفون الخطية على أنها أنانية، مثل ماهر صموئيل وأوسم وصفي وسامي عياد. لكن لا ينبغي أن يمر علينا هذا التعريف مرور الكرام. فهو ادعاءً خطيرًا يقوم بإعادة تعريف كل مفهوم آخر مرتبط بالخطية ولا سيما كفارة المسيح والخلاص والدينونة.

في مقال بعنوان "أصل الحكاية" (١) يقدم ماهر صموئيل تشخيصًا سيكولوجيًا لفساد الإنسان فيصفه بمصطلحات سيكولوجية مثل "الأنا"، و"أنانيون"، و"لقد ولدنا من بطون أمهاتنا أنانيون". وهو لا يعتقد أن الأنانية مجرد بُعد ثانوي من أبعاد الخطية كما يؤمن أي مسيحي كتابي، بل يرى تطابقًا بين الأنانية والخطية. أو طبقًا لكلماته هو: "الأنانية ليست مجرد خطية، بل الخطية نفسها". إن الخطية طبقًا له هي "الدوران المستمر حول الذات من المهد إلى اللحد". ثم يقول أيضًا في خاتمة مقاله أن "هذا هو أصل الحكاية، حكاية الأنانية؛ فهل من علاج؟ ... هذا هو غرض مجيئه الأول أن يبطل الخطية بذبيحة نفسه، يوقف نشاط هذا السرطان".

وعلى موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، يعرّف أوسم وصفي في مقال له (٢) الخطية على أنها أنانية: "الخطية الأصلية التي هي الميل للسيطرة والانحصار في النفس، عندما يشعر الإنسان بالخوف أو الخزي". قال أيضًا في مناسبة أخرى، مقتبسًا سي إس لويس بتصرف: "السمة الاساسية لأهل الجحيم هو انشغالهم المبالغ فيه بأنفسهم ... والسمة الأساسية لأهل السماء ... هو أنهم نسوا أنفسهم تمامًا و لاينشغلون إلا بالله والحياة معه ... واكتشاف خليقته الروحية اللامتناهية". قال أيضًا في منشور آخر عبارات مثل: "والموتُ هُنا موتٌ روحيّ، أيّ الانحصار في النفس والتَوَقُّفِ عَن القيامِ بالدَور الملوكيّ الكَهَنوتِيّ المَنوطُ بالإنسان ... حُرّيَّةُ الإنسانِ أغوَتهُ أن يَستَخدِمَ مَا أعطاهُ اللهُ لهُ ’’بالوكالة‘‘ (أو الخلافة) ليَتَصَرَّفَ كَما لَو كان هُوَ المالِكُ، أي الخَالِق، فَبَدَأ الإنسانُ يعبُدُ نفسَهُ، و يُقدِّسُ ما حَولَهُ من مَخلوقات ... فهو في واقع الأمر لا يعبُدُ إلّا نَفسه، وهذا انحصارٌ في النفسِ مَيِّتٌ ومُميتٌ".

وفي فيديو للقس سامي عياد (٣) بعنوان "سمات الإنسان المنحصر في ذاته" جاء على قناة سات ٧ يقول: "ملكوت الذات ... اتحولت طبيعة هذا الإنسان من الحب، من إنه قادر يطلع بره نفسه لآخرين، لـ إنه يصبح إنسان أناني. اتحولت طبيعته من عطاء النفس للإنحصار في الذات. اتحولت طبيعته من عبادة الله القدوس صاحب السلطان مصدر الحياة، لـ إنه يبقى بيعبد ذاته ... إنسان ملكوت الذات ... اللي جوة ملكوت نفسه، اللي منحصر في ذاته".

طبعاً لا ينبغي أن يخفى علينا أن الفكر الذي يقدمه ماهر صموئيل وأوسم وصفي هو فكر واحد، ألا وهو توصيف الخطية توصيفات سيكولوجية، باعتبارهما طبيبان نفسيان. والمنهج أيضًا واحد، وهو إعلاء (أشباه) العلوم النفسية فوق الحق الكتابي كسلطة تفسيرية له.

يظل الأخطر في الموضوع طبعًا هو إعادة تعريف الخطية سيكولوجيًا ليتم من خلال ذلك إعادة تعريف الخلاص. فإن كانت مشكلة الإنسان بصفة جوهرية هي الأنانية (وليس التعدي على ناموس الله القدوس والتقصير في بلوغ البر الذي يمجد الله)، إذًا، فالخلاص الذي يقدمه المسيح (كفارته) هو نموذج للتضحية أكثر من كونه بدلية عقابية، أو في أفضل حلاته علاجًا لتلك الأنانية. وهذا منظور لاهوتي متمركز حول الإنسان تمامًا man-centered ، وليس منظور لاهوتي متمركز حول الله يرى الأمور من فوق Theology from above .

لكن، ما المشكلة بالضبط في تعريف الخطية على أنها "أنانية"؟ كيف لنا أن نضع إصبعنا بالضبط على الخطأ هنا؟

كثيرًا ما نسمع الخطية تُعَرَّفُ من حولنا على أنها "أنانية" أو "دوران حول الذات" أو "الإنحصار في النفس". وعلى قدر جاذبية هذا التعريف، على قدر بعده عن الحق الكتابي. ورغم أن هذا التعريف ينجح في جعل مشكلة الخطية داخل الإنسان، وليس كالتعريفات الأخرى التي تحيل مشكلة الخطية إلى خارجه كأن السبب فيها هو المجتمع أو الوقوع كضحية لإساءة المعاملة، إلا أنه يفشل في النظر إلى الخطية من منظور إلهي.

صحيح أن الخطية من منظور ما يمكن أن تُرى على أنها مركزية حول الذات أو أنانية. إلا أن هذا جانب ثانوي للخطية. ولا يمكن أن يكون التعريف الرئيسي لها. أن يكون هذا هو المفهوم الرئيسي للخطية هو أن نغفل الله نفسه من المعادلة. أو بكلمات أخرى، إن إغفال الله، ومجده، وناموسه، من تعريف الخطية هو إسقاط لله من حساباتنا اللاهوتية. فالخطية قبل أن تكون أنانية، هي شىء متعلق بالله بصفة جوهرية.

هذا المفهوم ينبع من منظور لاهوتي متمركز حول الإنسان. بمعنى أنه يعرّف خطية الإنسان بالإشارة إلى الإنسان نفسه. وليس بالإشارة إلى ناموس الله أو إرادته. على سبيل المثال، يقول التعليم المصلح، والذي ليس سوى تلخيصًا وتنظيمًا للحق الكتابي، أن الخطية إما أن تكون تعدي commission أو تقصير omission . الأولى هي أن يتعدى الإنسان على نهي من مناهي الرب (١ يو ٣ : ٤). والثانية هي ألا يبلغ الإنسان مستوى البر المطلوب منه بواسطة الله، بالفكر والقول والفعل (رو ٣ : ٢٣). وتعريف الخطية على أنها تعدٍ وتقصير ينبع من منظور متمركز حول الله وناموسه. أي بالإشارة إلى الناموس الإلهي أو الطبيعة الإلهية. هي تعدٍ على الوصية، وهي تقصيرًا في طاعة الوصية التي تحقق مجد الله. وسواء الخطية تعدٍ أو تقصيرًا، فهي عصيانًا للناموس في كلتا الحالتين.

النظر إلى الخطية على أنها "أنانية" أيضًا يغفل الغرض الجوهري من وجود الإنسان كخليقة الله، والذي هو تمجيد الله. وهذا أمر ليس فقط متعلق بالطاعة الخارجية للوصية، بل بتوجه القلب. أي ليس فقط علينا ألا نتعدى على الناموس، وليس فقط علينا ألا نُقَصِّرُ في فعل البر، بل علينا أن نفعل كل هذا بدوافع متمركزة حول مجد الله. يقول دليل أسئلة وأجوبة ويستمنستر المختصر:

س: ما هي غاية الإنسان العظمى؟
ج: أن يمجد الله ويتمتع به للأبد.

في ضوء هذا، تصبح الخطية هي كل ما لا يُعمل لمجد الله، حتى لو لم تكن الأفعال التي نفعلها متسمة بالأنانية. بمعنى أنني يمكن الموت من أجل أنبل القضايا الإنسانية. ويمكن أن أضحى بأموالي وراحتي لخدمة الآخرين. وعلى قدر عظمة هذا الأمور في حد ذاتها، إلا أنها تصبح فشلاً ذريعًا، بمقياس الله، إن لم تكن مدفوعة بمجد الله. لا يكفي أن أفعل البر فقط، بل لابد أن أفعله بالدافع الصحيح، والذي هو ليس شيئًا آخر سوى مجد الله. بل إن البر لا يكتمل إلا بالتوجه القلبي السليم. ففي نهاية المطاف، أستطيع أن أتوقف (فرضًا) عن أنانيتي فقط لكي أرضى ذاتي، أو لأكون بارًا في عيني نفسي، أو لكي أشعر أني أفضل منهم جميعًا، أو لتحقيق نشوة نفسية معينة.

فضلاً عن كل ما سبق، فما أعتبره أنا أنانية، قد لا يعتبره الآخرون كذلك. القول أن الخطية هي الأنانية يخلو من الكثير من الموضوعية. أين إذًا المعيار الموضوعي الذي يحدد كون أمر ما أنانيًا أم لا؟ كما أن تعريف الخطية على أنها أنانية، لا يعني ببساطة سوى محاولة إختزال الخطية في عدم إرضاء الآخرين، أو عدم تفضيلهم على أنفسا. وبالتالي يكون البر هو إرضائهم أو تحقيق مطالبهم أو العمل على سعادتهم. ويصير الجحيم ليس عقاب الله لنا على خطايانا، بل ما نصنعه نحن لأنفسنا أو ما نحصده نتيجة الأنانية. وصليب المسيح يصبح مجرد نموذج للتضحية أو إيثار للغير، أو في أفضل حالاته علاجًا لتلك الأنانية. لكن، ماذا لو كان إرضاء الآخرين أمر ضد مشيئة الله؟ فما أكثر ما كانت الجموع ضد الله ومسيحيه (مز ٢ : ١)! ثم ماذا لو كانت رغبات المحيطين بي متضاربة مع بعضها؟ إن تعريف الخطية على أنها أنانية هو منحدر لاهوتي خطير.

الخلاصة إذًا، أن تعريف الخطية على أنها أنانية، يفشل عند فحصه في ضوء التعريف نفسه. فأن تقوم بإعادة تعريف الخطية على أنها أنانية هو أن تقوم بإعادة تعريف النظام اللاهوتي المسيحي بأكمله. والأخطر من ذلك هو أنه يفشل في الأخذ في الاعتبار كل من ناموس الله كمعيار للصواب والخطأ، ومجد الله كمعيار لدوافع القلب. الأكثر كتابية هو أن نقول أن الخطية هي التمرد على مجد الله المُعْلَن في ناموسه بغرض التمركز حول الذات. أو أن الخطية هي التقصير في محبة الله من كل القلب والفكر والإرادة ومحبة النفس بدلاً منه. المهم أن يكون الله وناموسه في مركز التعريف. 
حينها فقط يكون التعريف من فوق، أي من منظور الله، وليس من أسفل، أي بالإشارة إلى أنفسنا كبشر ساقطون. الأنثروبولجي (خطية الإنسان) لابد أن يكون مؤسسًا على الثيولوجي بروبر (طبيعة الله، مجده وناموسه). وناموس الله ومجده هو العنصر المركزي والخطير الذي ينبغي أن يشمل عليه أي تعريف للخطية.

إن وضع ناموس الله في مركز تعريف الخطية يجعل تعريف الخلاص أيضًا متمركزًا حول الناموس. فبما أن الخطية هي التقصير في طاعة ناموس الله والتعدي عليه، إذًا فالخلاص هو في طاعة المسيح للناموس من أجلنا (الطاعة الإيجابية)، وفي أن يتحمل عنا دينونة الناموس بسبب تقصيراتنا وتعدايتنا (الطاعة التسليمية). في المقابلة مع ذلك، فإن تعريف الخطية على أنها أنانية، بدون الإشارة إلى ناموس الله، يعني أنها تحتاج إلى العلاج أكثر مما تحتاج إلى الكفارة. 

ثمة ملاحظة أخيرة. عند سماعنا أو قراءتنا لأي تعريف للخطية، علينا أن نمتحنه على الأقل في ضوء معياران. الأول هو مصدر الخطية. هل هذا التعريف يقدم الخطية على أنها شىء ينبع من الفساد الداخلي، أم تأثير خارجي يأتينا من المجتمع، أم بسبب حادثة تعرضنا لها كضحايا (كأنها عقدة نفسية من الطفولة مثلاً)؟ كل اختيار من هذه الاختيارات يفترض شىء حول مصدر الخطية. وأي مفهوم يحيل سبب الخطية إلى شىء آخر غير الفساد الإنساني الداخلي الموروث هو تعليم غير كتابي وعلى عكس ما يعلم به الكتاب أنه من القلب تولد الشرور. المعيار الثاني هو هل تعريف الخطية ذلك الذي سمعناه يأخذ في الاعتبار ناموس الله ومجده، أم يجعل الخطية شىء شخصي مثل الأنانية وعدم محبة الآخرين؟ الكتاب المقدس يعلم بصورة جوهرية أن الخطية في حق الآخرين هي خطية في حق الله بصورة جوهرية. هَرَبَ يوسف من امرأة فوطيفار لأنه رأى الخطية موجهة إلى الله قبل أن تكون موجهة إليها أو إلى زوجها (تك ٣٩ : ٩). وداود رأى نفس الشىء (مز ٥١ : ٤). وعليه فالخطية تنبع من الفساد الداخلي الموروث وتكون موجهة ضد الله في الأساس قبل أن تكون إساءة إلى أنفسنا أو الآخرين أو حتى الطبيعة.

وليس هناك أفضل من كلمات ميرل أنجر لكي نختم بها:

"إن الفكرة الأساسية للخطية هي (وجود) ناموس ومعطي للناموس. إن معطي الناموس هو الله. ومن ثم فإن الخطية هي كل شيء، في ميل وغرض وسلوك مخلوقات الله الأخلاقية، يتعارض مع إرادة الله المُعْلَنَة (رومية ٣ : ٢٠ ، ٤ : ١٥ ، ٧ : ٧ ، يع ٤ : ١٢ ، ١٧). يكمن شر الخطية في أنها (موجهة) ضد الله، حتى عندما نخطئ نحن للآخرين أو لأنفسنا (تك ٣٩ : ٩ ، مز ٥١ : ٤)إن كينونة الله وناموسه متناغمان تمامًا، لأن الله محبة. كذلك، فإن مجموع الوصايا كلها هي المحبة. الخطية في طبيعتها هي التمركز حول الذات والأنانية. يتم وضع الذات في مكان الله (رو ١٥ : ٣ ؛ ١ كو ١٣ : ٥ ، ٢ تي ٣ : ٢ ، ٤ ، ٢ تس ٢ : ٣ - ٤). الأنانية ... هي أساس كل عصيان، وتصبح عداوة لله عندما تتعارض مع ناموسه. لذلك فإن كل الخطايا لها طابع إيجابي، والفرق بين خطايا التعدي وخطايا التقصير هو (تمييز) ظاهري فقط. في كلتا الحالتين الخطية هي عصيان حقيقي (راجع متى ٢٣ : ٢٣)". (ميرل ف. أنجر)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس