الولادة الأزلية للابن

عقيدة قويمة مهملة، لكنها في منتهى الأهمية فيما يتعلق بمساواة الابن للآب من حيث الأزلية والألوهية ووحدة الجوهر، وهي عقيدة ‏‏"الولادة الأزلية للابن".‏

أهمية هذه العقيدة تكمن في أنها تحفظ وحدانية الجوهر، وفي نفس الوقت التميز الأقنومي. لماذا الابن والآب متمايزان، وفي نفس الوقت ‏واحد في الجوهر؟ الإجابة هي "الولادة الأزلية". لأن الابن مولود "أزليًا من نفس جوهر الآب" فهو واحد معه. كما أن هذه الولادة نفسها ‏هي التي تجعلهما متمايزان عن بعضهما. فلو لم يكن هناك ولادة أزلية، ما كان هناك هذا التمايز والتنوع الأقنومي.‏

للأسف مفهوم الولادة الأزلية للابن، بسبب اساءة فهمه، وبسبب طغيان النظرة الاجتماعية للثالوث ‏Social Trinity‏ لدى الكثير من ‏اللاهوتيين المعاصرين (وهي نظرة غير صحيحة)، أدت إلى اهمال هذه العقيدة. في نظري، أحد أهم الأسباب في ضعف عقيدة ‏الثالوث في البروتستانتية المعاصرة، هو عدم تقدير الحق المتعلق بالولادة الأزلية.‏

لكن الولادة الأزلية للابن، لا يُقصد بها أبدًا ولادة إنسان لأبيه جسديًا. فبينما الولادة البشرية الجسدية تعني أن أي ابن يولد لأبيه البشري هو:

مخلوق
مُبْدَء
منفصل (جسديًا)
متغير (ينمو)
خاضع

إلا أن ولادة أقنوم الابن من أقنوم الآب لا تخضع لهذه الأمور. فأقنوم الابن:‏

غير مخلوق (بل الخالق)
غير مُبْدَء (بل أزلي)
غير منفصل (بل واحد من حيث الألوهة والجوهر)
غير متغير (لا ينمو نظرًا لكماله المطلق)
غير خاضع (بل مساوٍ للآب من حيث الألوهية)‏

لعل وجه الشبه الوحيد بين ولادة أقنوم الابن من الآب، وبين الولادة البشرية، هو أن الأب البشري يلد ابنًا من نفسه جوهره. له ذات بشريته. الولادة الأزلية تعني أيضًا أن الابن من نفس جوهر الآب.

الآب آب، والابن ابن، كما يعلمنا الكتاب المقدس، بسبب هذه الولادة الأزلية. لم يكن هناك نقطة في الأزل السحيق لم يكن فيها الآب ‏آب، ولم يكن فيها الابن ابن. ولم يكن هناك نقطة كان فيها الآب من دون الابن. ‏

لهذا يقول قانون الإيمان "مولود غير مخلوق". وهذا غير مقصود به ولادة المسيح جسديًا من العذراء. ذلك لأنه في نفس السياق يؤكد ‏قانون الإيمان أن هذه الولادة متعلقة باللاهوت: "ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، الله من الله، نور من نور، الله حق من ‏الله حق، مولود غير مخلوق".‏

يقول اللاهوتي والمفسر العملاق جون جيل:‏

"أكد كل الكُتَّاب، ذوي الإيمان السليم والقويم، بالإجماع، (عقيدة) الولادة الأزلية وبنوة المسيح، في جميع العصور". أي طبقًا لـ جيل لم ‏يكن هناك وقت في تاريخ الكنيسة لم يؤكد فيه اللاهوتيون قويمو الإيمان هذه العقيدة. بل كما يقول ماثيو باريت أن هذه العقيدة لم تُهمل ‏إلا مؤخرًا بسبب طغيان مفاهيم غير كتابية (ليبرالية) على عقيدة الثالوث. ‏

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس