الصورة الكتابية لغضب الله

المتابع لما يُطرح على الساحة اللاهوتية يستطيع أن يرصد الكثير من التعاليم غير الكتابية عن موضوع غضب الله. ويوجد سمتان مشتركتان لتلك التعاليم؛ فضلاً عن كونها غير كتابية، فمعظمها لا تنكر أن الله يغضب. بل تقوم بإعادة تعريف ما هو غضب الله. إن الهجوم على الحق الكتابي كثيرًا ما يكون بإعادة تعريفه وليس بمجرد إنكاره المباشر. لكن، أن تعيد تعريف غضب الله هو أن تعيد تعريف المفاهيم اللاهوتية المتربطة به، ولا سيما عدل الله والكفارة ومن ثم الجحيم. إن ما تقوله عن غضب الله سيشكل ما تقوله عن العقائد الكتابية الأخرى. لهذا، فإن التأكيد على ما يقوله الكتاب المقدس عن موضوع غضب الله لهو أمر في غاية الخطورة.

محاولات إعادة تعريف غضب الله

إن هناك من ينفون الغضب عن شخص الله من الأساس. فبعد أن يُعَرِّف عدنان طرابلسي نظرية أنسلم للاسترضاء، ويقصد بذلك البدلية العقابية، يقول أن بها ثلاث مشاكل. والمشكلة الأولى، طبقًا له، هي "إنها مبنية على أن الله ذو خصائص بشرية: فهو يغضب، ويحقد، ويثأر، ويُهان، وتُجرح كرامته، إلخ. لكن الله لا يتغير. نظرية التكفير هذه تعني أن الله يتغير، وأن هذا التغيير سببته أعمال الإنسان! هذا مرفوض في الأرثوذكسية". [1] إن طرابلسي هنا فضلاً عن كونه يُشَوِّه ويُحَرِّف صورة غضب الله في الكتاب المقدس، فهو ينفيه لأنه يعني حدوث التغيير في الله، وأن الله بذلك يصبح ذو خصائص بشرية. (أنظر مقال: تفنيد عدنان طرابلسي حول الكفارة العقابية) 

على أننا نجد أن المعالجات غير الكتابية لموضوع غضب الله تميل إلى إعادة تعريفه أكثر من مجرد نفيه المباشر مثلما فعل طرابلسي. ونستطيع أن نرصد على الأقل منهجين مختلفين لإعادة تعريف غضب الله. على سبيل المثال، في سياق حديث الدكتور ماهر صموئيل عن مخافة الله قام بتعريف غضب الله من منظور علاجي: "غضب الله هو غضب الله. غضب الله مش واحد اِتْهَيِّجْ. غضب الله هو إصرار الله الذي لا يلين على إزالة الشر من الواقع ... موقف ثابت تجاه الخطأ. مش إنه واحد إِتْعَصَّب. عشان كده بقول غضب الله هو غضب الله، ماتشبهوش بغضبي وغضبك. نفس الكلام خوف الله هو خوف الله، ماتشبهوش أبدًا بالخوف من النار ... ". [2]

صحيح أن غضب الله ليس كغضب الإنسان، وأنه موقف ثابت تجاه الخطأ، إلا أن غضب الله لا يعني أنه "إصراره الذي لا يلين على إزالة الشر من الواقع". وكأنه مجرد رغبة في التصحيح، أو العلاج، نابعة من شفقته على الإنسان. إن غضب الله بهذا المعنى يصبح نوع من الشفقة أكثر من كونه نقمة للعدل كما يعلمنا الكتاب المقدس. لكن، لاحظ أيضًا كيف أن إعادة تعريف غضب الله اضطر ماهر صموئيل إلى ضبط مفاهيم لاهوتية أخرى لكي تكون متسقة مع تعريفه للغضب: "نفس الكلام، خوف الله هو خوف الله، ماتشبهوش أبدًا بالخوف من النار". لم يوضح ماهر صموئيل ما إذا كان يتحدث عن المؤمن الحقيقي أم الخاطيء. إن المؤمن يخاف الله كأب. يخاف تأديبه وليس دينونته. يخاف أن يحزنه أو يطفيء روحه. إلا أنه على الخاطيء أن يخاف دينونة الله. فهذا ما يتوقعه يسوع منه "بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (مت ١٠ : ٢٨، مر ٩ : ٤٣ – ٤٨).

لكن ما يهمنا هنا هو إبراز المنهج العلاجي في تعرف ماهر صموئيل للغضب "فهو إصرار الله الذي لا يلين على إزالة الشر من الواقع". إن غضب الله هنا هو فعل أكثر من كونه توجه لدى الله. كما أنه علاجي أو تصحيحي وليس نوع من النقمة المؤسسة على إجراء العدالة. فضلاً عن ذلك هو غضب متمركز حول الإنسان والخليقة وليس حول الله، فهو ليس إكرامًا لقداسة الله وناموسه بل لتصحيح وضع معين. إن تعريف ماهر صموئيل لغضب الله على أنه إصرار على إزالة الشر من الواقع جاء بالاتساق مع منهجه العلاجي في رؤيته للخطية والدينونة والخلاص. فقد ذكر في مقال على موقعه (بعنوان أصل الحكاية) بأن الخطية هي التمركز حول الذات، وأن الجحيم هو نوع من الحجر الصحى للبشر المرضى بمرض التمركز حول الذات. [3] وهذه كلها مفاهيم علاجية لطبيعة الله والخلاص.

بالاتساق مع ذلك، يقول الأخ وسيم صبري، وهو تلميذ الدكتور ماهر صموئيل، وأحد أعضاء كريدولوجوس:

"الفيلسوف المسيحي كيفين كينجهورن، في كتابه ماذا عن غضب الله بيفرق بين غضب ربنا كشعور، وغضب ربنا كفعل. الغضب كشعور الله هو زي ما قال أحد اللاهوتيين قلب الله المجروح. أما الغضب كفعل الله هو دور الله كقاضي. الغضب كشعور الله مش هو الدافع للغضب كفعل الله. الله بيشعر بالغضب لما بيشوف الشر والظلم بيحصلوا قدامه. لكن لما الغضب بيكون وصف لأفعال الله هو بيكون وصف لتدخل عشان يواجه الشرير بشرة، وعشان يعلن إن اللي بيحصل ده شر وإن الشرير لابد إنه يتحاسب ... غضب الله كشعور بيعبر عن محبة الله لينا وبالتالي كرهه للشر ... الله بيغضب وبيقضي لأنه بيحب الإنسان ... قضاء الله كمان هو واحد من الطرق مش الطريقة الوحيدة اللي بيستخدمها الله عشان يقود الشرير لوعي حقيقي بشره، وبالتالي، يديله فرصة للتوبة ... العدل في الكتاب المقدس إن يكون الوضع كما يجب أن يكون عليه، وكمان معناه تصحيح الوضع، عندما لا يكون كما يجب أن يكون عليه ... ". [4]

لا أستطيع أن أقوم بتفنيد كل هذا الكلام هنا، فقد فعلت ذلك في مقال آخر مستقل بعنوان: "هل غضب الله هو قلب الله المجروح كما يدعي الأخ وسيم صبري؟". لكن أريد فقط لفت النظر إلى المنهج العلاجي في تعريف غضب الله والذي يتضح في عبارات مثل "الغضب كشعور هو قلب الله المجروح ... غضب الله وصف لتدخل الله عشان يواجه الشرير بشره". والأخ وسيم يضيف إلى المنهج العلاجي وظيفة تنويرية. فليس فقط أن الله يمارس العدل لتصحيح الوضع، بل أيضًا يغضب لإظهار كراهيته للشر ومحبته للإنسان. ناهيك عن تمزيق شعور غضب الله عن الأفعال الناتجة عن هذا الشعور. لاحظ أيضًا كيف أن إعادة تعريف غضب الله أدى إلى إعادة تعريف مفاهيم أخرى مرتبطة به مثل قضاء الله وعدله.

إلا أن المنهج العلاجي أو الإصلاحي ليس هو الطريقة الوحيدة في إعادة تعريف غضب الله. يقول سي إتش دود في تفسيره لرسالة رومية أن غضب الله "ليس لوصف موقف الله تجاه الإنسان، ولكن لوصف عملية حتمية للسبب والنتيجة في عالم أخلاقي". وهنا ينفي دود عن الله أي غضب شعوري أو شخصي، بل إن غضب الله مجرد شيء ميكانيكي، أو تلقائي، يعمل بآلية السبب والنتيجة مثلما تعمل قوانين الفيزياء. ومنهج دود يختلف عن منهج ماهر صموئيل في كون الأخير شخصي علاجي بينما الأول لاشخصي ميكانيكي يُخرج الله من الصورة. وكأن الطبيعة هي التي تغضب على الإنسان وتعاقبه.

لماذا إعادة تعريف غضب الله؟

أنا مقتنع بأن محاولات إعادة تعريف غضب الله نابعة من الرغبة في رسم صورة لله أقل تهديدًا لكبرياء الإنسان. فإن كان غضب الله غضبًا علاجيًا، أي للإصلاح والتهذيب والشفاء، أو إن كان شيئًا ميكانيكيًا يحدث في الطبيعة بمعزل عن الله، إذًا، فالله هو ذلك الشخص الحَبّوب اللطيف، وليس شخصًا غضوبًا يرسل إلى الجحيم كما يصوره بعض المتعصبون الأصوليون. إن تمويه اللاهوت المسيحي هكذا بإعادة تعريفه يرسم صورة لله أكثر جاذبية للإنسان الطبيعي وأقل تهديدًا لكبرياءه، ويجنبنا مشقة الدفاع عن إله يغضب ويرسل للجحيم، ومن ثم يمنحنا قبولاً لأنفسنا كما هي وقبولاً لدى الآخرين.

التخفيف من غضب الله مؤسس على نظرة دونية لقداسة الله

إن إعادة تعريف غضب الله بالتخفيف من وطأته، أيًا كان المنهج المتبع، ينم عن نظرة متدنية للخطية، ومن ثم لقداسة الله. كلما كان الله أقل قداسة، كلما كان أكثر تصالحًا مع الشر. طبقًا للمنهج العلاجي (لماهر صموئيل) فإن الخطية لا تضير الله شخصيًا بل لأجل تأثيرها على الإنسان والخليقة. بكلمات أخرى، إن الله يغضب لا لأن الشر منافٍ لطبيعته، بل لأن له تأثيرًا ضارًا على الإنسان. المنهج الميكانيكي بدوره (لـ سي إتش دود) ينأى بشخص الله عن الغضب المباشر، فينسبه إلى آلية (سبب ونتيجة) في الطبيعة تعمل بمعزل عن الله. فالطبيعة تبدو وكأنها تبالي بالشر أكثر من الله نفسه. أما نفي الغضب عن شخص الله من الأساس (طرابلسي) فهو يجرد الله من أي صلاح فيه يمكن أن يسر بالبر ويغضب من الخطية. وهكذا، ففي صميم المناهج غير الكتابية التي تعيد تعريف غضب الله بالتخفيف من ثقله وخطورته نظرة مخففة لقداسة الله التي تكره الخطية بشدة وتعافها وتنفر منها وتعاقب عليها.

كيف يختلف غضب الله عن كل من غضب الإنسان والآلهة الوثنية؟ ما ليس غضب الله

قبل أن نوضح ما هو غضب الله طبقًا لما يعلِّمه الكتاب المقدس، علينا أن نزيل من الأذهان الصور المغلوطة عن غضب الله والتي تجعل البعض يعيدون تعريفه. أي، فضلاً عن الدوافع المذكورة سابقًا، والتي تدفع البعض لإعادة تعريف غضب الله، فإن هناك أشياء أخرى أيضًا تسهم في رفض الصورة الكتابية لغضب الله.

يجد الكثيرون صعوبة في قبول تعليم غضب الله في الكتاب المقدس، لأنهم يفترضون إما الصور التي ترسمها الخرافات الوثنية القديمة عن غضب الآلهة متقلبة الأمزجة، أو إما أنهم يقيسون الله على الإنسان. بالنسبة للأمر الأول، أي إقحام الصور التي ترسمها الخرافات الوثنية على إله الكتاب المقدس، يقول الباحث العلماني خالد الحسان:

"على عكس الديانات التوحيدية الرئيسية، لم يكن لدى قدماء الإغريق إله معصوم متأهب لفعل الصلاح دائمًا – حتى لو كانت العقول البشرية غير قادرة أحيانًا على فهم ذلك الخير في بعض الأحيان. كانت الآلهة اليونانية غير معصومة إلى حد كبير، وعادة لم يكن على البشر سوى أن يتحملوا قراراتهم الإلهية، سواء كانت عادلة أو غير عادلة – وقد صوّر قدماء الإغريق بشكل متكرر آلهتهم يتصرفون بغير عدل. غالبًا ما كانت الآلهة الإغريقية تُصوَّر على أنها متنمرة سادية، يتحينون الأعذار، لإلحاق الأذى بالأقل قوة، ويتلذذون بفعل ذلك. وبأقل إثارة، قد تستشيط الآلهة الأوليمبية في غضبًا إلهيًا ..". [5]

وإن لم يكن هذا هو السبب الذي يجعل البعض ينكرون غضب الله المقدس، والذي يؤكده كل من طبيعة الله وأحداث التاريخ الفدائي والإنذارات الكتابية، فالبعض الآخر يتصور أن الله يغضب كما يغضب الإنسان. فالإنسان تجتاحه ثورات الغضب العارمة للدرجة التي يفقد فيها السيطرة على نفسه، فيقتل ويحرق ويسلب وينتقم ويغتصب ويضمر الضغينة لسنين، مدمرًا نظيره الإنسان، بل ونفسه أيضًا. إننا نغضب من أجل كبرياءنا ومصالحنا وراحتنا ومكاسبنا ومطامعنا الشريرة وقناعاتنا المتحيزة. وقلما تغضبنا الخطية. وإن أغضبتنا في بعض الأحيان قد لا تغضبنا في أحيان كثيرة. ونبالغ في غضبنا كثيرًا. لنا كل الحق إن قمنا بإعادة تعريف غضب الله إن كانت هذه صورتنا عن غضبه.

إلا أن إسقاط صور غضب الآلهة الوثنية، أو غضب البشر، على صورة الله الحي الحقيقي، هو خطأ لاهوتي وخطية أدبية. فغضب الله ليس هكذا. يقول الكتاب: "فبمن تشبهون الله، وأي شبه تعادلون به ... فبمن تشبهونني فأساويه، يقول القدوس" (إش ٤٠ : ١٨ ، ٢٤). إن إختلاف غضب الله عن غضب الإنسان الساقط، وعن الغضب المزعوم للآلهة الوثنية، هو بقدر إختلاف النور عن الظلمة، وبقدر سمو حكمة الله عن حكمة الإنسان.

الصورة الكتابية لغضب الله

الصورة التي يرسمها الكتاب المقدس لغضب الله أكثر اتساقًا واتزانًا وجمالاً وفي نفس الوقت أكثر رهبة من الصور غير الكتابية أعلاه.

غضب الله نابع من طبيعته الصالحة
لا يوجد صفة تُدْعى "غضب الله". إلا أن غضبه هو إعمالاً لطبيعته البارة الصالحة القدوسة التي لا تستطيع سوى أن تغضب غضبًا مقدسًا وكاملاً تجاه الشر. إن غضب الله نابع دائمًا من طبيعته الصالحة ويعبر عنها. فهو لا يغضب لأي سبب سوى الخطية، وعندما يغضب لا يخطيء. إن دافع الله في الغضب وممارسته لذلك الغضب كلاهما راسخان في طبيعته كإله كلي البر ومعصوم. لهذا فهو غضب متسق، وتحت سيطرته الكاملة، وغير خاضع لأية تقلبات أو نزوات أو اهتياجات أو مغالاة أو ندم. بدون استهانة أو تقدير أقل مما يتطلبه الموقف. ليس اعتباطيًا. بل يمكن التنبؤ به بنسبة مائة في المائة من الحالات؛ فهو دائما رد فعل تجاه الخطية. وعلي قدر جسامة إثمنا علي قدر غضبه. وهذا الأمر من شأنه أن ينفي أية مشابهة بين غضب الله من ناحية وغضب الإنسان والآلهة الوثنية من ناحية أخرى.

غضب الله متمركز حول مجده وكرامة ناموسه
يعلمنا اللاهوت المصلح أن كل شيء يفعله الله فهو يفعله لأجل مجده أولاً "سولي ديو جلوريا"، أي المجد لله وحده. وهذا المجد بالتبعية، وبالضرورة، يجلب خير الإنسان. إن الله يغضب لأجل محبته للإنسان، ولأجل ظلم الإنسان لنفسه ولأخيه ولباقي المخلوقات، ويغضب لأنه يريد تغيير الوضع، كما يقول المنهج العلاجي أعلاه. إلا أنه وقبل شيء يغضب لأجل انتهاك ناموسه العادل والبار. إن ناموسه الله ليس فوقه، بل هو تعبير عن طبيعته الصالحة التي أقرت تلك المباديء الإلهية. إن ناموسه هو انعكاس لبره وقداسته وحكمته ومشيئته. لهذا، فإن الله يغضب، بصفة أساسية، لأجل تعدي الإنسان على الوصايا الإلهية، ولأجل تقصيره في تمجيد الله إيجابيًا بطاعة البر. وهذا لا ينفي أنه يغضب لأجل خير الإنسان ولأن قلبه جُرِح بسبب ما حدث للإنسان. ولكن أعمال الله دائمًا متمركزة حول مجده. ولكون الله يغضب بسبب انتهاك ناموسه فإن الكتاب المقدس يصف دينونة الله على أنها "نقمة" ‏(لو ٢١ : ٢٢ ، رو ١٢ : ١٩، ٢ تس ١ : ٨)، ويربط غضب الله بعدله (رو ٢ : ٥ ، ٣ : ٨ ، عب ٢ : ٢). فالإنسان قبل أن يكون ‏مظلومًا من الآخرين ومن نفسه هو مذنب يتعنت انتهاك ناموس الله ويجد لذة فيمن يشاركونه نفس الفعل (رو ١ : ٢١ ، ٣٢).‏

غضب الله شخصي وليس ميكانيكي منعزل عنه
إن ادعاء سي إتش دود بأن غضب الله يحدث بصورة آلية كسبب ونتيجة مخالف لما تعلِّمه كلمة الله عن ذلك. يقول دبليو سي روبينسون أن غضب الله يُنسب في الكتاب المقدس لـ "شخص" الله، أي أنه شيء شخصي. [6] فالله نفسه يتحدث عن غضبه بصورة شخصية: "إني أنا الرب الضارب" (حز ٧ : ٩). وفي نصوص العهد الجديد مثل (يو ‏‏٣ : ٣٦، رو ١ : ١٨، أفس ٥ : ٦ ، كو ٣ : ٦، رؤ ٦ : ١٦، ١١ : ١٨، ١٤ : ١٠، ١٦ : ١٩ ، ١٩ : ١٥ (راجع ‏رومية ٩ : ٢٢) يُوصف الغضب على وجه التحديد بأنه "غضب الله"، و"غضبه"، و"غضبك"، و"غضب الخروف". إن غضب الله ‏يُعلن باستمرار من السماء، مُسَلِّمَا الأشرار إلى النجاسة، والعواطف الدنسة، والأذهان المرفوضة، ومعاقبًا إياهم في يوم ‏استعلان دينونة الله العادلة (رو ١ : ١٨ – ٢ : ٦). يكتب بولس في (٢ تس ١ : ٧ – ٩)، بكل ما يمكنه من تعبير، وصفًا لعمل الرب ‏يسوع الشخصي المباشر في معاقبة العصاة.‏ كما أن يهوذا يخبرنا في رسالته أن الذي أهلك الشعب في البرية كان هو يسوع نفسه، وذلك طبقًا لأكثر المخطوطات قدمًا وموثوقية: "فأريد أن أذكركم، ولو علمتم هذا مرة، أن يسوع بعدما خلّص الشعب من أرض مصر، أهلك أيضًا الذين لم يؤمنوا" (يهـ ٥). كل هذه تثبت أن غضب الله ليس مجرد وصف لآلية من سبب ونتيجة موجودة في الطبيعة، بل غضب شخصي يربط شعور الله بفعله.

غضب الله غير منفصل عن رحمته
عَلَّم كل من الآباء والمصلحون بما يعرف بـ "بساطة الله". أي أن الله بسيط وغير مركب. ليس الله مكون من مجموع صفاته، بل الله هو صفاته. كما أن صفاته هي طريقتنا المحدودة في التعبير عن جوهره الواحد غير المتجزأ. بناء على ذلك، فإن غضب الله غير منفصل عن رحمته، لأن كل من غضب الله ورحمته جوانب من نفس الجوهر الواحد الصالح. لهذا يعلّم الكتاب المقدس بأن الرب "بطيء الغضب" (خر  ٣٤ : ٦). وأنه يرجع عن حمو غضبه في حالة تنفيذ وصاياه، بل ويحوله إلي رحمة (تث ١٣ : ١٧ – ١٨). وقبل أن يغضب يحذرنا من ذلك فيدعونا لتقبيل الابن (مز ٢ : ١٢). ولا يقابل غضب الإنسان بغضب، بل يحتمله وبقية الغصب يتمنطق بها (مز ٧٦ : ١٠). "وكثيرًا ما رد غصبه" (مز ٧٨ : ٣٨). إنه يعد: "من أجل اسمي أبطئ غضبي" (إش ٤٨ : ٩). وفي الصليب، نرى الله يحتمل ثورة غضب الإنسان الشرير ضده بكل محبة ورحمة وتواضع، وفي نفس الوقت يصب غضبه المقدس والمُبَرَّر على إبنه الوحيد كالبديل عنا. إن الصليب أعظم إظهار على أن غضبه لم يطغى على مراحمه، ومحبته لم تقوى على غضبه.

ماذا لو كان الله بلا غضب طبقًا للصورة الكتابية؟

ماذا لو كان غضب الله مجرد رغبة لتصحيح الوضع أو إصرار على إزالة الشر؟ وماذا لو كان غضب الله مجرد آلية ميكانيكية في الطبيعة؟ بل ماذا لو كان الله بلا غضب من الأساس؟ إن كان لا يوجد ما يُغضب الله، فإنه بالتبعية لا يوجد ما يسره. وهذا يستدعي التساؤول حول طبيعة الله ذاتها، وحول ما إذا كان لديه مفهومًا للصلاح. لأن وجود مفهومًا للصلاح لدى الله يعني أن الصلاح يسره والخطية تغضبه. وأنه يكافيء البر ويعاقب على الشر. أن يكون الله بلا غضب هو أن يكون بلا نقمة، ومن ثم بلا قضاء أو عدل. ويصبح الصليب بذلك أي شيء سوى أن المسيح تحمل عنا الدينونة التي نستحقها.

ماذا يعني لنا كل ما سبق؟

إن غضب الله حقيقة معزية ومفزعة في نفس الوقت. إنها معزية لأنها تدل على إله صالح يغضب من الشر. وأن هذا الشر الذي لا ينال جزاءه في العالم سينال عقابًا عادلاً عند استعلان دينونة الله البارة. إنه يتأنى على الأشرار لكي يقتادهم إلى التوبة (رو ٢ : ٤)، لكنه غير متصالح أو متعايش مع شرورهم بأي حال من الأحوال. فغضب الله مؤجل. ومع أنه يغضب من الشر، إلا أن مراحمه شاءت أن يتحمل ابنه الوحيد تيارات ولجج غضب الله على الصليب كبديل عنا (أنظر مقال بعنوان إشارات غضب الله وعدله في الصليب). وعليه، ألا نؤمن بأن المسيح تحمل عنا غضب الله هو أن نذخر لأنفسنا غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة (رو ٢ : ٥). إنه شيء غير منطقي أن نرفض فكرة غضب الله بينما هناك حمل الله الذي تحمل غضبه عنا.

 

[1] سألتني فأجبتك (ص ٢٨٧ - ٢٨٩)
[2] ‏ فيديو بعنوان: الاتزان في إدراك محبة الله وغضب الله
[3] ماهر صموئيل – أصل الحكاية Mahersamuel.net
[4] فيديو بعنوان: هل الله يغضب؟ Credologs
[5] Khalid Elhassan, Wrath of Olympus: 10 Bizarre and Horrific Punishments of the Ancient Greek Gods.
[6] Treier, Daniel J., Evangelical Dictionary of Theology

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس