هل غضب الله هو قلب الله المجروح كما يدعي الأخ وسيم صبري؟


جاء في الفيديو (أنظر أسفل المقال) تصريحات لاهوتية خطيرة أهمها:

غضب الله هو محبة الله المجروحة؟

لماذا انتقاء محبة الله كصفة مركزية وجعلها هيرمانوتيك (قاعدة تفسيرية) لِيُفَسَّر من خلالها غضب الله؟ لم يقل الكتاب المقدس فقط أن "الله محبة". بل قال أيضًا أنه نور (١ يو ١ : ٥)، أي قداسة وبر، وإلهنا نار آكلة (عب ١٢ : ٢٩)، أي عدل وغيرة مقدسة وبر. كما أن الملائكة تغنت في كلا العهدين بقداسة الله ثلاثة مرات في رؤيا إشعياء وفي رؤيا يوحنا "قدوس قدوس قدوس" (إش ٦ : ٣، رؤ ٤ : ٨). لماذا إذًا تُعطَى محبة الله مركزية على باقي صفاته الجوهرية كالقداسة والبر والعدل والأمانة؟

لطالما علم آباء الكنيسة ورجال الإصلاح البروتستانتي بما يسمى بـ "بساطة الله". أي أنه لا تركيب في الله، فهو غير مكون من مجموع صفاته. بل الله هو صفاته. لو أخذنا مثلاً غضبه، فإن غضبه هو إعمال لصفاته مجتمعة. هو إعمال لقداسته وعدله وسلطانه ومحبته. هو تعبير عن إتساق كل هذه الصفات معًا. هو يغضب لأنه يكره الخطية، ولأنه يحب البر، ولأنه عادل لابد أن يعاقب الشر، ولأنه مطلق السلطان في خليقته فلابد أن تكون له الكلمة الأخيرة. في كل حالة من الحالات السابقة مركز المعادلة دائمًا هو الله نفسه. الله يغضب لمجده وبره وعدله وقداسته ومحبته. صحيح أن الله يغضب لأنه يحبنا، ولكي يكبح جماح الشر. لكن الله يغضب في الأساس وبصورة جوهرية لأجل ذاته. لا يصح أن يوضع الإنسان في مركز اللاهوت وكأن صفات الله وأعماله تدور حول الإنسان.

قضاء الله واحد من الطرق التي يستخدمها الله لكي يعطي للشرير وعي بشره؟

مرة أخرى، هذا كلام غير صحيح لأنه غير متزن. وذلك لأنه يجعل الإنسان مركز أو محور تعاملات الله، وليس الله نفسه. قضاء الله هو إعمال لسلطانه وقداسته وعدله وبره ومحبته وأمانته. قضاء الله يأخذ في الإعتبار متطلبات الله أولاً وقبل كل شيء آخر. لأن الله هو المركز وليس الإنسان. صحيح أنه من ضمن أسباب قضاء الله أنه يعطي الشرير وعي بشره، إلا أن هذا ليس السبب الرئيسي بأي حال من الأحوال. السبب الرئيسي كما رأينا هو أن الله نور ونار ومحبة وأمانة.

العدل أن يكون الوضع كما يبغني؟ والعدل هو تصحيح الوضع؟

لاشك أن هذا منظور علاجي إصلاحي لا يأخذ قداسة الله وناموسه في الإعتبار. وهو يتسق مع الفكرة السابقة للمتكلم بأن قضاء الله يعطي الشرير وعي بشره. الفكرتان (القضاء لإعطاء الشرير وعي بشره، والعدل يعني تصحيح للوضع) تعبران عن كفارة علاجية تقف كمنهج خلف هذه المفاهيم. طبعًا هنا تغيب من الصورة تمامًا فكرة العدالة الإنتقامية لله Retributive Justice . لكن الكتاب المقدس يعلم بالعدالة الإنتقامية في مواضع كثيرة فيه (٢ تس ١ : ٨، رو ١٢ : ١٩).

الكثير من العشوائية تحكم تصرفات الطبيعة؟

هل هذه نظرة داروينية للخليقة التي تحكمها الصدف؟ كيف يمكن مصالحة ذلك مع كون الله يتحكم في المخلوقات كما في الضربات العشر، والحيات المحرقة، والجفاف في زمن إيليا، وحوت يونان ويقطينته والدودة والعاصفة، وقوله أنه لا يسقط عصفور إلا بإذنه وأن أبونا السماوي يقوت العصافير؟

صليب يسوع المسيح المكان اللي فيه عدل الله، ادانته ورفضه للشر .. ؟

يبدو لي هنا أن المتكلم يعتنق النظرة الحكومية للكفارة، بأن المسيح صُلِبَ ليقدم شجب أو تشهير أو ردع للشر في صليبه. طبعًا، أي شيء إلا العدالة الإنتقامية والبدلية العقابية. كفارة علاجية أحيانًا وحكومية أحيانًا أخرى، لا مانع من أي شيء طالما أنه غير مسموح للبدلية العقابية بوطأة قدم. لكن، إن كان القضاء هو لإعطاء الشرير وعي بشره، وإن كان العدل هو إصلاح الوضع المختل، إذًا صلب المسيح مجرد مثال لإدانة الله ورفضه للشر، وليس أنه تحمل الدينونة والعقاب عنا كما يقول النبي "وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب (عقاب) سلامنا عليه، وبحبره شفينا".

الكلام في مجمله به الكثير من الأخطاء اللاهوتية الجوهرية والتي تنم عن منهج غير كتابي.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس