أخي المسيحي، لماذا يضايقك مصطلح "هرطقة" ومشتقاته (هرطوقي)؟


هل السبب في ثورة البعض على وصف بعض رجال الدين البارزين بالهرطقة، أن هذا المفهوم مرتبط في أذهانهم بالإهانة؟ لو كان هذا المصطلح يعنى لديك "الإهانة" أو "الشتيمة"، فأنت مخطئ في اعتقادك هذا. لأن المصطلح، بمعناه الكتابي والتاريخي، غير مرتبط بالإهانة أو الشتيمة إطلاقاً. وعندما نستعمله فنحن لا نقصد به إهانة أو تشويه رجال الدين البارزين. اختلفت أو اتفقت معهم، فأنا أعتبرهم جميعاً مخلوقين على صورة الله ومثاله، وهذا كافي بالنسبة لي، بغض النظر عن علمهم أو إنجازاتهم أو حتى تعاليمهم الغريبة، أن يكون مدعاة لاحترامهم. 

سأطرح أمامك ما ورد في بعض القواميس اللاهوتية والتاريخية واللغوية، رفيعة المستوى والتي اشترك في كتابتها وإعدادها عشرات العلماء اللاهوتيين، من تعريفات لمصطلح "هرطقة". ولكن، قبل أن تقرأ تلك التعريفات، لاحظ  الآتي: 1 - أن مصطلح "هرطقة" يفترض "وجود حق مُعْلَنْ غير قابل للتفاوض أو التعديل". 2 - الهرطقة متعلقة بالحقائق المسيحية الجوهرية، وليس التعاليم غير المركزية للإيمان المسيحي. 3 - أن "الهرطقة" في جوهرها تعني "اختيار" إما لرأي معين أو سلوك معين، مغاير للتعاليم أو السلوكيات المسيحية الراسخة، بناء على الحق المُعْلَن (الكتاب المقدس). 4 - أن مصطلح "هرطقة" في العهد الجديد، يأتي بمعنى محايد ليشير إلى "طائفة" أو "شيعة"، وفي رسائل بولس أستخدم بمعنى سلبي ليشير إلى تحزبية أو طائفية، ثم كنسياً وتاريخيا اِسْتُخْدِمَ للإشارة إلى الإنحراف التعليمي عن الحق الكتابي. ورغم أن لها معنى سلبي، إلا أنها لا تحتمل معنى الإهانة أبداً. 5 - الهرطقة رغم أنها ليست إهانة، وأنها تعنى اختيار مجموعة أو طائفة ما لتعليم أو لسلوك غريب، فهي تنطوي على خطورة وانحراف عن الطريق التعليمي المستقيم. وعليه فهي ليست مجرد رأي أو اختيار فقط، ولو أنها تشمل هذه المعاني. 6 - عمالقة الفكر المسيحي، الذين كانوا قديسون وأفاضل أيضا، انشغلوا بالهرطقات، واستعملوا هذا المصطلح، وقاموا بوضع تعريفات له. 7 - أخيراً وليس آخراً، فإن الهرطقة كانت في بعض الأحيان اختيار الأغلبية. وإليك ما ورد في بعض القواميس اللاهوتية من تعريفات لكلمة "هرطقة": 

هرطقة، تشير إلى اختيار، والتي حتى في الاستخدام الكلاسيكي أصبحت تعني مساراً للعمل أو نظام للفكر، مثل مجموعة من المبادئ الفلسفية أو مدرسة تحمل مجموعة معينة من المعتقدات. في الاستخدام المسيحي، تشير إلى اعتقاد خاطئ يميز طائفة وتُعَارِضُ التعليم الصحيح، أو الإيمان القويم.

Muller, Richard A. Dictionary of Latin and Greek Theological Terms: Drawn Principally from Protestant Scholastic Theology. Baker Academic, 2017.‏

وجهة نظر تم اختيارها بدلاً من التعاليم الرسمية للكنيسة. مثل هذا الرأي يعتبر خاطئاً ويشكل خطورة للإيمان.

McKim, Donald K. The Westminster Dictionary of Theological Terms: Revised and Expanded. Presbyterian Publishing Corp, 2014.‏

يشير المصطلح اليوناني "آيريسيس"، والذي تستمد منه كلمة "هرطقة" [بالإنجليزية]، في الأصل إلى مدرسة أو طائفة، ويحتفظ بهذا المعنى المحايد في أجزاء من العهد الجديد (راجع ، على سبيل المثال ، أعمال 5: 17 ؛ 15: 5 ؛ 24: 5). ويُسْتَخْدَمُ بالفعل في رسائل بولس بمعنى سلبي لوصف الانقسام أو الحزبية في الكنيسة (1 كو 11: 19 ؛ غل 5: 20)، وهذا هو المعنى المُسْتَهْجَنُ للمصطلح الذي هَيْمَنَ على استخدامه لاحقاً. بحلول نهاية القرن الثاني، يستخدم أغناطيوس الأنطاكي (110م.) الكلمة لوصف تعاليم غريبة أو مُشَوَّشَة حول يسوع، على الرغم من أنه يحافظ أيضاً على المعنى العام بالطائفية (أفسس 6.2). في القرن الرابع، تم تعريف الهرطقة رسمياً بواسطة أغسطينوس، و وباسيليوس القيصري؛ و جيروم على أنها تعليم كاذب (مثل خطأ في العقيدة).

Macfarland, Ian A., et. al. The Cambridge Dictionary of Christian Theology, Cambridge University Press, 2011

مصطلح مشتق من الكلمة اليونانية آيريسيس، والتي تعني في الأصل "اختيار" ولكن مع بداية الحقبة المسيحية أصبحت أيضا تُطَبَّقُ على طائفة دينية أو فلسفية. في السياق المسيحي، تشير "الهرطقة" عادة إلى طائفة دينية خاطئة أو إلى تعاليم خاطئة، وبالتالي فهي عكس "الإيمان القويم".

Ferguson, Everett, ed. Encyclopedia of early Christianity. Vol. 1839. Routledge, 2013.‏

تعني، في العهد الجديد: (1) مسلك مُخْتَار من الفكر والعمل؛ ومن ثم الرأي الذي يختاره المرء، العقيدة، كطائفة أو جماعة، مثل الصدوقيين (أعمال 5:17)؛ الفريسيون (15: 5 ؛ 26: 5)؛ والمسيحيون (24: 5 ، 14 ؛ 28:22) ؛ (2) الانقسامات الناشئة عن تنوع الآراء والأهداف؛ (3) الإنحراف العقيدي عن الحق المُعْلَن، أو الآراء الخاطئة (تي 3: 10؛ 2 بط 2: 1)؛ حذر رسل الكنيسة بشدة من مثل تلك الانحرافات (أعمال الرسل ٢٠: ٢٩ ؛ فيل ٣: ٢).

Unger, Merrill F. The new Unger's Bible dictionary. Moody Press, 1998

"الهرطقة" مشتقة من الكلمة اليونانية "آيريسيس"، والتي تشير في الأصل إلى فعل أو معتقد تم اختياره من عدة خيارات، لكن في وقت لاحق جاء للإشارة إلى رأي غير قويم تتمسك به مجموعة ما، والتي تكون حتى في بعض الأحيان الأغلبية داخل الكنيسة. يرتكز مفهوم الهرطقة على الاقتناع بوجود حق واحد مُعْلَن، والآراء الأخرى هي تشويهات أو إنكارات متعمدة لذلك الحق. أَزِلْ مثل هذه القناعة، تصبح "الهرطقة" أكثر من مجرد اضطهاد متعصب. لكن الإيمان المسيحي بالحق المُعْلَن يعني أن الهرطقة لا تصبح مجرد رأي آخر، وإنما تعليم خاطئ يقود الناس بعيدًا عن إعلان الله.

Treier, Daniel J., Elwell, Walter A., Evangelical Dictionary of Theology, Baker Academic, 2017

الهرطقة هي التعليم أو الاعتقاد الذي يدعي أنه مسيحي ومع ذلك يتناقض مع التعليم القويم. أحد معاني الكلمة اليونانية "آيريسيس" هو طائفة أو مدرسة للفلسفة، وتستخدم الكلمة بهذا المعنى في أعمال الرسل (5:17 ؛ 15: 5 ؛ 24: 5 ؛ 26: 5 ؛ 28: 22). يشير بولس إلى الهرطقة في 1 كو. 11:19 (تُرجمت إلى "فصائل" في nrsv)، وفي غل 5 : 20 ("روح التحزب"). ترد الصفة "هرطوقي" (بمعنى مثير للشقاق والتحزب) في تي 3 : 10 ، و في 2 بط 2 : 1 تشير إلى الأنبياء الكذبة الذين سيجلبون "الهرطقات المدمرة" (آيريسيس). ظهرت كلمة "هرطقة" إذاً لتعنى تعليم خاطئ ينشأ داخل الكنيسة مسبباً الانقسام. من بين الآباء الرسولين، يشير الأسقف أغناطيوس الأنطاكي إلى الهرطقة باعتبارها سماً أو عقاراً مميتاً.

Davie, Martin, et al. New Dictionary of Theology: Historical and Systematic. IV Press, 2016.‏

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس