النصوص التي تبدو متعارضة تقدم جوانب متميزة لنفس الحق الواحد


الكثير من التعارض البادي بين النصوص الكتابية يزول إن أخذنا في الإعتبار أن أي تناقض ظاهري بين نص وآخر هو معالجة لنفس الحقيقة من زوايا مختلفة. وهذا أمر ينبغي أن نفترضه مسبقا لأننا نتعامل مع حق إلهي غير محدود، ومع كاتب إلهى حاذق، وليس كالاجتهادات البشرية التي قد تأتي متناقضة ذايتا.

ينطبق هذا بصورة خاصة على العلاقة بين العهدين القديم والجديد. فإله العهد القديم ليس غاضبا وصارما بلا رحمة أو محبة، ولا إله العهد الجديد رحيما ومحبا من دون صرامة أو غصب. فضلا عن أن يهوه إله العهد القديم هو نفسه يسوع إله العهد الجديد، فإن العهد القديم به الكثير من النعمة والرحمة، وإن كان يركز على عدل الله وغضبه. والعهد الجديد به الكثير من الصرامة والدينونة وإن كان يبرز نعمة الله ولطفه أكثر. العهدان يحدثانا عن إله واحد وجوهره المتسق والمتناغم أدبيا، ولكن من جوانب مختلفة وفي ظل تدابير متباينة.

نفس الشئ يمكن أن نقوله عن الأناجيل الأربعة. فبينما تبرز الأناجيل الإزائية، متى ومرقس ولوقا، إنسانية يسوع وقربه، يسلط يوحنا الضوء على لاهوته وسموه. في الوقت نفسه أيضا الذي تقدم فيه الأناجيل الإزائية ثلاثة جوانب مختلفة من شخص وعمل المسيح المبارك: ملكه المسياني، خدمته كالعبد الكامل، قربه الشديد من إنسانيتا. 

أيضا النصوص التي تتكلم عن الخلاص بالنعمة بالإيمان، بفضل عمل المسيح، تبرز محبة الله وقربه من ناحية. والأخرى التي تحض على الخلاص بالأعمال، كثمار لعمل المسيح وبرهان لفعاليته وكفايته، تؤكد على قداسته وسموه من ناحية أخرى. 

أخيرا وليس آخرا، فإن عمل المسيح الكفاري، من منظور مكاني، هو عملية تحدث خارجنا وعلى المستوى الموضوعي، أي خلاص من عدل الله وقيود الشيطان ونظام العالم الشرير. وعمل يحدث داخلنا أيضا وعلى المستوى الشخصي، أي خلاص من سلطان الخطية. ومن منظور زماني، فخلاص المسيح لنا من دينونة الله حدث بالفعل في الماضي، وإن كان الإعلان النهائي سيأتينا عندما نلقاه في المستقبل. وخلاصه لنا من سلطان الخطية حدث عند تجديدنا، ويحدث كل يوم في تقديسنا. وخلاصه لنا من سكنى الخطية والدحر النهائي للشيطان ونظام العالم الشرير، سنبارك بهما عند تمجيدنا.

المشكلة تحدث عندما نفترض أن هذه النصوص متناقضة، وأن كل منها يستثني الآخر ويجعله لاغيا. إطلاقا. فالحق الإلهي متعدد الجوانب ومتنوع وثري. وقد رأى الله في حكمته أن يبرز هذا التنوع من خلال التأكيد على جوانبه المختلفة بصورة قد تبدو للبعض وكأن تلك النصوص أو الحقائق متعارضة. إلا أنها في الحقيقة كلها جوانب متميزة، وفي نفس الوقت في تمام الإتساق الأدبي واللاهوتي والمنطقي، للحق الإلهي الواحد. إن اقتربنا من الحق الإلهي، والنصوص المقدسة، بهذا التوجه المسبق، فإن هذا من شأنه أن يصنع اختلافا جما في فهمنا لهما. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس