ترويض البروتستانتية الشرقية
لدى بروتستانت الشرق، الهرطقة فقط هي ما يخص الثالوث ولاهوت المسيح وناسوته. قل ما تقله عن الخطية الأصلية أو الخلاص أو كفاية النعمة، أو البدلية العقابية، أو التبرير القضائي بالإيمان بدون أعمال، لن يتحرك لهم ساكنا. ولكن إن تعرضت للكريستولجي (ما يتعلق بشخص المسيح وطبيعتيه) أو للثالثوث، فَهُمْ لك بالمرصاد.
لا تسيء فهمي. أنا لا أهون إطلاقا من الهرطقات المتعلقة بالأقانيم أو شخص المسيح الواحد وطبيعتيه. ولكن أريد أن ألفت النظر إلي أن اعتبار الهرطقة هي كل ما يتعلق بالثالوث أو المسيح فقط، وليس مفهوم الخطية والخلاص، إنما ينم عن سوء فهم جوهري للمسيحية والإصلاح البروتستانتي.
ولتوضيح ذلك أقول، إن المجامع المسكونية الأربعة الأولي، والتي انعقدت للدفاع عن وحدانية الله، والثالوث، وأقنومية الروح القدس والمسيح بالتساوى مع الآب في الجوهر، وشخص المسيح الواحد المجتمع فيه الطبيعتين الإلهية والبشرية، كان همها الأساسي هو عقيدة الخلاص. لأن العبث بالعقائد المتعلقة بالثالوث والمسيح، لهو هدم لعقيدة الخلاص. فأن تقول أن المسيح لم يكن الله حق، أو إنسان حق، كأنك تقول أن كفارته لا قيمة لها. لأن الكتاب يعلمنا أن قيمة الكفارة تُستمد من كون المسيح الله حق وإنسان حق في نفس الوقت.
الآن دعني أسألك هذا السؤال: ماذا ينفعك إيمانك بأن الله ثالوثي الأقانيم، وأن المسيح، أقنوم الإبن الأزلي، حقا الله الظاهر في الجسد، وأنه شخص واحد اتحدت فيه طبيعتي اللاهوت والناسوت، وفي نفس الوقت لا تؤمن به كمخلص شخصي، أو أن ما تعتقده عن كفارته غير صحيح؟ إن معتقدك الصحيح عن الثالوث والمسيح لا ينفعك إطلاقا، طالما عقيدتك عن الكفارة خاطئة. لهذا جاء قول جريجوريوس النازيانزي معبرا بقوة عن الترابط بين ما نعتقده عن المسيح وما نعتقده عن كفارته: "ما لم يأخذه [في التجسد] لم يشفه". يقول أيضا فرانسيس يونج (مؤرخ كنسي معاصر): "إن الكثير من الخلافات العقائدية في القرون المبكرة، لا سيما النقاشات الكريستولوجية، أوعز بها في نهاية المطاف افتراضات مسبقة عن الخلاص والتي خلقت ولاءات عميقة، على الرغم من أنه بالكاد صُرِّحَ بها في بعض الأحيان" (يونج ٢٠١٠).
إن مركزية عقيدة الخلاص كانت هي ذات السبب الذي دعا إلي الإصلاح البروتستانتي. إن الإصلاح البروتستانتي لم يقم لأن كنيسة القرون الوسطى كانت تنكر أي حق متعلق بالثالوث أو شخص المسيح، أو حتى الخلاص بالإيمان، أو ضرورة النعمة، إطلاقا، بل لأنها كانت تجعل الخلاص متوقف على عمل الإنسان. ولأنها كانت تضيف إلي الإيمان الأعمال للتبرير أمام الله. وهذا في حد ذاته يطعن في كفاية كل من الإيمان والنعمة. لهذا نادى المصلحون ب "سولا فيديه"، أي أن التبرير أمام الله بالإيمان فقط، وليس بأعمال صالحة أو ممارسات دينية إلى جواره. وبـ "سولا جراشيا"، أي أننا نبدأ ونستمر ونُحفظ بالنعمة. عمل المسيح كامل وفعال. في تبريره وتجديده وحفظه لنا. لم توجد سولا واحدة في السولات المصلحة الخمس متعلقة بالثالوث أو لاهوت أو ناسوت المسيح، ذلك لأنه لم يكن هناك جدال عليها. وطبعا السولات الخمس تتضمن عقيدتي الثالوث وبشرية وألوهية المسيح. إلا أن كل هذا لم يكن يعني شيء لدى المصلحين طالما أن تعليم الخلاص مغلوط.
للأسف لقد تم ترويض البروتستانتية في الشرق بواسطة الكنيسة التقليدية المصرية، التي تجمدت لاهوتيا منذ خلقدونية، بأن الهرطقة هي كل ما يتعلق بالثالوث أو المسيح فقط. عدا ذلك، كلها أمور ثانوية قابلة للتفاوض. والبروتستانتية الشرقية نجحت في الرضوخ لهذا الترويض، ربما رغبة للعيش في سلام في ظل ظروف سياسية واجتماعية مضطربة. ولكن هذا ما لم يعتقده المصلحون. وعليه فإن الموقف البروتستانتي الشرقي المعاصر يعبر عن سوء فهم لجوهر المسيحية وللتاريخ اللاهوتي بأكمله.
تعليقات
إرسال تعليق