العثرة والمنطق الانتقائي المتناقض ذاتيا


المنطق الانتقائي الذي يجعل البعض ينتقون ما يعجبهم من الكتاب المقدس أو المسيحية، ويتركون ما لا يروقهم، بحجة أن هذا يعثر الناس، أو يعثرهم هم شخصيًا، سيتركهم لا محالة متناقضون مع أنفسهم.

لا شك أن هناك الكثير من المسيحية جذاب، مثل الحديث عن محبة الله، وقبوله للتائب مهما كانت خطاياه. وأن لديه الكثير من البركات والنعم الروحية للإنسان. لكن من ناحية أخرى، هناك أيضًا الكثير مما يعثر الإنسان (طبعا هذه العثرات مرجعها كل من التأثيرات الفكرية للخطية الأصلية، ومحدودية العقل البشري معًا).

فلا أحد منا يحب أن يسمع عن الخطية الأصلية والفساد الجذري للإنسان. وأن محاولاته للتبرير أمام الله بالأعمال الصالحة هي نفاية. وأن على الإنسان الخضوع لربوبية المسيح، وصلب الذات والشهوات، وأن يُصلب العالم له، إن قرر أن يكون تلميذًا للمسيح. هذا ما يمكن أن نسميه بالأمور التي تشكل "عثرات أخلاقية للإنسان" في حالته الطبيعية غير المُجَدَّدَة.

فضلاً عن هذا، هناك ما يمكن أن نطلق عليه "عثرات منطقية لاهوتية" أيضًا. فأن يتجسد الله، ويصير إنسان، له كل الإحتياجات الفسيولوجية التي للإنسان الطبيعي، ونفس محدوديته المكانية والزمانية والعقلية والقدراتية، وأن يكون له طبيعتين، وإرادتين، وفي نفس الوقت شخص واحد، وهذا الشخص الواحد، وفي نفس الوقت أيضًا، هو أقنوم من بين ثلاثة أقانيم إلهية، في الله الواحد الجوهر، وأن الله المتجسد صُلِبَ ومات ميتة اللعنة وقام، أليست هذه أيضًا عثرات منطقية ولاهوتية للكثيرين؟

ولا نستطيع أن نغفل أن الصليب يشكل، في آن معًا، عثرة أخلاقية ومنطقية للإنسان الطبيعي (غير المجدد روحيًا). فأن يُصلب الله المتجسد، ويموت ميتة اللعنة، هو شىء يثير كل من اعتراض ونفور الإنسان الطبيعي. 

المعجزات بدورها عثرات يمكن تسميتها بـ "العثرات الطبيعية" (الفيزيائية)، غير المألوفة للخبرة الإنسانية والإحساس الطبيعي (وإن كانت لا تتنافي مع المنطق، وليست خرقًا لقوانين الطبيعة في رأيي). فأن يمشي يسوع على الماء، وأن يتفل على الأرض ويصنع طينًا يطلي به عيني الأعمى لكي يشفيه، وأن يأمر بطرس لكي يصطاد استارًا من جوف سمكة لكي يسدد بثمنه الضرائب التي فرضت عليه ظلمًا، وأنهم عندما يلقون الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن سيجدون سمكًا وفيرًا، هي أمور قد تثير سخرية عالم الفيزياء ورجل الشارع على حد سواء.

إن كانت العثرة هي معيارك في تحديد ما هو أخلاقي وغير أخلاقي، أو ما هو منطقي وغير منطقي، أو ما هو طبيعي وغير طبيعي في المسيحية، فبالأحرى أن نبحث لأنفسنا عن معتقد آخر غير المسيحية. ذلك لأن المسيحية بأكملها ديانة مليئة بالأمور فوق الطبيعية، والتحديات المنطقية والأخلاقية للذهن الطبيعي الملوث بالفساد الجذري. يحق لك أن تتعثر مما تريد، ولكن إن أردت أن تكون متسقًا فيما تعتقده، فعليك الإيمان بمعتقد خالي من العثرات تمامًا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس