هل يغفر الله للداعشي؟


سؤال مرسل من صديق:

"أخت عراقية ... ترفض التعليم عن الغفران والمحبة وتقول: أنا برفض أن الله يغفر لداعشي إذا تاب وآمن ويعطيه الخلاص بعد ما ذبح وشرد وهدم بيوت وأسر، أين العدل في هكذا إله وهكذا غفران. ما هو الجواب المناسب برأيك لإمرأة مجروحة مثلها؟"

ينبغي أولاً أن نفرق بين أن يغفر الله لنا خطايانا وبين أن نتحمل عواقبها الزمنية أو الأرضية. كل خطية لها عقوبة أبدية وعاقبة زمنية. ‏الله يغفر لنا خطايانا ويخلصنا من العقاب الأبدي. بينما قد يتركنا نتحمل عواقب خطايانا على الأرض. وهذا ما حدث مع داود فقد نقل ‏الرب عنه العقوبة الأبدية لخطيته، إلا أنه تحمل العواقب الزمنية فلم يفارق السيف بيته إلخ (٢ صم ١٢ : ١ – ٢٣). صحيح أنه كان من المفترض أن يرجم داود طبقًا للناموس، لكن الرب جعله يحصد ما زرعه من طريق أخرى. إن الرب من الحكمة والقدرة والعدل بحيث أنه يغفر لمن يتكلون على عمل المسيح الكفاري لكنه لا يحابيهم. غفران الرب للداعشي لن يمنع الرب أن يدعه يسقط في يد ‏العدالة الأرضية إن شاء الرب ذلك. إننا في الكثير من الأحيان لا نتحمل العواقب الزمنية لخطايانا، ليس لأننا مميزون، بل من مراحم الرب علينا.

ثانيًا، هذا الداعشي إن آمن بحق، فسيسلم نفسه للعدالة الأرضية. لأن المولود من الله يصنع البر (١ يو ٢ : ٢٩). والبر والعدل وجهان لعملة واحدة. فقد أعاد زكا أربعة أضعاف ما سلبه من إخوته وأعطى نصف أمواله للمساكين (لو ١٩ : ٨ – ٩). واللص على الصليب، رغم أن الرب غفر له، رأى أنه نال باستحقاق ما فعله (لو ٢٣ : ٣٩ – ٤٣). من يغفر له يحصل على طبيعة جديدة تشتهي البر والعدل.

ثالثًا، الفرق بيننا وبين الداعشي مجرد فرق في درجة الخطية. كلنا خطاة، وكلنا نستحق الموت، لأن خطية واحدة تستحق الموت ‏الأبدي أمام الله. لهذا فإن استنكار غفران الله للداعشي به نوع من تبرير الذات، وكأننا أبرار أو أيدينا نظيفة. هذا ليس إقلال من شأن ‏الفداحات التي ارتكبها الداعشي، لكن في نفس الوقت علينا أن نرى أنفسنا جميعًا من منظور الله "كلنا كغنم ضللنا ... والرب وضع عليه إثم ‏جميعنا". وكلما رأينا قداسة الله (إش ٦ : ٥) والمعروف الذي صنعه معنا (لو ٧ : ٤٧) كلما انفتحت أعيننا أكثر على حجم شرورنا.

رابعًا، لو لم يكن ممكنا لله أن يغفر للداعشي فهذا معناه أن المسيح مات فقط من أجل الذين لم يرتكبوا الخطايا الجسيمة أو الكبائر. وأنه لا ‏يكفي لمن ارتكبوا الفداحات أو الشرور العظيمة. ولكن كما كان المسيح بديلاً عن الخطاة المهذبون (أو الذين يبدون كذلك) كان بديلاً ‏أيضًا عن سافكي الدماء والإرهابيون والفجار "يبرر الفاجر" (رو ٤ : ٥). طبعًا من يؤمنون به فقط منهم. الرب يسوع المسيح مات من أجل بولس الذي اضطهد ‏كنيسة الله بإفراط وأراد أن يتلفها (غل ١ : ١٣). والرب يسوع المسيح أيضًا أخذ عقاب خطايا الداعشي الذي يؤمن به.

خامسًا، ما من شك أن هناك صعوبة شعورية (عاطفية) في تقبل هذا الحق. فكيف يغفر الله لمن سفك الدماء وشرد العائلات؟ وهذا يدفعنا أولاً للثقة في الرب، في صلاحه وعدله. بأنه كامل في جميع طرقه ولا جور فيه (تث ٣٢ : ٤). وثانيًا علينا أن نصلي لكي يعطينا الرب القدرة على رؤية الأمور من منظوره هو. وأن نغفر كما غفر هو. هذا في نفس الوقت لا يمنعنا من الصلاة للرب أن يجري عدله ‏وحقه للمظلومين (مز ١٤٠ : ١٢، رو ١٢ : ١٩). فالرب من منظور ما يغفر لنا خطايانا ومن منظور آخر قد يتركنا نتحمل عواقبها الزمنية. ليس هناك تعارض بين الغفران والصلاة من أجل عدل الرب. إننا عندما نغفر، ونترك الأمر له مصلين من أجل عدله، نعلن ثقتنا في صلاحه وكماله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس