لماذا يكرهون البدلية العقابية؟


"وَلكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيًّا" (١ كو ٢ : ١٤)

"لأَنَّ الْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَالْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً" (١ كو ١ : ٢٢ – ٢٣)

البدلية العقابية هي أكثر تعليم بروتستانتي مكروه بواسطة من هم خارج البروتستانتية ولا سيما أنصار الأرثوذكسية الشرقية، بل وبواسطة بروتستانت اليوم (المحسوبون اسمًا علي البروتستانتية والمتأثرون باللاهوت الشرقي أو الليبرالية اللاهوتية). يحتجون بأنها تشوه صورة الله. في حين أن المشكلة الحقيقية هي أنها تفضحهم هم، تكشف خزيهم وإفلاسهم الروحيين، وتكلفهم الاتضاع والعلاقات الاجتماعية.

والأسباب التي تجعلهم يكرهون البدلية العقابية ويقاومونها بكل شراسة هي كالآتي:

١– لأن الإنجيل الخالٍ من الكفارة العقابية مؤسس على لاهوت متمركز حول الإنسان. فهو يقدم إله، ليس فقط لا يستذنب الإنسان أو يغضب منه أو من شروره، بل تحت خدمته، يتأنس هو لكي يتأله الإنسان. أو أن الخلاص هو أن الإنسان في أسوأ حالاته مريض يحتاج إلى الشفاء. والله هو ذلك الطبيب الذي جاء لخدمة المريض (وفي هذا حق لكن إن كان فقط مركز الكفارة هو استرضاء عدل الله الذي يحقق شفاء الإنسان). بينما مجد الله ومركزيته المتمثلان في استرضاء غضبه وعدله وقداسته وناموسه خارج المعادلة تمامًا لدى كارهي البدلية العقابية. فيصبح لدينا إنسان ينافس الله ومسيحه على أمجادهما لأنه مركز المعادلة اللاهوتية.

٢– لأن إنكار البدلية العقابية يصاحبه إنكار للخطية الأصلية. والارتباط بين العقديتين وثيق للغاية. إن من يحتاج إلى البديل العقابي، ليس فقط من هو محكوم عليه بالموت (البشر جميعًا)، بل من لديه أيضًا مشكلة في طبيعته تجعله غير قادر على طاعة الناموس. لو كان الإنسان قادر على فعل الصلاح، وطاعة الناموس، ما كان سيحتاج إلى من يكفر عن خطيته. البدلية العقابية إذًا، بالإضافة إلى كونها تعني الحاجة لاسترضاء غضب الله بواسطة البديل العقابي، تتضمن عقيدة الفساد الجذري. إنكار البدلية العقابية يجعلهم يشعرون أفضل حول قدراتهم وطبيعتهم وإرادتهم.

٣– لأن الإنجيل المُقَاوِم للبدلية العقابية يقدم إله أقل تهديدًا للكبرياء الإنساني الذي لا يريد محاسبة أو تقييد لضميره. وإن وُجدت أية محاسبة أو جحيم لدى أنصار هذا الإنجيل فهي والعدم شيئًا واحدًا. فالدينونة لديهم أقرب بكثير إلى الشفاء أو التهذيب أو التطهير أو الحجر الصحي منها إلى العقاب. كما أنهم هم الذين يعاقبون أنفسهم بأنفسهم ويرسلون أنفسهم إلى ذلك الجحيم أو بالحري إلى الحجر الصحي. وإلههم هو أي شئ سوى مَلِك وقاضٍ.

٤– لأن الإنجيل الخالٍ من البدلية العقابية يقدم صليب بلا عثرة. تجدهم غالبًا يشيرون إلى "موت المسيح" وقلما يشيرون إلى ذلك الموت على أنه "صلب". وينفرون من سيرة "دم المسيح" ولا يحبون قولها أو حتى سماعها. ويعظمون في تجسد وقيامة المسيح أكثر من صلبه. ونحن لا ننكر القيمة المركزية والكفارية لكل من التجسد والقيامة، ولكننا لا نقبل أن يكون هذا على حساب مركزية الصليب والدم. إن الإنجيل الخالٍ من البدلية العقابية يجد مقاومة أقل لدى الإنسان الطبيعي، لكونه خاليًا من أية مفاهيم متعلقة بمذنوبية الإنسان وعدم قدرته على تبرير نفسه.

٥– لأن الطعن في البدلية العقابية يصاحبه تقديم الديانة الصوفية الاختبارية "الثيوسيس" كبديل. إنكار أهمية العقيدة والجانب القضائي للخلاص يقترنان بطرح الاختبار الصوفي كحل بديل. هذا الجانب الاختباري يقدم نشوة نفسية لدى العابد أيًا كانت الطائفة. فلدى الأرثوذكسية الشرقية تُرى في الألحان الأوركسترالية والأيقونات والثياب الفخمة. ولدى الكاريزماتيون تكون في الترانيم الصاخبة والمشاعر التعبدية الفائرة وفي بعض الأحيان اختبارات متطرفة مثل الضحك الهيستيري أو الاغماء إلخ (ليس كل الكاريزماتيون ينكرون البدلية العقابية). فضلاً عن تدريبات روحية أو روحانية كتلك التي تُمارس في حركة التشكيل الروحي تدعو إلى تغييب العقل وتفعيل الشعور.

٦– ولأن الإنجيل المُعَادٍ للبدلية العقابية يروج للاختبار الصوفي فهو إنجيل مسكوني عابر للطوائف بل وللأديان. فبما أنه تم نزع عثرة الصليب، والمتمثلة في الجانب القضائي، وأن الصليب الآن اختبار للتأله أكثر من كونه يخص مذنوبية الإنسان بصفة أساسية، وعدم قدرته على فعل الصلاح بل ونفوره من قداسة الله، إذًا، فهو شئ يمكن أن يتفق ويجتمع حوله الكثيرون بما في ذلك غير المسيحيين. حتى أن الديانات الشرقية نفسها بها فكر مشابه في كون الإنسان يسعى للفناء في الألوهة.

٧– لأن الكرازة بالإنجيل الخالٍ من الكفارة العقابية تجنبهم الاصطدام بالإنسان الطبيعي الذي يقاوم أمور الله بطبيعته. وتُجنب مشقة الدفاع عن تعليم قد يسبب عثرة لمن يسمعه. هل يحب أحد من البشر أن يُقال له بأنه مذنب أمام الله ويستحق دينونته العادلة في الجحيم ولا يستطيع تبرير نفسه؟ في حين الحديث عن إله تأنس لكي تتأله أنت من المحتمل جدًا أن يكسب لك أتباعًا، ولا سيما إن اقترن ذلك بدعوة إلى الروحانية الصوفية.

إنهم يكرهون البدلية العقابية رغم أنها الحل لمشكلتهم. لا يريدون الحل الذي قدمه الله لمشكلة المذنوبية أمامه. فيقولون أن المشكلة غير موجودة من الأساس. فهم لا مذنوبية لهم كما انهم قادرون على فعل الصلاح. ما الفرق بين اعتراضهم على البدلية العقابية واعتراض الملحد على الجحيم؟ لا فرق، فكلاهما يريد الله كا يتصوره وليس كما أعلن هو عن نفسه سواء أعجب الإنسان أو لم يعجبه!

يكرهون البدلية العقابية إذًا لأنهم يحبون أنفسهم. لأنهم يريدون البقاء في المركز. ولأنها تقول أن الإنسان صفر اليدين، بل وتحت الصفر. مستوجب الدينونة الأبدية وغير قادر على إنقاذ نفسه أو فعل الصلاح. ولأن كراهيتهم للبدلية العقابية تمكنهم من إسكات الصوت الذي يهدد كبريائهم ويذكرهم بمشكلتهم الضاربة في العمق. لأنهم في غياب البدلية العقابية يشعرون أفضل حول أنفسهم بل ويمكّنهم ذلك من الإلقاء بأنفسهم في أحضان الرومانسية اللاهوتية والروحانية الصوفية. ولأن كراهية البدلية العقابية تحفظ لهم ماء وجوههم أمام ناقدي المسيحية وتمكنهم من العلاقات عابرة الطوائف والأديان. إن البدلية العقابية تسلب منهم كل أمجادهم وكل إمكانية بشرية للإفتخار ثم تنسبها لله. ولهذا فهم يكرهونها ويقاومونها!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس