هل خُلِقَ آدم ناقص الإنسانية؟


سؤال مرسل من صديق:

"ذَكَرَ أحدهم أن الله لا يريد أن يخلق كل شيء كاملاً، وإلا ما كان خلق آدم قابلاً لسقوط والخطية. ما هو الرد؟ وشكرًا".

هذا التعليم غير كتابي. ولو سلمنا بصحته، سنرى أنه يتعارض مع كافة جوانب الإيمان المسيحي.

أولاً هذا الادعاء يشوه طبيعة الله

الفكر الكتابي العام يقول أن الله لا يخلق شئ ناقص فهو "الصخر الكامل صنيعه" (تث ٣٢ : ٤). والنص في سفر التكوين يقول أن الله بعدما خلق الإنسان في اليوم السادس "رأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدًا" (تك ١ : ٣١). صحيح أنها قيلت عن الخليقة بأكملها. إلا أن الإنسان كان جزءًا من تلك الخليقة، وما ينطبق عليها ينطبق عليه. بل ينطبق على الإنسان أكثر لكونه رأس تلك الخليقة والمتسلط عليها. كما أن الخليقة قبله كانت ناقصة بما أن ما قبل الإنسان وُصِف بأنه "حسن" وبعد خلقه "حسن جدًا". فالخليقة صارت كاملة بمجيئه. النص الكتابي أيضًا في موضع آخر يؤكد نفس المعنى: "الله صنع الإنسان مستقيمًا، أما هم فطلبوا اختراعات كثيرة" (جا ٧ : ٢٩). بالاتساق مع ذلك، ينسب الكتاب المقدس الخلل الذي حدث في الخليقة، لا إلى عمل الله، بل إلى خطية الإنسان: "بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس" (رو ٥ : ١٢). في ضوء هذه الخلفية يقول البشير أن معجزات الرب يسوع المسيح كان عكس للتشوه والنقص الذي حدث في الخليقة بسبب خطية الإنسان: "وبُهِتُوا إلى الغاية قائلين: إنه عمل كل شئ حسنًا. جعل الصم يسمعون والخرس يتكلمون" (مر ٧ : ٣٧). فهل يمكن أن يصدر عن الكامل (الله) ناقص (الإنسان)؟

فضلاً عن ذلك، أليست العقوبة التي وقعت على الإنسان تفترض أهليته ومسؤوليته لتحملها؟ أن تفترض إذًا عدم كمال الإنسان هو نوع من الطعن في عدل الله بما أنه رأى أن الإنسان يستحق ما جاء عليه ولم يكن مطضرًا للسقوط بسبب عدم كماله.

ثانيًا، هذا الادعاء يشوه طبيعة الإنسان عند خلقه

النص الكتابي يقول أيضًا أن الإنسان خُلِقَ لا ليكون صورة الله ومثاله، بل بالفعل هو صورة الله ومثاله. والله لم يخلق لنفسه صورة ناقصة أو مشوهة. صحيح أنه كان على الإنسان مسؤولية أن يعيش على قدر هذا الامتياز، إلا أنه يظل مخلوقًا على صورة الله ومثاله. بل إن الكتاب المقدس لم يزل يرى الإنسان كصورة الله ومثاله رغم تشوهه بسبب فساد السقوط (تك ٩ : ٦، يع ٣ : ٩). صحيح أن السقوط شوه بشريتنا. إلا أنه يظل من منظور آخر يظل صورة الله ومثاله. كيف يكون الإنسان، إذًا، غير متكمل الخلق، أو غير مكتمل الإنسانية، بينما منذ لحظته الأولى خُلق على صورة الله ومثاله ولم يزل على صورة الله رغم تشوهها؟

ثالثًا، هذا الادعاء له تضميناته الخطيرة على بشرية المسيح

الادعاء أعلاه يخلط بين الكمال وعدم العصمة. خَلَقَ الله آدم كاملاً ولكنه لم يخلقه معصومًا. عدم العصمة تعني أنه كان لدى آدم القدرة على الخطأ والقدرة على عدم الخطأ. أي كان يستطيع أن يخطئ بقدر ما كان يستطيع أن يمتنع عن الخطأ. والكمال هو أنه كان لديه كامل الحرية والإرادة والقوة والمعرفة أن يمتنع عن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر ولكنه لم يرد. أي كان لديه كل الإمكانيات التي تمكنه من الامتناع عن الشر.

بشرية الرب يسوع المسيح، أيضًا، كانت لها القدرة على الخطأ والقدرة على عدم الخطأ (أنا أؤمن أن المسيح لم يكن من الممكن أن يخطئ بسبب اتحاد اللاهوت بالناسوت إلا أن اللاهوت لم يدعم الناسوت في التجربة). وإن لم يكن في بشرية الرب يسوع المسيح القدرة على الخطأ وعدم الخطأ في نفس الوقت لكانت تجربته في البرية مجرد تمثيلية (لاحظ أننا نتكلم عن الطبيعة البشرية وليس عن الاتحاد الهيبوستاتي للطبيعتين). اتخذ الرب يسوع المسيح بشرية مطابقة لتلك التي كانت لآدم قبل السقوط، لكي يخلصها، وإلا فهو لم يخلصها. فهل هذا يعني أن بشرية المسيح غير كاملة بما أنه آدم الأخير والإنسان الثاني؟

رابعًا هذا الادعاء يشوه عمل النعمة

نيتجة هذا الادعاء ستكون خطيرة على تعليم الخلاص. بمعنى أنه لو لم يخلق الله آدم كاملاً، إذًا فالسقوط لم يحدث، لأنه لم يكن في حالة من الكمال. أو على الأقل سقوطه لم يكن سقوطًا بقدر ما هو محاولة صوب الكمال. والله، بالنسبة لأصحاب هذا الفكر، ليس ملامًا على سقوط آدم، والسبب ليس لأنه لم يخلقه كاملاً، بل لأن السقوط ليس سقوطًا. هو فقط نوع من الانحراف عن مسار الاكتمال. وهذا هو تعليم الأرثوذكسية الشرقية. هدف هذا التعليم هو نفي السقوط أو التخفيف من حدته على الأقل، ومن ثم عدم إفساح المجال للخطية الأصلية والبدلية العقابية، وجعل الخلاص تأله (تأنس لكي نصير آلهة) وليس خلاص من دينونة الخطية وسلطانها. تستطيح السقوط يؤدي إلى تسطيح عمل المسيح. وكما قال توماس واطسون ما لم تكن الخطية مُرَّة، فالمسيح ليس حلوًا.

خامسًا، هذا الادعاء يتعارض مع نزاهة ووضوح النص الكتابي

كما سبق ورأينا، فإن كل من نص سفر التكوين ١ – ٢ ، والحق الكتابي العام، يعلمان بوضوح أن الله خلق الإنسان كاملاً وليس ناقصًا لأي شئ. أن تدعي أن الإنسان لم يخلق كاملاً، هو نوع من الاتهام للكتاب المقدس بالغش أو الغموض. وكأن الكتاب المقدس يقول الشئ وعكسه. في المقابلة مع وضوح الكتاب المقدس حول كمال خلق الإنسان قبل السقوط، فإن الادعاء بأنه خُلِق إنسانًا غير مكتمل الإنسانية هو ادعاء غامض ليس له معنى واضح. لأن كل ما هو أقل من الإنسان ليس إنسانًا. فهل هذا معناه إذًا أن آدم كان بين الإنسان والحيوان، بما أنه لم يكن مكتمل الإنسانية؟ وما هو الفرق بين ذلك وبين التطور الدارويني؟ هل يمكن أن يعطينا أصحاب هذا التعليم ولو مثال كيف كان آدم أقل من إنسان؟

وهكذا فإن هذا الادعاء يشوه كافة جوانب الحق المسيحي ويطعن فيها جميعًا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس