لماذا أنا غير مقتنع بأطروحة جاري هابرماس "الحد الأدنى من الحقائق الستة عن القيامة"


للدكتور جاري هابرماس، المدافع عن تعليم القيامة، منهج أو أطروحة في إثبات قيامة الرب يسوع المسيح. وهذه الأطروحة تتلخص في أنه قام بتجميع أكبر عدد من الحقائق عن قيامة المسيح يتفق حولها أكبر عدد من النقاد غير المسيحيين. وهذه الحقائق الستة التي يرى هابرماس أن نقاد المسيحية يتفقون حولها كالآتي:

يسوع مات مصلوبًا.
اختبر تلاميذه ما صدقوا أنه ظهورات يسوع المقام.
تغيرت حياتهم لدرجة استعدادهم للموت.
تم التعليم بالقيامة في وقت مبكر جدًا من المسيحية (ليست أمر مختلق تم تطويره لاحقًا).
إيمان بولس ويعقوب أخا الرب بالقيامة اللذان كانا قبلاً متشككان.
القبر الفارغ.

وقبل أن أقول لماذا أنا غير مقتنع بهذه الأطروحة، لا أستطيع إلا وأن أشيد بهذه الغيرة وهذا المجهود للدكتور هابرماس في الدفاع عن هذا التعليم المركزي. ولا أستطيع أن أنكر وجود أي قيمة لأطروحة هابرماس. ولكني أرى أنها ذات قيمة محدودة بقدر أن ما تنجزه تلك الأطروحة محدودًا. من ناحية أخرى، فإن هذه الأطروحة أيضًا مؤسسة على افتراضات مضادة للحق المسيحي. وهذا يقودنا إلى أول سبب لماذا أنا غير مقتنع بهذه الأطروحة.

أولاً التخلي عن مصداقية وتاريخية العهد الجديد لحساب نقاده

ليس كل دفاع عن الإيمان المسيحي يكون في حقيقته كذلك. تمامًا مثلما نرى أحد مدافعي كرة القدم يقوم عن طريق الخطأ بإحراز هدف، لا في مرمى الفريق المنافس، بل في مرماه هو. وهذا للأسف أعتقد أنه ينطبق على أطروحة هابرماس. إحدى نقاط الضعف الخطيرة فيها هو أنه تخلى عن مصداقية وتاريخية العهد الجديد تسليمًا لرغبة نقاد العهد الجديد. إن محاولة إيجاد مصادقة أو تأييد للمسيحية من كتابات النقاد المتشككين في وحي ومصداقية العهد الجديد لهو إقرار ضمني بإستبعاد العهد الجديد واعتباره غير مؤهل للحديث عن القيامة.

إن رفض المتشكك لموثوقية ووحي أسفار العهد الجديد هو موقف متحيز من طرفه. بل إنه نوع من الكذب أن تنكر مصداقية العهد الجديد. وأن تتفق معه حول ذلك هو أن توافقه على هذه الكذبة. ربما تعترض على ذلك بالقول أن المتشكك لا يؤمن بالوحي. هذا صحيح، ولكنه في نفس الوقت لا تستطيع أن تضمن أن المتشكك يؤمن بأن ما يكتبه غيره من النقاد وحي بدوره. بل وهناك من الملحدين من لا يقبلون بالفعل هذه الحقائق الستة للقيامة التي يدلل عليها هابرماس من مصادر نقدية خارج كتابية. لا يوجد ضمان بأن المتشكك يؤمن بأي شئ.

والسؤال هنا: هل نحن مضطرون للتخلي عن مصداقية وموثوقية ووحي أسفار العهد الجديد حتى نؤكد على تاريخية القيامة؟ إن محاولة إيجاد تأكيد لتاريخية القيامة من مصادر خارج كتابية ليست فقط إقرار بمعيارية تلك المصادر فوق أسفار العهد الجديد، وجعلها قاضيًا وحكمًا على كلمة الله الصادقة، بل في نفس الوقت هو تخلٍ عن ذات تاريخية ومصداقية وثائق العهد الجديد بما أن النقاد يرفضون كونها وحيًا.

ثانيًا، هذه الحقائق الستة هي حقائق مصاحبة للقيامة فقط وليست عن القيامة نفسها

ماذا تغفل الحقائق الستة أعلاه؟ مع قيمتها، إلا أنه ولا واحدة منها تقول مباشرة أن المسيح قام جسديًا في اليوم الثالث، وأنه قام بذات الجسد الذي مات به (وإن كان في هيئة ممجدة)، وأن ذلك الجسد له لحم وعظام. بكلمات أخرى، إن نقاد الكتاب المقدس يقرون بتاريخية حقائق مصاحبة للقيامة، وليس بتاريخية القيامة نفسها. لو سألت أي واحد منهم هل تؤمن بقيامة المسيح سيقول لك: "لا". هو فقط يحاول أن يتعامل بموضوعية مع معطيات تاريخية (داتا). ويستعمل ذات هذه المعطيات ليخلص إلى ننتيجة أخرى. فهو يقر مثلاً بأن التلاميذ "اختبروا ما صدقوا أنه ظهورات المسيح المقام"، ورغم هذا هو غير مستعد للاعتراف أن يسوع قام من الموت جسديًا. وقد يكون له أكثر من تفسير لهذه الظهورات سوى أنها قيامة حقيقية. القبر الفارغ أيضًا قد يتم تفسيره بأكثر من صورة، مثل نظرية القبر الخاطئ، أو سرقة الجسد، إلخ. صحيح أن هذه النظريات ضعيفة ولا تصمد أمام التمحيص، إلا أنها في النهاية طريقة الناقد لتفسير المعطيات. وقد يكون غير مضطر لتفسيرها من الأساس فيتركها هكذا بدون تفسير.

ثالثًا، القيامة تحتاج إلى سياق كتابي ولاهوتي لتفهم من خلاله

على فرض أن الحقائق السابقة تثبت القيامة. فإن السؤال المنطقي حينها سيكون ما هي القيمة اللاهوتية للقيامة؟ المشكلة هنا هي أن هذه الحقائق تقدم القيامة بدون معنى أو سياق لاهوتي. أي ليست المشكلة فقط في تلك الحقائق الستة أعلاه أنها لا تشير إلى القيامة الجسدية مباشرة، بل إنها لا تقدم لها معنى أو سياق لاهوتي أو قيمة معينة. في حين أن الكتاب المقدس يقدم لنا كل من تاريخية القيامة والقيمة اللاهوتية لها معًا. إن القيامة لا توجد بمعزل عن باقي حقائق الإيمان المسيحي، بل في سياق دراما كتابية شاملة عن الخلق والسقوط والتجسد والفداء وتتمة كل شئ في أحداث النهاية. من هذا تتخذ القيامة قيمتها ومعناها. إن قيمتها لا يمكن أن تُرى سوى في نسيج الحق الكتابي بأكمله. فهل من المتفرض، إذًا، أن تخبرنا كتابات النقاد بتاريخية الحقائق المصاحبة للقيامة، ودون أن تنسب معنىً للقيامة، ثم نلجأ للكتاب المقدس ليخبرنا عن أهمية القيامة والغرض منها؟ وأليس هذا معناه أننا سنلجأ إلى العهد الجديد لمعرفة القيمة والمعنى اللاهوتيين لحقيقة القيامة وهو ذات الكتاب الذي افترض النقاد عدم موثوقيته؟

أخيرًا، إثبات القيامة لا يكون بالتخلي عن مصداقية العهد الجديد بل من خلال، وفي سياق، العهد الجديد

لسنا مضطرون للتخلي عن تاريخية وموثوقية ووحي العهد الجديد حتى نثبت قيامة المسيح. إننا بتسليمنا لرفض النقاد لموثوقية العهد الجديد لا نلعب على أرضًا مشتركة معهم، بل بالحري جعلناهم يحتلون أرضنا بالتسليم بصحة افتراضهم المسبق بأن أسفار العهد الجديد لا يُعول عليها تاريخيًا وليست وحيًا معصومًا. على العكس من ذلك، إن الدفاع عن القيامة يكون من خلال التمسك بكل من موثوقية وعصمة وحي العهد الجديد. ليس فقط حتى نضمن صحة ما يطرح علينا، بل أيضًا لكي توضع في سياق الأحداث الكتابية الكبري، الخلق والسقوط، والفداء، الأمر الذي تستمد منه قيمتها ومعناها. وهذا ما لا يتوافر لدى النقاد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس