رفض نعمة الله دائمًا (تقريباً) ما يكون مقترنًا بنظرة دونية للكتاب المقدس

بينما من الناحية النظرية، يمكن أن توجد العقيدة الصحيحة لدى أحدهم، بدون الإيمان القلبي الشخصي، لكن في الكتاب المقدس لا نرى نماذج لذلك. بل العكس صحيح، فبولس ينسب البرقع الموجود لدى اليهود إلى كل من أذهانهم وقلوبهم (٢ كو ٣ : ١٤ – ١٦). وإن كان اليهود قد صدقوا أن العهد القديم هو كلمة الله، إلا أنهم عاملوه كدرجة ثانية أمام تقليدهم "أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم" (مت ١٥ : ٦). إذًا، فهم لم يفهموا المكتوب من ناحية، ومن ناحية أخرى وضعوه في مرتبة أقل من التقليد.

والسبب في الارتباط بين الرأس والقلب، أو بين الاعتقاد والاتكال، هو أن الإنسان الطبيعي، في حالته الطبيعية، لا يقبل ما لروح الله، سواء بالفكر أو بالقلب. ويحتاج إلى عمل الروح القدس لينير ذهنه فيفهم المكتوب (رسالة الإنجيل)، وفي نفس الوقت يعطيه الإيمان القلبي (الذي هو عطية الله – أف ٢ : ٨). في كل الكتاب المقدس لا نقرأ أن أحدًا كان له فكر سليم من نحو الله وكلمته بينما لم يكن له إيمان قلبي حقيقي. وبما أن الروح القدس هو الذي يهب العقل الإستنارة لفهم المكتوب، وأن الإنسان في حالته الطبيعية لا يقبل ما كتبه روح الله (النص المقدس)، فهل إذًا يمكن للروح القدس أن يهب لشخص استنارة جزئية فقط في الرأس دون القلب؟ هناك دائمًا ارتباط في عمل الروح القدس، بين اعطاءه للوحي Inspiration ، وبين اعطاءه استنارة لفهم الوحي Illumination . إن الروح القدس الذي يعطينا نعمة لنقر بالوحي المعصوم، ونعطيه المكانة الأولى التي تليق به (سولا سكريبتورا)، هو نفس الروح الذي يعمل في قلوبنا للاستنارة في فهم ذلك الوحي وقبول رسالته بصورة قلبية وشخصية.

أما نقاد الكتاب المقدس، الذين يفهمون العقائد الصحيحة، مثل الثالوث وألوهية المسيح، ونعمة الله، فهم يفهمون أن الكتاب المقدس يعلّم بها، لكنهم لا يوافقون عليها، بل يرفضونها. لهذا ينقدون الكتاب المقدس. الطوائف غير الكتابية مثلاً تقر بأن الكتاب المقدس كلمة الله، لكنها ترفض الخلاص بالنعمة وتعلّم بالخلاص بالإيمان والأعمال معًا. وهم جميعًا، على اختلافهم، يضعون الكتاب المقدس في مرتبة أقل من تقاليد معينة أو آراء خارج كتابية extra-biblical .

لهذا علّم المصلحون أن الإيمان الحقيقي يتكون من عناصر ثلاثة: المعلومات أو المحتوى العقيدي (نوتيشيا)، التصديق أو المصادقة على صحة تلك المعلومات (أسينسوس)، والاتكال القلبي الشخصي على المحتوى العقيدي (فيدوكيا).

إن ادعاء تيموثي كلر، إذًا، عارٍ من الصحة. هناك فعلاً من يقرون بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله، لكنهم لا يعاملونه كذلك. بل يضعون آراء البشر وتقاليدهم فوقه. ولهذا فهم يرفضون تعليم النعمة. لأن إعلاء آراء البشر فوق الكتاب المقدس ينتج عنه دائمًا رفض تعليم النعمة. ورفض تعليم النعمة بسبب البر الذاتي يُدْعَم بمصادر خارج كتابية. لهذا ترى مثلاً أنصار المنظور المحدث لبولس، الذين يطعنون في التبرير القضائي بالنعمة، يحتجون بيهودية الهيكل الثاني (أي كتابات ما بين العهدين). والطوائف التقليدية تحتج بالتقليد وآباء الكنيسة لدعم عقيدتهم بالخلاص بالإيمان والأعمال معًا.

أخيرًا، يبدو لي أن كلام تيموثي كلر هنا، فضلاً عن كونه يتضمن نظرة دونية لكل من الكتاب المقدس وعمل الروح القدس، إن أُخِذَ إلى أبعاده المنطقية، يؤدي إلى الشمولية. وهي الاعتقاد بأن الله يخلص غير المسيحيين الذي لم يسمعوا عن المسيح بأفضل المعرفة الدينية لديهم، وفي نفس الوقت على حساب عمل المسيح. وقد قال كلر كلام مشابه لذلك في حديثه مع الصحفي مارتن بشير:

"هناك الكثير من الناس ... نشأوا في الكنيسة ... الذين في طريقهم إلى أبدية بلا مسيح ... هناك الكثير جدًا من الناس الذين تربوا على المسيحية ... إلا أنهم في قلوبهم، لم يتحولوا إلى نعمة الله. الناس الذين يتبعون الديانات الأخرى، إن لم يجدوا المسيح، وأنا لا أعلم طريق آخر، ولكن أنا أيضًا أحصل على معلومات على أساس ما أحتاج أن أعرفه الآن. إن كان هناك باب سري أو شيء من هذا القبيل، لم يتم إخباري بذلك".

تميوثي كلر يعلّم تعاليمًا خطيرة. ويستغل موضوعات صعبة لتمرير أجندات غير كتابية!

---------------------

ترجمة عبارة تيموثي كلر في التويتة:

" هل تريد القول أن جميع المؤمنين بالكتاب المقدس اليوم هم مسيحيون؟ لا. هناك أناس اليوم يؤمنون بصحة الكتاب المقدس، لكنهم لم يختبروا نعمة يسوع".

لقراءة المقال التحليلي للقاء مارتن بشير مع تيم كلر: "تيم كيلر لا يعرف إن كان هناك باب سري للخلاص لغير المسيحيين"






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس