إن كان التبرير بالايمان وحده، فلماذا الدينونة بحسب الاعمال؟


في كتابه "الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي"، بعد أن يقتبس الأنبا شنودة الكثير من النصوص الكتابية التي تثبت أن الدينونة حسب الأعمال، يخلص إلى هذه النتيجة:

"فإن كانت الأعمال على هذه الدرجة من الخطورة – خيرًا كانت أم شرًا – بحيث يدان الإنسان بموجبها، فهل يجرؤ أحد أن يقلل من قيمة الأعمال وأهميتها؟!"

وهو يقصد أهميتها للخلاص أو للتبرير أمام الله.

وللتوضيح، يمكننا إعادة صياغة سؤال الأنبا شنودة بهذه الطريقة: إن كان التبرير بالإيمان وحده، فكيف تكون الدينونة حسب الأعمال؟

يبدو أن ما قصده الأنبا شنودة من اقتباسه للنصوص الكتابية التي تعلّم بأن الدينونة ستكون حسب الأعمال هو أن الله سيزن أعمال الإنسان الصالحة في مقابل أعماله الشريرة، وإن رجحت كفة أعماله الصالحة سينال الحياة الأبدية. لكن هذا مفهوم وثني عن الدينونة يفترض صلاح الإنسان. إنه أقرب إلى ما اعتقده قدماء المصريين عن الدينونة منه إلى ما يعلمّه الكتاب المقدس حول ذلك.

إن الكتاب المقدس يعلّم بالفساد الجذري للإنسان وأنه ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد (رو ٣ : ١٢)، حتى أن اليهود أنفسهم لم يعمل منهم أحد الناموس (يو ٧ : ١٩). وأن الأعمال التي تبدو في ظاهرها صالحة هي في باطنها فاسدة لأنها نابعة من طبيعة بشرية ملوثة، ولا هي مدفوعة بمجد الله ومحبته من كل القلب والفكر والإرادة (إش ١ : ٥ – ٦ ٦٤ : ٦، في ٣ : ٨، تي ١ : ١٥). فقد رأى إشعياء أعمال بره على أنها ثوب ملطخ، وحسبها بولس مثل روث البهائم. فكيف يراها إذًا من هو أقدس من إشعياء وبولس بما لا يُقاس؟ وهذه هي النصوص التي لم يقتبسها الأنبا شنودة حتى تكتمل الصورة.

ولهذا فليس معنى أن الدينونة ستكون حسب الأعمال هو إظهار ما فيها من البر، بل حساب مقدار الشر الذي فيها (حتى ما بدا منها له صورة التقوى) طبقًا لميزان الله الدقيق؛ وهو شر كثير جدًا في نظر الله كلي القداسة والساكن في نور لا يدنى منه.

ومع هذا، فإن كل من الدينونة والتبرير حقًا حسب الأعمال. طبعًا ليس بالمعنى الذي يقصده الأنبا شنودة. بكلمات أخرى، إن كل من الدينونة والتبرير حقًا حسب الأعمال، إلا أن التبرير حسب أعمال طاعة المسيح الإيجابية للناموس عنا (رو ٥ : ١٩، غل ٤ : ٤)، وحسب عمل الصليب من أجلنا (في ٢ : ٦ – ٨). الإنسان يتبرر من خلال الإيمان وحده على أساس أعمال طاعة المسيح الكاملة حتى الموت موت الصليب. ذلك لأن الإنسان مديون وتحت الدينونة وعاجز عن سداد ديونه (رو ١١ : ٣٢، غل ٣ : ٢٢). في حين أن الدينونة حقًا ستكون حسب أعمال الإنسان التي ليس فيها بر حقيقي بل ظاهري فقط.

إذًا فالتبرير والدينونة كلاهما حسب الأعمال. لكن الأول حسب أعمال المسيح البارة من أجلنا، والثانية حسب أعمالنا الشريرة وإن كان بعض أعمالنا صالحة في ظاهرها إلا أنها نابعة من طبيعة ملوثة، وغير مدفوعه بمجد الله ومحبته، ولهذا فهي فاسدة في باطنها.

فضلاً عن ذلك، فإن الأنبا شنودة غير متسق في منهجه. فإن كان ينسب الخلاص إلى كل من الإيمان والأعمال والأسرار معًا، فلماذا لا تكون الدينونة أيضًا طبقًا للإيمان والأعمال وممارسة الأسرار؟ ربما تقول لي أن الخاطيء ليس عنده إيمان ولا يمارس الأسرار. وحينها سأجيبك بأنه ولا عنده أعمالاً بارة أيضًا، بل فقط ما له مظهر التقوى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس