لماذا الإسلام والتطور قابلين للدمج على خلاف الحال مع المسيحية؟


أحد مدعي التنوير المسيحيون يستخدم محاولة مفكر إسلامي للتوفيق بين ما ينادي به الإسلام والتطور الدارويني، لإبراز الخلاف بين ادعاءات أشباه العلوم، كنظرية التطور، وبين عقيدة الخلق الكتابية، وكيف تعرض هذا المفكر الإسلامي لموجة من التكفير إثر ذلك، الأمر الذي يحدث داخل المجتمع المسيحي (بحسب زعمه).

لكن هذا "التنويري المسيحي" أغفل فرقًا جوهريًا خطيرًا بين كل من الأنثروبولوجي المسيحي ونظيره الإسلامي، أي عقيدة الخلق طبقًا للمسيحية، ونظيرتها لدى للإسلام. فالإسلام يقول أن "كل إنسان يولد على الفطرة"، أي أن الإنسان يولد صالح بطبعه والبيئة المحيطة به هي التي تجعله شريرًا.

ليس ذلك فقط، بل طبقًا للمعتقد الإسلامي أيضًا، فإن آدم واحد من الأنبياء والرسل. والأنبياء والرسل، معصومون. ولم تكن خطية آدم سوى نوعًا من النسيان. كما أنها كانت قبل نبوته ورسوليته ثم تاب عنها. والتوبة تغفر الذنب. والنتيجة المنطقية لهذا هو إن كان آدم معصومًا، فأي ذنب وفساد سيورثهما إلى نسله؟

على النقيض من ذلك، تعلِّم المسيحية بالخطية الأصلية. وهو التعليم بأن سقوط آدم كان سقوطًا للبشرية كلها لأنها كانت ممثلة فيه لكونه نائبًا ورأسًا عهديًا. هذا السقوط أدى إلى توارث الفساد الجذري لطبيعة آدم. فأصبح الإنسان يخطيء لأنه فاسد. أي هناك نبع فاسد بداخله ينضح بالشرور. وليس أن الشر يأتيه من الخارج.

إن الإسلام، إذًأ، في ضوء ما تعلِّمه المسيحية عن الخطية الأصلية، يصبح والبيلاجيوسية شيئًا واحدًا. بتعبير آخر، لا يوجد فرق جوهري بين العقيدة الإسلامية للخطية والبيلاجيوسية، فكلاهما ينكر الفساد الموروث.

والسبب في إمكانية التوفيق بين داروين والإسلام هو أن الأول يرى الإنسان صاعدًا من حالة سفلى. والثاني يرى الإنسان في حالة عليا لم يسقط منها. على خلاف المسيحية التي تعلم بأن الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله، ونائب الله الملك على الخليقة، ولكن بعصيانه سقط من هذه المكانة (العُليا) وصار فاسدًا، مورثًا لنسله ذلك الفساد أيضًا. لهذا جاء آدم الأخير، الرب يسوع المسيح، ليُصْعِد الإنسان من حمأته الروحية والأخلاقية. لا يوجد آدم آخر في الإسلام، لأن سقوط آدم الأول لم يؤثر على نسله، ولا حتى أفقده هو براءته أو في هذ الحالة فطرته. المسيحية، إذًأ، لا تحتمل إنكار تاريخية آدم كالأب الأول لجميع البشر.

لهذا فأي محاولة للتوفيق بين الخلق في الإسلام والتطور الدارويني لن يضير الإسلام بصورة جوهرية. لكن مثل هذه المحاولة مع المسيحية ستؤول إلى تقويض حق الإنجيل نفسه. فالإنجيل المسيحي يقوم أو يَسْقُطُ على تعليم الخطية الأصلية. وعليه فأن يُسْقِطُ أحد مدعي التنوير المسيحيون توفيق الإسلام مع داروين على المسيحية ينم إما عن جهل بالفرق بين العقيدتين، أو عدم الاعتقاد بالخطية الأصلية. ويبدو أن الاختيار الأخير ينطبق على مدعي التنوير المسيحيين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس