الدكتور ماهر صموئيل كاثوليكي في ثياب بروتستانتية

مناداة ماهر صموئيل بذات التعليم الكاثوليكي "البر المغروس" الذي قاومه المصلحون

ملخص المقال

المنهج الذي يستخدمه الدكتور ماهر صموئيل في الطعن في التبرير الكتابي يمكن تلخيصه في هذه الأمور الثلاثة:
بِجَعْله واحدة من البركات (التهميش)‏
.
بِجَعْلَه وسيلة إلى غاية (تهميشه وكثلكته)‏
.
بوصفه على أنه بر مغروس مما يجرده من الطابع القضائي (المفهوم الكاثوليكي للتبرير)‏
.
العدالة العقابية لديه هي أن المسيح اختبر الموت ليظهر بشاعة الخطية وليس أنه تحمل عنا الدينونة الأبدية
.
التبرير لديه ليس إعلان الله القضائي بأن الخاطيء بار في المسيح، بل هو غرس نعمة أولية داخل الإنسان تؤدي إلى طاعة. وهذا ‏هو البر بالناموس الذي قاومه المصلحون. لأنه يخلط التبرير بالتقديس مما يجعل تبرير المسيح غير كامل ويحتاج إلى أعمال الإنسان ‏لتكميله وتفعيله
.
تكلم الدكتور ماهر صموئيل عن التبرير دون أن يعلّم بأنه بالإيمان وحده. ودون أن يشير إلى طاعة المسيح النشطة للناموس نيابة عنا ‏والتي حُسِبَت لنا
.
إن تعليم الدكتور ماهر صموئيل بالبر المغروس، وليس بالتبرير القضائي أمام الله، هو ذات التعليم الكاثوليكي الذي رفضه المصلحون ‏لأنه يحول الإنجيل إلى ناموس
.
ولكن التبرير إعلان قضائي بأن الخاطيء أصبح بارًا نتيجة احتساب طاعة المسيح له. والدليل على أنه مفهوم قضائي وليس شيء ‏متعلق بالتغيير الداخلي كما يعلم ماهر صموئيل، هو أن التبرير يوضع في العهد الجديد في مقابلة مع الدينونة. وأنه يحدث في لحظة ‏كحدث في الماضي التام. وأن مصطلح التبرير اِسْتُعْمِلَ في وصف الله مما يعني أن الله لا يُجْعَلُ بارًا داخليًا بل يُعلن بره بواسطة ‏الإنسان
.
الدكتور ماهر صموئيل علّم أيضًا بشكل من أشكال المطهر الكاثوليكي عندما قال مع يوسف يعقوب ما المانع أن تكون العقوبة درجات ‏في مدتها
.
الدكتور ماهر صموئيل إذًا يحول النعمة إلى ناموس ويريد العودة بنا إلى ما قبل الإصلاح.‏

****

في هذه العظة عن التبرير، والتي قُدِّمت على منبر كنيسة إنجيلية كبيرة، لا يشرح الدكتور ماهر صموئيل التبرير طبقًا للمفهوم الكتابي البروتستانتي، بل يطعن به، متبنيًا ذات المفهوم الكاثوليكي الذي قاومه المصلحون عن التبرير، ألا وهو البر المغروس. ذات التعليم الذي عرض المصلحون حياتهم للخطر في مقاومته، لكونه التبرير بالناموس، يعلم به الدكتور ماهر صموئيل بكل أريحية.

والمنهج الذي يستخدمه الدكتور ماهر صموئيل في الطعن في التبرير الكتابي كما علّم به المصلون يمكن تلخيصه في هذه الأمور الثلاثة:

بِجَعْله واحدة من البركات (التهميش).
بِجَعْلَه وسيلة إلى غاية (تهميشه وكثلكته).
بوصفه على أنه بر مغروس مما يجرده من الطابع القضائي (المفهوم الكاثوليكي للتبرير).

بالنسبة للأولى، فإن عادة الدكتور ماهر صموئيل هي تهميش الجانب القضائي في الخلاص. وهذا يفعله بأكثر من صورة. على سبيل المثال، فقد قال سابقًا أن أكثر كلمة نطق بها المسيح ليست الخلاص، بل الملكوت. وهو بذلك يقوم بإعلاء مفهوم الملكوت العام على حساب الجانب القضائي المتمثل في الخلاص من الدينونة. وفي حديثه "كيف نفهم الاختيار في ضوء محبة الله" قال أنه لا يوجد اختيار للخلاص ولكن اختيار لمهمة أو إرسالية. وأن الله اختارنا، لا للخلاص من الدينونة، بل للتبني، ولنكون قديسين. أي اختيار ليس للخلاص القضائي ولكن للعلاقة والشركة مع الله. طريقة أخرى أيضًا يهمش بها الجانب القضائي من الخلاص هو قوله المتكرر أن المسيح لم يأتي لكي يخلصنا من الجحيم بل ليسترد لنا إنسانيتنا (وهو تعليم أرثوذكسي شرقي كما أوضحت في ثلاث مقالات أخرى). وبينما قال المصلحون عن التبرير أنه المحور الذي تدور عليه المسيحية، وأنه التعليم الذي تقوم أو تسقط عليه الكنيسة، يصفه ماهر صموئيل هنا بأنه "واحدة من البركات".

"لما تقرا وتجمَّع معظم اللي اتقال عن الترير، تقدر تقول إنه: واحدة من البركات اللي نتجت للبشر، ويقدر الإنسان، لو عايز، يتمتع بيها. البركات [الكثيرة] اللي جت بسبب عمل المسيحي الفدائي من أجلنا".

صحيح أن كفارة الرب يسوع المسيح مثل اللؤلؤة الواحدة متعددة الجوانب، أي كثيرة الكنوز، إلا أن لها جانبًا مركزيًا موضوعيًا، ألا وهو البعد القضائي الذي نعبر عنه بمصطلحات مختلفة مثل البدلية العقابية، التبرير القضائي، الخلاص من الدينونة، إلخ.

بالنسبة للثانية، فهو يجعل التبرير مجرد وسيلة إلى غاية بقوله: "التبرير ينبغي أن يكون أمام الله من أجل استرداد إنسانتينا التي فقدناها". وهنا، فضلاً عن كونه يخلط التبرير بكل من التجديد والتقديس، وهو نفس الخطأ الفادح للكنيسة القروسطية، وفضلاً عن أنه يهمش التبرير بِجَعْلِه وسيلة لاسترداد إنسانيتنا، فهو يقوم بكثلكته أيضًا من خلال نفي طابعه القضائي الكتابي الذي أكد عليه المصلحون. وهذه النقطة متداخلة مع النقطة التالية وستتضح أكثر من خلال إظهار كيف يعيد ماهر صموئيل إقحام المفهوم الكاثوليكي على التبرير. لكن يكفينا هنا التأكيد على أن منهج الدكتور ماهر صموئيل في تناول التبرير يعتمد على تهميشه بجعله مجرد وسيلة إلى غاية. وهذا المنهج استعمله مع الاختيار أيضًا. لكن التبرير ليس مجرد وسيلة إلى غاية. صحيح أننا من منظور ما نتبرر لننعم بالتغيير والشركة الأبدية مع الآب والابن والروح القدس. إلا أن التبرير أيضًا في حد ذاته غاية. أن نظل مكتسين بثياب بر المسيح فهذه غاية عظمى لا يوجد أعظم منها. إن مسرة الله أن يظل يرانا دائمًا متسربلين بالطاعة الإيجابية للمسيح. أي طاعة المسيح للناموس طيلة الثلاث والثلاثون سنة نيابة عنا واحتسابًا لنا. أن تنزع عنا هذا الثوب الأبيض النظيف هو أن نُطْرد من عُرْس ابن الملك. علينا أن نظل مكتسين بهذا الثوب الأبيض طوال العرس الأبدي. ولن ينزعه أحد عنا لأن الله هو الذي يبرر ولا يوجد من يشتكي. لقد أصبح تبرير المسيح لنا جانب جوهري في هويتنا الجديدة الممنوحة لنا كأبناء لله. لكن ماهر صموئيل يهمشه بجعله بركة مؤقتة أو وسيلة إلى غاية.

أما النقطة الثالثة فسيتركز أغلب حديثنا عليها. لكن قبل الانتقال إليها، أريد هنا لفت النظر إلى مفهوم ماهر صموئيل عن العدالة العقابية. أرجو ألا ينخدع المستمع لماهر صموئيل بسبب إستخدامه لنفس المصطلحات التي نستخدمها نحن كإنجيليين، لأنه، بكل تأكيد، يعني بها شيئًا آخر تمامًا. وهذا هو صميم المنهج الليبرالي إذ يستعملون مصطلحاتنا ليخفوا وراءها مفاهيمهم غير الإنجيلية.

علي أي حال، فإن ما يقصده ماهر صموئيل بالعدالة العقابية ليس هو البدلية العقابية. فقد صرح في حلقته "سرانية الصليب" أن لديه ثلاث مشاكل مع البدلية العقابية. وهذا في حد ذاته كفيل، لمن له آذان للسمع، بإظهار أن ماهر صموئيل ليس بروتستانتيا. إن ماهر صموئيل يستبعد البدلية العقابية ليمزج بدلاً منها نظريات كفارية أخرى معًا، مثل الكفارة العلاجية، كما نفهم من استعماله الكثير من المفاهيم العلاجية (استرداد إنسانيتا). ومثل نظريتي التأثير الأخلاقي لـ بيتر أبيلارد Moral Influence Theory ومثل النظرية الحكومية لـ هيوجو جروتيوس Governmental Theory.

النظرية الأولى مفادها أن المسيح أظهر محبة الله على الصليب الأمر الذي يُلَيِّن قلب الإنسان ويثمر فيه توبة. وقد عبر الدكتور ماهر صموئيل عن ذلك بقوله في حديثه مع أستاذ عاطف كامل عن "كورونا" بأن "غضب الله هو محبة الله المجروحة" لهذا سحب الله يد عنايته فحدث الوباء. صحيح أن الصليب إظهار لمحبة الله (وعدله أيضًا)، إلا أن الله لا يستجدي عطف الخاطيء في الصليب، بل كما يظهر الصليب محبته، يظهر أيضًا عدله الكامل. أما عن الثانية ففحواها هو أن الله أظهر في الصليب كراهيته الشديدة للخطية. وهذا صحيح طبعًا، لكنه ليس الغرض الجوهري من الصليب. إذ في الصليب تحمل عنا المسيح دينونة الجحيم الأبدي التي كانت من نصيبنا. إلا أن اعتناق ماهر صموئيل للنظرية الحكومية واضح في تصريحات كثيرة. ففي حلقته "سرانية الصليب" قال أن العقاب الذي تحمله المسيح على الصليب بدلاً عن الخطاة، بالنسبة له، هو تعبير عن استياء الله من الخطية "إقرار بأن ما حدث خطأ". قال أيضًا أن "العدل هو التأكيد على الغلط اللي حصل". ثم تأتي جملة كاشفة للدكتور ماهر لاحقاً يؤكد بها أن هذا هو نفس مفهومه عن العدل والعقوبة: "وده اللي كان بيقوله ديزموند إنه لازم يكون فيه شيء من العقاب أو الإقرار بالخطأ اللي حصل". فالعدل بالنسبة له ليس تحمل العقوبة، أو الاقتصاص من المذنب، ولكن الإقرار أو التأكيد بأن ما حدث خطأ.

في حلقته عن التبرير صرّح أيضًا بأن العدالة العقابية في الصليب هي إظهار كراهية الله للخطية، وليس أنه تحمل الدينونة الأبدية نيابة عن الخطاة:

"ربنا قلبه كبير، بس عمره ما يكون قلبه كبير على حساب العدالة العقابية. وكان لازم يشوف لها حل. والمسيح حَلّ المشكلة دي. إنه راح للصليب، واختبر فعلاً عقوبة كل الأفعال الرديئة التي نحن فعلناها. إحنا مش عارفين بشاعة اللي إحنا عملناه. إحنا مانعرفش الله شايفه إزاي. حقيقي مانعرفش. ومهما قرينا الكتاب، وشوفنا أد إيه الله بيكره الخطايا، يعني إيه واحد يغتاب واحد ... بس إنت ماتعرفش الله بيوزن الموضوع ده إزاي. ماتعرفش قلبه بيتكسر إزاي. ماتعرفش قلبه بيشوف حجم الظلم اللي بيقع ع الآخر إزاي. لأ، الخطية وحشة، والخطأ لابد أن يكون له عقاب".

لاحظ أن ماهر صموئيل في العبارة السابقة لا يقول أن المسيح "تحمل العقوبة" لكن "اختبر العقوبة". اختبرها لكي يظهر كراهيته للخطية وما تؤل له "قلبه بيتكسر ... الخطية وحشة والخطأ لابد أن يكون له عقاب".

ثم يستكمل ماهر صموئيل عبارته السابقة:

"أه بس هروح في داهية أنا كده. أيوة صح. بس فيه واحد هيخلص المشكلة دي بدالك. فدخل يسوع إلى الصليب. وأنا ماعرفش إزاي الله وَرَّالُه خطاياي، لكن المسيح كان هناك مجروحًا من أجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. ماتقدرش تكروت الآية دي وتقول: ما هو يعني ‘مات’. لأ على فكرة هو ما بيقولش مات. كان يعرف يقول مات من أجل خطايانا. لكن هو بيقول إنه مجروح، مسحوق. وواضحة: تأديب، يعني إيه تأديب؟ يعني ‘عقاب’. عقاب خطايانا، تأديب سلامنا عليه. يعني العقاب اللي يخلينا ننجى إحنا ونستمتع بالسلام وقع عليه. الترجمة البسيطة والمشتركة، العبارة اللي بعديها: ‘كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه. والرب وضع عليه عقاب آثامنا’. لقد تحمل الرب يسوع أجرة خطاياي، اللي أنا عارفها واللي أنا مش عارفها، واللي أنا عارفها واللي أنا مش عارفها، أنا مش متخيل شكلها وحجمها وبشاعتها وعقوبتها كما ينبغي. وواضح إن مفيش حاجة فيهم اتمسحت، كلها كانت موجودة، لأن هو ده اللي هيدان بيه الناس في النهاية. هنا يبان فكرة دم المسيح. ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب. الغضب الذي تستوجبه هذه الآثام والخطايا اللي إحنا عملناها".

لاحظ عدة أشياء في العبارة السابقة. إن عبارة إشعياء بأن المسيح مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا لا تعني لدى ماهر صموئيل أنه تحمل ذات عقوبتنا الأبدية، بل مجروح منها. وهذا يتسق مع قوله أن غضب الله هو محبة الله المجروحة. غضب الله فقط هو إظهار لبشاعة الخطية وليس غضب انتقامي. أما عبارته "وواضح إن مفيش حاجة فيهم اتمسحت، كلها كانت موجودة، لأن هو ده اللي هيدان بيه الناس في النهاية" فهي عبارة غاية في الخطورة. فهي تعني أن جروح المسيح وسحقه وصلبه طبقًا لإشعياء ٥٣ "لم تمسح الخطايا" لأنها هي الأفعال التي سيدان بها الناس في النهاية. ما هذا الهراء والغموض؟!

طبعًا ناهيك عن طمسه للصليب كإعلان عن بر الله. فهو، كما فعل في حلقته سرانية الصليب، يريد أن يجعل الصليب عمل مبهم تتعامل معه صوفيًا أكثر من عقيديًا أو إيمانيًا. فقد قال في حلقته عن التبرير "في الصليب يسوع عمل حاجات كتير إحنا ما نفهمهاش". صحيح أن في الصليب عمق، لكن شتان الفرق بين أن تقول أن هناك عمق وغنى فيه، وبين أن تجعله غامضًا ومبهمًا. ففي النهاية يقول بولس أن الصليب هو إعلان بر الله: "أما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس ... بر الله بالإيمان بيسوع المسيح ... متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح. الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره، من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله. لإظهار بره في الزمان الحاضر. ليكون بارًا ويبرر من هو بالإيمان بيسوع" (رو ٣ : ٢١ – ٢٥). لقد استعمل بولس في النص السابق ثلاث كلمات يونانية مختلفة لكي يؤكد على كون الصليب إعلانًا عن بر الله "ظهر ... قدمه ... لإظهار ... لإظهار". في الصليب أعلن الله كيف يمكن أن يبرر الفاجر ويظل الله بار أي عادل. وذلك من خلال استيفاء الثمن من البديل. وكما قال لوثر أننا متبررون وخطاة في نفس الوقت.

إن طعن ماهر صموئيل في البدلية العقابية كما رأينا يأتي أيضًا بالاتساق، ليس فقط مع تبنيه للكفارة العلاجية للأرثوذكسية الشرقية التي نسمعها في تعبيره الشهير بأن المسيح استرد لنا إنسانيتنا، بل أيضًا بالاتساق مع التعليم الرسمي الكاثوليكي الذي ينكرها: "لم يختبر يسوع الرفض كما لو أنه قد أخطأ. ولكن في المحبة الفادية، التي وحدته دائمًا بالآب، اتخذنا في حالة ضلال خطيتنا" (فقرة ٦٠٣). أي طبقًا للتعليم الكاثوليكي الرسمي لم يُحسب المسيح مذنبًا عوضًا عنا، بل قدم نوع من التعويض أو الاسترضاء. شبهها أحد المعلمين الكاثوليك في الموقع الكاثوليكي الشهير Catholic Answers بأن الكفارة في المفهوم الكاثوليكي هي مثل صبي صغير قذف حجارة على نافذة الجار. ليس من العدل اعتبار أبيه مذنبًا بذنب ابنه، إلا أن الأب يستطيع دفع تعويض للخسارة التي أحدثها ابنه. ثم يجعل ابنه يقدم نوع من التكفير عن خطأه penance لكي يعوض عنه فيصير شخصًا أفضل. هذه هي الكفارة الكاثوليكية التي تنكر كل من البدلية العقابية والتبرير القضائي.

وهذا يعود بنا إلى النقطة الثالثة، وهي طعن ماهر صموئيل في التبرير الكتابي المصلح بجعله تغيير، أي بر يُغرس، وليس حكم أو إعلان قضائي. وهذا تعليم كاثوليكي محض. والذي في حقيقته ليس سوى التبرير بأعمال الناموس. إنه ذات التعليم الذي قاومه المصلحون. إذ في جوهره خلط شديد بين التبرير القضائي من ناحية وبين التجديد والتقديس من ناحية أخرى. لهذا كان المصلحون شديدي الحرص أولاً على فض الاشتباك أو التشويش بين التبرير، والذي هو إعلان قضائي أمام الله، وبين التقديس، والذي هو تغيير داخلي فينا. وثانيًا في التأكيد على أن التبرير ليس برّ يُغرس فينا infused ، ولكن برّ يُحتسب لنا imputed . صحيح أن ماهر صموئيل لا ينفي البر الاحتسابي، كما سنرى، بل يعيد تعريف التبرير بحيث أنه لو وُجد فيه احتساب فهو هامشي. وأن التبرير في جوهره هو تغيير transformation ، لا من خلال إعلاننا كأبرار في المسيح، بل بجعلنا كذلك داخليًا. من خلال غرس أو صب أو سكب أو حقن أو بث ذلك البر فينا. إلا أن التبرير كتابيًا، وطبقًا للتعليم المصلح، هو مفهوم قضائي صرف. على خلاف التجديد والتقديس اللذان هما مفهومان يشيران إلى التغيير والشفاء والتحرير.

قبل أن نستعرض ما قاله ماهر صموئيل عن كون التبرير لديه تغييرًا وليس إعلان قضائي، سأقتبس بعد البنود من التعليم الكاثوليكي الرسمي والمنشور على موقع الفاتيكان حول التبرير. ثم سأتبعها بتعليم مجمع ترنت عن البر المغروس. وأخيرًا سأقوم بتفنيدها وإظهار تعارضها الشديد مع التعليم المصلح.

يقول التعليم الكاثوليكي الرسمي عن التبرير:

"إّن أول أعمال نعمة الروح القدس التوبُة التي تصنع التبرير ... فالإنسان، بدافع من النعمة، يتّجه نحو الله، ويحيد عن الخطيئة، متقّبلاً هكذا المغفرة والبّر من العلاء. فالتبرير يحتوي إذن مغفرةَ الخطايا والتقديس وتجديد الإنسان الداخليّ" (فقرة ١٩٨٩).
"التبرير يفصل الإنسان عن الخطيئة التي تناقض محّبة الله، ويطّهر منها قلبه. والتبرير يتبع مبادرة رحمة الله التي تقّدم المغفرة. فُيصالح الإنسان مع الله، وُيحّرر من عبودّية الخطيئة ويُشفى" (فقرة ١٩٩٠).
"التبرير يُنشئ التعاون بين نعمة الله وحّرية الإنسان. وَيظَهُر من جهة الإنسان في القبول الإيماني لكلام الله الذي يدعوه إلى التوبة، وفي المحّبة المتعاونة مع حافز الروح القدس الذي ينّبهه ويحفظه (فقرة ١٩٩٣).
"إعداد الإنسان لتقّبل النعمة هو أيضًا من عمل النعمة. فهذه ضرورية لكي تُنير وتُساند مساهمتنا في التبرير بالإيمان والتقديس بالمحّبة" (فقرة ٢٠٠١).
"بما أّن المبادرة في مجال النعمة، هي الله، فليس بإمكان أحٍد أن يستحق النعمة الأولى التي في أصل التوبة والمغفرة والتبرير. ونستطيع بعد ذلك، بدافع من الروح القدس والمحبة، أن نستحق لأنفسنا ولغيرنا النعَم المفيدة لتقديسنا، ولنمّو الّنعمة والمحبة، وللحصول على الحياة الأبدّية" (فقرة ٢٠١٠).
"التبرير ينطوي على مغفرة الخطايا، وعلى التقديس، وعلى تجديد الإنسان الباطن" (فقرة ٢٠١٩).
"آلام المسيح استحقت لنا التبرير. وقد مُنح لنا عبر المعمودية. وهو يصورنا على صورة بّر الله الذي يجعلنا أبرارًا" (فقرة ٢٠٢٠).
"النعمة المبررة هي حياة الله التي يمنحنا إياها بعطية مجانية، ويبثها infuse الروح القدس في نفسنا ليبرئها من الخطيئة ويقدسها" (فقرة ٢٠٢٣).

لاحظ في الفقرات السابقة بعض الأمور عن التبرير الكاثوليكي والتي سنرصدها لدى ماهر صموئيل:

– الخلط بين التبرير من ناحية وبين التجديد والتقديس من ناحية أخرى.
– التبرير هو نعمة مُبَرِّرَة تُبَثّ، أو تُغرس، أو تُسكب، داخل الإنسان أكثر، من كونه إعلانًا قضائيًا خارجه أمام الله.
– إن الله، لا يُعْلِنُ تبررينا قضائيًا على خلاف حالتنا كخطاة، بل يجعلنا بالفعل أبرار من خلال غرس أو بث البر فينا داخليًا.
– التبرير عمل تعاوني، بين الله والإنسان، يبدأ بالحصول على نعمة مبدئية في المعمودية ثم يكمله الإنسان من خلال النعمة التي حصل عليها في المعمودية.

وماهر صموئيل يعلّم بجميع الأمور السابقة فيما عدا أن الإنسان يحصل على البر المبدئي المغروس في المعمودية. بل يقول أنه بالإيمان.

هذا البر المغروس كما ينادي ماهر صموئيل هو ذات تعليم مجمع ترنت الذي انعقد خصيصًا للرد على الإصلاح البروتستانتي (يلقب مجمع ترنت بأنه إصلاح مضاد). جاء في مجمع ترنت الآتي:

"من هنا، من خلال يسوع المسيح، الذي يُطعم فيه [الإنسان]، في التبرير المذكور، مع مغفرة الخطايا، فإن كل هذه (العطايا) المغروسة infused في الحال، يستقبل [الإنسان]، الإيمان، والرجاء، والمحبة".
"لأنه، في حين أن يسوع المسيح نفسه يغرس infuses باستمرار فضائله في الإنسان المُبَرَّر المذكور، مثل الرأس في الأعضاء والكرمة في الأغصان، وهذه الفضيلة دائمًا تسبق وترافق وتتبع أعمالهم الصالحة، التي بدونها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون مرضية وجديرة بالتقدير أمام الله، يجب أن نؤمن أنه لا يوجد شيء آخر يريده للمبررين ...".
"من أجل ذلك البر الذي يُدعى برنا، لأننا تبررنا بكونه متأصلًا فينا، وهذا عينه (عدل) الله، لأنه مغروس infused فينا من الله، من خلال استحقاق المسيح".

إن ذات المصطلح الذي استعمله التعليم الكاثوليكي الرسمي الحديث، والذي استعمله مجمع ترنت المضاد للإصلاح البروتستانتي أيضًا، البر المغروس infused ، يستعمله الدكتور ماهر صموئيل بالحرف الواحد في حلقته عن التبرير.

في شرحه لكيفية صنع المسيح للتبرير يقوم ماهر صموئيل في عظته بطمس وتشويش العلاقة بين التبرير والتقديس. يتسائل ماهر صموئيل كيف صنع المسيح التبرير؟ يجيب عن هذا السؤال بأنه في التبرير عالج المسيح الشعور بالذنب بسبب خطايانا، والشعور بالخزي المتمثل في انتمائنا لآدم، والشعور بالعجز بسبب عدم قدرتنا على التغيير. ثم يستخدم ثلاث نصوص (رو ٥ : ٩)، (رو ٦ : ٥ ، ٧)، (رو ٥ : ١٨) لكي يثبت بها نظريته السابقة. إلا أن تطبيقه للنصين الثاني والثالث خاطئان. والرجوع إلى ترجمات إنجيليزية محافظة ستشكف لك خطأه في تطبيق هذين النصين على التبرير. ليس لدينا مساحة للتعامل مع ذلك، لكن هدفنا الأساسي هنا هو إظهار كيف أنه يغير معنى التبرير، بخلطه مع التجديد والتقديس، لجعله يختص بالتغيير الداخلي وليس بموقفنا القضائي كخطاة مذنبون أمام الله. الأمر الذي يعني تحويل النعمة إلى أعمال والإنجيل إلى ناموس.

يقول ماهر صموئيل عن هذه المشكلة الثلاثية التي يعالجها التبرير:

"أنا بغلط، أنا غلاّط، أنا مش عارف أظبط نفسي. إذا كنت جربت الأحاسيس التلاتة دول، أُطلب من الرب إنه بالروح القدس يفتح عينك على بركة التبرير. لأن التبرير هو العلاج المسيحي لهذه المشكلة. إنك أخطأت فبتشعر بالذنب. إنك خطاء، تشعر بالخزي. إنك عاجز تشعر باليأس".

ولا أعلم بأي منطق (لاهوتي) يفصل ماهر صموئيل بين تأثير دم المسيح وتأثير صليبه. على أي حال فهذا هو ما يفعله في العبارة التالية التي توضح جدًا مذهبه الكاثوليكي:

"لكن الدم تعامل مع أخطائي اللي كانت مسجلة في أسفار، الصليب يتعامل مع إنتمائي اللي جايب لي الخزي والعار، لكن يبقى بعد هذا، طيب أنا خلصت من الحاجات الوحشة، منين أجيب الحاجات الحلوة؟ بيحصل عملية infusion يُدفق فيك حياة جميلة بتطلع حاجات جميلة. تصبح فيّ حياة المسيح. فبقيت أطلع فعلاً حاجات حلوة ... التبرير مش بس imputation يعني يَحْسِبَهُ لي، لكن infusion هو بيدفق فيّ حياة تجعلني بارًا أمام الله ... ليس فقط حَسَبَ لي، بل إنه دَفَّقَ فيّ نفس الحياة التي عاش بها يسوع لكي تصنع هذا الثمر الصالح. ومن هنا يجي تشبيه الكرمة والأغصان".

لاحظ شيئان خطيران في العبارة السابقة، أنه يستعمل نفس المصطلح الكاثوليكي لوصف التبرير infusion . وهذا معناه أن الله لا يحتبسنا أبرارًا في المسيح، بل يجعلنا أبرارًا من الداخل من خلال غَرْس ذلك البر فينا. صحيح أنه لا ينكر الاحتساب imputation، لكن تركيزه على البر المغروس يجعل تعليمه بالاحتساب بلا قيمة. الأمر الثاني الذي ينبغي علينا ملاحظته هو أن ماهر صموئيل استعمل ذات التشبيه الذي استعمله مجمع ترنت لشرح التبرير؛ ألا وهو صورة الكرمة والأغصان. مما لا شك فيه أنها صورة كتابية ولا نستطيع إنكارها. إلا أن تشبيه المسيح للكرمة والأغصان لا علاقة له بالتبرير، بل بالتقديس. قد يعني شيئًا للتبرير، ولكن بصورة غير مباشرة في كون التقديس (الإثمار) يتبع التبرير. بمعنى أن من لا ثمار لهم يُثبتون أنهم لم يتبرروا، أي ليسوا جزء من الكرمة أساسًا. علينا أن نثمر لكي نثبت حقيقة انتمائنا للكرمة. فماهر صموئيل هنا إذًا يستعمل نفس المصطلحات والمفاهيم والتشبيهات التي استعملها مجمع ترنت لوصف التبرير. ولا ينبغي أن ننسى أن مجمع ترنت وَصَفَ، ثلاث مرات، من يعلِّمون بالتبرير بالإيمان وحده، أي المصلحون، بأنهم ملعونون. لقد جاء بالحرف الواحد فيه: "إذا قال أحدهم أن الشرير يتبرر بالإيمان وحده ... ليكن أناثيما [ملعون]".

فضلاً عن تعريف ماهر صموئيل للتبرير على أنه بر مغروس، وليس إعلان قضائي بإحتساب الفاجر بارًا، فهو يُعَرِّف المتبرر على أنه الذي يفعل مثل المسيح. المتبرر ليس من اِحْتُسِبَت له طاعة المسيح النيابية للناموس، بل من يطيع مثل المسيح. وهذه ليست نعمة، بل ناموس. أو في أقل حالاتها خلط للنعمة بالناموس. إن هذا ما يقوله ماهر صموئيل في العبارة التالية:

"لكن إحنا مش بس اتسترت واتحلت المشكلة دي، لكن أنا قدام الله لست في آدم بعد، لكني في المسيح. ومش بس أنا في المسيح، مليش خطايا، ومش مرفوض ومدان ككيان، لكن أنا كمان بتطلع مني حاجات رائعة، ثمر حياة المسيح فيّ. هذا هو التبرير. هذا هو موقفي الآن أمام الله. الله مسرور بيّ. الله بيقولي: أنا مش شايف الخطايا والآثام لأني محوتها، أنا مش شايفك في آدم بعد، بالعكس، أنا شايف حاجات جميلة طالعة من حياة المسيح فيك".

يبدو أن ماهر صموئيل يقر بغفران الخطايا، كما أوضح في مثال صديقه الذي حل له مشكلة المخالفات المرورية التي ارتكبها أثناء قيادته في أميريكا. وكما يقول هنا أن المسيح حل مشكلة الخطايا. إلا أن هذا نصف المشكلة. فلسنا فقط نحتاج إلى الغفران عن خطايانا، بل نحتاج أيضًا الفعل الإيجابي للبر. والمسيح فعل الإثنين نيابة عنا. إذ بموته حمل عن الدينونة. وبطاعته الإيجابية في حياته تمم الناموس نيابة عنا. لكن ماهر صموئيل يجعل طاعتنا نحن هي ما يُعَرِّفُ التبرير أو ما يقرر كوننا مبررون أم لا. وواضح هنا أيضًا المنهج الكاثوليكي في النظر إلى التبرير على أنه عمل تعاوني مشترك. إذ يقول ماهر صموئيل أن التبرير هو ثمر حياة المسيح فيّ. أي النعمة المغروسة في الداخل (حياة المسيح) تثمر في أعمالاً تبررني أمام الله. ما يحدد موقفي القضائي أمام الله هو البر المغروس داخليًا والذي يؤدي إلى ثمر خارجي يبررني في النهاية أمامه. لا يوجد خلط للناموس بالنعمة أكثر من ذلك.

في العبارة التالية ليس فقط تتأكد رؤية ماهر صموئيل للتبرير على أنه عمل مبدئي في الداخل يؤدي إلى أناس على شكل يسوع (خلط للتبرير بالتقديس). بل أيضًا أن هؤلاء المتبررون يخدمون، لا بالكرازة والإنجيل بأن المسيح يقدم غفران للخطايا، بل يخدمون بالأعمال الصالحة للمجتمع. وهذا يَظهر كثيرًا في تعاليم ماهر صموئيل. فقد قال سابقًا أننا علينا أن نخرج إلى العالم لا حاملين لهم رسالة، بل أن نكون نحن أنفسنا رسالة لهم. وهذا موضوع آخر لكن هدفنا هنا هو إظهار كيف أن التبرير لدى ماهر صموئيل شيء يحدث لا خارجنا أمام الله، بل داخلنا فيؤدي إلى طاعة خارجية. وكل من النعمة الداخلية والطاعة الخارجية يحددان هويتنا كمتبررين. يقول ماهر صموئيل:

"المسيحية مش مفاهيم concepts ، المسيحية إنه الله اخترق الزمن، ودخل إلى التاريخ البشري، وأخد لحم ودم، وصارع بهما ومات بهما، وأمات الموت، وصعد بطبيعة بشرية ليجلس في دائرة روحية، ويرسل الروح القدس ليسكن فينا، ويخلق منا، نوع جديد من البشر، شكل يسوع اللي عاش ع الأرض. فيبقى فيه في التاريخ البشري واقع حقيقي ملموس إن في ناس على الأرض عايشين شبه اللي عاش من ألفين سنة. بيدوروا ع التعبان بيدورا ع المجروح واللي ولاده سابوه، يطبطبوا عليه ويحكوا معاه. بيحبوا، بيغفروا، بيعيشوا بطهارة بنقاوة، مش بيتحرشوا مش بيؤذوا مش بيظلموا ...".

هناك الكثير من العبارات التي يمكن أن نعلق عليها في عظة ماهر صموئيل عن التبرير. لكن للإختصار أقوم فقط بإبراز أخطرها. والعبارة التالية هي أحد أخطر ما قاله عن التبرير. إذ يدعي فيها أن التبرير يحتاج إلى تفعيل. وهو بهذا يجعله عمل تعاوني مشترك بين الله والإنسان. ليس عمل قضائي نحصل عليه من خلال وسائطية الإيمان وحده كما يعلم المصلحون، بل بواسطة تغذية الحياة الجديدة فينا، وأن نعيش أو نطيع طبقًا للحالة الداخلية:

"كيف تُفَعِّل التبرير؟ تُفَعِّلُه بأن تتذكر دائمًا، وتُوجِد نفسك دائمًا تحت تأثير عمل دم المسيح. تُذَكِّر نفسك دائمًا وتعيش فعلاً على أنك لم تعد في آدم. لقد تغيَّرت، يعني تعرف هويتك. ثم إطعم الحياة الروحية الجديدة. لا تنفق الوقت وتضيعه في محاولة إصلاح كيان معوج الله حكم عليه بالموت لأنه ماينفعش ... نعم الله هو الذي يبرر. لكن أنا عليّ مسؤولية أن أستمتع بهذا التبرير وأن أُفَعِّله في حياتي".

إن التبرير الذي ينادي به ماهر صموئيل ناموس وليس نعمة لأنه متوقف على طاعتنا وليس طاعة المسيح نيابة عنا. ولأنه مجرد إمكانية داخلية تحتاج إلى تفعيل وتكميل، وليس بالفعل خلاص مُنْجَز ومكتمل وفعّال حقًا. إن تعليم ماهر صموئيل بالتبرير الكاثوليكي لهو ذات ما قاومه رجال الإصلاح. وقد جاءت إقرارات الإيمان المصلحة التي كُتِبَت في القرن السابع عشر مفصحة بشدة عن رفض المصلحون للتعليم الكاثوليكي الناموسي للتبرير.

على سبيل المثال، يقول إقرار إيمان ويستمينستر المصلح:

"أولئك الذين يدعوهم الله بشكلٍ فعّال، هو أيضًا يبرّرهم مجانًا: ليس بغرس البر فيهم، بل بصفح خطاياهم، وبحسبان وقبول أشخاصهم كأبرار، لا لشيء حدث فيهم، أو تم بواسطتهم، لكن لأجل المسيح وحده؛ وليس بإسناد الإيمان نفسه، أو فعل الإيمان، أو أي طاعة للإنجيل أخرى لهم، كبرهم؛ لكن بواسطة حسبان طاعة المسيح وكفايته لهم، فإنهم يقبلونه ويتكلون عليه وعلى بره، بالإيمان؛ ذلك الإيمان ليس من أنفسهم، هو عطية الله".

إقرار الإيمان المعمداني لعام ١٦٨٩ يؤكد نفس الشيء أيضًا:

"أولئك الذين يدعوهم الله دعوة فعالة يبررهم أيضًا بإرادته الحرة. إنه يفعل ذلك، ليس بغرس البر فيهم، بل بالعفو عن خطاياهم واحتسابهم وقبولهم كأبرار. يَفعل هذا من أجل المسيح وحده وليس من أجل أي شيء يُنتج فيهم أو يفعلونه. إنه لا يَنسب إليهم الإيمان نفسه، أو فعل الإيمان، أو أي طاعة إنجيلية أخرى لهم على أنها برهم. بدلاً من ذلك، يحتسب طاعة المسيح النشطة للناموس بأكمه والطاعة التسليمية في موته كَبِرَّهم الكلي الوحيد بالإيمان. هذا الإيمان ليس من صنع الذات. إنه عطية الله".

بالاتساق مع علّمت به إقرارات الإيمان المصلحة، يشرح اللاهوتي المصلح الكبير جيمز فيشر (١٦٩٧ – ١٧٧٥) التبرير كالآتي:

س ١: من أين استعيرت كلمة التبرير؟
ج: لكونها مصطلح قانوني، فهي مستعارة من محاكم العدل بين البشر، عندما يتم النطق بالحكم على الشخص على أنه بار، وفي المحكمة، حيث يتم تبرئته علانية.
س ٢: كيف يظهر أن التبرير يدل على فعل سلطة قضائية وليس تغييرًا داخليًا في الروح؟
ج: من مقابلته بالدينونة، التي تكون، لا بغرس الشر في الإنسان، ولكن في إصدار الحكم عليه، وفقًا لسوء جريمته (مزمور ١٠٩ : ٧).
س ٣: ماذا يعني إذًا تبرير الإنسان؟
ج: ليس جعله بارًا، بل إعلانه كذلك، على أساس قانوني، ومحاكمة قاضٍ (إش ٤٣ : ٩ ، ٢٦).

لاحظ هذه الأمور في إقرارات الإيمان السابقة:

– نفي ومعارضة واستبعاد مفهوم البر المغروس مع التأكيد على مفهوم الاحتساب فقط.
– أن التبرير ليس عمل تغيير داخلي، بل إعلان قضائي احتسابي خارجي أمام المحكمة الإلهية.
– جَعْل التبرير ثمرة طاعة المسيح الإيجابية للناموس وحدها وليس بأي حال طاعتنا نحن للناموس.
– نفي أي مفهوم للمساهمة البشرية حتى أن الإيمان مجرد واسطة للانتفاع بطاعة المسيح النيابية، والتأكيد على أن الإيمان أيضًا عطية الله.

فضلاً عن تأكيد ماهر صموئيل على أن التبرير عمل يُغرس أكثر من كونه يُحتسب، وأنه ناقص وخامل يحتاج إلى تفعيل، وأنه عمل تعاوني مشترك مع الله، فإنه لم يذكر، ولا حتى مرة واحدة، مباديء إنجيلية خطيرة وجوهرية متعلقة بالتبرير. مثل أن التبرير يكون بالإيمان وحده. وأنه في الصليب احتمل المسيح عنا غضب الله. أي أننا في التبرير نخلص ببر الله من غضب الله لأنه الديان والمُخَلِّص. لم يذكر أي شيء عن الطاعة الإيجابية للناموس بواسطة المسيح والتي هي في صميم التبرير. ولم يشر من قريب أو من بعيد أن المسيح أخذ عنا عقوبة الجحيم التي نستحقها. كيف يمكن أن يناقش مُعَلِّم إنجيلي هذه المفاهيم الخطيرة والجوهرية التي كانت في صميم خلاف جينيف مع روما؟

بقيت ملاحظة أخيرة على تعريف ماهر صموئيل للتبرير. يقول أن الإسم العبري واليوناني للتبرير يعني "اتساق، إنسجام". وأن "بر الله (يعني)، الله متسق في داخله مع ذاته". ومن خلال هذا التعريف اللغوي يخلص ماهر صموئيل إلى هذه النتيجة: "عند الاتساق مع الله توجد الحياة. وعندما لا نتسق مع الله يوجد الموت. نحن مدعوون للحياة. لكن الحياة مشروطة بحالة الاتساق مع الله. الإنسجام معاه".

طبعًا واضح جدًا تغيير معنى التبرير إلى أفعال أو ناموس. ولكن الغرض فقط تفنيد هذا التعريف. وبدلاً من تكويم التعريف تلو الآخر من كبار رجال اللاهوت الإنجيلي لإثبات عكس ما يدعيه ماهر صموئيل، سأقدم ملخص الفكر الكتابي الذي يثبت أن التبرير هو إعلان قضائي خارجي في محكمة الله وليس بر مغروس داخليًا. واعتماد ماهر صموئيل على التعريف اللغوي الذي يقوم بتأوليه طبقًا لما يخدم أجندته، وفي نفس الوقت عدم اعتماده على اللاهوت الكتابي، من شأنه إظهار حقيقة منهجه المضاد للعقيدة الإنجيلية. وبالمناسبة، فإن مقاومة ماهر صموئيل للتبرير طبقًا للتعليم المصلح كانت واضحة في ادعاءه بأن لوثر ركز على التبرير لأنه كان يعاني من الشعور المفرط بالذنب. وهذا هو النقد الذي يوجهه أعداء التبرير القضائي للتعليم المصلح. وقد قمنا بالرد على ذلك في مقال مستقل.

التبرير، طبقًا للحق الكتابي في العهدين، هو إعلان قضائي لأسباب كثيرة ولكننا سنكتفي بهذه الثلاثة:

أولاً، التبرير يوضع في مقابلة مع الدينونة في نصوص كتابية كثيرة مثل رومية ٣ : ١٩ – ٢٠، ٥ : ١٧، ٨ : ٣٣ – ٣٤، غلاطية ٣ : ١٠.
ثانيًا، التبرير، ليس عملية مستمرة تسغرق الحياة، بل إعلان قضائي يحدث في لحظة كما في لوقا ١٨ : ١٤. فقي قول المسيح ذلك عن العشار الذي نزل إلى بيته مبررًا ترد صيغة الفعل "مبررًا" في اليونانية في زمن الماضي التام.
ثالثًا وأخيرًا، فإن التبرير مصطلح اِسْتُعْمِلَ عن الله في لوقا ٧ : ٢٩ وفي تيموثاوس الأولى ٣ : ١٦. من الواضح أن الله لا يُجْعلُ بارًا داخليًا، لكن يُعلَنُ بره بواسطة الإنسان.

ختامًا، إننا نستطيع أن نفهم تصريح ماهر صموئيل عن عقوبة الجحيم في ضوء اعتقاده بالتبرير الكاثوليكي. ففي حواره مع الأخ يوسف يعقوب يتسائل ماهر صموئيل: إن كانت العقوبة درجات في شدتها، فما المانع أن تكون درجات في مدتها، أي مؤقتة؟ (فيديو بعنوان: كيف يكون المسيح قد أخذ عقوبتي بالموت الأبدي واستمر موته ثلاثة أيام؟). بكلمات أخرى، فإن ماهر صموئيل يعلم بشكل من أشكال المطهر الكاثوليكي. وهذا في تمام الاتساق مع كون التبرير بالأعمال وليس بالإيمان وحده في طاعة المسيح بشقيها. وفضلاً عن إن أي مسيحي كتابي لا يمكن أن يخرج من تلك العظة بأية تعزية، إذ لا يوجد بشارة بها، فهي في مجملها ناموسًا وليست إنجيل. فإن ماهر صموئيل له مظهر الواعظ الإنجيلي لكن تعليم القس الأرثوذكسي الشرقي والكاثوليكي الغربي. إن ماهر صموئيل ينقصه فقط الجبة والعمامة لكي تعبرا خارجيًا عن حقيقة منهجه اللاهوتي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس