موقف المسيح من بعض إظهارات غضب الله في العهد القديم


فضلاً عن أن الرب يسوع المسيح لم يقل أي شئ سلبي على إظهارات غضب الله ودينوناته في العهد القديم. فقد صادق على تلك الدينونات ورأى فيها إنذارًا لغضب إلهي أعظم عندما يأتي لدينونة الأشرار. يقول يسوع عن طوفان نوح: "وكما كانت أيام نوح، كذلك يكون أيضا في مجئ ابن الإنسان. لأنه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان، يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك، ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع، كذلك يكون أيضًا مجئ ابن الإنسان" (مت ٢٤ : ٣٧ – ٣٩). ولعل هذا كان خلفية المشابهة التي عملها بطرس بين هلاك العالم القديم بالماء المخزون، وهلاك العالم الحالي في الدينونة العتيدة بواسطة النار (الطاقة الذرية الكامنة في المادة): "وأما السماوات والأرض الكائنة الآن، فهي مخزونة بتلك الكلمة عينها، محفوظة للنار إلى يوم الدين وهلاك الناس الفجار" (٢ بط ٣ : ٧).

يقول أيضًا عن سدوم وعمورة: "ولكن اليوم الذي فيه خرج لوط من سدوم، أمطر نارًا وكبريتًا من السماء فأهلك الجميع. هكذا يكون في اليوم الذي يُظهر فيه ابن الإنسان" (لو ١٧ : ٢٩ – ٣٠). إن يسوع الذي دان بغضبه المقدس سدوم وعموره، سيدين المدن التي رأت معجزاته ولم تتب دينونة أقسى من تلك التي ستنالها سدوم وعمورة في يوم غضبه العظيم: "وأنت يا كفر ناحوم المترفعة إلى السماء، سَتُهْبَطِينَ إلى الهاوية. لأنه لو صنعت في سدوم القوات المصنوعة فيكي لبقيت إلى اليوم. ولكن أقول لكم: إن أرض سدوم تكون لها حالة أكثر احتمالاً يوم الدين مما لك" (مت ١١ : ٢٣ – ٢٤). ليس ذلك فقط، بل إن الرب يسوع المسيح نفسه هو الذي أنزل الدينونة على سدوم وعموره. ذلك لأن ظهوره لإبراهيم واخباره إياه ما كان فاعله، هو أحد الظهورات المسيانية للرب يسوع المسيح قبل تجسده (تك ١٨). "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح" (يو ٨ : ٥٦). المرة الوحيدة في العهد القديم التي نقرأ فيها أن الرب ظهر لإبراهيم هي تلك التي أخبره فيها عن دينونته لسدوم وعمورة.

كما أن يهوذا يخبرنا في رسالته أن الذي أهلك الشعب في البرية كان هو يسوع نفسه، وذلك طبقًا لأكثر المخطوطات قدمًا وموثوقية: "فأريد أن أذكركم، ولو علمتم هذا مرة، أن يسوع بعدما خلّص الشعب من أرض مصر، أهلك أيضًا الذين لم يؤمنوا" (يهـ ٥).

هذا النص جاء في ترجمة فانديك "أن الرب بعدما خلّص الشعب ...". إلا أن هناك الكثير من الترجمات الإنجليزية الحديثة والقيمة أوردته "يسوع بعدما خلص الشعب ...". مثل: ESV ، NET LSB ، LEB ، NLT . يقول هامش ترجمة NET عن هذا العدد أن القراءة "يسوع بعدما خلّص الشعب" هي القراءة الأصعب لكونها تتضمن يسوع فاعلاً في التاريخ الأولي لإسرائيل. وهذا يعني أن الميل لدى نُسَّاخ العهد الجديد كان هو عدم استساغة التعبير "يسوع بعدما خلّص الشعب" فقاموا باستبداله بـ "الرب بعدما خلّص الشعب". والقراءة الأصعب هي الأكثر ميلاً لأن تكون صحيحة. فضلاً عن ذلك هناك أيضًا الكثير من المخطوطات القديمة تشهد لصحة القراءة "يسوع". كما أن يهوذا، بالاتساق مع ذلك، يقول في العدد السابق (٤) أن يسوع هو الله "ينكرون سيدنا وربنا الوحيد، يسوع المسيح" (هكذا يبنغي أن تكون القراءة الصحيحة).

وإن كان يسوع قد صادق على دينونة الطوفان العالمي، ودينونة النار التي نزلت من السماء على سدوم وعمورة ومدن الدائرة التي حولهما، بإستخدامه لهاتين الحادثتين كإنذارين لغضب الله في الدينونة الأخيرة، وأنه هو نفسه الذي أهلك اليهود الذين لم يؤمنوا، نتوقع أنه كان سيصادق أيضًا على الحروب الكنعانية. ليس فقط لأنه كان له نظرة سامية للمكتوب، بل أيضًا لأنه نفس الإله الذي أنزل دينونته على الأشرار في القديم. ففي ظهور مسياني آخر في العهد القديم، ظهر رئيس جند الرب ليشوع ليعلن له أنه دفع أريحا ليده، وعما ينبغي أن يفعله ليتمم الإنتصار الذي منحهم الرب إياه (يش ٥ : ١٣ – ١٥ ، ٦ : ١ – ٥).

إن كل من العهدين القديم والجديد يصوران لنا يهوه كمحارب. يقول باحث العهد القديم تريبمر لونجمان: "إن صورة الله كمحارب إلهي في العهد القديم تتوقع مجيء يسوع المسيح، الذي يتم تصويره أيضًا في كثير من الأحيان في العهد الجديد كمحارب. ومع ذلك، فإن موضوع الحرب الإلهية يختلف عما كان عليه في العهد القديم. ففي العهد القديم، حارب يهوه ضد أعداءه ذوي اللحم والدم (الكنعانيون، الفلسطينيون، الآشوريون، وما إلى ذلك) وأخيرًا ضد إسرائيل العاصية نفسها (مراثي ٢ : ٦). في [رسائل] بولس، من ناحية أخرى، يُنظر إلى موت المسيح وقيامته وصعوده على أنهم تتويجًا لحربه ضد الشيطان وجنوده (كو ٢ : ١٤ - ١٥؛ أف ٤ : ٧ - ١٠). تتوقع صورة العهد القديم عن الله كمحارب وحرب المسيح ضد الشيطان استكمال هذا الموضوع في سفر الرؤيا (انظر على سبيل المثال رؤ ١٩ : ١١ - ٢١)، عندما يأتي الشر إلى نهايته بينما يقود يسوع جيشه في المعركة النهائية ضد الشيطان وجيشه الشيطاني والبشري".

صحيح أن المسيح لم يخض أو يشارك أو يقود أية حروب مادية أثناء حياته على الأرض، لكن مجرد تصوير العهد الجديد له كمحارب لهو في تمام الإتساق مع الصورة التي يرسمها العهد القديم ليهوه. فضلاً عن ذلك فيسوع في النهاية سيقود حربًا ضد الشيطان وجنوده الروحيين والبشريين.

في حادثة بكاء المسيح على أورشليم ونطقه بالدينونة عليها، نجد هذا أيضًا متسقًا مع دينونة الله على إسرائيل في العهد القديم في المرات التي خانوا العهد معه فجلب الرب عليهم السبي وسمح بخراب الهيكل. ونعلم أن دينونة الرب يسوع المسيح بخراب البيت (الهيكل) تحققت في سنة ٧٠ م. على يد تيطس الوالي الروماني. ثم تلى ذلك شتات اليهود في العالم أجمع. وفي هذا أيضًا مصادقة على غضب الله ودينونته لإسرائيل أكثر من مرة بخراب الهيكل والسبي. ذلك لأن يهوه هو نفسه يسوع المسيح.

كل الأمثلة السابقة تؤكد لنا أن الرب يسوع أيّد إظهارات غضب الله ودينوناته في العهد القديم، سواء ضد الأمم الشريرة أو تجاه شعبه. وبناءً عليه فلا فرق بين إله العهد القديم وإله العهد الجديد. بل هما إلهًا واحدًا قدوسًا عادلاً يسخط على الشر والأشرار.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس