تعليق على عظة الدكتور ماهر صموئيل "الإنجيل والدين"


استمعت إلى هذه العظة مرتين وأستطيع القول أنه ليس فيها جديد، نفس التعاليم غير الكتابية التي يقولها منذ سنين. وهذه العظة، وإن كان عنوانها هو "الدين والإنجيل"، إلا أنها في الحقيقة طعن في الإنجيل. ولكي لا أطيل سأقدم لك أربعة خيوط في هذا العظة كتلخيص للتعاليم المضادة للإنجيل فيها.

أولاً، بها مأزق مفتعل بين العقيدة والمسيح. وهذا هو منهج الدكتور ماهر صموئيل كما اعتدناه منذ سنين. هو دائمًا يخيرك بين الاعتقاد عن المسيح والاتحاد بالمسيح. بين أن يكون لك فكر عنه وأن يكون لك علاقة به. وهذا يتضح من عبارات قالها مثل:

"يمكن أن تكون بوذيًا بدون بوذا، ولا يمكن أن تكون مسيحيًا بدون المسيح".
"الإنجيل ... ليس قبول تعليم (عن) المسيح، لكن انفتاج القلب لقبول شخص المسيح".
"البوذية من غير بوذا بوذية، المسيحية من غير شخص المسيح، ماهياش مسيحية".

النتيجة التي يريدك أن تخلص إليها الدكتور ماهر صموئيل هنا، ودون أن يقولها صراحة، هي: طالما أن العقيدة غير هامة لمعرفة المسيح، إذًا، معرفة المسيح يمكن أن تكون متاحة خارج المسيحية. وهذا ما سيتأكد لنا عند مناقشة النقطة الأخيرة.

ولكن، لسنا مضطرون للاختيار بين العقيدة والمسيح. إن لقب "مسيح" ولفظة "إنجيل" مليئان بالعقائد. لكي يكون لنا علاقة بالمسيح نحتاج أن نعرف شيئًا عنه؛ أنه الله المتجسد والمخلص من دينونة الخطية وسلطانها. والعبارة السابقة هي ببساطة الإنجيل. لهذا لا عجب أن الدكتور ماهر صموئيل ينكر كون الإنجيل خبرًا (كما سيأتي الذكر). فالمسيحيين ليسو صحافيين يحملون أخبارًا، ولكنهم هم الأخبار والرسالة (أنظر مقال آخر بعنوان: تعليق على عظة "الإنجيل وفلسفة الفعل" للدكتور ماهر صموئيل).

لا يمكن أن تكون مسيحيًا بدون المسيح، وفي نفس الوقت لا يمكن أن يكون لك المسيح دون أن تسمع عنه "خبر الإنجيل". المسيحية من غير شخص المسيح ماهياش مسيحية، إلا أنك تحتاج إلى المسيحية لتكون في علاقة مع المسيح. المسيح في المسيحية ومن خلالها وبواسطتها. المسيحية هي التعاليم التي نخلص بها وندخل من خلالها في علاقة مع المسيح. والمسيحية هي التعاليم التي نتقدس بها لكي نصير في علاقة اتحاد أعمق به.

ثانيًا، في العظة أيضًا تركيز على التغيير والسلوك، مع عدم ذكر، أو على الأقل تهميش، الجانب القضائي للخلاص والمتعلق بغفران الخطايا والنجاة من دينونة الله. وقد جاء هذا المفهوم في عبارات مثل:

"الإنجيل ليس خبر نتناقله، لكنه قوة تغيرنا ... إنت قبلت خبر يفرحك ولا قوة تخلصك؟".
"لم تؤذي المسيحية الإمبراطورية الرومانية، لم يؤذي الإسلام المسيحية، ما أذى المسيحية هم المسيحيون المتدينون بدين المسيح دون أن يقبلوا المسيح مخلصًا لهم".
"المؤمن هو الإنجيل الخامس الذي يقرأه الناس".

الدين لدى الدكتور ماهر صموئيل يشير إلى أكثر من شئ؛ العقيدة بصفة عامة، وفطرة التدين عن الإنسان. ولأنه يرى أن المسيحية هي اختبار وسلوك في الحاضر، أكثر من كونها تخص الخلاص من الدينونة المستقبلية (غفران الخطايا والتبرير)، فهو يرى الإنجيل في تضاد مع الدين. أي في تضاد مع العقيدة من ناحية، وفي تضاد مع الجانب القضائي للخلاص من ناحية أخرى. هذا أيضًا مأزق مفتعل. لأن الخلاص شامل ويخص كل جوانب الإنسان؛ الخلاص من سلطان الخطية (اختبار داخلي) ودينونتها (مقام أمام الله، الخلاص القضائي المستقبلي من دينونة الله).

عظة طويلة عريضة عنوانها "الدين والإنجيل" لا ذكر فيها إطلاقًا لغفران الخطايا أو التبرير أو النجاة من دينونة الله. ذلك لأنه يرى الإنجيل على أنه تغيير وعلاقة وليس مقام أمام الله. لا يرى أن المسيح حمل عنا عقوبة الجحيم بل فقط شخص ندخل معه في علاقة اختبارية تؤدي إلى تغيير في السلوك. مرة أخرى، كل هذه مآزق مفتعلة من طرف الدكتور ماهر صموئيل.

الإنجيل مقام أمام الله وعلاقة مع المسيح لكن يظل البعد المركزي والموضوعي فيه هو الجانب القضائي المتمثل في غفران الخطايا والتبرير والنجاة من الدينونة والحياة الأبدية. فيما عدا ذلك يكون الإنجيل متمركزًا حول الإنسان وليس الله.

الذي لا يقل خطورة عن ذلك، هو أن تركيز الدكتور ماهر صموئيل على جعل الإنجيل اختبارًا وليس مقامًا، وأنه ليس خبرًا نتناقله بل سلوكًا نعيشه، يُحَوِّلُ النعمة إلى ناموس. إنه يقول من طرف خفي أن ما يُعَرِّف كونك مسيحيًا أم لا، أو مؤمنًا من عدمه، ليس تصديقك أو إيمانك بوعد الإنجيل بالحياة الأبدية، بل ما تعيشه وما تفعله. حالتك وسلوكك. أنت مسيحي لأنك تفعل كذا وكذا. وليس لأن المسيح فعل كذا وكذا من أجلك. وهذا أقل ما يقال عنه أن طعن في الإنجيل، ناموس وليس نعمة. وهذا المفهوم أيضًا يأتي بالاتساق مع ما ناقشناه في النقطة الأولى؛ عدم ضرورة العقيدة. اختبارك وسلوكك هما ما يحددان كونك مسيحيًا من عدمه وليس ما تعرفه أو تصدقه عن المسيح. الأمران اللذان يقودان في النهاية إلى الشمولية.

ثالثًا، تحدث الدكتور ماهر صموئيل في هذه العظة عن الخلاص والتقديس على أنهما تطور للإنسانية. خذ العبارة التالية التي ختم بها عظته كمثال:

"أقول لأيامي اركبي أعلى ما في خيلك وهاتي مصاعبك فأنت لست إلا فرصة مؤقتة زمانا يسيرا فيه أتطور، أبويا السماوي اختارها بعناية شديدة وحطني في الظروف دي بعناية شديدة، هو شايف إن دي أنسب ظروف لي تساعدني للتطور والتحول والتغير لأكون مشابها لمحبوبي يسوع".

ما أكثر المرات التي أشار فيها الدكتور ماهر صمويل إلى الخلاص على أنه استرداد للإنسانية، والتقديس على أنه تطور للإنسانية! وهذه العظة لم تأتي بجديد. وقد أشرت في مقال سابق تأثر، بل واعتناق، الدكتور ماهر صموئيل للأرثوذكسية الشرقية التي تعلّم بأن الإنسان خُلق غير مكتمل الإنسانية، وأن السقوط أخرجه عن مسار الاكتمال أو التطور. والمسيح جاء لكي يرد إلى الإنسان إنسانيته في الخلاص. ومن ثم يصبح كل من الخلاص والتقديس بمثابة استعادة واكتمال وتطوير لمسار الإنسانية (أنظر مقال: الفكر الأرثوذكسي الشرقي لدى الدكتور ماهر صموئيل).

مرة أخرى، إن تعريف مشكلة الإنسان على أنه فاقد إنسانيته، وغير مكتملها، يجعل خلاص المسيح مجرد تغيير. نوع من العلاج أو الاستصلاح. وهذا مما لا شك فيه فكر متمركز حول الإنسان وليس الله. أي أن كفارة المسيح ليست موجهة إلى الله لاستيفاء مطالب عدله، بل موجهة فقط إلى الإنسان لشفاءه وتطويره.

رابعًا وأخيرًا، في هذه العظة منهج شمولي يونيفيرسالي. الشمولية هي أن الله يخلص غير المسيحيين بالمعرفة الدينية المتاحة لهم دون أن يعرفوا عن المسيح أو يؤمنوا به عن وعي. والخلاص العالمي هو أن الجميع في النهاية سيخلصون سواء آمنوا بالمسيح أو لم يؤمنوا به. وكما ترى ليس هناك حدًا فاصلاً بين الشمولية والعالمية. قمت بتوثيق هذا الفكر الشمولي لدى الدكتور ماهر صموئيل في مقال مستقل بعنوان "الدكتور ماهر صموئيل يعلم بأن الله الحي الحقيقي موجود في كل الأديان". ولكن سأكتفي هنا بالإشارة إلى ما جاء في هذه العظة:

"لم تؤذي المسيحية الإمبراطورية الرومانية، لم يؤذي الإسلام المسيحية، ما أذى المسيحية هم المسيحيون المتدينون بدين المسيح دون أن يقبلوا المسيح مخلصًا لهم".

"أنا (بولس) مختون في اليوم الثامن. التمييز الديني. إحنا الدين الأفضل. إحنا شعب الله المختار. أحنا بتوع ربنا. طب والباقيين؟ لأ، الباقيين مش بتوع ربنا. بتوع مين يعني؟ بتوع أي حد. إحنا بس بتوع ربنا. ربنا لينا (فقط) exclusive . طب وباقي خلق الله؟ المليارات دي؟ يغوروا في داهية ملناش دعوة بيهم. هما مش بتوع ربنا. إحنا بتوع ربنا ... جوة الدين نفسه تلاقي الشخص بيحاول يسعى لشئ يتميز داخل الدين نفسه عن بقية الطواف اللي جوة الدين. الشهوة للتميز لما تتفتح ... مش هتكتفي على إن باقي الأديان وحشة وأنا اللي صح. جوة نفس الدين تبدأ الطوايف تتنافس".
"المسيح نفسه تخلى عن التَّمَيُّز".
"المسيح عايز يرجع إنسانية الإنسان. الدين (هو) التعالي عن الإنسان".

هل تذكر النقطتين الأولى والثانية؟ هذه النقطة مرتبطة بهما تمامًا. ما يريد الدكتور ماهر صموئيل قوله هنا هو أن الإنجيل يجعلنا نتخلى عن كل أنواع التَّمَيُّز، وعلى رأسها التَّمَيُّز الديني. حتى أنه لا يصح أن نقول أن باقي الديانات مش بتوع ربنا. وليس من الصواب أن نقول إن إحنا بس اللي بتوع ربنا. يعتقد الدكتور ماهر أن بولس رأى النفاية التي حسبها كذلك، ليس بره الذاتي بواسطة أعمال الناموس، بل التميز من خلال الدين عن باقي الأديان، والتميز جوة الدين من خلال طائفة عن باقي الطوائف. وأنه في الحقيقة لا صراع بين الأديان، والمسيحية لم تؤذى بواسطة دين آخر. بل من أذى المسيحية هم المسيحيون المتدينون (الذين لديهم معتقدات عن الميسح وليس علاقة به).

بالاتساق مع ذلك قال الدكتور ماهر صموئيل سابقًا في إجابته على سؤال إحداهن لماذا المسيحية هي الصح ولماذا المسيح هو الله: "مفيش حاجة اسمها إحنا صح والناس غلط، لكن ممكن نقول: نحن نتبنى نظرة للعالم أكثر دقة وأكثر صحة من النظرات التي يتبناها الآخرون .. ممكن تتبنى أعظم حقائق الكتاب المقدس وإنت أسوأ إنسان .. إنت بتؤمن بمعتقدات صحيحة لا تجعلك إنسان سوي وسليم وصحيح وأفضل، ممكن إنسان آخر يكون أفضل منك ... ممكن أعد لك دلوقتي ست سبع منظومات للعالم تشترك معنا كمسيحيين في أنه يوجد إله خلق هذا العالم ... كل إنسان له نصيب في مشروع الفداء، فهو غرض فداء الله .. يسوع المسيح فدية لأجل الجميع .. وكل إنسان مهما تشوه له نصيب في هذا الفداء". (فيديو بعنوان: ابني بيسألني: ليه احنا متأكيدن إن المسيح هو الله والمسحية هي الصح؟)

خلاصة رسالة الدكتور ماهر صموئيل هي لاهوت متمركز حول الإنسان. ناموس وليس نعمة. شمولية وعالمية الخلاص وليس حصرية المسيحية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس