ما معنى اشتراكنا في موت المسيح؟


هناك الكثير من النصوص الكتابية التي تقول أننا مُتنا مع المسيح (رو ٦ : ٨، ١٤ : ٨)، وصُلبنا معه (رو ٦ : ٦، ، غل ٢ : ٢٠)، واشرتكنا في آلامه (رو ٦ : ٦، ، غل ٢ : ٢٠). إلا أن ولا واحد من هذه النصوص يعني أننا اشتركنا في آلامه أو موته الكفاريين. ولكن للأسف فإن دعاة اللاهوت الشرقي يستغلون تمييزًا خطيرًا بين البدلية والنيابية لكي يطعنوا في البدلية العقابية أو الجانب القضائي من الخلاص. فالخلاص لدى هؤلاء شفاء أو تأله، المهم أن ينأوا به بعيدًا عن غفران الخطاية والنجاة من الجحيم. على سبيل المثال، يوجد قول منتشر للأب متى المسكين يُفهم منه أننا اشتركنا في موت المسيح الفدائي الذي أخذ فيه فسادنا:

"أن المسيح لم يأخذ الخطية منا ليموت بها عوضًا عنا؛ بل أخذ جسد خطيتنا بعينه، وأمات الخطية الفعلية فيه، ولاشاها منه بموته. فهو لم يمت وحده على الصليب، فنحن كنا فيه علي الصليب ‘مع المسيح صلبت’. ونحن كنا فيه لما مات بالجسد الذي هو جسدنا وأمات الخطية، خطية العمد القاتلة، التي في الجسد الذي هو جسدنا ... ".

المشكلة في هذا التعليم في الحقيقة هي مشكلة مزدوجة: أننا اشتركنا في آلام المسيح الكفارية، وأنه أخذ فسادنا. طبعًا هم لا يرون أنه اشتراك في الآلام الكفارية، لأن الخلاص لديهم هو تأله أكثر منه كفارة أو فداء أو بدلية. قمت بتفنيد التعليم القائل بأن المسيح اتخذ طبيعة الفساد في مقال آخر بعنوان "هل اتخذ المسيح طبيعة فاسدة"، وسأركز هنا فقط على طبيعة وحدتنا مع المسيح في الصليب.

إن أصحاب الأجندات غير الكتابية يستغلون التمييز الخطير حول كون العلاقة بيننا وبين المسيح بدلية ونيابية في نفس الوقت. فنحن واحد معه، وفيه، دون أن نشاركه آلامه الكفارية. مثلما يكون النائب البرلماني واحد مع من يمثلهم دون أن يشتركوا معه فيما يعمله من أجلهم. ومثلما يموت الجندي في المعركة محرزًا انتصارًا نيابة عن إخوته دون أن يشتركوا هم في آلامه وموته. إلا أن المواطنة والدم الواحد يجمع بينهم. إن العلاقة بين البدلية والنيابية متداخة بحيث يستحيل الفصل بينهم، ولكن في نفس الوقت متمايزة. فالنائب والجندي هما بديلين من ناحية المجهود والمخاطرات التي يقومون بها. لكنهما في نفس الوقت نائبين في كونهما يشاركان ثمارات انتصاراتهما مع من يمثلونهما. البدلية تفترض النيابية. إلا أنهما ليستا متطابقان. فهما مثل الدائرتين المتداخلتان والمتقاطعتان. النائب يستبدل من ينوب عنهم في المجهودات التي يقوم بها. بينما يشاركهم حصاد عمله كبديل عنهم. على أن كل من البدلية والنيابية لا تقوم لهما قائمة إلا بالوحدة العضوية organic التي تجعلهم كيانًا قانونيًا واحدًا مع من يمثلونهم.

طبعًا الوحدة التي بيننا وبين المسيح أعظم من الصورتين السابقتين. إلا أنهما مثالين جيدين لكيف يمكن أن نكون واحدًا مع المسيح في الأمجاد الفدائية دون أن نشترك في آلامه الكفارية. إن عمل المسيح هو لأجلنا وعنا. عنا كالبديل، ولكنه بديلاً لأجلنا. ذلك لأننا واحد معه. فهو نائب عنا ويمثلنا، لهذا نحصد ثمار عمله دون أن نشترك في تعبه.

إن الكتاب المقدس يؤكد من ناحية وحدتنا مع المسيح، ومن ناحية أخرى يؤكد على أن العمل عمله هو وحده. فعندما يتحدث الكتاب عن اشتراكنا في صلب وقيامة المسيح، فهو يتحدث عن اشتراكنا في الآثار أو الثمار وليس العمل نفسه. لقد أنجز المسيح العمل كله بمفرده فكوفئ من الله على ذلك مشركًا إيانا في تلك المكافآت. يظل أن هناك نوع من السرية في وحدتنا مع المسيح mystery والعلاقة بين "عنا" و"لأجلنا". فهي من ناحية تعني أننا فيه وواحد معه. ومن ناحية أخرى تعني أننا لا نشترك سوى في الثمار وليس العمل نفسه. ينبغي إذًا أن نصون هذه العلاقة الحساسة بين ما فعله المسيح كبديل (عنا)، وبين ما فعله كنائب (لأجلنا). وإلا ستكون النتيجة أن نجنح كما جنح البعض إلى التعليم الخطير بأنه اشترك في طبيعة الفساد لكي نشترك نحن معه في الحياة.

تطبيقًا لذلك، فإن المعنى من وراء قول بولس "متنا معه"، "صلبنا معه"، هو أننا نشترك في آثار وثمار موت المسيح عنا. أي أن المسيح بموته عنا حَكَمَ على طبيعة الفساد التي فينا بالدينونة. وذلك من خلال تجريده لطبيعة الخطية من قوتها. أما "شوكة الموت فهي الخطية، وقوة الخطية هي الناموس" (١ كو ١٥ : ٥٦). عندما تحمل المسيح عقاب الخطايا (الموت) جَرَّدَ الخطية من سلطانها وأبطل فعاليتها. ذلك لأن "أجرة الخطية هي الموت". إن المسيح لا يمكن أن يكون قد أخذ الفساد في نفسه. بل فقط العقوبة. "جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا" لا تعني أنه كان به فساد. حاشا له. بل أنه أخذ اللعنة والدينونة المتربطان بالفساد. احتمل عنا العقاب دون أن يفعل فعلتنا أو يكون له فسادنا.

وإن كنا لا نشترك في الآلام الكفارية للرب يسوع، إلا أننا قد نشترك في آلامه من أجل البر "كما اشتركتم في آلام المسيح" (١ بط ٤ : ١٣). لقد اِضْطُهِدَ المسيح بسبب بره. ونحن بصفتنا أتباعه، نشترك في آلامه هذه. وهذا ما حدث مع الذين كان يخطابهم بطرس في رسالته الأولى "أيها الأحباء، لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة، لأجل امتحانكم، كأنه أصابكم أمر غريب، بل كما اشتركتم في آلام المسيح، افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضًا مبتهجين" (١ بط ٤ : ١٢ – ١٣). إن بطرس يتحدث هنا عن البلوى الحادثة بينهم لأجل امتحانهم. كما أنه لا يشير في العدد ١٢ إلى آلام المسيح الكفارية على الصليب. فهو عندما يشير إلى الآلام الكفارية يتحدث صراحة عن الطبيعة البدلية لموت المسيح "الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر. الذي بجلدته شفيتم". لاحظ هنا كيف يقول "هو نفسه ... في جسده ... بجلدته". وما يخصنا هن فقط هو "خطايانا" ومن ثم "شفيتم". إن هذا يذكرنا بمقولة شهيرة صادقة وهي أن الشىء الوحيد الذي نساهم به في الخلاص هو خطايانا.

خلاصة ما سبق هي أننا في وحدة مع المسيح. إلا أن هذه الوحدة تتمايز إلى: بدلية (عنا)، ونيابية (لأجلنا). ورغم أن البدلية والنيابية متادخلتان، فالبديل لا يستطيع أن يكون كذلك دون أن يكون نائبًا "عن" من يمثلهم. والبديل يقوم ببدليته "لأجل" من يستبدلهم. إلا أن هذا لا يلغي التمايز الذي بينهما. فالمسيح بديل عنا في تحمله لعقوبة الموت. وهو نائب لأجلنا في مشاركتنا بثمار عمله البدلي. لا سبيل لنا إذًا لكي ننأى بأنفسنا عن الهرطقات سوى أن نميز بين البدلية وبين النيابية، وبين العمل الكفاري وبين ثماره.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس