هل يؤمن الدكتور ماهر صموئيل بالبدلية العقابية؟


في الحقيقة لم أسمع عظة "الدين والإنجيل" للدكتور ماهر صموئيل. سأسمعها قريبًا إن شاء الرب. ولكن ... لا أحتاج أن أسمعها لأحكم على ما إذا كان يُعَلِّم بالبدلية العقابية أم لا. فقد سمعت للدكتور ماهر صموئيل ما يكفيني لأؤكد أنه لا يؤمن ولا يُعَلِّم بالبدلية العقابية طبقًا للمفهوم الإنجيلي المصلح.

طبعًا الدكتور ماهر صموئيل لا يؤمن بالبدلية العقابية. وقال صراحة أنه لديه ثلاث مشاكل معها (أعتقد أن هذا في حد ذته يكفي ويبقى نوع من حسن النية المفرط لو توقعت إنه يقولك بحصر اللفظ أنه يرفضها أو يجحدها). وبالمناسبة هو لديه مشاكل تقريبا مع كل العقائد الإنجيلية؛ خمس مشاكل مع الكالفينية، وثلاث مشاكل مع الاختيار. وهذا أيضًا في حد ذاته كفيل بأن يخبرك بشئ عن موقفه من البدلية العقابية (أي رفضه للخلاص القضائي واعتناقه للخلاص كتغيير في الحاضر).

ولا نستغرب إن كان لديه مشاكل مع التبرير القضائي Forensic حتى ولو لم يقل ذلك صراحة (التبرير القضائي هو إعلان قضائي بواسطة الله أن الخاطئ بار باحتساب بر المسيح له). إذ قام بتبني المفهوم الكاثوليكي للتبرير والمضاد للمفهوم البروتستانتي (عظة التبرير باجتماع الشباب بكنيسة مصر الجديدة). ولا ينبغي أن يفوتنا أن تعليم التبرير القضائي هو الذي قال عنه المصلحين أنه "تقوم أو تسقط عليه الكنيسة"، وأنه "المحور الذي يدور عليه باقي التعاليم المسيحية". وقد استعمل الدكتور ماهر صموئيل صراحة نفس المصطلح الذي يستعمله الكاثوليك في وصف التبرير Infusion . التبرير لديه ليس أن الله يُعلن الخاطئ بار على حساب بر المسيح البديل، ولكن أن يغرس أو يحقن فيه الحياة. أي أنه شئ متعلق بتغيير حالتك الداخلية وليس تغيير موقفك القضائي كخاطئ أمام الله. الدكتور ماهر صموئيل يعلم بذات التعليم الكاثوليكي الذي قام من أجله الإصلاح البروتستانتي؛ خلط التبرير بالتقديس والادعاء بأن التبرير هو بث أو غرس البر في المؤمن، وما يصاحب ذلك من كهنوت طقسي وأسرار كوسيلة لغرس هذا البر.

الدكتور ماهر صموئيل يؤمن تقريبًا بكل النظريات الكفارية المنافسة للبدلية العقابية (طبعًا البدلية العقابية تستوعب كافة النظريات الكفارية ولا تستثنيها؛ إلا أن أصحاب النظريات الأخرى يقدمون نظرة اختزالية للصليب لكي يطعنوا بها في البدلية العقابية). فضلاً عن اعتقاده بالتبرير الكاثوليكي، والذي هو في حد ذاته طعن في البدلية العقابية (لمن له أذنان للسمع)، فإن الدكتور ماهر صموئيل تبنى صراحة تعليم الأرثوذكسية الشرقية حول الكفارة عندما قال أن التعليم البديل الذي يحل المشاكل الموجودة في البدلية العقابية هو الثيوسيس (حلقة سرانية الصليب). للأسف قام بترجمة هذا المصطلح ترجمة غير صحيحة عندما قال "التوحد مع المسيح"، والترجمة الصحيحة له هي "التأله".

بالاتساق مع ذلك، هو دائم المناداة بأن المسيح جاء ليسترد لنا إنسانيتنا. وهذا صحيح ولكن ليس مركز كفارة المسيح كما يحاول ماهر صموئيل جعله. إلا أنه ينادي بذلك وفي نفس الوقت يُهمش الخلاص القضائي الإسخاطولوجي؛ غفران الخطايا والنجاة من الجحيم والحياة الأبدية. إذ له تصريحات كثيرة يقول فيها ما معناه أن المسيح لم يأتي ليهبنا خلاصًا من الجحيم أو غفران الخطايا بل ليرد لنا إنسانيتنا.

طبعًا هو يحاول إنكار الجانب القضائي من الخلاص بطريقة شيك لا تثير حفيظة سامعيه ويجعل الأمر يتسرب إليك بتلقائية. هذه هي طريقة غير الكتابيين؛ يجعلك تلقي بأسلحتك وتحفظك ومن ثم يقوم بتسريب المفاهيم غير الكتابية إليك دون أن تشعر من خلال نسبة المركزية والأهمية لتعاليم أخرى أقل مركزية. فهو يقول ما معناه مش محتاجة كلام أن المسيح جاء لغفران الخطايا والنجاة من الجحيم (وكأنه أمر بديهي لديه!!). لكن الأهم أنه جاء ليسترد لنا إنسانينتا. ويقول أيضًا "اختزال الخلاص إلى مجرد الذهاب للسماء هي هرطقة مسيحية". يقول اختزال ولكنه في حقيقة الأمر يطعن في مركزية الحياة الأبدية والغفران والتبرير والنجاة من الجحيم. وهنا يستعمل الدكتور ماهر صموئيل طريقة غير مباشرة بالطعن في البدلية العقابية. ليس بنفيها مباشرة (كما يتوقع البعض)، بل بإعطاء المركزية لتعاليم أخرى توضع بالمنافسة مع البدلية العقابية بواسطة ذوي الأجندات غير الكتابية.

بالاتساق مع الثيوسيس، يُعَلِّم أيضًا بالكفارة العلاجية. فمفهوم استرداد الإنسانية هو مفهوم علاجي. أي أن المسيح لم يأتي لإيفاء مطالب عدل الله بل ليعالج شئ في الإنسان. في مقال له بعنوان "أصل الحكاية" قال أن الخطية هي "مرض" الدوران حول النفس. وأن الجحيم هو بمثابة الحجر الصحي للخطاة. وقال في أحد لقاءاته مع الأخ يوسف يعقوب "إن كانت عقوبة الجحيم متفاوتة من حيث الشدة، فما المانع أن تكون عقوبة الجحيم متفاوتة من حيث المدة؟". أي أن الجحيم أيضًا ليس عقاب ولكن نوع من الاستصلاح أو العلاج أو التهذيب (شكل من أشكال المطهر). وامتدح كتاب القسيسة الليبرالية فليمنج روتلدج التي تقول أن العدل هو استعادة الأشياء إلى وضعها الطبيعي (وصف الكتاب بأنه ثاني أعظم كتاب بعد كتاب جون ستوت).

أيضًا في حلقته "سرانية الصليب" تبني نظرية جروتيوس للكفارة. وقال أن مفهوم العدل والعقوبة كالآتي: "وده اللي كان بيقوله ديزموند إنه لازم يكون فيه شيء من العقاب أو الإقرار بالخطأ اللي حصل". فالعدل بالنسبة له، ليس اعطاء الإنسان ما يستحق، وليس تحمل العقوبة Retributive Justice ، ولكن الإقرار أو التأكيد بأن ما حدث خطأ. أي أن الصليب عبرة أو عظة وليس كفارة.

الجدير بالذكر، أن تلميذ الدكتور ماهر صموئيل، وسيم صبري، وهو أحد المتكلمين في الفريق الدفاعي كريدولوجس، قال نفس ما قاله ماهر صموئيل في فيديو بعنوان "هل الله يغضب؟". قال أن "صليب يسوع المسيح المكان اللي فيه عدل الله، ادانته ورفضه للشر". أي أن عدل الله هنا ليس للنقمة، بل لإظهار رفضه للشر. وقال صبري أيضًا أن العدل هو أن يكون الوضع كما ينبغي، أي استعدال او استصلاح الوضع. ماهر صموئيل ووسيم صبري كلاهما يعلمان بأن غضب الله هو محبة الله المجروحة. أي أنه ليس سخط الله كلي القداسة على الخطية والخاطئ، بل طمسه بحيث أنه أصبح مجرد حزن على الخاطىء وليس موقف قضائي ضده.

بالاتساق مع كل ذلك، يقدم الدكتور ماهر صموئيل دائمًا رسالة الإنجيل على أنها تغيير وعلاقة اختبارية وليس غفران الخطايا. حالة اختبارية في الحاضر أكثر من كونه إعلان قضائي إسخاطولجي يخص موقفنا أمام الله كخطاة مدانون. فهو يستعمل عبارات كثيرة مثل "اتحد بيسوع"، "مش مهم العقيدة لكن المهم يكون ليك علاقة بيسوع". الجدير بالذكر، أنه يرى أن هذا الاختبار متاح حتى لغير المسيحيين (الخلاص الشمولي). في حلقته الأولى من سلسلة "الله في الأدب العربي" قال أن "رابعة العدوية وُلدت ثانية". وفي لقاء قديم له مع القس خالد غبريال قال إن "التوبة مش إنك تعرف المسيح، لكن إنك تقول اللهم راحمني أنا الخاطئ وأن أي شخص يقول هذا سيخلص حتى لو لم يدرك العقيدة المسيحية". وفي لقاء له مع يوسف يعقوب قال ما معناه (مفسرًا النص الكتابي بصورة خاطئة) أنه سيكون هناك من المؤمع الذين لم يسمعوا عن الصليب وسيسألوا المسيح في النهاية "ما هذه الجروح التي في يدك؟". وأن المغني العسيلي يكرز بالسماء المفتوحة. وفي رده على سؤال إحداهن قال "مفيش حاجة اسمها المسيحية صح وباقي الديانات غلط، إحنا بس عندنا منظور للعالم أكثر دقة من باقي الديانات". الخلاص إذًا لدى الدكتور ماهر صموئيل هو حالة اختبارية داخلية أكثر منه موقف أمام الله باحتساب بر المسيح وأن هذا الاختبار متاح حتى لمن لم يسمعوا عن المسيح.

ماهر صموئيل إذًا يطعن في البدلية العقابية بشتى الطرق. بالقول أن التعاليم الإنجيلية بها مشاكل ولا سيما التعاليم المتعلقة بالخلاص القضائي كالاختيار والكالفينية. فضلاً عن قوله صراحة أن لديه ثلاث مشاكل مع البدلية العقابية. قام أيضًا بإعادة تعريف التعاليم الإنجيلية من خلال تبني تعاليمًا أخرى مضادة لها وتسريبها في وعظه مثل اعتباره للتبرير غرس وليس إعلان قضائي. بإعطاء المركزية لتعاليم أخرى أقل مركزية من البدلية العقابية. بإعادة تعريف تعاليم أخرى تعتمد عليها البدلية العقابية مثل التبرير والخطية وغضب الله. لكن يبدو أن كثيرون حسني النية توقعوا أنه يقول صراحة أنه لا يؤمن بالبدلية العقابية. وفي رأيي هو قال ذلك عندما قال أن لديه مشاكل معها.

أنظر مقالات أخرى مفصلة في التعليقات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس