من هو المؤمن؟


أثارت حفيظتي بعض الأبيات الشعرية التي سمعتها للمرنم هاني روماني والتي يقول فيها:

"المؤمن شخص جدع وكريم وأمين ويصون السر. المؤمن قعدته حلوة وينشر خير وقت الشر ... " (فيديو بعنوان شعر لهاني روماني ٢). المشكلة في هذه الكلمات أنها تنطبق على غير المسيحي. فهو يمكن أن يكون جدع وكريم وأمين ويصون السر إلخ دون أن يكون قد سمع عن المسيح.

على نفس المنوال، قال الدكتور ماهر صموئيل سابقًا:

"لو قلبك ما اتغيرش أنت مش مسيحي أنت مش مؤمن، مش عيب أقولك كده دلوقت بدل ما هو (الرب) يقولها لك على الباب في الأخر، أنت منتمي للكنيسة، للعقائد، للتعليم، بتوعظ، بترنم ... كل ده ممكن، أعرف إزاي قلبي اتغير ولا لأ؟ القداسة، إيه أخبار حياة القداسة؟ عايش في القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب، أنت في علاقة مع المقداسات وليست مع القدوس". المشكلة أيضًا في هذه الكلمات التي تهمش التعليم وتطعن به هو أن مظاهر القداسة موجودة لدى الآخرين. أي طالما أن التعليم غير هام، وطالما أن القداسة هي التي تُعَرِّف المؤمن، إذًا، غير المسيحي يمكن أن يكون مؤمنًا أو مسيحيًا دون أن يدري، أو حتى دون أن يريد، طالما يمارس بعض الصلاح. وهذا ما ينادي به الشموليون بادعائهم حول المؤمن غير الواعي.

في صميم هذا المنهج، والذي قد يُعَبَّرُ عنه بصيغ مختلفة، مشكلة خطيرة. وهي أنه يُعَرِّف المؤمن بالإشارة إلى نفسه وليس بالإشارة إلى عمل المسيح أو الإنجيل. بالإشارة إلى الإنسان وعمله وليس إلى المسيح وعمله. فعلى قدر ما تبدو هذه التعريفات جذابة إلا أنها متمركزة حول الإنسان. العامل المشترك فيها جميعًا هو التغيير أو السلوك أو الأعمال الصالحة أو الطاعة، مع إغفال، أو الطعن في، الثقة والعقيدة معًا. إنها تضع ما عمله المسيح لأجلنا في منافسة وتضاد مع ما يعمله الإنسان. وتُعَرِّفُ المؤمن أو المسيحي، ليس كمن وضع ثقته في عمل المسيح لأجله، بل كمن يعمل أعمالاً صالحة. ليس ما عمله المسيح لأجلنا في حياته وموته هو ما يُعَرِّف المؤمن، بل ما يعمله البشر لأجل بعضهم أو حتى لأجل المسيح.

صحيح أن المؤمن هو مَنْ غَيَّرَ المسيح حياته ويسلك كمسيحي. إلا أن هذا ليس تعريف المؤمن بصفة أساسية. المؤمن أساسًا، وبصورة جوهرية، هو من يؤمن بالمسيح. هو من يضع ثقته في الإنجيل. وهذا تمييز خطير ينبغي أن نلتفت إليه وإلا لتحولت النعمة إلى ناموس. ولصار برنا الذاتي مكان بر المسيح الاحتسابي. ولصار الإنسان وعمله الناقص مركز الرسالة بدلاً من المسيح وعمله الكامل. ولو كان بالناموس بِرّ فالمسيح إذًا مات بلا سبب.

طبقًا للمنهج المصلح، فإن للإيمان المُخَلِّص عناصر ثلاثة: محتوى معرفي عن الإنجيل، تصديق لذلك المحتوى المعرفي، ثم ثقة شخصية به. لا يوجد أي عنصر من عناصر الإيمان يحوي عملاً أو طاعة أو سلوك أو تغيير. كل هذه تنتج عن الإيمان ولكنها ليست مكونًا من مكوناته. الإيمان، فقط، وبصورة حصرية، هو الثقة في شخص وعمل المسيح النيابي لأجل الإنسان.

نحن مؤمنون بصفة جوهرية لأننا وثقنا في وعد الإنجيل وليس لأننا نعمل الصلاح. ونحن تغيرنا ونعمل الصلاح لأننا آمنا بالمسيح. ليس العكس. السلوك المتغير والطاعة يكونان نتيجة الإيمان وليس أساسه. والإيمان هو أساس السلوك المتغير ويؤدي إليه ولكن ليس نتيجته. قد توجد فضيلة خارج المسيحية، إلا أنه لا يوجد إيمان مسيحي حقيقي بدون تقوى حقيقية. دائمًا وأبدًا ما يكون الإيمان في المقدمة والسلوك يتبعه. الإيمان هو ما يُعَرِّف المسيحي لأنه يضع عمل المسيح في المركز.

نحن مؤمنون لأجل عمل المسيح عنا. وليس لأجل أعمالنا تجاه الآخرين أو حتى لأجل المسيح. نحن مؤمنون بسبب ثقتنا في طاعة المسيح لأجلنا، وليس لأجل طاعتنا نحن له. أطاع المسيح الناموس لأجلنا في حياته فَحُسِبَ لنا بره. وفي الصليب حُسِبت دينونة خطايانا على المسيح. بثقتنا في هذا العمل الكامل للرب يسوع المسيح، في حياته، وفي موته، نصير مؤمنين. ثقتنا فيما عمله هو لأجلنا هي التي تحدد كوننا مؤمنون من عدمه. أن تستبدل إذًا طاعة المسيح نيابة عنك، بطاعتك أنت (سلوكك المتغير)، كالمعيار الذي يحدد كونك مؤمنًا من عدمه، هو أن تحول النعمة إلى ناموس. هو أن تقول أنك مؤمن لما تعمله وليس لأجل ما عمله المسيح نيابيًا.

السلوك المتغير دلالة ثانوية على كوننا مؤمنون بالمسيح. وهذا ليس معناه أن الأعمال الصالحة ليست مطلوبة. بل مطلوبة وضرورية. ولكن الدلالة الأولى والرئيسية تظل هي الثقة في عمل المسيح النيابي. بهذا فقط تكون المركزية للمسيح وعمله وكلمته. وإلا، إن كان تعريف الإيمان بصورة رئيسية هو ما نعمله نحن، وليس ثقتنا في عمل المسيح لأجلنا، فإن أي شخص ذو أخلاقيات وليس له ثقة في المسيح هو مؤمن. وهذا يفتح الباب إلى الشمولية (الاعتقاد بوجود خلاص خارج المسيحية). كما أننا كثيرًا ما نعثر، وبالتالي نكون دون المستوى المطلوب منا. فهل حينها نكون سقطنا أو ارتدينا عن الإيمان ونحتاج أن نؤمن من جديد؟ فضلاً عن ذلك، إن كان ما يُعَرِّف المؤمن بصفة أساسية هو سلوكه أو طاعته، فمتى هي اللحظة التي يكون فيها المؤمن مؤمنًا؟ السؤال بصيغة أخرى، ألا يصبح الإيمان المُخَلِّص بذلك رحلة غير محسومة وليس ثقة لحظية؟ نوع من الهجوم على الخلاص في لحظة؟ ومن ثم خلط للتبرير والتقديس، وهو ذات الأمر الذي قام الإصلاح البروتستانتي من أجله؟

أخيرًا، من الناحية العملية، فإن الناموس لا يُنشئ فينا القداسة بل يُظهر عجزنا عن الطاعة ويؤدي إلى الفشل. لهذا دائمًا يبدأ بولس رسائله بالتعليم عن النعمة، وعن المقام الذي لنا في المسيح، ثم يتبع ذلك بالتطبيق. وكما يُقال بصيغة أخرى، فإن التعليم القويم (الأرثودوكسي) يؤدي إلى السلوك القويم (الأرثوبراكسي). إن أردنا حقًا التغيير والأعمال الصالحة علينا أن نبدأ بعمل المسيح لأجلنا. وأن يظل عمل المسيح في المركز. فيما عدا ذلك هو ناموس ينتج دينونة وفشل.

إن الثقة في وعد الإنجيل، إذًا، هي الصخرة الوحيدة التي نستطيع أن نقف عليها بثبات ونقول أننا ‏مؤمنون حقًا.‏ والسلوك المتغير يأتي كنتيجة للإيمان، ولهذا فهو دلالة ثانوية على وجود الإيمان ولكن لا يُعَرِّفُه. الادعاء، إذًأ، بأن المؤمن هو مَنْ يفعل كذا وكذا يضع عمل المسيح على المحك.



١٤ فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟ ١٧ إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ. (رومية ١٠: ١٤، ١٧)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس