هادمين ظنونا (13)


الداروينية .. ديانة العصر الحديث


تحدثنا في الموضوع عن السابق عن مغالطة الدراونة في قولهم أن المعجزات الكتابية خرقا لقوانين الطبيعة، ورأينا كيف أنها ليست كذلك، بل هي إضافة قوي جديدة إلي قوي الطبيعة. ثم أظهرنا أيضا تناقض الدراونة مع أنفسهم في أنهم يرفضون المعجزات الكتابية بحجة أنها خرقا لقوانين الطبيعة وهم أنفسهم يؤمنون بالكثير من المعجزات بإعتراف علماءهم أيضا. وفي بحثنا هنا سنتعرض لتناقض آخر وهو إدعاء الدراونة بأن نظريتهم علما بحتا وأنهم لا يمارسون أي نوع من التدين أو الإيمان.

الإلحاد والداروينية وثيقان الصلة، والملحد المسلح للدفاع عن إلحاده (بالمقارنة مع الملحد اللاأدري) لا غني له عن الداروينية، لأن هذه الأخيرة تمده بعقائد وجودية – يدعون أن لها أساسا علميا – تجعله في غني عن الأديان بما تقدمه من معتقدات وجودية. لهذا صرح ريتشارد داكينز في كتابه "صانع الساعات الأعمي" قائلا أن "داروين مَكَن الملحد أن يكون مُشْبَع فكريا". (1)

والسبب في ذلك هو أن الإلحاد الدارويني يقوم علي فكرة أساسية وهي انكار الميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة) ويعظمون الطبيعة وينسبون لها الفضل في كل أشكال الحياة وتعقيدها، إذ يقول كارل سيجان "الكون هو كل ما هو كائن أو كان أو سيكون" (2)، ويسمي عالم الأحياء ستيوارت كوفمان آلية الإنتخاب الطبيعي بـ "الألوهية الجديدة". (3) وهذا يعني أن الملحد لا يعلق إيمانه بالميتافزيقا أو بالخوارق أو الآلهة ولكنه بالحري يؤمن بعدم وجودها ثم ينسب الألوهية إلي أشياء أخري مادية كما سنري. فموسوعة روتليدج الفلسفية تعرف الإلحاد بأنه "الوضعية التي تؤكد عدم وجود إله. وهي تقترح الإيمان الإيجابي ولس مجرد إيقاف الإيمان" (4). فالملحد لا يعتقد بعدم وجود إله فحسب ولكنه "يعتقد" بعدم وجوده. وبهذا المنظور فالداروينية عقائدية، والدراونة الملحدون متدينون.

ولكي نثبت كيف تكون الداروينية عقائدية والملحد الدارويني متدين، وجب علينا أن نعرف "الدين". يقول القاموس الإلتكروني ميريام وبستر في تعريف الدين أنه "نظام مرتب من العقائد، والطقوس، والقواعد، تستخدم لعبادة إله أو مجموعة من الآلهة". وسنقوم بتناول النقاط المذكورة في التعريف تباعا:

أولا الدين هو نظام مرتب من العقائد التي تحدد معني الحياة وقيمة الإنسان ونوع الاخلاقيات التي ينبغي التحلي بها:

وهو ما يمكن أن نطلق عليه "المنظومة العقائدية" والتي يمكن تخليصها في أنها "منظور للحياة" أو "فلسفة للحياة" Worldview . يقول الفيلسوف المسيحي المعاصر رافي زاكرياس أن البشر جميعا علي اختلاف معتقداتهم لهم منظور فلسفي للحياة. وهذا المنظور الفلسفي للحياة يقدم إجابة علي أربعة أسئلة رئيسية: الأصل، المعني، الأخلاقيات، المصير. وهذه الأشياء الأربعة تشكل منظومة عقائدية مترابطة لدي صاحبها. (5)

وبتطبيق هذا المبدأ علي الداروينية يتضح لنا أيضا أنها تقدم منظورا فلسلفيا للحياة يجيب عن تلك الأسئلة الأربعة. وقد يبدو من الوهلة الأولي أن الداروينية تُعني بالطبيعة فقط، إلا أنها في الحقيقة تبحث في ما وراء الطبيعة، وذلك لأنها تزعم الإجابة علي تلك الأسئلة الأربعة التي يجيب عنها الدين: من أين أتينا، لماذا نوجد، ما معني الأخلاق، إلي أين نحن ذاهبون. الأمور التي لا يمكن أن نجد لها إجابة في الطبيعة المادية ولكن لابد من وجود إعلان آخر فوق طبيعي. وهذه النظرة الطبعانية لنشأة الكون التي يؤمن بها الملحدون لها تضميناتها الفلسفية والعقائدية. فنشأة الأشياء من العدم وصيرورتها كائنات حية عليها أن تصارع من أجل البقاء، وعند موتها تذهب ثانية إلي العدم بلا رجعة ، كلها أمور تدفع المرء إلي أن يحصر ذاته في كل ما هو طبعاني ووقتي ، فكل ما هو وراء الطبعية وأبدي لا حساب ولا وزن له لأنه غير موجود. فلا يوجد إله غاضب خلق العالم وسيعطي له البشر حسابا عن أعمالهم يوم الدينونة. وليس من الضروري أن تنص الداروينية صراحة علي هذه الفلسفة ولكنها – أي تلك الفلسفة – هي نتيجة منطقية للمنظور الطبعاني للوجود.

فالبنسبة لكل من نشأة الإنسان ومصيره، فبحسب زعمهم فإن انفجارا عظيما حدث منذ بلايين السنين ثم أثمر ذلك الإنفجار عن ذرات تطورت كوزمولوجيا ثم جيلوجيا ثم بيوكيميائيا ثم بيولوجيا إلي أن وصلنا للكائنات الحية بما هي عليه الآن. ولكن تركز نظرية التطور علي نشوء الأنواع وتطورها بواسطة الإنتخاب الطبيعي. فالإنسان بحسب القصة الداروينية الإلحادية أتي من العدم وتسلق سلم التطور الدارويني إلي أن وصل إلي صورته الحالية. وقصة التطور من البسيط إلي المعقد مدونة في كتباهم المقدس "أصل الأنواع بواسطة الإنتخاب الطبيعي" لداروين. ويا للأسف فإن الرواية الداروينية تنتهي نهاية مأساوية. فللإنسان نهاية لأن عملية التطور ستظل قائمة ومستمرة وإما أن يندثر الإنسان أو يتطور إلي كائن آخر بخلاف الإنسان. أما مصير الكون عموما فسيواجه "الموت الحراري" أو قل "الموات البارد" حين تصبح درجة حرارة الكون تقريبا الصفر المئوي. وذلك عندما تُستنفذ الطاقة القابلة للاستخدام ومن ثم ستختفي الحياة من علي كوكب الأرض حينها حسبما يشير القانون الثاني للديناميكا الحرارية.

وما بين نشأة الإنسان من العدم وصيرورته إلي العدم يكمن كل من المعني والأخلاقيات، أي أن معني الوجود البشري وقيمته والقيم الأخلاقية التي نؤمن بها تنبع جميعها مما يعتقده الإنسان بخصوص نشأته ومصيره. وإعتقاد الدراونة بأن الإنسان أتي من العدم وسيؤل إلي العدم في النهاية تحتم عليهم الإعتقاد بإنعدام المعني للوجود الإنساني. فما قيمة الإنسان ما دام مجرد مجموعة من التفاعلات الكيميائية التي ستبيد حتما في يوم ما ولا يصبح لها أي وجود؟ إنها نظرة قاتمة للحياة ولا يوجد فيها أي بصيص من النور أو الأمل. وما يقال عن المعني يقال أيضا عن القيم الأخلاقية التي يحيا بها الإنسان. فإن لم يوجد إله ديَّان وعادل سيعطي الإنسان يوما ما حسابا له عن أعماله التي عملها علي الأرض، فما الذي يزلمه بأن يتحلي بالأخلاق؟ خاصة وأن الإنسان – بحسب زعم الدراونة – أتي كنتيجة للصراع من أجل البقاء؟ وإن كان علي الإنسان الآن أن يصارع مثل باقي الكائنات الحية من أجل البقاء ومن أجل دفع عملية التطور قدما، أفلا يصير ذلك تصريحا وتبريرا لأي شئ غير أخلاقي يساعد علي عملية البقاء والتطور؟

ولا يوجد دليل علي أن تلك الإعتقادات بخصوص المعني والأخلاقيات هي نتائج حتمية للداروينية أكثر وضوحا مما قاله ويل بروفاين أستاذ تاريخ العلوم بجامعة كورنيل العريقة، وهو دارويني حتي النخاع، لذلك لا يستطيع أحد الإحتجاج بأن ويل بروفاين لم يفهم الداروينية جيدا مثلا. وسنورد ما قاله بالحرف الواحد في مناظرته مع فيليب جونسون بجامعة ستانفورد "دعوني ألخص لكم أفكاري بخصوص ما تخبرنا به نظرية التطور البيولوجي بكل وضوح وجرأة ولزاما عليّ أن أقول أيضا أنها كانت أيضا أفكار داروين نفسه: ليس هناك أية آلهة ، ولا أي قوي هادفة من أي نوع ، لا حياة بعد الموت. فعندما أموت أنا متيقن جدا بأني سأكون ميت تماما، هذا هو كل شئ، وتلك ستكون نهايتي. ولا توجد أساسات مطلقة للأخلاق، ولا يوجد معني مطلق للحياة، وليس هناك أي إرادة حرة للبشر أيضا. والسؤال هنا هل الإلحاد الأنسي يقدم لنا الكثير؟ طبعا فهو يستطيع أن يقدم لنا الإشباع الفكري، وأنا أشعر بالشبع الفكري جدا لدرجة أنه لا يلزمني أن أؤمن بتلك الخرافات التي تعودت أن أصدقها وأنا طفل. لذلك فالحياة لا يكون لها معني مطلق ولكني أعتقد أنه من الممكن أن يكون لها معني وقتي". (6) وسنتناول الأخلاقيات التي يؤمن بها الدروانة الملتزمون بدراوينيتهم في بحث لاحق بشئ من التفصيل، ونكتفي بما قلناه هنا عن التضمينات الأخلاقية للإعتقاد بنشأة الإنسان من الطبيعة وصيرورته إلي الطبيعة بعد موته.

ثانيا الطقوس

أما بالنسبة للطقوس، فلعله لا يوجد أية طقوس يمارسها الدارونة الآن نظرا لكون الإلحاد بصورته الداروينية الحالية حديث مقارنة بالأديان ، ولكن في الآونة الأخيرة رأينا البعض منهم يحتفلون بذكري ميلاد داروين وبذكري نشر كتابه "أصل الأنواع". فهناك من كل عام ما يسمي بـ "اليوم العالمي لداروين"، وإذا قمت بزيارة الموقع الإلتكروني المسمي بـ "يوم داروين" ستجد رسالة ترحيب تقول "دعونا نحتفل بيوم داروين"، وإن تصفحت الموقع ستجدهم قد نظموا مجموعة من الإحتفالات السنوية إحتفالا بداروين. (7)

ثالثا العقائد والطقوس والقواعد تستخدم جميعها لعبادة إله أو مجموعة من الآلهة

رأينا كيف أن قيمة الإنسان والأخلاقيات التي يمارسها الدراونة تنبع جميعها من الإعتقاد بأن الإنسان أتي إلي الوجود كجزء من الطبيعة ويظل كذلك بإعتباره مجموعة من الأحماض الأمينية إلي أن يموت ويتحلل ويعود إلي الطبيعة المادية الغير عاقلة التي برز منها. وبما أن الطبيعة لها هذه المكانة المركزية لدي الدراونة فإننا نتوقع أن يعاملوها بشئ من التقديس، أو قل العبادة والتأليه. وهذا ما حدث فعلا. المثير للدهشة أن عبادة الدراونة للطبيعة وتأليههم لها تنشئ بهم أحاسيسا واختبارات ميتافيزقية (أو روحية)  كتلك يختبرها من يعبدون الله.

فمثلا الكاتب والمؤرخ مايكل شيرمر يقول "إذا كان من المفترض للدين والروحانية أن ينتجا إحساسا بالخشوع والوداعة تجاه الخالق، فما الذي يمكن أن يكون أكثر هيبة وحثا علي الخشوع أكثر من الفضاء الفسيح المكتشف بواسطة هابل وعلماء الفضاء والزمان السحيق في القدم المكتشف بواسطة داروين وعلماء التطور". (8) وطبعا لا يقصد هذا الكاتب المتشكك أن الفضاء الفسيح المكتشف بواسطة هابل والزمان السحيق المكتشف بواسطة داروين ينشئان فيه إحساسا بالخشوع تجاه الخالق، ولكن تجاه الخليقة.

مثال آخر هو ما ذكره ريتشارد داكينز مخاطبا رفيقه في الإلحاد جوناثان ميلر "أنا وأنت ربما يكون لدينا .. مشاعر من المحتمل جدا أن تكون قريبة من نوع من العُجب الصوفي، (وذلك) عندما نتأمل النجوم والمجرات، عندما نتأمل الحياة والإمتداد الجيولوجي للزمن. فأنا أختبر وأتوقع أنك تختبر مشاعر داخلية تجعلنا نقول ما يشبه .. امممم .. وهو ما يشعر به المتصوفين ويسمونه الله. إذا دُعِيت لهذا السبب متدينا جدا – وقد حدث ذلك بالفعل معي – فإن ردي علي ذلك سيكون: حسنا فأنت تلعب بالكلمات. لأن ما يقصده السواد الأعظم من الناس بكلمة متدين مختلف تماما عن هذا الحس التصوفي الفائق .. ، والحس الصوفي، أن الناس الذين هم على حد سواء الدينيون واللادينيون في استخدامي لهذا المصطلح، هو شيء مختلف جدا جدا. فبهذا المعني أكون أنا متدينا. ولعلك أنت متدينا .. الإحساس بالعُجْب والذي يشعر به المرء كعالم وهو يتأمل في الكون أو في الميتوكوندريا هو في الواقع أعظم من أي إحساس يصلك بواسطة التأمل في الأشياء التقليدية للتصوف الديني" (9) ولا نري أن داكينز أفلح هنا في محاولته من التنصل من لفظة "دين"، بل بالحري أكدها، لأنه ما معني قوله أن إعجابه بالطبيعة يقوده لتلك الأحساسيس التصوفية سوي أن ذلك نوعا من "عبادة الطبيعة". لأنه إن كنا نحن المسيحيين نُعجب أيضا بخليقة الله وننبهر بها إلا أننا لا نعبدها ولا نمجدها، بل نمجد الله لأنه خالقها بحكمته وقدرته الغير محدودتان. فأي إحساس فينا نحن المسيحيين بعظمة الخليقة ينشئ فينا عبادة لخالق الطبيعة، وهذا علي خلاف ما ذكره داكينز هنا لأنه كدارويني يؤمن بأن الطبيعة هي التي أوجدته وأنها – أي الطبيعة – هي كل ما يوجد.

والطبيعة ليست هي الإله الوحيد الذي يعبده الدراونة، ولكن الغرض النهائي من إعتناقهم لتلك الديانة الطبعانية هو عبادة أنفسهم، وأن يوضع الفرد في مركز الإهتمام والعُجْب. يخبرنا بول فيتز أستاذ التحليل النفسي (والذي كان ملحدا إلي نهاية الثلاثينات من عمره ثم أصبح مسيحيا) أنه كان يعتقد بنظرية التطور لهذا السبب. يقول البروفيسير فيتز في خضم حديثه عن أن معتقد التوحيد هو الأصل وتعدد الآلهة هو معتقد لاحق علي ذلك "أما بخصوص تعدد الآلهة فلم ينشأ إلا عندما بدأت الثقافات أو القابائل البدائية القديمة الإختلاط أو الإمتزاج فيما بينها بسبب غزو بعضها للبعض الآخر، وأيضا عندما تحولت تلك الثقافات إلي امبراطوريات إما عن طريق الغزوات أو اتفاقيات السلام المشتركة ضمت الآلهة الكثيرة إلي بعضها. ومن خلال هذا المنظور فإن التغييرات التي حدثت علي فكرة الإلوهية فهي ليست تطورا بل رجوعا أو تأخرا حيث بدأت تلك الثقافات من الوحدانية إلي بعض الآلهة القليلة ثم آلهة كثيرة إلي أن وصلنا في عصرنا هذا حيث يكون كل واحد إله. وبهذا فقد كانت اليهودية عودة لعبادة الإله الواحد التي لفظتها المجتمعات الأحدث نسبيا من المجتمعات البدائية الأولي. وهكذا فلم تكن أسبابي الحادي مؤسسة علي العقل أو المنطق ولكنها فقط اجتماعية ونفسية .. كما أن الإلحاد كان بالنسبة لي ذريعة للتحرر وأن أكون إله نفسي، إذ أضحت تلك الروح هي ما يميز المجتمعات الغربية حيث بدأت الثقافة الغربية المعاصرة بالإستقلال الأمريكي والثورة الفرنسية. إلي جوار ذلك فراحتي الشخصية أيضا كانت واحدة من أسباب إلحادي لأن حياة التدين الجادة تطلب تمضية الكثير من الوقت لخدمة ذلك الغرض من صلاة وقراءة كتاب مقدس وذهاب للكنيسة وأعمال صالحة إلخ إلخ. وتصديقي لنظرية داروين أيضا وخاصة الإنتخاب الجنسي دفعني لإنكار وجود الله حتي أستطيع أن أطلق العنان لشهواتي علي أساس الجنس آلية من آليات التطور في الطبيعة وهو لا غبار عليه حتي مع كثرته". (10)

وإن كان داكينز قد حاول التنصل من لفظة "متدين" الأمر الذي أوقعه في تناقض مع نفسه، إلا أن هناك من العلماء من لا يشعر بأي نوع من الخجل أو التردد في أن يدعو إعتقاده بالدراوينية "دينا" ويضعه علي قدم المساواة مع "المسيحية". يقول أستاذ فلسفة العلوم مايكل روس (وهو دارويني حتي النخاع أيضا) أن "نظرية التطور يُروج لها بواسطة معتنقيها علي أنها أكثر من مجرد علم. ويتم نشرها علي أساس أنها أيدلولجية وديانة علمانية، كبديل مطور تماما للمسيحية، لها معناها وأخلاقياتها. فأنا مسيحي سابق وحاليا داروينيا متشددا .. الداروينية ديانة وهذا ينطبق عليها في بدايتها وإلي يومنا هذا أيضا .. أعتقد أيضا أنه كان ولا يزال هناك داروينيون خلقوا دينا – ان راق لك أن تسميه دينا علمانيا – من علمهم. حتي في أيام داروين نفسه انطلق صديقه والمدافع عن نظريته توماس هكسلي لكي يجعل من الداروينية ليس فقط ظاهرة يُستبدل بها الدين بل لتعطي أيضا نفس الإشباع النفسي للدين. ولم يري هكلسي العالم – كما رآه من أتوا من بعده –  مظلما ولا معني له ، ولكن بالأحري كشئ له اتجاه .. اتجاه ارتقائي موجَّه بواسطة التطور حتي جاء جنسنا (البشري). وكما يري المسيحيون العالم مخلوقا من أجل البشر ، رأي هكسلي أن العالم يتهيأ من أجل البشر أيضا ، وكما يري المسيحي الأعمال الأخلاقية متمركزة علي البشر كذلك أيضا رأي هكسلي الأعمال الأخلاقية متمركزة علي الإنسان. أعطي هكسلي ما أسماه هو شخصيا (عظات للعامة) وكافح من أجل نشر رسالته. وفي واحدة من أكثر أعماله اثارة للدهشة هو ورفاقه قاموا ببناء الكنائس – الكاتدرائيات – من أجل دينهم الجديد. ما عدا أنهم فقط أسموها (متاحف التاريخ الطبيعي). وبدلا من الذهاب إلي الكنيسة في صباح الأحد فإنه من الممكن أن تذهب الأسرة في مساء الأحد إلي تلك الأماكن لتري عروضا رائعة عن الحياة في الماضي : كحفريات الديناصورات التي يتم استخراجها في الغرب الأمريكي ويتم ارسالها للشرق لكي يشاهدها الجميع".  (11)

وبناء عليه فالداروينية ليست علما بحتا كما يدعي الكثير من الدراونة، ولكنها دينا يدينون به، نظاما عقيديا له رواية لبداية الكون ونهايته، وقيم وجودية وأخلاقية تنبع من تلك الرواية الداروينية، وأخيرا فإن الهدف من تلك المعتقدات الدراوينية هو تأليه وعبادة أنفسهم وإطلاق العنان لشهواتهم الحبيسة. يقول الكتاب المقدس "قال الجاهل في قلبه ليس إله" وإن تساءلنا عن السبب في ذلك لأخبرنا إياه العدد التالي من ذلك المزمزور، ألا وهو "فسدوا ورجسوا بأفعالهم" (مز 14).




(1) The Blind Watchmaker, chapter 1 by Richard Dawkins
(2) Think Biblically! (Trade Paper): Recovering a Christian Worldview by John MacArthur, page 56
(3) Naturalism, Theism, And The Origin Of Life by Joseph E. Earley, Sr.,Department of Chemistry, Georgetown University, Washington, DC 20057
 http://faculty.georgetown.edu/earleyj/papers/ntol3.pdf
(4) The Shorter Routledge Encyclopedia of Philosophy, edited by Edward Craig, page 73 under “Atheism”
(5) Think Again – Deep Questions Posted by Ravi Zacharias on August 28, 2014
http://rzim.org/just-thinking/think-again-deep-questions
(6) Evolution = atheism, no purpose, Dr William B. Provine, Professor of Biological Sciences, Cornell University
http://creation.com/wm-provine-evolution-=-atheism-no-purpose
(7) International Darwin Day
http://darwinday.org/
(8) Why Darwin Matters: The Case Against Intelligent Design, by Michael Shermer, page 161
(9) Atheism Spirituality
http://www.truefreethinker.com/articles/atheism-spirituality
(10) Faith of The Fatherless, The Psychology of Atheism, by Paul Vitz, page
(11) Is Darwinism a Religion? By Michael Ruse, Professor of Philosophy, Florida State University
http://www.huffingtonpost.com/michael-ruse/is-darwinism-a-religion_b_904828.html


تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس