عقيدة اللامبالاة


ليس كل المسيحيون من ذلك النوع الذي يمكن أن نسميه ذوي الآذان المستحكة، أولئك الذين لا يحبون أن يسمعوا من العقيدة إلا ما هو علي هواهم، ولو إقتضي الأمر أن يطلبوا من واعظيهم أن يكلموهم بالناعمات وأن ينظروا لهم مخادعات (إش 30 : 10)، أي العقائد التي تجعلهم مستريحين مطمئنين مثل إنجيل الرخاء والصحة، بل هناك نوعا آخر إستغنوا عن آذانهم بالمرة، أغلقوها بالضبة والمفتاح، إن زمرت لهم لا يرقصون، وإن نوحت لهم لا يلطمون، أولئك في حالة من الصمم العقيدي، أو بمعني أدق لا يؤمنون بأي عقيدة سوي عقيدة اللامبالاة. فالعقائد الكتابية هي آخر ما يمكن أن يهتموا به، هذا لو إهتموا بها من الأساس، يعافونها وكأنها رجس من عمل الشيطان، ويهابونها وكأنها ضرب من العلوم المستحيلة، إن حدثتهم عن التبرير أو عصمة الكتاب المقدس لوقعت هذه الأمور علي آذانهم موقع اللغو. يقولون لك المهم هو الخلاص، فنسألهم أوليس الخلاص في حد ذاته عقيدة؟ أو يقولون المهم هو المسيح، فنسألهم مجددا ألم يعطي الرب يسوع المسيح أهمية مطلقة للعقيدة نفسها فتحدث عن القيامة والدينونة والخطية والتوبة والولادة من فوق والبر والناموس والمجئ الثاني ومصير أورشليم والهيكل والكنيسة والسبت والملائكة؟ المسيح لم يتجنب الحديث عن العقيدة أبدا، بل بالعكس كان يسأل الكثير من الأسئلة ليتحداهم في فهمها. الأمر الوحيد الذي تجنبه المسيح أثناء حياته علي الأرض هو أن يقوم بدور قاض، مع أنه يصلح بصورة مطلقة لهذه الوظيفة، إلا أنه كان يخوض غمار التعاليم الجدلية الصعبة التي إختلف حتي فيها اليهود فيما بينهم مثل القيامة التي أنكرها الصدوقيون، وتلك التي كانوا يقدسونها جميعا إلي أبعد الحدود مثل السبت وأورشليم والهيكل، فشفي في يوم السبت وتنبأ بأن أورشليم ستدوسها أقدام الأمم وأن الهيكل لن يبقي فيه حجر علي حجر. لم يتخذ الرب يسوع المسيح أبدا موقف اللامبال من العقيدة، أو موقف من يقول كلاما يرضي به سامعيه، بل علي النقيض من ذلك، كثيرا ما تركهم كلامه غير مستريحين، فكانوا يرتدون وينكصون من وراءه بسبب كلامه، حتي تلاميذه صارحهم بحقيقة خيانتهم وقال لهم "كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة". للأسف أضحت العقيدة في يومنا هذا مثل البرص، فمن ينادون بالحق الكتابي يخرجون خارج المحلة، ويظل فقط بالداخل من هم لامبالون أو نسبيون أو ليبراليين مساومون، أو دبلوماسيون يلتمسون رضي سامعهيم. ولكن تظل المسؤولية علي الخدام الأمناء الذين يدركون قيمة العقيدة والحق الكتابي، بالمناداة بالأهمية الخطيرة لهما، فالعقيدة يمكن أن تخلصنا أو تهلكنا، تقودنا إلي المسيح أو تبعدنا عنه. عقيدتا التبرير بالإيمان بدون أعمال وعصمة الكتاب المقدس وسلطانه المطلق صنعتنا تاريخ العالم الغربي، بل العالم بأكمله. يا ليتنا نستيقظ من سباتنا العقيدي كما قال عمانوئيل كانط إزاء شكوكية الفيلسوف المتشكك ديفد هيوم أنه لم يوقظه من نومه العقائدئ سوي شكوكية هذا الأخير. خلاصة القول لا مناص من الإعتقاد بشئ، إما أن نعتقد بالحق الكتابي، أو نعتقد بالامبالاة به، والأخطر هو أن نعتقد بالشك فيه!!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس