لماذا تعثرون نيتشه؟



يذهب البعض لإنكار أجزاء من التعاليم المسيحية بحجة أنها تعثر الغير من الإيمان المسيحي، وعلي وجه التحديد تعليم الغفران بما يتطلبه ذلك من بدلية عقابية وكفارة وإسترضاء. والسبب لديهم يكمن في كون هذه الأمور تعطي صور وحشية عن الله، فهي – علي حد قولهم – تصوره بأنه غاضب ومنتقم جبار. ويقولون أيضا أن الصورة الحقيقية علي عكس من ذلك، فالله محب ورحيم ورؤف وشفوق ولا يمكن أن يدين الأشرار ويلقيهم في جهنم وبئس المصير. ومع كون الصورة التي يرسمها هؤلاء للتعليم الكتابي عن البدلية العقابية وما يرتبط به من تعاليم أخري مثل الغفران وغضب الله ودينونة الأشرار ليست صحيحة، إلا أن هذا ليس موضوعنا الآن. فما نريد إيضاحه هنا هو عدم الترابط المنطقي لهذا الفكر. وهذا يتضح إذا أخذنا في الإعتبار أن تعليم محبة الله ورحمته وتحريضنا علي محبة الآخرين أعثرت غير المسيحيين أيضا، وبصفة خاصة الفيلسوف العملاق نيتشه. فقد علّم بموت الله، وأن إنحطاط الحضارة الغربية يرجع إلي المسيحية التي تعلم عن التسامح ومحبة الغير والرحمة. حيث قال صراحة "لماذا أيها الأغبياء .. ماذا عن مدح ذلك الذي ضحي بنفسه؟" (ويقصد موت المسيح علي الصليب). الأمر الذي دفعه إلي صياغة فرضيته عن البطولة البيولوجية وحاجة الجنس البشري إلي "الأوبرمنش" أي "السوبرمان" وأن الحل يكمن في التخلص من الدين و أيضا في الرغبة الطبيعية في السلطة أو ما أسماه "البطولة البيولوجية" وهي نوع جديد من الوجود الأصيل يشكله "السوبرمان" أو الإنسان المتفوق، وهذا الإنسان المتفوق سيكون أعلي وأسمي بكثير من المسار الطبيعي للبشرية. وعن طريق نبذ الصفات الأنثوية للإله الذي تنادي به المسيحية والتي تتمثل في المحبة والوداعة، وبدلا من ذلك عليهم التحلي بالصفات الذكورية من الخشونة والشك. تُري ماذا كان سيقول نيتشه لو علم أنه يوجد في يومنا هذا من يعلمون بأن المسيح مات علي الصليب لا ليمنحنا غفرانا لخطايانا بل ليعلمنا التضحية، ولكي يكون هذا الموت مجرد إلهامنا لنا علي تحمل الألم والصبر علي المشقة؟ ونيتشه طبعا ليس الوحيد في إحتقار صورة المحبة التي تقدمها المسيحية، فهناك الكثيرين يشاركوه هذه الصورة قديما وحديثا. فالرومان قديما مجدوا القوة واحتقروا الضعف. وفي الحاضر أيضا لا يرضي المسلمين عن تعاليم المحبة والغفران في المسيحية ويعتبرونها نوعا من الضعف. والسؤال هنا هو لماذا تعثرون هؤلاء؟ ولماذا تعثرون نيتشه؟ ألا يليق بكم التخلي أيضا عن تعاليم المحبة والرحمة والوداعة والتضحية والغفران إرضاء لهؤلاء الذين تعثروا منها؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس