المباحثات الغبية



ليست المباحثات الغبية التي حذرنا منها بولس في العهد الجديد هي المناقشات العقيدية الكتابية كما يظن البعض خطئا، ولكنها تلك المباحثات التي انزلق فيها مؤمني الكنيسة الأولي، إما من اليهود بخصوص أنسابهم أو إما من اليونانيين بخصوص خرافاتهم الغنوصية، وهي بذلك بدون قيمة تعليمية، واصفا إيهاها الرسول بأنها "مباحثات دون بنيان الله الذي في الإيمان" (1 تي 1 : 4)، وفي مكان آخر يدعوها "خرافات يهودية ووصايا أناس مرتدين عن الحق" (تي 1 : 14)، وفي موضع آخر تسمي "الخرافات الدنسة العجائزية" (1 تي 4 : 7). ولو كان مجرد الجدال العقيدي أو التعليمي في حد ذاته هو من قبيل المباحثات الغبية كما يتصور البعض، فالنتيجة المنطقية لذلك هو أن بولس نفسه إنخرط في تلك المباحثات الغبية التي حض كل من تيموثاوس وتيطس علي تجنبها، فما أكثر التعاليم الجدلية التي تعرض لها بولس في رسائله، كالتبرير والإختيار والنعمة والقيامة وعشاء الرب والمجئ الثاني ومصير إسرائيل. وما أكثر المرات التي ذكر فيها سفر الأعمال صراحة بأن بولس إنبري لتلك المناقشات العقيدية: " ثم دخل المجمع، وكان يجاهر مدة ثلاثة اشهر محاجا ومقنعا في ما يختص بملكوت الله" (أع 19 : 8)، وفي العدد التالي لذلك يخبرنا: "ولما كان قوم يتقسون ولا يقنعون، شاتمين الطريق أمام الجمهور، إعتزل عنهم وأفرز التلاميذ، محاجا كل يوم في مدرسة انسان اسمه تيرانس" أي لم يمنعه من الإستمرار في المناقشة سوي الإنحدار الأدبي لها. ومع كل هذا لم تكن تلك المناقشات بلا ثمر، تقول أيضا الآيات التالية في نفس الأصحاح: "وكان ذلك مدة سنتين، حتى سمع كلمة الرب يسوع جميع الساكنين في اسيا، من يهود ويونانيين". (راجع أيضا: أع 17 : 2، 17 ، 18 : 4، 9) وفي آريوس باغوس أيضا حاج اليونانيون مقتبسا من أشعارهم. وإن سلمنا بأن المنقاشات حول الحق الكتابي هي مباحثات غبية فإن المجامع الكنسية ودفاعات الأبطال الذين إنبروا للتصدي للهراطقة في القرون الأولي تصبح هي أيضا بدروها مباحثات غبية. بل والأكثر من ذلك تصير الوصية الكتابية "مستعدين لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم" هي أيضا مباحثات غبية. فالكلمة "مجاوبة" باليونانية هي "أبولوجيا" والتي اشتق منها الكلمة الإنجليزية (Apologetics) أي "دفاعيات". ولكن التطبيق البسيط لتلك الآية المساء فهمها هو أن كل مناقشة لا قيمة تعليمية لها ولا تعود بالبنيان التعليمي علي المشتركين فيها هي مباحثة غبية، أما لو كانت تتعلق بالتعاليم الكتابية التي وصفها الرب بأنها "أثقل الناموس: الحق والرحمة والإيمان " (مت 23 : 23) فعلينا إذا أن نخترط سيف التعاليم الكتابية من غمده ونحارب به كل تعليم غريب عن الحق والرحمة والإيمان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس