ماذا يريد الليبراليون من المسيحية؟


لو كان هناك لغزا لا أفهمه فهم الليبراليين (المسيحيون) ! يتبعون المسيح المعلم ولكنهم ينكصون من وراءه عند الصليب والقيامة وما بعدهما! وكأنهما شخصان مختلفان لا إرتباط بينهما! يريدون المسيحية ولا يريدونها في نفس الوقت، أو قل يريدونها منزوعة الدسم، بدون خلق أو ميلاد عذراوي أو معجزات أو صليب أو قيامة أو دينونة أو وحي .. إلخ! ويا حبذا لو وضعت عليها بعض الحباش الفلسفي من لاأدرية وطبعانية وشخصانية وأنسية، لحصلت حينها علي خلطة تستسيغها كل الأفواه! ولو كان كل ما يراه الليبراليون المسيحيين من المسيح هو معلم صالح تألم في سبيل قضيته، مصلح إجتماعي وروحي اصطدم مع السلطة الدينية والسياسية فَغُدِر به، فلديهم العشرات بل والمئات من هؤلاء! لديهم مثلا سقراط المتواضع الذي مع عبقريته ورقي تعاليمه وتفانيه في التمسك بها لم يري نفسه سوي "ذبابة الخيل" التي لا قيمة لها سوي مضايقة الخيل فتدفعه علي التوثب. كان يريد إنقاذ أثينا من الأزمة الأخلاقية والسياسية والفكرية التي كانت تمر بها بسبب السفسطائيون والبرجماتيون، فأخذ يطرح أسئلته الفاحصة علي الشباب بخصوص الحق والفضيلة والجمال. ثم إتهم ظلما وعدوانا أنه يدعو إلي الإلحاد ويُفسد الشباب ويثنيهم عن العمل من خلال أسئلتة الفاحصة التي كان يطرحها عليهم. فما كان من الحاقدين علي شعبيته وعبقريته وإلتفاف الشباب من حوله سوي أن يقدموه للمحاكمة بتهمة إثارة الفتن والكفر بالآلهة الأثينية. وصدر الحكم المجحف عليه بشرب السم. ولكن تلاميذه المحبين أرادوا أن لا يموت معلمهم، فقاموا بتدبير مؤامرة مع حراس السجن لهروبه، فعرضوها علي معلمهم سقراط، ولكن هذا الأخير رفضها رفضا قاطعا. وفي الوقت المحدد لإعدامه جاء الحارس بكأس السم فتجرعها سقراط، فعلي صراخ وبكاء تلاميذه، فاستنكر بكاءهم عليه لأنه أراد الموت في هدوء، واضطجع سقراط ليموت في هدوء، شهيدا لمبادئه!


فلماذا لا يؤمن الليبراليون بسقراط بدلا من المسيح، علي الأقل فسقراط لم يتكلم عن خلق أو عهد قديم ، ولم يُحبل به معجزيا أو صُلب وقام من الأموات؟ لماذا لا تكتفون بكأس سقراط، علي الأقل فهو لم يقل عن كأسه أن الآب أعطاه إياها ليشرب؟ وبما أنكم لا تؤمنون بالمعجزات فما المانع بالإيمان بسقراط بدل المسيح ما دام سقراط لم يتنبأ بقيامته ولم يجري معجزات، وما دام لم يقل تلاميذه أنه قام؟ لو كان هذا ما تريدونه من المسيح فلستم مُكْرَهِين عليه ولا سيما أنه يوجد بدلاء له مثل سقراط. لو لم يكن لسان حال كل مسيحي هو أن المسيح أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا فلا قيمة لإيماننا به معلما صالحا فقط!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس