من هو كارل يونج الذي يمدحه الدكتور ماهر صموئيل؟


يحتفي الكثير من المسيحيين بعالم النفس كارل يونج. ونحن لا نشكك في قدراته أو ذكاءه، لكن فقط نسلط الضوء على معتقداته الدينية التي دفعت وشكلت علمه. والدكتور ماهر صموئيل أحد هؤلاء الذين يقرأون ويحتفون ويروجون لكارل يونج. يقول ماهر صموئيل في حلقته "سرانية الصليب" أن كارل يونج:

"واحد من أعظم علماء الطب النفسي في التاريخ. راجل عظيم فعلاً، وتقيل. وليه، يعني، إسهاماته في الطب النفسي، وفي علم النفس، الغير مسبوقة، يعني كان مدرسة جديدة كده".

لنرى ما إذا كان حقًا كارل يونج مثلما يصفه الدكتور ماهر صموئيل.

طبقًا للاهوتي بيتر جونز، وهو معلّم كتابي وناقد لاهوتي كبير لديانة العصر الحديث، وبالاستعانة بما كتبه نقاد أكاديميون آخرون أيضًا نقل عنهم جونز، فإنه ينبغي التحذير من خطورة كارل يونج وليس الاحتفاء به هكذا. سأتركك مع ملخص لما جاء في كتاب الدكتور بيتر جونز "المنظور الكوني الآخر: كشف أكبر التهديدات للمسيحية" والجزء الخاص بـ كارل يونج، وسيكون لي تعليق في النهاية.

لُقِّبَ كارل يونج بـ "أبو ديانة العصر الحديث". لدرجة أن علم النفس اليونجي (نسبة إلى يونج) فتح الثقافة الشعبية في الغرب على الروحانية الهندية. تأثر يونج بتعاليم أحد الرهبان الهندوسيين عن النفس أو الإلهية.

يرى يونج أن الخلل السلوكي لدى البشر يمكن شفاءه من خلال علم النفس والحكمة المنتقاة من كل ثقافات وديانات العالم. وقد أراد أن يخلق إنسانية جديدة من خلال العلاج النفسي للمشاكل الحالية ومن خلال روحانية دينية عامة واحدة لمستقبل البشرية. وهكذا اعتمد منهج يونج على الشفاء من خلال الروحانية. لم يكن علم النفس اليونجي إذًا منعزلاً عن ديانته الوثنية بل شكلت تلك العقيدة الوثنية له علمه النفسي.

كان يونج يدرك أن الغرب المسيحي ضد الخرافات الوثنية. السبيل إلى ترويج علمه المؤسس على الخرافة الوثنية إذًا هو السعي إلى هدم المسيحية وإعادة بناء ديانة روحانية جديدة مغلفة بمصطلحات نفسية. قال ريتشارد نول، أستاذ علم النفس وتاريخ العلوم بهارفارد، والذي كتب كتابًا عن سيرة يونج وفكره، أن يونج تَعَمَّدَ اللغة المبهمة فيما كتبه للعامة، بينما طور نظرياته الحقيقية في دائرة خاصة مع الباحثين والممارسين.

كتب ريتاشرد نول كتابان عن يونج، الأول: "بدعة يونج: أصول الحركة الكاريزماتية"، والثاني: "المسيح الآريوسي: الحياة السرية لكارل يونج". يقول نول:

"تم بناء قناع القرن العشرين [للبحث العلمي] بشكل متعمد، وبخداع إلى حد ما، بواسطة يونج لجعل منظوره الكوني السحري، ذو تعدد الآلهة، والوثني، أكثر قبولًا لعالَم علماني مُهيأ لاحترام تلك الأفكار التي يبدو أنها تحمل طابعًا علميًا فقط".

لم يكن ذلك الخداع وتلك الروحانية قد اِكْتُشِفَا بعد، لأن يونج أوصى بعدم نشر "الكتاب الأحمر" الذي ألفه إلا بعد خمسين سنة من وفاته حتى لا يؤثر على سمعته.

هُوجم نول من الأكاديميين لما نشره عن يونج، لكن كتابات يونج نفسها التي نُشرت لاحقًا أكدت روحانيته الوثنيه. إذ نشرت مؤسسة فليمون كتاب بعنوان "الكتاب الأحمر" (٣٧١ صفحة) يحوي ما رواه يونج نفسه عن ممارساته الشيطانية في محطات هامة من حياته.

يقص علينا الكتاب الأحمر، كيف أنه بعد انفصال يونج عن فرويد لاختلافهما حول المنهج وعدم اقتناع فرويد بالعلاج الروحاني ليونج، مَرَّ يونج بفترة في حياته عانى فيها من الاكتئاب، وانخرط في تحليل ذاته تعذيبيًا tortured self-analysis . أثناء هذه الفترة اختبر خيالات ذُهانية بالإضافة إلى خبرات ماوراء طبيعية، أي روحانية. انغمس أيضًا في عالم الموتى، فكتب كتاب "سبعة عظات للموتى".

"في الكتاب الأحمر، يورد يونج تفاصيل ما يسميه بالخبرات 'الروحانية'، والتي تضمنت علاقته بالروح المرشد، المُسَمَّى 'فليمون'، الذي قال عنه: 'كان فليمون يمثل قوة لم تكن أنا. ... كان هو الذي علمني الموضوعية النفسية'. نفس الروح المرشد، فليمون، خاطب يونج بـ 'المسيح' ". يصف يونج هذا الروح بأنه عجوز وثني له قرني ثور وجناحا طائر. وهذا الروح المرشد هو الذي عرَّف يونج بالإله الغنوصي الوثني أبراكساس.

بالإضافة إلى ما قاله نول عن الممارسات الشيطانية لـ يونج، فإن عالمة النفس الأمريكية جون سينجر قالت أيضًا أن يونج كان له شخصيتان: شخصية علمية عقلانية، وأخرى روحانية ماوراء طبيعية. وأن يونج كان أكثر من مجرد مهتم بالسحر. يونج نفسه صرّح "تابعت ... بمساعدة الكيمياء ... الصور الداخلية ... التي هددت بتحطيمني". وفي نهاية هذه الفترة قال يونج: "لم يعد بإمكاننا ممارسة أي علم نفس يتجاهل وجود ... علم نفس ماوراء طبيعي parapsychology (ظواهر وراء طبيعية)".

وعن خلفية يونج الأسرية، كان جده من أبيه كبير معلمي الماسونيين السويسريين، وجده من أمه كان ساحرًا ورحانيًا. جدته من أمه كانت عَرَّافَة واتصلت بالموتى وأعطت نبوات. كانت أمه وسيطة روحية سُحِرت بواسطة الأرواح التي كانت تزورها في الليل. وكارل يونج نفسه ظل يحضر جلسات تحضير الأرواح مع أمه لسنين طويلة. كان أبيه خادمًا ليبراليًا في الكنيسة اللوثرية.

قال يونج عن المسيح الذي سمعه من المنبر: " 'الرب يسوع' لم يصبح حقيقيًا أبدًا بالنسبة لي، لم يكن مقبولًا أبدًا، لم يكن محبوبًا أبدًا ... بدا لي 'الرب يسوع' إله الموت من بعض النواحي ... بدا لي حبه وعطفه، اللذان سمعتهما يُشاد بهما دائمًا، مشكوكا فيهما".

كانت الخرافات الوثنية في نظر يونج هي سعي البشر أجمعين لفهم النفس وشفاءها من خلال اكتشاف أن الآلهة جمعيًا يوجدون في دواخلنا. دراسات يونج، أو بالحري تعاليمه، هي التي أوحت للاهوتي (الذي لا يستحق لقب لاهوتي) ديفيد ميلر الذي وضع نظرية "موت الله"، والذي قال أنه "بموت الله سنشهد إعادة ميلاد آلهة وإلهات روما واليونان".

كان يونج يسعى للإجابة على السؤال: هل الإنسان مرتبط باللامحدود أم لا؟ والإجابة لدى يونج كانت بالإيجاب من خلال إظهار تعليمه بـ علم النفس العابر للأشخاص Transpersonal Psychology ، وقد جاءت أبحاثه مؤسسة على خبرات يونج نفسها الماوراء طبيعية والروحيانات الوثنية كما في ديانات شرق آسيا. رسالة الدكتوراة الخاصة به كان عنوانها "في علم النفس وعلم الأمراض لما يسمى بالظواهر السحرية" On the Psychology and Pathology of So-Called Occult Phenomena . هذه الظواهر الروحانية مرتبطة بالصحة النفسية المتاحة للجميع.

سعى يونج لتحرير النفس الغربية من خلال استبدال العقيدة المسيحية في الغرب بالنماذج الرئيسية للدين من الأزمنة السحيقة. اللاشعور هو الأعماق الروحية للإنسان حيث تُفَسَّرُ الخيالات على أنها خبرات صوفية للعالم الروحي الحقيقي. يعتقد يونج أن غرائزنا مؤسسة على نماذج روحية (خرافات تفسيرية) من جميع ديانات العالم وعالم الروح الذي يلهمها. كان يونج على دراية جيدة جدًا بديانات العالم والخرافات الوثنية وسعى إلى إيجاد المشترك والمتكرر بينها لتوظيفه في العلاج النفسي.

اكتشف يونج أنه في قلب الأديان، أو في صميم التقاليد الدينية المختلفة، يوجد ضم وتوحيد المتعارضات أو المتناقضات. ومن خلال هذا الضم أو تلك المصالحة بين المتناقضات يتم شفاء اللاشعور. وقد شكل هذا منهج يونج في العلاج النفسي.

الإله الذي تنادي به الأديان هو إله يصالح المتناقضات. وهكذا كان إله يونج نفسه، الإله لغنوصي أبراكساس، الذي نصفه إنسان ونصفه وحش. فهو كإله أعلى من إله الكتاب المقدس والشيطان، لكونه يدمج المتناقضات.

النضوج النفسي إذًا، لدى يونج، هو مصالحة المتناقضات الداخلية. الخير والشر أمورًا نسبية، والذكورة والأنوثة يمكن مصالحتهما معًا. وقد أشعل هذا الأمر الثورة الجنسية في الستينات. الأمر الذي أدى بدوره إلى التخلص من الإحساس بالذنب المسؤولة عنه المسيحية. كان التحرر الروحي والجنسي، لدى يونج، في صميم شفاء اللاشعور.

لدى يونج أيضًا كان الأوربوروس – الرمز الوثني والغنوصي القديم الذي يصور الثعبان يأكل ذيله مكونًا بذلك دائرة – هو نموذج للنضوج والتكامل والاستيعاب لـ الذات الظل The Shadow Self ، أي الجانب المظلم. هذه الدائرة غير المنقطعة حيث يتغذى دائمًا فم الثعبان بذيله، تشير إلى الخلود، والموت الذي يجلب الحياة، ووحدة الكون، والحقيقة المطلقة الواحدة، وتصالح المتناقضات.

يصف يونج في "الكتاب الأحمر" ممارساته المتكررة بـ "تفريغ الوعي للسعي لما هو أسفل عتبة الوعي". وسعى لفهم علم النفس من خلال التغلل بعمق داخل الفلسفة الصينية الكلاسيكية والخيالات الصوفية للهند ويوجا الـ تنترا.

في "الكتاب الأحمر" سجل يونج أحد الحوارات مع نفسه:

– العمل – العظيم يبدأ ... ينبغي أن تذهب إلى مستوى أعلى من الوعي ... ألّا تكون فيما بعد مسيحي.
– فما هي دعوتي إذًا؟
– الدين الجديدة والدعوة له ... تنظيم جديد للشؤن الإنسانية.

رغم هذا، احتفى الكثير من المسيحيين بيونج كمرشد روحي وحاولوا مزج روحانيته وعلمه النفسي بالمسيحية. على عكس الحال مع فرويد إذ كان عقلانيًا ملحدًا. للأسف لم يعلموا أن مصدر هذه الروحانية المتخفية في شكل شبه علمي لدى يونج كان هو الاتصال بالشياطين.

Jones, Peter. The Other Worldview: Exposing Christianity's Greatest Threat. Kirkdale Press, 2015.
انتهى ما نقلته عن الدكتور بيتر جونز. وفي ضوء ما ذكره جونز عن كارل يونج، فإن قراءة الدكتور ماهر صموئيل لكتب كارل يونج تدعونا لنتساءل عن حقيقة المصادر التي يستقي منها ماهر صموئيل أفكاره والتي تخرج في عظاته. كنا في السابق أيضًا سجلنا إعجاب الدكتور ماهر صموئيل بفكر الراهب الكاثوليكي هنري نووين واصفًا كتابه بأنه أنقذه روحيًا ونفسيًا عندما كان في الولايات المتحدة. ونووين راهب متصوف يدعو إلى عالمية الخلاص، وقد صارع مع ميول جنسية شاذة. مدح أيضًا الدكتور ماهر صموئيل كتاب القسيسة الليبرالية فليمنج روتلدج واصفًا إياه بأنه كتاب عظيم ومحترم جدًا، مع أنها تنكر فيه البدلية العقابية وتعلّم فيه بعالمية الخلاص وأن الشيطان نفسه في النهاية سيخلص.

لقد آن الآوان أن نقف ونسأل الدكتور ماهر عن حقيقة المصادر التي يتعلم منها.

ناهيك عن أن ما ذكره ماهر صموئيل عن كارل يونج غير صحيح ويثير للدهشة. فهو لم يكن ملحد، بل وثني له روح مرشد ويعبد الإله أبراكساس ويمارس ممارسات سحرية. صحيح أن يونج أيضًا آمن بوجود فساد في الإنسان لكن رأى أن طريقة شفاء النفس هو مصالحة المتناقضات وليس الفداء.

السؤال الأخير الذي يثور، هل من المفترض أن نصدق أن عالم نفس يتنبأ بحدوث الحرب العالمية من خلال متابعة أحلام مرضاه؟ هل هذا يعني أن أحلامهم هي نبوات عن حدث تاريخي مثل الحرب العالمية قام هو بتفسيرها؟ هل هذا طب نفسي؟ أم شيء آخر متخفي في صورة طب نفسي؟

أخيرًا، ألا تدعونا هذه الحقائق عن كارل يونج بالتروي وعدم دمج علم النفس مع المسيحية، بل وعدم إعلاء علم النفس على الحق الكتابي؟ أليس من الواضح جدًا الضدية الشديدة بين ما علّم به يونج والحق الكتابي؟



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس