الصليب والكأس


وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ ٱلْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى ٱلتَّلاَمِيذَ وَقَالَ: "خُذُوا كُلُوا. هَذَا هُوَ جَسَدِي". وَأَخَذَ ٱلْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: "ٱشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هَذَا هُوَ دَمِي ٱلَّذِي لِلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ ٱلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ ٱلآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ ٱلْكَرْمَةِ هَذَا إِلَى ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي".

حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ "ٱجْلِسُوا هَهُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ". ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَٱبْنَيْ زَبْدِي، وَٱبْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. فَقَالَ لَهُمْ: "نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى ٱلْمَوْتِ. اُمْكُثُوا هَهُنَا وَٱسْهَرُوا مَعِي". ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ ٱلْكَأْسُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ". ثُمَّ جَاءَ إِلَى ٱلتَّلاَمِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: "أَهَكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا ٱلرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا ٱلْجَسَدُ فَضَعِيفٌ". فَمَضَى أَيْضًا ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ ٱلْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ". ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضًا وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذَلِكَ ٱلْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: "نَامُوا ٱلآنَ وَٱسْتَرِيحُوا! هُوَذَا ٱلسَّاعَةُ قَدِ ٱقْتَرَبَتْ، وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي ٱلْخُطَاةِ. قُومُوا نَنْطَلِقْ! هُوَذَا ٱلَّذِي يُسَلِّمُني قَدِ ٱقْتَرَبَ!".

(مت ٢٦ : ٢٦ - ٣٠ ، ٣٦ - ٤٦)



تخصص الأناجيل مساحة كبيرة منها إلى موت المسيح، مما يدل على مركزية هذا الحدث في الرواية الإنجيلية.

أحداث الصلب تشكل الثلث أو الربع من كل إنجيل تقريبًا:

يقول الدكتور مارتن لويد جونز: "كل واحد من الأناجيل هو كتاب قصير نسبيًا، ومع ذلك فإن الشيء المذهل هو أنه في كل منها يُخَصَّصُ ثلث المساحة تقريبًا لموت ربنا. إنه بالضبط ثلث متى. ما يقرب من ربع لوقا. وفي حالة مرقس ويوحنا يزيد العدد عن الثلث".

المسيح نفسه، في توبيخه لتلميذي عمواس، قال أن موته وقيامته هما مركز رسالة العهد القديم أيضًا:

"فقال لهما: أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء. أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو ٢٤ : ٢٥ – ٢٧).

والرسائل بإعتبارها، من منظور ما، تفسير للأناجيل تؤكد لنا ذلك بقول بولس "لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبًا" (١ كو ٢ : ٢). وشيء متوقع أن يكون الصليب هو الرسالة المركزية لدى بولس بما أنه (الصليب) هو حكمة الله التي لا يعرفها العالم، وقوة الله التي تغير الخاطيء، بل وبرًا وقداسة وفداء.

إن كان موت المسيح ومجده هما مركز الكتاب المقدس، فإن الأناجيل تبرز ذلك من خلال الربط بصورة عظيمة بين العهدين القديم والجديد من خلال مفهوم الكأس. وهذا يأتي بنا إلى:

كأس الغضب
(مت ٢٦ : ٣٦ – ٤٦)

الصليب حق مركزي في الكتاب المقدس، والتبرير والخلاص من غضب الله هو مركز العمل الكفاري للمسيح.

وينبغي أن نفهم أن عمل المسيح له جانبين رئيسيين. وهما تغيير لموقف الله من نحونا، وتغيير داخلي لنا.

ولكي نفهم كيف غيّر الصليب موقف الله من تجاهنا، فنحن في حاجة إلى أن نفهم مشكلتنا كبشر خطاة. مشكلتنا هي أننا خطاة مذنبون. وهذه المذنبوبية تستدعي غضب الله وعدله. وغضب الله يُصَوّر في الكتاب المقدس على أنه كأس يُعطى للخطاة. وقد عبرت صلاة الرب يسوع المسيح في جثسيماني عن هذا المفهوم "إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس". وخلفية صلاة الرب يسوع المسيح هنا هو تعليم العهد القديم بأن الكأس تشير إلى غضب الله.

الكأس في الكتاب المقدس تشير إلى غضب الله. فنقرأ عن كأس غضب الله للشرير "لأن في يد الرب كأسًا وخمرها مختمرة. ملانة شرابًا ممزوجًا. وهو يسكب منها. لكن عَكَرُهَا يَمَصَّهُ، يشربه كل أشرار الأرض" (مز ٧٥ : ٧ – ٨، مز ١١ : ٦ – ٧). ويخبرنا الأنبياء عن كأس غضب الرب على شعبه أورشليم "قومي يا أروشليم التي شربت من يد الرب كأس غَضَبِهِ، تُفْلَ كأس الترنح شربت. مَصَصْتِ"، إلا أن الرب يقرر العفو عن أورشليم "هكذا قال سيدك الرب، وإلهك الذي يحاكم لشعبه: هأنذا قد أخذت من يدك كأس الترنح، تفل كأس غضبي. لا تعودين تشربينها في ما بعد" (إش ٥١ : ١٧ - ٢٢). بل إن الأمم بدورهم أيضًا سيرتشفون ثمالة كأس غضب الرب أيضًا "لأنه هكذا قال لي الرب إله إسرائيل: خذ كأس خمر هذا السخط من يدي، واسق جميع الشعوب الذين أرسلك أنا إليهم إياها" (إر ٢٥ : ١٥ - ١٦). إن كأس الغضب في أسفار الأنبياء هو أن يحصد إسرائيل كل اللعنات الواردة في تثنية ٢٨ كعقاب لهم على خرقهم للعلاقة العهدية مع يهوه. وسيعطى كأس غضب الله أيضًا في أحداث النهاية للأشرار (رؤ ١٤ : ١٠، ١٦ : ٩).

تطبيقًا لمفهوم الكأس في العهد القديم، ففي الصليب شرب المسيح عنا كأس الغضب.

لقد أخذ الرب يسوع المسيح مكان الأشرار وإسرائيل والأمم عندما تجرع كأس غضب الله حتى الثمالة بدلاً منهم. ففي صلاة الرب يسوع في جسثيماني نقرأ: "يا أبا الآب كل شىء مستطاع لك، فأجز عني هذه الكأس" (مر ١٤ : ١٦). وفي قوله لبطرس أيضًا إشارة سابقة إلى هذه الكأس: "الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها" (يو ١٨ : ١١). إنها كأس الألم، والموت، واللعنة، والإنفصال عن الله والناس والخليقة بأكملها. إنها كأس غضب الله. كأس الترنح والسخط التي كان من المفترض أن يشربها كل مؤمن، شربها الرب يسوع المسيح حتى آخر قطرة فيها. كانت كأسًا مرعبة حتى أنه أرادها أن تعبر عنه إن أمكن. لكن أخذها هو بنفسه من يد الغضب الإلهي.

الصليب في ظاهره غضب الإنسان، وهو حقًا كذلك لأنه يظهر كره الإنسان لله. ففي المسيح أُعْلِنَت أفكار من قلوب كثيرة كما قال سمعان الشيخ (لو ٢ : ٣٥). لكنه، أي الصليب، من منظور آخر جوهري، وفي الخفاء، هو غضب الله على البديل. في المسيح وصليبه أُعْلِنَ أيضًا قلب الله الذي يكره الخطية ويعاقب عليها.

المسيح تألم من الله كالبديل عنا، وهذا يتأكد من صلاته هنا أن الكأس أُعْطِي له من الآب "إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس" (مت ٢٦ : ٣٩). في إنجيل يوحنا يقول الرب يسوع لبطرس عندما قطع أذن عبد رئيس الكهنة "الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها" (يو ١٨ : ١١).

الأنبياء أيضًا يعلّمون بذلك. يقول إشعياء "أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن" (إش ٥٣ : ١٠).

يقول متى في نفس الأصحاح مقتبسًا من نبوة زكريا "لأنه مكتوب: أني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية" (مت ٢٦ : ٣١).

وبينما غضب الإنسان على المسيح البار، الذي جال يصنع خيرًا، غير مُبَرَّر، فإنه لا يوجد شيء يبرر غضب الله على المسيح سوى كونه بديلاً عن الخطاة.

لماذا نتحدث عن غضب الله؟ لأنه حق كتابي، ولأن محبة الله تبرز من خلال الحديث عن غضبه. إلى أي مدى يحب الله الإنسان؟ إلى المدى الذي تحمل عنه كبديل غضبه.

أن تجرد الصليب من غضب الله هو أن تُطفيء محبة الله وتجعلها بلا تكلفة وبلا تضحية.

وهذا يأخذنا إلى كاس الخلاص.

كأس الخلاص
(مت ٢٦ : ٢٦ – ٣٠)

نشكر الله لأن الكتاب المقدس لا يخبرنا فقط عن كأس غضب الله، ولكن عن كأس خلاصه أيضًا. لو كان كأس غضب الله هو نهاية تأملنا هنا، لكان مصيرنا بائسًا.

يقول المرنم "كأس الخلاص أتناول وبإسم الرب أدعو" (مز ١١٦ : ١٢ – ١٣). بينما يقصد المرنم بـ "كأس الخلاص أتناول وبإسم الرب أدعو" الخلاص الزمني من محنة مر بها هو، إلا إنه يمكن تطبيقه على الخلاص الروحي أيضًا. إن هذا ما يقصده الرب يسوع المسيح من كأس الخمر التي أعطاها لتلاميذه في ليلة العشاء الأخير.

وكأس المائدة في حد ذاته لا يخلصنا، بل هو مجرد تذكار للخلاص الذي نلناه بالفعل من خلال الإيمان بالمسيح.

مائدة الرب لا تخلصنا، لكنها فقط رمز منظور لنعمة غير منظورة للتقديس كما يقول أغسطينوس ورجال الإصلاح البروتستانتي.

اقرأ معي ١ كو ١٠ : ١ – ١٢:

فإني لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة، وجميعهم اجتازوا في البحر،
وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر،
وجميعهم أكلوا طعامًا واحدًا روحيًا،
وجميعهم شربوا شرابًا واحدًا روحيًا، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح.
لكن بأكثرهم لم يسر الله، لأنهم طرحوا في القفر.
وهذه الأمور حدثت مثالاً لنا، حتى لا نكون نحن مشتهين شرورًا كما اشتهى أولئك.
فلا تكونوا عبدة أوثان كما كان أناس منهم، كما هو مكتوب: "جلس الشعب للأكل والشرب، ثم قاموا للعب".
ولا نزن كما زنى أناس منهم، فسقط في يوم واحد ثلاثة وعشرون ألفًا.
ولا نجرب المسيح كما جرب أيضًا أناس منهم، فأهلكتهم الحيات.
ولا تتذمروا كما تذمر أيضًا أناس منهم، فأهلكهم المهلك.
فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالاً، وكتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور.
إذًا من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط.

يقول المفسرون أنه كان لدى الكورنثوسيون إحساس زائف بالأمان بسبب إتكالهم على فريضتا المعمودية وعشاء الرب كما نفهم من ١ كو ١٠ : ١ – ١٢، حتى أنهم كانوا يعتمدون للموتى (١ كو ١٤ : ٢٩). المعمودية من أجل الموتى هي أن الكنيسة في كورنثوس رأت أنه من الضروري أن يعتمد شخص بالنيابة عن آخر مات دون أن يعتمد حتى يخلص هذا الأخير. فأظهر لهم بولس من تاريخ إسرائيل أن معمودية إسرائيل في البحر الأحمر والسحابة، وأكلهم من المن في البرية، لم يخلصاهما.

في بداية علاقتهم بالرب وعند خروجهم من مصر، اعتمد اليهود في البحر والسحابة. وأثناء مسيرهم في البرية كانوا يأكلون المن بإنتظام، وشربوا أيضًا شرابًا روحيًا واحدًا من الصخرة. وهذين الأمرين مثل فريضتا المعمودية وعشاء الرب اللذان يمارسهم المسيحيون. وقد كان المسيح نفسه حاضرًا في تلك الممارسات اليهودية "والصخرة كانت المسيح".

الحقيقة المرة هي أن الله لم يسر بأغلب اليهود الذي اعتمدوا في البحر والسحابة وأكلوا من المن فأهلكهم في البرية "لكن بأكثرهم لم يسر الله، لأنهم طرحوا في القفر". هذه الممارسات لا تخلص الإنسان ولا تضمن خلاصه.

المائدة تصور لنا رمزيًا ما حدث معنا روحيًا بالإيمان. في الصليب، أخذ المسيح عنا كأس الغضب، وأعطانا بدلاً منه كأس الخلاص. أخذ ما لنا وأعطانا ما له. ولكن، كيف حدثت هذه المبادلة؟ بالإتحاد مع المسيح. إن الكأس (والخبز) في المائدة يصوران رمزيًا كيف صرنا واحدًا مع المسيح بالإيمان به.

عندما نأكل الخبز، ونشرب الخمر، يصيران واحدًا مع أجسادنا. إن هذا رمز لما حدث معنا روحيًا. بالإيمان، صرنا واحدًا معه، صار غذائنا وحياتنا.

الكتاب المقدس يصور أيضًا الوحدة مع المسيح بأنه مثل الرأس وباقي أعضاء الجسد. ومثل العريس والعروس. ومثل الوحدة بين المدين والكفيل أو الضامن له.

أخيرًا، ما هو التطبيق الذي نخرج به من هذا الحق؟

أولاً، إن لم نكن في المسيح بعد، فإن كأس غضب الله من نصيبنا. وعلينا أن نؤمن بالمسيح الذي أخذ عنا كأس هذا الغضب الإلهي الذي نستحقه لكوننا خطاة فجار.

ثانيًا، إن كنا مؤمنون بالفعل، فإن كأس مائدة الرب الذي نمارسه بصفة منتظمة، يظل بالنسبة لنا، كأس الشكر والإمتنان لما عمله المسيح من أجلنا. كان للأشرار إعلان الخليقة (رو ١ : ١٨ – ٣٢)، لكنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه (يوخاريستئو). الصليب هو إعلان الله الذي يجعلنا نحيا حياتنا في امتنان دائم له. وعندما نجتمع حول مائدة الرب نقدم شكرنا (يوخاريستئو) وامتنانا على صنيعه من أجلنا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس