خمسة مشاكل في اعتراض المتشكك على الجحيم


ما من شك أن عقيدة الجحيم صعبة القبول. إلا أن عدم قبولها كحق أصعب بكثير. ليس فقط لأن هذا يعني أنه لن يكون هناك عدل في الحياة الأخرى، كما اعتقد عمانوئيل كانط، بل تصبح كفارة المسيح لنا نحن المسيحيين غير ذات معنى. فلو كان التغيير الذي أراد الله إحداثه من خلال الصليب فينا نحن فقط، وليس في موقف الله من نحونا بصفة جوهرية، لكان الأمر يُحْسم بكلمة شفاء منه. لكن العمل الذي أُنْجِزَ على الصليب كان عملاً موضوعيًا بصفة أساسية، أي لإحداث تأثير في موقف الله تجاه الخطاة بإسترضاء عدله.

وهنا تكمن خطورة الدفاع عن عقيدة الجحيم. إذ أن الإقلال منها يؤدي إلى الأقلال من عمل المسيح نفسه، ومن خطورة الخطية، ومن صفات الله القدوس، العادل، والمحب. البعض يتوهمون أنهم بإنكار الجحيم، أو بالتقليل منه من خلال إعادة تعريفه، يبرزون محبة الله. إلا أن العكس صحيح. فمحبة الله لا تبرز ولا تتعظم إلا بإعطاء عدل الله المكانة التي تليق به. كلما كان ما تحمله الرب يسوع المسيح على الصليب خطيرًا ورهيبًا، بواسطة دينونة عدل الله، كلما ازدادت محبته بريقًا ومجدًا.

كما سبق وأشرت، فإن إنكار الجحيم، يكون إما بإعادة تعريفه، أو بإنكاره كلية. سنكرز هنا على الإدعاء بإنكاره كلية بواسطة المتشككون. وهذا الإعتراض على الجحيم بواسطة المتشككون به الكثير من المشاكل المنطقية، أهمها الآتي:

(١) يعترض المتشكك على الجحيم بينما الحل موجود أمامه أن يقبل الخلاص والنجاة منه

المتشكك يعترض على الجحيم الذي تعلّم به المسيحية، بينما أمامه الفرصة أن يقبل خلاص الله وينجو منه. وهذا لا يعني سوى شيئًا واحدًا أنه لا يريد الخلاص، لأنه لا يريد ربوبية وسيادة المسيح على حياته، ولا يريد أن يعترف بأنه خاطىء ومذنب. يريد أن يبقى في حالة التمرد الأبدي على الله. بينما يطالب الله في نفس الوقت بإلغاء عقوبة الجحيم وإلا فهو غير صالح. إنه يعرف أن قبول فداء الله يعني أنه عليه أن يعيش في حالة من الخضوع لربوبية المسيح على حياته. لهذا فهو لا يريد أي شىء من الله، فداؤه، ربوبية، وجحيمه أيضًا.

إن أحد أوجه إعتراض المتشكك على الجحيم يمكن تلخيصه بهذه الطريقة: الجحيم الناتج عن الحكم الذاتي والتمرد على الله، ولا جنة الإله والخضوع له.


(٢) يتسائل المتشكك لماذا يوجد شر في العالم بينما يعترض على الله عندما يعاقب الأشرار في الجحيم

يتسائل المتشكك إن كان الله موجود فلماذا كل هذا الشر، بينما يصادر على الله أن يكون هناك جحيم لإجراء العدل فيه. رغم أن عمانوئيل كانط رفض الحجج الكلاسيكية التي تقدم لإثبات وجود الله، مثل البرهان التيليولوجي والأنطولوجي والكوزمولوجي، إلا أنه رأى أن البرهان الذي لا يمكن أن يُدحض هو ضرورة وجود عدل وقضاء في الحياة الأخرى. وإلا فالأخلاق ليست ضرورية. طالما أنه لا يوجد حساب بعد الموت، فلماذا علينا أن نكون أخلاقيون؟

صحيح أن الله يسمح بالشر الآن، ألا أنه يعاقبه في أحداث النهاية. لكن الصديق المتشكك، يعترض على الجحيم، وفي نفس الوقت يعترض على عدم محو الله للشر من العالم الآن. لكن سيأتي اليوم الذي يمحو الله فيه الشر من العالم عندما يقوم بتجديد الخليقة، وفي نفس الوقت إرساء عدله بمعاقبة الأشرار في الجحيم الأبدي. سيمحو الله الشر من العالم بطريقته وفي وقته.

(٣) المتشكك يتغافل أنه جزء من مشكلة الشر

يتسائل المتشكك، لماذا لا يمحو الله الشر من العالم الآن؟ ولكن الصديق المتشكك هنا يرى أن الشر خارجه فقط. بكلمات أخرى، هو لا يرى نفسه جزء من مشكلة الشر في العالم. صحيح أن الشر درجات، إلا أن الجميع أشرار طبقًا للكتاب المقدس "الجميع زاغوا وفسدوا معًا، ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد" (رو ٣ : ١٢). إننا جميعًا أشرار بمقياس الله كلي القداسة والبر. جميعنا جعلنا العالم مكانًا أسوأ في وقت من الأوقات على الأقل. الكثير من الشرور التي نفعلها تؤثر فيمن حولنا وتترك آثارًا باقية. كما أن الكثير من الشرور تلد شرورًا أخرى. فهذه طبيعة الخطية أنها تطلب المزيد.

وعليه، فإن طلب المتشكك من الله أن يمحو الشر من العالم، يعني أن الله سيمحو المتشكك نفسه، والبشر أجمعون، لأننا أنفسنا المشكلة، وكل واحد فينا أسهم سواء بقدر كبير أو صغير في مشكلة الشر.

(٤) المتشكك يفترض وجود معيار مطلق للخير والشر بينما ينكر وجود الله

بكلمات أخرى، المتشكك يقول أنه ليس من الصلاح أن يكون هناك جحيم، بينما يفترض وجود معيار للصلاح. ولكن من أين جاء المتشكك بمفهومه أن الجحيم ليس صالحًا؟ إن كان الله لا يوجد في المنظور الكوني للمتشكك، فمن أين جاء بالمعايير الأخلاقية التي أسس عليها فكره حول الصلاح؟ بكلمات أخرى، إن كان لا يوجد إله، فبالتالي لا يوجد خير أو شر. لكن عندما يتعلق الأمر بوجود جحيم، يصبح الجحيم حينها شرًا أو عدم صلاح من الإله نفسه.

وهذا لا يعني سوى شيئًا واحدًا، أن المتشكك يقر بالأخلاقيات فقط للهجوم على الله. فبينما ينكر المتشكك الأخلاقيات المطلقة يقر بها في اعتراضه على الجحيم.

(٥) المتشكك يضع نفسه كالمعيار الأخلاقي مقررًا ماهية كل من الصلاح والشر

إلا أن الصلاح يتحدد بناء على إرادة الله المتسقة مع طبيعته والتي تعبر عنها. هل تذكر السؤال الكلاسيكي: هل الشر شر والخير خير لأن الله أراد كذلك؟ أم أنهما كذلك في ذاتهما لذلك أمر بهما الله؟ إن أختيار أحد هاتين الإختياران يوقعنا في مشكلة. والأصح هو القول أن الله أقر ما هو الصلاح وما هو الشر بالإتساق مع طبيعته التي هي معيار لكل بر.

لكن عندما يدعي المتشكك أنه إن وجد جحيم فالإله إذًا غير صالح، هي محاولة مستترة أن يضع المتشكك نفسه كمعيار للصلاح. إن فكرة وجود جحيم، والتي تعني إقامة العدل وإرساءه، تفترض مسبقًا أن الله هو معيار الصلاح وهو الذي يحدد ما هو الخير والشر. أن ينفي المتشكك إذًا الجحيم هو أن يفعل العكس، أن يفترض نفسه معيارًا للخير والشر.

لاحظ كيف يعامل المتشكك الله الند للند. وكيف يملي شروطه على الله هكذا. وهذا يدل على أنه نسى، أو بالحري تناسى، أن الله هو الذي يرسي المبادىء التي يحكم بها خليقته. لكن المتشكك يريد أن يحدد هو قواعد اللعبة، إن جاز لنا هذا التعبير. في صميم اعتراض المتشكك على الجحيم، إذًا، إحساس بالألوهية ومعاملة ندية لله.

وهكذا، فإن إعتراض المتشكك على الجحيم مليء بالتناقضات الذاتية. وهذا يدل على الإنتقائية من طرف المتشكك. أنه يتنقي فقط الحقائق التي تعجبه وينكر التي لا تعجبه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس