العلاقة بين فريضتا المعمودية وعشاء الرب وبين الخلاص


فإني لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة، وجميعهم اجتازوا في البحر،
وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر،
وجميعهم أكلوا طعامًا واحدًا روحيًا،
وجميعهم شربوا شرابًا واحدًا روحيًا، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح.
لكن بأكثرهم لم يسر الله، لأنهم طرحوا في القفر.
وهذه الأمور حدثت مثالاً لنا، حتى لا نكون نحن مشتهين شرورًا كما اشتهى أولئك.
فلا تكونوا عبدة أوثان كما كان أناس منهم، كما هو مكتوب: "جلس الشعب للأكل والشرب، ثم قاموا للعب".
ولا نزن كما زنى أناس منهم، فسقط في يوم واحد ثلاثة وعشرون ألفًا.
ولا نجرب المسيح كما جرب أيضًا أناس منهم، فأهلكتهم الحيات.
ولا تتذمروا كما تذمر أيضًا أناس منهم، فأهلكهم المهلك.
فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالاً، وكتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور.
إذًا من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط.
(١ كو١٠ : ١ – ١٢)

تعلّم الكنائس الطقسية أن فريضتا، أو سري المعمودية وعشاء الرب طبقًا لهم، يخلصان أو يسهمان في خلاص المسيحي. المعمودية تجدد، أو تزيل الخطية الأصلية. ومائدة الرب، أو الإفخارستيا، تمكّن المسيحي من الإتحاد بالمسيح، ومن ثم الخلاص. كان لدى أهل كورنثوس أيضًا اعتقادًا مشابه لتلك السرائرية. والمقصود بالسرائرية هنا هو الاعتقاد بأن مجرد ممارسة الأسرار لها فعالية سحرية، إن جاز التعبير، في خلاص الإنسان.

لكن في العهد الجديد يوجد ما يدحض هذه السرائرية.

يرى اللاهوتي الكبير أندرياس كوستنبيرجر أن كورنثوس الأولى ١٠ :١ – ١٢ تفند فكرة أن فريضتا المعمودية وعشاء الرب يمكن أن يخلصانا (السرائرية). والسبب لدى كوستنبيرجر بأن الكورنثيون اعتقدوا بأن ممارسة المعمودية وعشاء الرب تضمن الخلاص هو الارتباط الموجود في السياق بين أسلوب الحياة الإباحي الذي عاشه الكورنثيون وبين اعتقادهم بأن ممارسة الفرائض تخلصهم أو تضمن لهم الخلاص:

"تشير كورنثوس الأولى ٩ : ٢٤ – ٢٧ و ١٠ : ١٢ إلى أن أهل كورنثوس كانت لديهم نظرة خاطئة عن الضمان الأبدي حتى أنهم افترضوا أنها تمنحهم الحرية في الاستمرار في أنماط الحياة الشريرة دون خوف من الانتقام الإلهي. نظرًا لأنه لم يكن هناك شيء فعله يمكن أن يُفقدهم خلاصهم، فقد اعتقدوا أنه ليس لديهم ما يخسرونه من خلال العيش في خطية شنيعة".

أسلوب الحياة الإباجي الذي عاشه الكورنثيون يتضح من شعارهم الذي قام بولس بتصحيحه مثل "كل الأشياء تحل لي" (١ كو ٦ : ١٢، ١٠ : ٢٣). ومن أشياء أخرى مثل العلاقات التي كانت لهم مع عاهرات، وزنا المحارم، وعبادة الأصنام، وتحويلهم مائدة الرب إلى حفلات عربدة. وهذا هو السبب لدى كوستنبيرجر في أن بولس تعرض لمناقشة فريضتا المعمودية وعشاء الرب في هذه القرينة:

"حقيقة أن بولس أقحم مناقشة حول المعمودية وعشاء الرب في تحديه لوجهة نظر الكورنثيين المشوهة للضمان الأبدي تشير إلى أن اعتقاد الكورنثيون بأن الخلاص كان قائمًا على [ممارسة] الأسرار".

هذه النظرة السحرية للفرائض (السرائرية) تتأكد لنا أيضًا من قول بولس أنه كان هناك بين الكورنثيون من يعتقدون بأنه ينبغي الاعتماد من أجل الموتى (١ كو ١٥ : ٢٩). أي إن مات أحد ولم يعتمد تُنْدِبُ الكنيسة شخصًا آخر لكي يعتمد من أجل خلاصه. لهذا يقدم لهم بولس نموذج من تاريخ شعب الرب لدحض هذه السرائرية التي كانت لديهم.

هذا النموذج هو شعب إسرائيل، الذين اعتمدوا لموسى في البحر والسحابة، والماء على جانبيهم، وفوقهم في صورة سحابة، بينما هم يعبرون. وشربوا شرابًا واحدًا روحيًا من الصخرة التي تابعتهم، والتي لم تكم سوى المسيح. وأكلوا أيضًا طعامًا واحدًا روحيًا الذي هو المن.

يضيف كوستنبيرجر:

"لم يحتكم بولس لصور العهد القديم ليعلّم ما تعنيه الفريضتان، بل بالأحرى، ليوضح ما لا تعنيه. كان بولس يبرهن ببساطة على أن شعب الله في العهد القديم قد شارك في 'الغطس' الذي كان مشابهًا تقريبًا للمعمودية المسيحية، ووجبة روحية توازي عشاء الرب بشكل عام من أجل تقديم رد كتابي على اعتقادهم بالسرائرية".

بينما اعتمد الآلاف لموسى في البحر والسحابة، وبينما شارك الآلاف في نفس الشراب الواحد الروحي ونفس الطعام الواحد الروحي، إلا أن الأغلبية الساحقة ماتت في القفر ولم يخلص منهم سوى يشوع وكالب. وكما لم تضمن هذه الممارسات الخلاص لإسرائيل، شعب الله في العهد القديم، فإنها لا تضمن بدورها الخلاص للكنيسة، أي شعب الله في العهد الجديد.

ويختم كوستنبيرجر مشابهة بولس لسرائرية (الاعتقاد بأن الأسرار تخلص) أهل كورنثوس، مع ما شابه ذلك لدى إسرائيل، بقوله:

"شجب بولس بقوة هذه النظرة السحرية للفريضتان لدى كنيسة كورنثوس. فقد أصر على أن المعمودية وعشاء الرب لا يضمنان الخلاص. محتجًا بأحداث العهد القديم المألوفة، فقد أظهر أن جميع العبرانيين قد تعمدوا وأخذوا المائدة، لكن الله أهلك [منهم] أكثر مما خلّص. فبعد تأسيس هدفه الأساسي بأن المعمودية والوجبة الروحية لا يضمنان الخلاص، حذر بولس الكورنثيين بأن لديهم قواسم مشتركة مع العبرانيين أكثر من المعمودية وعشاء الرب. إذ كانوا يعيدون فعل نفس الخطايا التي تسببت في هلاك بني إسرائيل في البرية".

ورغم أن الطوائف الطقسية لا تعلّم بالضمان الأبدي، فالمسيحي يظل مجاهدًا ومنتظرًا نتيجة جهاده ذلك إلى النهاية، إلا أنها تشترك مع الكورنثيين في الاعتقاد بأنها تخلص. ولكن لدينا مثالان الآن، شعب إسرائيل في العهد القديم، وكنيسة كورنثوس في العهد الجديد، يؤكدان لنا أن فريضتا المعمودية، وعشاء الرب لا يخلصانا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس