علاقة القيامة بالتبرير


‏"أُسْلِمَ من أجل خطايانا، وأُقِيمَ لأجل تبريرنا" (رو ٤ : ٢٥)‏

يقول الشراح أن هذا العدد يرجع إلى إعتراف أو إقرار من إقرارات الكنيسة الأولى. لكن ما يهمنا طبعًا هنا هو أنه صار جزء من ‏الوحي الكتابي. في هذا العدد توازي بين "أُسْلِمَ من أجل خطاينا" وبين "أُقِيمَ لأجل تبريرنا". إلى ما يشير هذا التوازي؟

بينما من المؤكد أن خطايانا سبب موت المسيح (أُسْلِمَ للموت من أجل خطايانا)، فإن السؤال يثور حول النصف الثاني من الآية عما إذا ‏كان التبرير سببًا للقيامة. أي هل قام المسيح بصفة جوهرية ليبررنا، أم أننا تبررنا لأنه قام؟ السؤال بكلمات أخرى، هل القيامة هي ‏السبب والتبرير هو النتيجة؟ أم أن التبرير هو السبب والقيامة هي النتيجة؟ ‏

أعتقد أن الأصح هو أن ننظر إلى القيامة نظرة متمركزة حول الله ‏theocentric‏ ، مثلها في ذلك مثل الصليب. هل مات المسيح ‏لإحداث تغيير في موقف الله من نحونا، أم لكي يجري تغييرًا داخلنا؟ الإجابة هي الإثنان معًا ولكن الأول بصفة جوهرية (رو ٣ : ٢٦). ‏وطالما أن المسيح مات بصفة جوهرية لاسترضاء عدل الله، الأمر الذي يتأسس عليه خلاصنا، المسيح أيضًا قام بصفة جوهرية لمسرة ‏الله وإتمام عمله ومجده (رو ٦ : ٤)، وثانيًا لكي يُحدث فينا تغييرًا. إن كل من موت وقيامة المسيح لهما بعدان: بعدًا موضوعيًا خارجنا ‏‏(البعد المركزي)، موجه إلى الله، وبعدًا شخصيًا داخلنا، موجهًا لنا. ‏

إن كان علينا إذًا أن ننظر إلى القيامة نظرة متمركزة حول الله، فهذا يقودنا إلى الجانب الموضوعي objective من جانبي العلاقة بين القيامة ‏والتبرير، وهو أن القيامة هي دليل قبول ذبيحة المسيح واستيفاء الثمن.‏

ليس من الحكمة أن نجتزيء عمل المسيح، بأن ننسب الموت للخطايا، والتبرير للقيامة، كما يمكن أن يوحي معنى النص من الوهلة ‏الأولى. ذلك لأن عمل المسيح بدأ بلحظة الحمل به عند اتحاد اللاهوت بالناسوت. إذ أن في هذا خضوع للمحدودية وللناموس. سر ‏التقوى الذي بدأ بإخلاءه نفسه (١ تي ٣ : ١٦). ففي اتضاعه وإخلاءه لذاته وخضوعه للناموس، وفي مولده وحياته، أكمل المسيح ‏البر الذي كان علينا نحن أن نقوم به، من أجلنا، فُحِسِبَ لنا بره. ثم في آلامه وموته على الصليب، احتمل عنا حكم الموت، فُحِسَبَ موتنا ‏عليه. وفي قيامته، تبرهنت، ‏وأُعْلِنَت براءته، كالبديل الذي قُدِّمَ عنا استرضاءً لعدل الله.‏

وهذا يأخذنا إلى الجانب الآخر الشخصي subjective في العلاقة بين التبرير والقيامة، ألا وهو أن القيامة هي قوة مَنْ تَبَرَّرَ للحياة. بما أن "أجرة الخطية هي ‏موت"، وبما أن "البار بالإيمان يحيا"، أي حيًا وليس ميتًا، إذًا، فلا يمكن أن يبقى المتبرر في موته الروحي والجسدي. ‏

القيامة من هذه الناحية هي عمل شخصي وفردي في المؤمن. أي أن البعد الأول هو البعد الموضوعي المتعلق بالله في كون القيامة هي ‏برهان إتمام استرضاء عدل الله وإعلان لكمال ذبيحة المسيح. في البعد الشخصي تصير القيامة قوة المتبرر، لا ليبقى في موته، لكن ‏ليحيا ويقوم مع المسيح.‏

والقيامة من المنظور الأول هي إعلان وبرهان للتبرير المكتمل بالفعل. وهي من هذا المنظور الثاني، تفعيل، وتكميل، بل وتطبيق للتبرير الذي ‏حصل عليه الخاطيء بإعطاء المتبرر حياة. بتعبير آخر، إن القيامة في بعدها الأول في علاقتها بالتبرير، هي إعلان وبرهان للتبرير. في بعدها الثاني، فهي تسهم في التبرير بإعتبارها تمنح من نال البر، قوة للحياة. لهذا يقول بولس أنه لو لم يكن المسيح ‏قد قام فأنتم بعد في خطاياكم. وهنا يتكلم بولس عن علاقة القيامة بالتجديد "لأنه إن كان الموتى لا يقومون، فلا يكون المسيح قد قام. وإن ‏لم يكن المسيح قد قام، فباطل إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم" (١ كو ١٥ : ١٦ - ١٧). ‏

خلاصة ما سبق هو أن القيامة، في علاقتها بالتبرير، هي برهان لدى الله (ولنا) على كمال عمل المسيح. وهي، من منظور آخر، القوة ‏التي تُمنح للمتبرر ليعيش طبقًا لمركزه الذي ناله لدى الله.‏

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس