ماذا علينا أن نفعل في حالة وجود تناقض ظاهري بين نصين كتابيين؟


التوجه القلبي لنا في التعامل مع الكتاب المقدس يصنع كل الفرق. فبينما يقترب الناقد المتشكك منه بالإفتراض المسبق بأنه ليس من الله ‏‏(لأي سبب يراه ربما لأنه لا يوجد إله أو لأن كاتبوه بشرًا)، وهو بذلك ليس معصومًا، يقترب المسيحي الكتابي من كتابه المقدس ‏بإيمانه أنه لا يوجد به أية تناقضات أو أخطاء. وأن تلك التناقضات البادية على السطح هي مجرد تناقضات ظاهرية فقط تزول عند الفحص والدراسة. ‏

هذا التوجه القلبي، بأن الكتاب المقدس معصومًا، هو أساس الميثودولجي (المنهجية) في التعامل مع تلك التناقضات الظاهرية. وهذا ‏يحل جزء من المشكلة فقط ويثير سؤال كيف يمكن مصالحة هذه التناقضات الظاهرية مع بعضها إذًا؟ ‏

يقدم اللاهوتي جويل بيكي أربعة اقتراحات كإجابة على هذا السؤال:‏

"عندما نواجه تناقضًا ظاهريًا في التفاصيل التاريخية (للنص الكتابي)، يجب أن نتعامل معها بافتراض مسبق لشهادة الكتاب المقدس ‏الشاملة بأنها كلمة الله. بشكل عام، فإن الحل لمثل هذه المشكلة يأخذ واحدًا من أربعة أشكال. أولاً، من الممكن أن يكون قد تم إقحام خطأ ‏على النص الأصلي الموحى به من قبل أولئك الذين نسخوا المخطوطات القديمة. الحل هو استخدام النقد النصي واستشارة النسخ ‏القديمة. ثانيًا، من المحتمل أننا لم نقم بترجمة أو تفسير أي من النصين أو كليهما بشكل صحيح. هنا يجب أن نمارس تفسيرًا كتابيًا ‏دقيقًا. ثالثًا، من الممكن أن يكون النصان متكاملين، ويتناولان نفس الموقف من منظوران مختلفة نوعًا ما ولكنهما صحيحان بنفس ‏القدر. قد تكون هذه مسألة تتعلق بعلم اللاهوت النظامي والتفكير الفلسفي، أو قد تتطلب البحث في الأساليب القديمة المختلفة لحساب ‏الأيام، أو السنين، أو عدد الجنود في الجيش، وما إلى ذلك. رابعًا، من الممكن ألا نكون قادرين في هذا الوقت على حل المشكلة بطريقة ‏ترضي عقولنا تمامًا. وهذا يستدعي التواضع والصبر، وهذا لا يفاجئنا، فهناك أشياء في كثير من مجالات الحياة لا نفهمها بشكل كامل"‏‎.‎

خلاصة ما يقوله بيكي هنا هو أن الحل للتناقض الظاهري يكمن إما في: توظيف علم النقد النصي، ويمكن عمل ذلك بإستشارة بعض ‏الترجمات الإنجليزية المحترمة مثل ‏ESV‏ أو ‏NASB‏ أو ‏NIV‏ . أو يمكن إزالة هذا التناقض من خلال علم التفسير بإستشارة ‏الشروحات. أو قد يكون الحل في علم اللاهوت النظامي بإعتبار ذلك تنوعًا ثريًا في الحق ومعالجة له من زوايا مختلفة. وقد لا يكون ‏الحل في أي من هذه الأمور بل في الإعتراف بأننا لا نعلم لكننا نؤمن. ‏

علّم أغسطينوس أيضًا بشيء مشابه لذلك: ‏

"إذا شعرنا بالحيرة إزاء تناقض ظاهري في الكتاب المقدس، فليس من المسموح أن نقول أن كاتب هذا السفر مُخْطِيء، لكن، إما أن ‏المخطوطة معيبة، أو أن الترجمة خاطئة، أو أنك لم تفهمها".‏

أخيرًا، ماذا لو كان هناك تناقض ظاهري بين الكتاب المقدس والعلم؟

الحل لذلك، هو إما أن ما يُقال له علم هو في حقيقته ليس علمًا، أو إما أنه علم فعلاً ولكن تفسيرنا للنص غير صحيح. على سبيل المثال، ‏عندما يُقال أن أحداث الخلق في الأصحاحات الإحدى عشر الأولى من سفر التكوين متعارضة مع العلم، فإن العلم في هذه الحالة ليس ‏علمًا، بل هو تأريخ مزعوم، أو بالحري إعادة بناء للتاريخ الكوني من منظور طبعاني يستبعد وجود الله. ‏

أما إذا قلنا مثلاً أن النصوص التي تتحدث عن شروق الشمس وغروبها في الكتاب المقدس تعني مركزية الأرض، فإن تفسيرنا للنص ‏هنا غير صحيح. والأصح هو أن الكتاب المقدس يتحدث عن شروق الشمس بلغة ظواهراتية ‏phenomenological language‏ ، ‏أي أنه يتحدث عن الظاهرة الطبيعية كما تبدو للعين المجردة. ‏

إذًأ، لا يمكن أن يكون هناك تناقض بين نصين كتابيين، لأن الكتاب المقدس متسق مع نفسه، لكونه عمل الكاتب (المؤلف) الإلهي ‏الواحد، وإن كان له كتبة بشريون كثيرون. كما أنه لا يمكن أن يكون هناك تناقض بين الكتاب المقدس (الإعلان الخاص)، وبين كتاب ‏الطبيعة (الإعلان العام)، لكونهما من نفس الإله الواحد. ‏

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس