لماذا مركزية البدلية العقابية؟


لِإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي ٱلزَّمَانِ ٱلْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلْإِيمَانِ بِيَسُوعَ.
(رومية ٣ : ٢٦)


ما نقصده بالبدلية العقابية، هو أن المسيح تحمل ذات العقوبة التي كنا نستحقها نحن، وهي الجحيم الأبدية. العقوبة ذاتها، وليس أن الله تنازل وحسب ساعات الصلب كعقوبة أبدية. العقوبة ذاتها، وليس مثيلتها أو ما يوازيها (كما يدعي البعض).

كما أن العبارة "مركزية البدلية العقابية" تفترض أن البدلية العقابية ليست الجانب الوحيد في كفارة المسيح. وهذا صحيح، فكفارة المسيح لها أكثر من بُعد أو فائدة. إنها مثل اللؤلؤة متعددة الجوانب. لكن الواجهة الرئيسية أو المركزية لهذه اللؤلؤة هي البدلية العقابية. كل شيء آخر في كفارة المسيح متوقف على البدلية العقابية.

لكن لماذا مركزية البدلية العقابية؟

١ – لأن البدلية العقابية مؤسسة على لاهوت متمركز حول الله God-centered

القول أن كفارة المسيح هي في الأساس، وبصورة مركزية، لإسترضاء عدل الله هو أن نقدم فكر لاهوتي متمركز حول شخص الله. أي أن الله هنا هو محور المعادلة اللاهوتية، إن جاز التعبير. يقولون أن الأشياء بأضدادها تتضح. إذًا، أن تقول مثلاً أن الكفارة في الأساس علاجية، أي لشفاء الإنسان روحيًا، هو أن تقدم فكر لاهوتي متمحور حول الإنسان Man-centered . أي أن الإنسان هنا مركز الفكر والتعاملات الآلهية.

وهذا غير صحيح، لأن الله يطلب مجده قبل أي مجد آخر. إن مجد الله فقط ينبغي أن يكون مركزيًا. وعندما يكون مجد الله في المركز، يتحقق بالتبعية لذلك مجد الإنسان كمنتج ثانوي لمجد الله. إن كان مجد الإنسان مركزيًا فهذا لا يحقق مجد الله. لأن مجد الله وحده معطاءً ومحبًا وصالحًا. والله مَجَّدَ المسيح ليمجدنا معه. لكن مجده هو أولاً وفي المركز. كما أنه خلصنا ليتمجد فينا أولاً ثم نستمتع نحن بذلك المجد فينا. أو طبقًا لكلمات دليل أسئلة وأجوبة ويستمنستر المختصر:

س: ما هي غاية الإنسان العظمى؟
ج: أن يمجد الله ويتمتع به للأبد.

لاحظ أن تمتعنا بالله يتبع تحقيق مجده ويعتمد عليه.

إن الله كائن مكتفٍ بذاته. ذاتي الوجود. الشركة والمحبة الأقنومية هما مركز الفكر الإلهي. الإنسان لم يوجد سوى منذ بضعة آلاف سنة ولا يمكن أن يكون مركز أفكار الله الأزلى. إن فكر الله دائمًا وأبدًا متمركز حول ذاته. ولا ينبغي أن يُقاس هذا الأمر على تمركز الإنسان حول ذاته. لأن الإنسان ساقط ولا يليق به ذلك. وغير مكتفٍ بذاته مثل الله. وتفكيره في نفسه لا يأتي بالخير والصلاح على باقي الخليقة كما هو الحال مع الله. أن يكون الله متمركزًا حول ذاته، هو أن يوجد آخرين يحصدون صلاح هذه المركزية. إنها مركزية صالحة ومعطاءة ومُحِبَّة وداعمة وباذلة لنفسها ومُحْسِنَة ومُنْعِمَة.

أن يكون الإنسان متمركز حول ذته، هو ألا يوجد أحد في المشهد.

نحن لا ننكر أن الله يحب الإنسان لدرجة أن الله بذل ابنه من أجله وروحه أُرْسِلَ لتطبيق المنجزات الروحية العظيمة لموت الابن. لكننا في نفس الوقت لا نستطيع أن نجعل هذا محور فكرنا اللاهوتي حول الكفارة، لأنه ليس محور فكر الله نفسه من جهة الكفارة. أن تقول مثلاً أن الكفارة في الأساس كفارة علاجية، أو للتأله (مع تحفظنا على هذه العقيدة)، هو أن تجعل الإنسان محور فكر الله.

الأصح إذًا هو القول بأن موت المسيح موجه نحو الله بصورة مركزية. بكل تأكيد، لم يحتاج الله الفداء، فهو الفادي. بل هو الذي يطلب ثمنًا لفدائنا نحن الخطاة الفجار. استرضاء عدل الله بدلاً عنا في الصليب، لكوننا مذنبون محكوم علينا بالموت الأبدي، يعني أن الهدف المركزي لكفارة المسيح هو تغيير موقف الله نحونا من الغضب إلى الرضا علينا في المسيح، ومن العداوة إلى المصالحة، ومن البعد إلى القرب، ومن الإنفصال إلى الشركة. لكي يكون الله بارًا، أي عادلاً وصالحًا، عندما يُبَرِّرُ الخاطيء الذي يستحق الموت، كان لابد أن يُقَدِّمُ البديل الثمن عنا.

كل هذه الفوائد الكفارية وإن كانت لها آثارها العظيمة علينا، إلا أنها أساسًا ناتجة عن عمل كفاري موجه لله في الأساس ولكن لمنفعتنا نحن. لأن الكفارة تخص علاقتنا بالله ومركزنا القضائي أمامه. على العكس من ذلك، أن تقول أن المسيح مات لكي يشفينا أو يغيرنا أو يعطينا حياة أو لينصرنا على قوى الشر، بصورة جوهرية، هو أن تقول أن الإنسان مركز أو محور أفكار الله وأعماله.

إن محور فكر الله وعمله الفدائي هو الله نفسه. مجده.

٢ – لأن كل شيء آخر في الكفارة كان يمكن إنجازه بكلمة من الله

تغيير الإنسان وشفاءه، والنصرة على الشيطان، كلها أشياء، من منظور ما، كانت ممكنة الحدوث بكلمة من فم الله. طبعًا هي من منظور ما آخر لم تكن ممكنة الحدوث إلا من خلال الصليب، لأن كل شيء متوقف على مركزنا القضائي أمام الله. فالفساد الذي حلّ بنا وموتنا الروحي سببه تعدينا على ناموس الله عندما سقط آدم. الطبيعة الفاسدة التي أورثها آدم لنا في حد ذاتها قضاء من الله بأن يُسَلِّم آدم أبينا، ونحن فيه، للشر الذي أراده. فضلاً عن كون الموت الأبدي (والجسدي والروحي أيضًا) هو عقاب على تعدي الإنسان على ناموس الله. بالمثل، النصرة على الشيطان أيضًا لم تكن ممكنة إلا من خلال موت المسيح وقيامته، ذلك لأن الشيطان لم يكن له سلطان علينا أو أية أحقية فينا، إلا بسبب تمردنا على الله وناموسه (يو ١٤ : ٣٠). إن شكاية الشيطان على الإنسان لم يكن من الممكن إسكاتها إلا بالاحتماء في المسيح البديل. والخروج من سلطان الشيطان لم يكن ممكنًا إلا بنقلنا إلى ملكوت ابن محبته عن طريق البدلية العقابية. ومصالحة المسيح للكون الذي أفسده آدم بسقوطه، لم تكن ممكنة إلا بطاعة المسيح للناموس أثناء حياته، وبطاعته لحكم الناموس فينا بموته على الصليب.

إن هذا يعني أن كل هذه المنجزات الكفارية، أي قيامتنا من الموت ونصرتنا على الخطية والشيطان والعالم، معتمدة بصفة أساسية، على الإنجاز المركزي للكفارة، ألا وهو استرضاء عدل الله. ورغم ذلك يظل، من منظور آخر، أنه لو كانت المهمة الأساسية للكفارة هي إحداث تغيير داخل الإنسان نفسه، وليس في تغيير موقف الله نحونا، لكان يكفي كلمة واحدة من الرب فقط.

ما لم يكن ممكنًا إنجازه بكلمة هو تغيير موقف الله من نحونا. لأن الله قدوس يكره الخطية. وعادل يعاقب عليها. ومحب لا يريد أن يطلب تلك العقوبة منا (إلا الذي يرفض بدلية المسيح). فكيف إذًا يُغَيِّرُ الله موقفه نحو الإنسان، إن لم يعاقب الخاطيء على خطيته، ويظهر إدانته للخطية، في الموت الكفاري للبديل على الصليب؟

إن الصليب كان حتميًا فقط بهذا المعنى (طبعًا هو حتمي أيضًا لأنه مشورة الله الأزلية).

كما أننا لا يمكن أن نحصر كفارة المسيح لتكون بصفة جوهرية مجرد تغيير في داخلنا. ذلك لأن حدث الكفارة نفسه حدث موضوعي خارجنا. إن تبريرنا، وتقديسنا، وتمجيدنا، ونصرتنا على قوى الشر، ومصالحتنا مع بعضنا والخليقة، هي تطبيقات للكفارة الموضوعية التي أنجزها المسيح خارجنا وعلى الصليب. كل هذه ثمار الاسترضاء الذي قدمه المسيح لله.

قدم المسيح استرضاء لغضب الله، وانتصر على الشيطان، وهزم الموت، وتحمل اللعنة، وسحق الخطية، وأنجز المصالحة. كل هذه إنجازات موضوعية وتاريخية للكفارة حدثت خارجنا وليست في داخلنا. إلا أنه لا سبيل لي للتمتمع بها إن لم يتم تطبيقها بواسطة الروح القدس على حياتنا الشخصية. إن ما حدث على الصليب هو الحدث الكفاري الموضوعي بواسطة أقنوم الابن اتمامًا لمشيئة الآب. وما يحدث في حياتي، وحياة كل قديس، هو التطبيق الشخصي لذلك الحدث الكفاري بواسطة أقنوم الروح القدس.

بكلمات أخرى، يمكن، من منظور ما، أن نلخص كفارة المسيح لِبُعْدَان: بُعد موضوعي، وهو احتمال المسيح لعقاب الدينونة الأبدية، التي كنا نستحقها نحن في الجحيم، كبديل عنا. وبُعد آخر شخصي، وهو تطبيق ثمار هذا العمل علينا. في الأول غيّرت كفارة المسيح موقف الله من نحونا، وفي الثاني غيّرتنا نحن بتطبيق هذا العمل علينا شخصيًا فيما يتعلق بمركزنا القضائي وحالتنا الأدبية وعلاقتنا بالخليقة. الأول موضوعي وخارجي والثاني شخصي وداخلي. ولكن الثاني متوقف على الأول.

البدلية العقابية، إذًا، هي مركز ذلك الحدث الموضوعي. وكل شيء آخر متوقف على استرضاء غضب الله.

٣ – لأن البدلية العقابية نموذج يستوعب كل جوانب عمل المسيح الأخرى دون إقصاءها من المشهد

مشكلة من ينكرون البدلية العقابية هي أنهم يختزلون الكفارة في جانب واحد فقط والذي غالبًا ما يكون التغيير الذي أحدثته الكفارة في الإنسان. مثل من يقولون أن الكفارة كانت علاجية، أي لشفاء الإنسان من مرض الخطية. وهي حقًا كذلك، ونحن لا ننكر ذلك إطلاقًا. فالخطية تُصَوَّرُ على أنها مرض في كل أنحاء الكتاب المقدس (إش ١: ٥، هو ١٤ : ٤، مت ١٣ : ١٥، يو ١٢ : ٤٠، ١ بط ٢ : ٢٤، رؤ ٢٢ : ٢). هناك أيضًا من يرون هذا التغيير على أنه تَأَلُّه (ثيوسيس). وفي الحقيقة مذهب الثيوسيس هذا هلامي ولا شكل له ويختلط فيه الحابل بالنابل لدرجة الخروج عن الإيمان القويم في بعض الأحيان. لكن ما يؤخذ على دعاة الثيوسيس هو اختزالهم للكفارة في الجانب الشخصي في رؤية عمل المسيح كتغيير فقط.

واختزال صليب المسيح يكون أيضًا من خلال من قصره على ما يُسَمَّى بنموذج "كريستوس فيكتور"، أي "المسيح المنتصر". وهو منظور لاهوتي يرى أن عمل المسيح الكفاري كان موجهًا ضد الشيطان للانتصار عليه وتحرير الإنسان منه. ونحن لا ننكر هذا إطلاقًا. فالمعركة بين نسل المرأة (المسيح) ونسل الحية (الشيطان) بدأت منذ جنة عدن ومستمرة إلى يومنا هذا. إلا أننا كإنجيليون مصلحون، لا نختزل العمل الكفاري للمسيح في الانتصار على قوى الشر فقط.

إن كفارة المسيح أوسع وأشمل من كل ذلك. إنها بدأت بمجرد الحمل بالمسيح، عندما اتحد اللاهوت بالطبيعة البشرية، فصار شخص المسيح الواحد، ذو الطبيعتين، خاضعًا للناموس ليفتدي الذين تحت الناموس. وظل المسيح طيلة الثلاثة والثلاثون سنة طائعًا للناموس، بكل جوانبه، الأدبي والمدني والطقسي، لكي تُحْسَبُ لنا هذه الطاعة في النهاية (رو ٥ : ١٩). إلى أن أطاع المسيح حتى الموت، موت الصليب. في طاعته للناموس أثناء حياته، وفي طاعته للموت على الصليب، كان بديلاً عنا. إلى أن قام المسيح من الموت لكي يهبنا الحياة ويعلن نصرته على كل من الخطية والشيطان والعالم المُعَادِي لله.

ولا ينبغي لنا تفضيل صورة كتابية لحساب صورة كتابية أخرى. فالإنسان تحت دينونة الله وغضبه يحتاج إلى استرضاء. وهو ميت ومريض وأعمى يحتاج إلى حياة وشفاء. وهو عبد في مملكة الظلمة يحتاج إلى عتق وتحرير.

بكلمات أخرى، مات المسيح من أجل الله، ومن أجل الإنسان، ومن أجل الشيطان، ومن أجل الخطية، ومن أجل الخليقة بأكملها. إن موت المسيح كان موجهًا لهذه الأطراف جميعًا. لاسترضاء غضب الأول، وتغيير الثاني، وسحق الثالث، ونزع فعالية الرابعة، ومصالحة الأخيرة ذاتيًا وتجديدها.

إلا أن المركزية للأولى، أي لاسترضاء عدل الله. لأن الأولى أساس الباقي.

خاتمة

شغلت كفارة المسيح التاريخ الكنسي بأكمله، وهذا شيء طبيعي لأنها مركز المسيحية. وقد حاول الكثيرون، مثل البيلاجية والسوسينية والليبرالية المسيحية والكفارة العلاجية ودعاة التأله، أن يحصروا الكفارة في أحد الجوانب التي ذكرناها سابقًا، بغرض إخراج البدلية العقابية من المشهد تمامًا. لكن بهذا يكونون قد أبعدوا الجانب المركزي فيها. إلا أن البدلية العقابية هي مركز العمل الكفاري للمسيح لأن الله ينبغي أن يكون مركز أعمال الله وليس نحن. إنه مركز أعماله، في الخلق، والعناية، والفداء. وإن لم تكن البدلية العقابية مركز الفداء، لكان من الممكن إنجاز هذا بكلمة من الله دون أن يتكلف هذا الثمن الفادح: أن يموت ابنه الوحيد على أيدي خطاة فجار يستحقون الموت أنفسهم. بهذا فقط يمكن أن يكون للكفارة مركزًا يستوعب كل جوانب العمل الكفاري الكامل والمتعدد الجوانب للمسيح.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس