(١) الفكر الأرثوذكسي الشرقي للدكتور ماهر صموئيل

لماذا يتحدث الدكتور ماهر صموئيل دائمًا عن الخلاص باعتباره استرداد الإنسان لإنسانيته؟

من منا لم يسمع عبارة الدكتور ماهر صموئيل التي لا يفوت مناسبة إلا ويقولها (بصيغ مختلفة) أن: "المسيح جاء ليسترد لنا إنسانيتنا التي فقدناها"؟ على سبيل المثال، العبارة الآتية قيلت مؤخرًا (يناير ٢٠٢٢) بواسطته في سياق حديثه عن مائدة الرب (الليتورجيا الكنسية):

"الفلاسفة بيقولوا: نحن كائنات متجهة ... مش ساكنة، متجهة، ماشية ... في اتجاه. وعمرها ما هتقف. واحتاروا هي متجهة ناحية إيه. البعض قال للتسهيل هي متجهة نحو الامتلاء. البعض قالوا متجهة نحو، حاجة أخطر: الاكتمال. فهذه الكائنات تشعر بالفراغ، وفي حاجة شداها كإنه مغناطيس، وهي مش عارفة هي رايحة لفين. لكنها في اتجاهها تبحث عن؟ اشباع! آخرون بيقولوا: لأ! يا حرام ضايعين وبيدور على نصه التاني ... أنا ناقص، بدور على الاكتمال. أفتكر لما قلت ‘تأديب سلامنا عليه’، ‘سلامنا’: (أي) الاكتمال، إنك تبقى مكتمل، تبقى حاجة واحدة، مكتمل. فنحن كائنات، ليست صامتة ليست ساكنة، لكنها متجهة. ومتجهة ناحية امتلاء أو اكتمال أو اشباع. اسمع العبارة التانية دي: ونحن كائنات يحركها ما تحب وليس ما تعرف. واحنا متجهين، مش ماشيين خالص طبقًا للي احنا عارفينه (يقصد العقيدة)، لكن طبقًا للي إحنا بنحبه ... طب ونعمل إيه في المصيبة دي؟ ... خليني أقول: نتوجه نحو إنسانيتا. نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. الله خلق الإنسان لكي ما يتطور ويكتمل فيصير إنسانًا. عنده كل القدرات إنه يبقى إنسان، لكن محتاج اكتمال، ولن يكتمل ليصير إنسانًا إلا بالعلاقة مع الله، والعلاقة مع الإنسان القريب. مستحيل أبقى إنسان إلا من خلال تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك، وثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك".

لاحظ في العبارة السابقة كيف يرى الدكتور ماهر أن الخلاص هو الاكتمال، وكيف أن المسيح حقق هذا الاكتمال بصليبه "تأديب اكتمالنا عليه". ولا أعلم لماذا أصر الدكتور ماهر على جعل المعنى اكتمالنا بدلاً من سلامنا، مع أن الكلمة في الأصل "شالوم"، وتُرجمت بمعنى "سلام" في العهد القديم عشرات المرات. لكن طبعًا السبب معروف؛ لكي ينأى بالخلاص عن الجانب القضائي ويختزله في الجانب الشفائي العلاجي. لكن، لاحظ أيضًا أنه يرى أن الإنسان خُلِقَ ناقصًا "الله خلق الإنسان لكي ما يتطور ويكتمل فيصير إنسانًا". وأن تلك الإنسانية غير المكتملة، تحتاج إلى استغلال القدرات الكامنة فيها، لكي تكتمل وتتطور، بواسطة محبة الله والقريب.

في التصريحات الآتية، والتي قيلت في مناسبات متفرقة، يتكرر هذا المفهوم بأن الإنسان فقد إنسانيته والمسيح يستردها له ثانية:

"المسيحية لا تقدم ديانة، لا تقدم عقيدة، لا تقدم فلسفسة ... المسيحية تقدم مخلِّص اسمه يسوع المسيح. يسوع المسيح لم يأتي لكي يفتح البلاد ويغزو العباد، لم يأتي لكي يقهر ويسلب، لم يأتي لكي يتفلسف، لم يأتي حتى ليشفي الأمراض لكن يسوع المسيح جاء ليسترجع للإنسان إنسانيته ... يسوع المسيح ذهب لأريحا فقط من أجل زكا ... شخص مدمر رديء لا يُحتمل، بعد مقابلة يسوع عادت إليه إنسانيته، يرد أربعة أضعاف لمن وشى بهم ... إن ماخسرته ليس مالك ولا صحتك ولا حتى أخلاقك. أنت خسرت شيء أخطر من ده كله. أنت خسران إنسانيتك والمسيح المخلص يبلغك الخبر المفرح هو مستعد أن يسترجع إليك إنسانيتك".

"عايز أقول لكل إمرأة اتهانت ولكل رجل ظُلم وأهين ... تكلل بالمجد والكرامة لما تعود إليك إنسانيتك. عندما تعود أنت إلى نبع إنسانيتك تتوصل بيه ويبدأ يدفق فيك الإنسانية. لا تبحث عن المجد في وظيفة أو لقب أو إمتلاك. ابحث عن المجد في شيء داخلي فيك، تبقى قيمتك فيك مش جاية من حاجه عندك، لو قيمتك في حاجه تملكها هتضيع الحاجه وتضيع معاها قيمتك. أقول لكل إمرأة تستمد قيمتها من جمالها أو من جسدها: احذري يا أختي لتكن القيمة نابعة من إنسانيتك كوني على صورة خالقك ... أحتاج للخلاص، ليس الخلاص من الجحيم، ولا الخلاص من الضيقات، لكن خلاص من الخطية اللي ضيعت لي إنسانيتي، وضيعت لي الغرض اللي أعيش من أجله، أريدك يارب أن تخلصني".

"أرفض تمامًا أن كلامي يُفهم على إنه دعوة دينية. التوبة عن الإنغماس والجري وراء المتع والملذات والأمور الحسية، السؤال ليه؟ الدين إجابته: علشان تدخل الجنة في الأخر، أو علشان تروح السما، أو علشان تفلت من عقاب الله، أو علشان تاخد حظك السعيد من الدنيا، لكن ما أقوله غير كده خالص. مش تتوب بمعنى أنك توقف شيء لكن أن تقتنع بعجز هذا الشيء عن اشباع أعمق أعمق احتياجاتك. ومش علشان تاخد الجنة أو السما، لأ لكن علشان تشبع أعمق احتياجاتك وتجد نفسك في الحضن الذي يهبك هويتك، الذي يعطيك قيمتك، الذي يطور إنسانيتك. الدين يعد بالجنة أو السماء ورفع العقاب، لكني أقدم دعوة إلى حضن الآب، أن تكون في حضن أبيك لكي تكون إنسانًا وتكون نفسك".

"معرفة الله بالنسبة لنا هي أهم من الماء والهواء. بالماء والهواء تحيا أجسادنا، وبمعرفة الله تحيا أرواحنا وتُسترد إنسانيتنا. الشيء المرعب أن معرفة الله قد تشوهت وصار بيننا وبين الله حواجز وأحيانا أشخاص يقفون بيننا وبين الله".

"لا أعرف كم من العمر يتبقى لي في هذه الدنيا لكن أريد أن أيامي التي أقضيها على الأرض أقضيها إنسان، وأقضيها حر. لا أريد يارب أن أعيش أيامي أصارع مع رغباتي وأصارع مع الناس من حولي. أصارع مع الخوف والقلق، أعيش إنسان بمجد وكرامة حتى ولو ظروفي صعبة. لن أستمد قيمتي من ظروفي لكن من إنسانيتي التي عادت إلي. قيمتي مش في البيت اللي اشتريته ولا الدخل السنوي قيمتي في إنسانيتي التي عادت إلي. قيمتي في حريتي التي أستمدها من العلاقة معك ... هذه هي عطية الله لنا، وهذا هو احتياجنا إليه".

"عندما يحرمني وعندما يحسن إلي، في الإحسان وفي الحرمان، عانيت من هذا كثيرًا وتمتعت بهذا كثيرًا، لما أقول للرب ليه بتعمل معايا ليه كده؟ كانت الإجابة أريد أن أصنع منك إنسان. إن صناعة الإنسان هي غاية خليقة الله. إيه اللي هتطلع بيه من الدنيا غير شخصيتك وإنسانيتك الحلوه اللي تطورت على صورة خالقك؟ مش هتاخد حاجة معاك من الدنيا إلا إنسانيتك، اطحنت أد إيه؟ مش مهم، امتلكت أد إيه؟ مش مهم، المهم أنت بقيت أد إيه إنسان. المقياس هو ابن الإنسان. ياريت نهتم باللي الله بيهتم بيه. مش مهم الظروف اللي بأعدي فيها المهم أد إيه تطورت إنسانيتي. هناك بعض السمات الإنسانية فينا يبدو أنها لا تنشأ ولا تظهر ولا تنمو ولا تطور إلا من خلال ضغوط كثيرة".

والآن، وبعد أن استعرضنا مركزية مفهوم استرداد المسيح لإنسانية الإنسان، الذي يعلّم به الدكتور ماهر صموئيل، وأن قيمتك في إنسانيتك، وعليك أن تتوجه نحو هذه القيمة فيك، يثور سؤال: هل هذا تعليم كتابي؟ هل هذا التعليم متوافق مع المنهج المصلح؟ والإجابة: لا هو كتابي، ولا مصلح. هو فقط كلام رنان وجذاب للأذن الطبيعية.

وإن بدا لك كلام الدكتور ماهر صموئيل متشابهًا مع ما يتم التعليم به في الأرثوذكسية الشرقية، فأنت غير مخطيء. الأرثوذكسية الشرقية تعلِّم، بأن الإنسان لم يُخلق كاملاً، وإنما خُلق ليتجه نحو الإنسانية الكاملة من خلال اجتهاده بأن يكون على مثال المسيح. وكما يكاد يغيب عن الأرثوذكسية الشرقية المفاهيم القضائية للخلاص، مثل مذنوبية الخطية والبدلية العقابية والتبرير القضائي، هكذا أيضًا الدكتور ماهر صموئيل. بل في حلقته المعنونة "سرانية الصليب" قال أن لديه ثلاث مشاكل مع البدلية العقابية، والحل لديه يكمن في استبدال الكفارة العقابية طبقًا للمنهج البروتستانتي المصلح، بنظرية الثيوسيس، أو "التوحد" كما ترجمها هو (ترجمة غير دقيقة طبعًا). والثيوسيس هو تعليم أرثوذكسيي شرقي صميم.

لكن تأمل معي فكرة استعادة الإنسان لإنسانيته المفقودة طبقًا للمصادر الرسمية للأرثوذكسية الشرقية. وقارن ما يرد في تلك المصادر مع ما يعلّم به الدكتور ماهر صموئيل. على سبيل المثال، يعرِّف قاموس الأرثوذسيكة الشرقية "الخلاص" كالآتي:

"الكلمة اليونانية للخلاص، سوتيريا، تعني في الأصل ‘الكمال’ أو ‘العافية’، وتحمل أيضًا معنى ‘الحماية’ و ‘الحفظ’. بشكل عام، لدى آباء الكنيسة اليونانية والتقليد اللاحق، لم تزل هذه هي الطريقة التي يتم بها تقديم عمل المسيح بشكل أساسي. إنه (المسيح) الشخص الذي يسترد الإنسانية، ويشفي الطبيعة البشرية، وهكذا يخلص البشرية من خطر الهلاك. صورة الله في الإنسان، التي غرسها الخالق ولكن تشوهت بالسقوط والخطية – وأصبحت نتيجة لذلك معرضة لخطر الهلاك بسبب الموت – تم استردادها وتجديدها بولادة وموت وقيامة الكلمة المتجسد. نتيجة لذلك، فإن التركيز بشكل خاص على الخلاص باعتباره غفرانًا للخطايا والإنقاذ من الدينونة الإلهية، بينما يوجد (هذا المفهوم) في الشرق الأرثوذكسي، ينال تركيزًا أقل بكثير جدًا مما هو عليه في الغرب (لدى كل من بروتستانت وكاثوليك الغرب)، من (وقت) أوغسطينوس وأنسلم (ق. ١١) حتى الوقت الحاضر". [1]

ورَبْط القاموس معنى الخلاص بـ "الكمال"، و"العافية"، يتشابه جدًا، مع تفسير ماهر صموئيل لـ "تأديب سلامنا عليه" وجعلها "اكتمالنا". لاحظ أيضًا بناء القاموس على هذا المعنى بجعل الخلاص هو استرداد المسيح للإنسانية المفقودة.

الأسقف كاليستوس وير، وهو تقريبًا المتحدث الرسمي بإسم الأرثوذكسية الشرقية، يقول في كتابه الذي يُستخدم كوثيقة رسمية للتعريف بالأرثوذكسية الشرقية:

"الصورة والمثال: وفقًا لمعظم الآباء اليونانيين، المصطلحان ‘صورة الله’ و’مثاله’ لا يعنيان نفس الشيء تمامًا. كتب يوحنا الدمشقي: ‘إن التعبير (على صورته) يدل على العقلانية والحرية، والعبارة (على مثاله) تدل على التمثل بالله من خلال الفضيلة". [2]

أي أن "صورة الله" و"مثاله" ليس مرادفان، بل يدلان على أمرين مختلفين. فالصورة هي القدرات الشخصية الممنوحة للإنسان بالفعل كالعقلانية والحرية. بينما المثال هو التمثل بالله من خلال ممارسة الفضيلة. صورة الله متحققة بالفعل في الإنسان (وقد تشوهت بالأحرى بالإنحراف وليس السقوط)، ولكي يكون الإنسان على مثال الله ينبغي أن يسعى نحو ذلك الهدف.

يضيف كاليستوس:

"تدل الصورة على القوى التي وهبها الله لكل واحد منا منذ اللحظة الأولى لوجودنا؛ المثال ليس هبة نمتلكها منذ البداية، بل هدف يجب أن نسعى إليه، شيء لا يمكننا الحصول عليه إلا بالتدريج. مهما كنا مذنبين، فإننا لا نفقد صورة الله أبدًا؛ لكن المثال يعتمد على اختيارنا الأخلاقي، وعلى ‘فضيلتنا’، ولهذا فالمثال تدمره الخطية".

بالمقابلة مع ما يعلّم به المنهج الأغسطيني الكالفيني (الكتابي)، بأن الإنسان خُلِقَ في صورة كاملة، ثم سقط عنها سقوطًا مدويًا، فإن اعتبار أن الإنسان خُلِقَ ناقصًا، ليست فقط نتيجة نخلص إليها من العبارة السابقة للأسقف كاليستو، بل إن هذا ما يقوله صراحة في العبارة التالية:

"كتب إيرينيئوس: ‘لقد كان (آدم) طفلاً، لم يكتمل فهمه بعد’. ‘كان من الضروري أن ينمو ويصل إلى الكمال’. وضع الله آدم على الطريق الصحيح، ولكن أمام آدم طريق طويل ليقطعه من أجل الوصول إلى هدفه النهائي".

إن هذا بالضبط ما قاله الدكتور ماهر صموئيل في أول تصريح اقتبسناه له أعلاه: "الله خلق الإنسان لكي ما يتطور ويكتمل فيصير إنسانًا. عنده كل القدرات إنه يبقى إنسان، لكن محتاج اكتمال، ولن يكتمل ليصير إنسانًا إلا بالعلاقة مع الله، والعلاقة مع الإنسان القريب". بل إن الدكتور ماهر أيضًا يقول ما معناه أنه يصير إنسان من خلال الفضيلة: " مستحيل أبقى إنسان إلا من خلال تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك، وثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك". إن الدكتور ماهر صموئيل يجعل إنسانية الإنسان مكافأة يحصل عليه الإنسان نتيجة طاعته. إلا أن الحق الكتابي يعلمنا بأننا بعد أن تجددنا صرنا صورة المسيح بالفعل وقادرين على طاعته، وليس أننا نصل إلى هذا المقام من خلال الطاعة. صحيح أن التقديس أيضًا يجعلنا شبه المسيح يومًا فيوم، لكن يظل أننا نصير صورته، وقادرين على محبته ومحبة القريب، بعد أن تأتي بنا النعمة إلى هذا المقام المجديد من تبرير وتجديد.

إن الأسقف كاليستوس يقول بما لا يدع مجالاً للشك أن:

"الفكر الديني الأرثوذكسي (الشرقي) يضع أقصى درجات التركيز على صورة الله في الإنسان. كل واحد منا هو ‘فكر لاهوتي حي’، ولأننا أيقونة الله، يمكننا أن نجد الله من خلال النظر داخل قلوبنا، من خلال ‘العودة إلى داخل أنفسنا’ ". أليس هناك تشابه كبير بين هذه العبارة الأخيرة "العودة إلى داخل أنفسنا"، وبين ما قاله الدكتور ماهر صموئيل "نتوجه نحو إنسانيتا"؟

إن تأكيد الدكتور ماهر صموئيل بإستمرار على ضرورة أن نتوحد بالمسيح لكي نستعيد إنسانيتنا نجد ما يطابقه فيما قاله كاليستوس عن الخلاص فى الأرثوذكسية الشرقية:

"ولكن بسبب سقوط الجنس البشري، فإن التجسد ليس فقط فعل محبة ولكنه فعل خلاص. يسوع المسيح، بتوحيده بين البشر والله في شخصه، أعاد لنا نحن البشر طريق الاتحاد مع الله. أظهر المسيح في شخصه ما هو ‘مثال الله’ الحقيقي، ومن خلال فدائه وذبيحته الانتصارية، وضع هذا المثال مرة أخرى في متناول أيدينا. جاء المسيح، آدم الثاني، إلى الأرض وعكس آثار عصيان آدم الأول".

وهكذا فإن الدكتور ماهر صموئيل يستعير تركيزه على استعادة المسيح لإنسانيتنا المفقودة من الأرثوذكسية الشرقية. إلا أن هذا ليس هو المفهوم المركزي أو الكامل للخلاص. صحيح أنه من منظور ما استرد المسيح إنسانيتنا المفقودة، بل وأكثر منها بإعطائنا كل امتيازاته التي حققها لنا بتجسده وكفارته وجلوسه عن يمين الآب. بل لو كان كل ما فعله المسيح هو استعادة إنسانيتنا لكان فقط قد عاد بنا إلى نقطة الصفر، تلك النقطة التي سقط منها آدم. لكن يظل هذا الاسترداد للإنسانية اختزال للخلاص في جانبه العلاجي أو الانتصاري، أو كلاهما معًا، وفي نفس الوقت اغفال البعد الموضوعي الجوهري للكفارة؛ ألا وهو استرضاء عدل الله ومطالب ناموسه العادل.

وأن تجعل الغرض الرئيسي من خلاص المسيح هو استعادة الإنسان لإنسانيته، لهو منظور متمركز حول الإنسان، وليس حول الله. الكفارة تتجه رأسيًا، نحو الله، بصورة رئيسية، لاسترضاء غضبه واستيفاء مطالب ناموسه العادل، ثم نحو الإنسان لشفاءه وتطهيره، وأخيرًا نحو باقي الخليقة لمصالحتها وعتقها من عبودية الفساد. وقد جاءت عبارات بعينها كشافة عن هذا المنظور المتمركز نحو الإنسان لدى الدكتور ماهر صموئيل، مثل قوله: "نتوجه نحو إنسانيتا"، "ابحث عن المجد في شيء داخلي فيك، تبقى قيمتك فيك مش جاية من حاجه عندك ... لتكن القيمة نابعة من إنسانيتك". إن هذا يبدو نوع من عبادة الذات وإن كان مغلفًا بقشور أخرى.

إن الدكتور ماهر صموئيل بتأثره بالمفاهم الخلاصية للأرثوذكسية الشرقية قد حاد عن المنهج المصلح الكتابي بإغفاله لكل من التبرير القضائي، والبدلية العقابية، اللذان هما الجانب المركزي لكفارة المسيح. بل إنه قام بتهميش المفاهيم القضائية والطعن فيها صراحة في عبارات مثل: "ليس الخلاص من الجحيم"، " الدين يعد بالجنة أو السماء ورفع العقاب، لكني أقدم دعوة إلى حضن الآب، أن تكون في حضن أبيك لكي تكون إنسانًا وتكون نفسك". وهو دائم الطعن في هذه المفاهيم القضائية في كل عظاته.

التبرير بالإيمان وحده هو المبدأ الجوهري لحركة الإصلاح البروتستانتي. وقد عبر عنه كل من لوثر وكالفن بقولهما أن التبرير بالإيمان وحده هو الأساس الذي تقوم أو تسقط عليه الكنيسة، وأنه المحور الذي تدور عليه المسيحية. لكن كما نعلم، من مناسبة أخرى، أن الدكتور ماهر صموئيل رأى تركيز لوثر على عقيدة التبرير القضائي بالإيمان وحده سببها شعوره المفرط بالذنب. وقد قمت بتفنيد هذا الادعاء في مقال آخر.



[1] Prokurat, Michael, Alexander Golitzin, and Michael D Peterson, The A to Z of the Orthodox Church, Scarecrow Press, 2010
[2] Ware, Kallistos, The Orthodox Church : An Introduction to Eastern Christianity, Penguin Books, Cop., 2015

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس