موجود بذاته ناطق بكلمته حي بروحه ... ؟

شرح الثالوث على أن "الله واحد، موجود بذاته كالآب، ناطق بكلمته كالابن، حي بروحه كالروح القدس" منتشر لدى الكثيرون. وإن كنا نمدح هذه المحاولة لتبسيط مثل هذه العقيدة الجوهرية لغير المسيحيين، إلا إنه للأسف شرح غير صحيح. لأنه أولاً غير متجذر في الفهم التاريخي لعقيدة الثالوث والمتمثل في الإيمان النيقاوي القسطنطيني. وثانيًا لكونه تمييز أقرب إلى السابيليانية (الوحدانية المطلقة اللاأقنومية) منه إلى الإيمان الثالوثي القويم الذي يحفظ التمايز الأقنومي. وثالثًا لأنه يخلط بين الصفات الإلهية وبين العلاقات التي تميز الأقانيم عن بعضهم.

أولاً هذا الفهم للثالوث غير متجذر في المسيحية التاريخية ممثلة في نيقية

هذا التمييز بين الأقانيم، بأن الله موجود بذاته في الآب، وناطق بكلمته في الابن، وحي بروحه في الروح القدس، لا يجد جذوره في نيقية. إن نيقية يميز بين الأقانيم، في كون الآب يلد الابن منذ الأزل، والابن مولود من الآب منذ الأزل، والروح القدس منبثق من الآب والابن معًا منذ الأزل. الآب، في كونه آبًا، لم يبدأ بأن يكون كذلك عند نقطة ما، بل هو آب منذ الأزل. ولا الابن، في كونه مولودًا منذ الأزل من الآب، مبدوء. ولا الروح القدس، في كونه منبثقًا من الآب والابن أزليًا، مبدوءً بدوره. اللاولادة (فيما يخص الآب)، والولادة (فيما يخص الابن)، والانبثاق (فيما يخلص الروح القدس)، هي المفاهيم التي يشرح بها نيقية العلاقات الثالوثية. وهذه المفاهيم لا ترد من قريب أو حتى من بعيد في ذلك الشرح الشائع للثالوث.

ثانيًا شرح يطمس التمايز الأقنومي ويقترب من السابيليانية

إن ذلك الشرح الشائع للثالوث يخفق في إبراز التمايز الأقنومي إلى حد يصل إلى السابيليانية في رأيي. فهذه كلمات أعتقد أن الآريوسيين والمورمون وشهود يهوه، وهم جميعًا ينكرون الثالوث، لن يكون لديهم مشكلة معها. فضلاً عن أن هذا الشرح يغفل بصفة خاصة لقب "الابن"، مستعيضًا عنه بلقب "(ناطق بـ) كلمته". وهذا في حد ذاته كفيل بأن ينأى بنا عن الإيمان النيقاوي الذي يشرح العلاقات الثالوثية في لاولادة، وولادة، وانبثاق. صحيح أن الابن هو الكلمة، إلا أن هذا الاعتراف الشائع، على ما يبدو، يختزل الكلمة في كونه منطوقًا. إن الكثير من الآلهة يمكن أن تكون ناطقة بكلمتها. وذلك ليس بأي حال من الأحوال مفهوم اللوجوس في يوحنا ١ "والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله".

على خلاف ذلك، فإن الشرح النيقاوي القسطنطيني لتلك العلاقات الثالوثية الأزلية، غير المبدوءة، يحفظ الوحدة الجوهرية للأقانيم، وفي نفس الوقت تمييزهم. ولأن الابن متمايز عن الآب، في كون الأول مولود (غير مخلوق أو مبدوء)، والثاني غير مولود، فإن هذا بدوره يضمن ويؤكد مساواة الابن للآب، بما أن الابن (مولود) من نفس الجوهر (هوموأوسيوس). وبما أن الروح القدس متمايز عن كل من الآب والابن، في كونه (الروح) منبثق منهما أزليًا، فهو مساوٍ لهما لأنه (منبثق) من نفس الجوهر الواحد. يميز أغسطينوس بين انبثاق الروح من كل من الآب والابن، في كون انبثاق الروح من الابن هو هبة الآب للابن.

ثالثا، هذا الشرح الشائع يخلط بين صفات الجوهر الإلهي الواحد وبين ما يميز الأقانيم عن بضعهم

إن كل من الابن والروح القدس، ذاتيان الوجود، وموجودان بذاتهما (وليس فقط الآب)، لأنهما يشتركان في نفس الجوهر الواحد (مع الآب). الله واحد ذاتي الوجود. وهذا شيء ينطبق على الثلاث أقانيم بالتساوي. الآب والروح القدس أيضًا ناطقان ومتكلمان (وليس فقط الابن)، لأنهما كأقنومان شخصيان يشتركان في نفس الجوهر الواحد الذي هو كلي الحكمة. فقد تكلم الآب من السماء أثناء معمودية المسيح، وأثناء حادثة التجلي. والروح القدس أعطانا الوحي، وقال افرزوا لي برنابا وشاول. أخيرًا، إن كل من الآب والابن حيين (وليس فقط الروح القدس)، لأنهما يشتركان في نفس الجوهر الواحد الحي.

فضلاً عن ذلك، ما الفرق بين القول أن "الآب موجود بذاته"، وبين "حي بروحه"؟ (لاحظ أن هذا التعريف أحيانًا لا يقول حي بروحه القدوس، بل بروحه فقط) أليس التعبيران بالأحرى يشيران إلى نفس المفهوم، أن الله ذاتي الوجود أو حي في ذاته، وغير معتمد في وجوده على أي شيء خارجه؟ إن التعريف بالثالوث بتلك الطريقة، وليس بناء على المنهج النيقاوي القسطنطيني، يخلط بين الصفات الإلهية للجوهر الواحد، وبين ما يميز كل أقنوم عن الآخر. لا يوجد شيء يميز الأقانيم الثلاث عن بعضهم البعض، وفيما يتعلق (فقط) بعلاقات الكينونة الداخلية (الأنطولوجي) ad intra ، سوى أن الآب يلد الابن، والابن ملود من الآب، والروح القدس منبثق منهما، منذ الأزل. فيما عدا ذلك لا يوجد تمييز بين الأقانيم. وأي شيء آخر فيما عدا ذلك، هم يشتركون فيه؛ أي الصفات أو الجوهر. مع التحفظ على أن الله هو صفاته، وصفات الله هي جوهره.

إن شرح الثالوث، إذًا، على أن "الله واحد، موجود بذاته كالآب، ناطق بكلمته كالابن، حي بروحه كالروح القدس" هو في أفضل حالاته شرحًا غامضًا أخفق بشدة في إبراز التمايز الأقنومي. بينما، كما أوضحت، أن السبيل للحفاظ على كل من الوحدة الجوهرية للذات الإلهية، وفي نفس الوقت التمايز الأقنومي، هو المنهج النيقاوي القطسنطيني. أي بتعريف العلاقات الثالوثية الداخلية على أنها لاولادة، وولادة، وانبثاق.

أخيرًا، صحيح أننا مسئولون عن تقديم الحق المسيحي بلغة يفهمها المحيطون بنا، إلا أننا دائمًا أمام خطر آخر بالمساومة على هذا الحق. فلا ينبغي، إذًا، أن نجعل الثقافة المحيطة تشكل الطريقة التي نصوغ بها هذا الحق المسيحي الخطير والجوهري. وكما قال بعض المؤرخون، إن قوانين الإيمان المسكونية صِيغت لتكون بمثابة الحدود التي لا ينبغي أن نتخطاها عند فهمنا لعقيدة الثالوث، وفي نفس الوقت المنهج الذي نسير عليه في التعمق والتأمل فيه هذا الحق الإلهي الذي يسمو عن العقول.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس