هل شرب الخمر والتدخين خطية؟


وصلني هذا السؤال على الخاص، واستئذنت صاحبه مشاركة السؤال والإجابة عليه على العام مع الإحتفاظ بخصوصية السائل.

"أنا مصري عايش فى العراق، وهنا يعتبرون شرب السجاير والكحوليات ضمن الثقافة وليست خطية وأشخاص شيوخ بالكنائس وخدام يشربون. أنا مش متقبل دة بصراحة بس هل تقدر تساعدني برأى كتابي قوي؟"

بالنسبة لشرب الخمر، الإجابة على هذا السؤال تتطلب الإجابة على عدة أسئلة أخرى مرتبطة بالموضوع:
هل الخمر في زمن الكتاب المقدس هي نفسها الخمر الحالية؟
هل الكتاب المقدس يمنع شرب الخمر أم السُّكْر؟
هل المشكلة الوحيدة في شرب الخمر هي السُّكْر فقط؟

بالنسبة للسؤال الأول المتعلق بمدى تشابه الخمر في زمن الكتاب المقدس مع الخمر التي تصنع حاليًا. لا أعتقد بصحة القول أن الخمر في زمن الكتاب المقدس كانت غير مُسْكِرَة بنفس القدر لأنه كان يتم تخميرها طبيعيًا وليس بإضافة الخميرة لها طبقًا لعملية التصنيع المعاصرة. ذلك لأن الكتاب المقدس مليء بالتحذيرات ضد السُّكْر، مما يعني أنها كانت مُسْكِرَة. إلا أنه كان يضاف إليها الماء لتخفيفها. لأنه كان يتم الإستعاضة عن شرب الماء بشرب الخمر، نظرًا لعدم نقاوة الماء في العالم القديم، على الأقل في فترة ما بين العهدين.

يقول مكارثر في تعليقه على عُرس قانا الجليل:

"كان الخمر المقدم خاضعًا للتخمير. ومع ذلك، ففي العالم القديم، لكي يتم إرواء العطش دون التسبب في السُّكْر، يتم تخفيف الخمر بالماء بما يتراوح بين ثلث وعشر قوته. بسبب المناخ والظروف، حتى ‘الخمر الجديدة’ كانت تتخمر بسرعة وكان له تأثيرً مُسْكِرًا، إن لم تكن مختلطة (أع ٢ : ١٣). بسبب نقص عملية تنقية المياه (في العالم القديم)، كان الخمر الممزوج بالماء أكثر أمانًا للشرب من الماء وحده. بينما يدين الكتاب المقدس السُّكْر، فإنه لا يدين بالضرورة شرب الخمر (مز ١٠٤: ١٥ ؛ أمثال ٢٠: ١ ؛ ٥:١٨)".

يؤكد أيضًا A.C.Schultz في موسوعة زوندرفان للكتاب المقدس أنه كان يتم تخفيف الخمر بالماء:

"في الفترتين اليونانية والرومانية كان يتم خلط الخمر بالماء، واعْتَبَرَ البعض أن هذا الخليط أكثر صحة ومتعة: ‘من المضر شرب الخمر وحده، أو شرب الماء وحده، بينما الخمر الممزوج بالماء حلو ولذيذ ويقوي التمتع’ (مكابين الثاني ١٥ : ٣٩)".

إن هذا يجعلنا نتفهم لماذا نصح بولس تلميذه تيموثاوس أن يقلل من شرب الماء، نظره لتلوثه حينها، وفي نفس الوقت يستعيض عنه بالقليل من الخمر، بسبب معدته وأسقامه الكثيرة (١ تي ٥ : ٢٣).

وهذا يقودنا إلى السؤال هل منع الكتاب المقدس شرب الخمر أم السُّكْر؟

لا يبدو لي أن الكتاب المقدس منع شرب الخمر، ولعل أحد الأسباب لذلك هو أنها كانت تُسْتَخْدَم كبديل للماء في أحيانٍ كثيرة، بسبب تلوث الماء في العالم القديم كما أشرنا. لكن طبعًا لا نستطيع أن نقول أن هذا السبب الوحيد. فبينما نصح بولس تلميذه تيموثاوس بتقليل الماء والإستعاضة عنه بالخمر أمر أهل أفسس قائلاً: "ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح" (أف ٥ : ١٨).

لكن، وهذا هو السؤال الثالث، هل يُفهم من ذلك أن المشكلة الوحيدة في شرب الخمر هي السُّكْر؟

بالطبع لا! فهناك مشاكل أخرى في شرب الخمر. المشكلة في شرب الخمر ليست فقط السُّكْر، ولو حتى مرة واحدة. بل ألا يكون من يشرب الخمر سكيرًا أو مدمنًا لها (١ كو ٥ : ١١). ولا أقصد بالقول "مدمنًا" هو التعريف السيكولوجي لإدمان الكحوليات على أنه اضطراب نفسي وليس خطية. الأكثر من ذلك، في رأيي، هو أنه لو كان شرب الخمر أكثر من مجرد استمتاع الحواس بطعم الخمر، أو بغرض تغيير الحالة النفسية، أو تنميل شعورنا بالألم (أم ٣١ : ٦)، مجرد هذه الرغبة تعد خطية. إنها محاولة للتعامل مع مشكلة روحية من خلال شرب الخمر. فضلاً عن أن الإكثار من شرب الخمر، حتى ولو لم يُسْكِر، يمكن أن يؤدي إلى أمراض كثيرة مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والكبد والسرطان (طبقًا لمركز الأمراض الأمريكي).

فضلاً عن ذلك، وإن كان الكتاب المقدس لم يحرم شرب الخمر، بل السُّكْر، فقد أمرنا ألا يكون شربنا للخمر معثرًا لإخوتنا في الكنيسة (رو ١٤ : ٢١). كما أننا علينا أن نراعي صورتنا كمسيحيين كارزين بالمسيح أمام الذين هم من خارج ولا سيما لمن تحرم عقيدتهم شرب الخمر مثل المسلمين.

ما سبق يدفعنا لنكون أكثر حرصًا للتعامل مع عدم تحريم الكتاب لشرب الخمر في حد ذاته. إذ يبدو أن هناك شروط لابد من توافرها في شرب الخمر حتى لا نخطيء. ربما تخفيف الخمر بالماء في زمن الكتاب المقدس يجعلنا ندقق في نسبة الكحول. وليس فقط علينا ألا نسكر في كل مرة نشرب بها الخمر، وأن نترفع عن أن نكون سكيرين أو مدمنين، وألا يتسبب شرب الخمر في تلف أجسادنا، بل وألا يكون الدافع بغرض الهروب من حالة نفسية معينة. علينا أيضًا أن نراعي إخوتنا في الكنيسة، وشهادتنا أمام العالم. ينبغي أن نكون أكثر استعدادًا للتضحية بمتعنا الشخصية لأجل الكنيسة والإنجيل. أخيرًا وليس آخرا، أعتقد أنه يظل هناك مخاطرة روحية في المداومة على شرب الخمر، حتى لو لم نسكر بها، في أن تتحول هذه العادة إلى إدمان أو سيطرة للخمر علينا. وهذا السبب الرئيسي الذي يجعلني لا أشرب الخمر على الرغم من طعمه اللذيذ.

خلاصة القول، شرب الخمر غير محرم، لكن الشروط التي ينبغي توافرها كفيلة بأن تجعلنا غاية في الحرص عند شرب الخمر. كمسيحي لن أدين أخي في الإيمان لأنه شرب الخمر (طالما لم يسكر أو يعترف أنه يشربها للهروب من حالة نفسية معينة). لكن في نفس الوقت على الأخ الذي يشرب الخمر أن يراعي من لا يسمح لهم ضميرهم المسيحي بذلك. إنها مسؤولية متابدلة!

أعتقد الأمر مختلف فيما يتعلق بتدخين التبغ على الرغم من عدم ورود شيء عنه في الكتاب المقدس. طبعًا سيطرة التدخين على المسيحي خطية لأن الكتاب يعلمنا ألا يتسلط علينا شيء. أما عن التدخين في حد ذاته، حتى ولو لم يسيطر على المؤمن، فلا يبدو لي أن هناك سبب معقول للتدخين سوى أن المدخن يريد حالة مزاجية معينة. على خلاف شرب الخمر الذي ربما يكون لأجل فوائدها وطعمها اللذيذ، إن لم يكن السبب في التدخين هو محاكاة نموذج معين، فإن المدخن عادة ما يلجأ إلى التدخين للتخفيف من الضغوط. أو للحصول على نشوة مزاجية معينة. بالمناسبة يقول أحد الخبراء أن التدخين لا يخفف الضغوط بل يزيدها. فما يحدث هو أنه كلما مر الوقت على المدخن بدون تدخين، ظهر عليه التوتر نتيجة إنسحاب النيكوتين من الدم، فيشعل المدخن سيجارة وبمجرد دخول النيكوتين إلى الدم تختفي أعراض إنسحابه من الجسم فيظن المدخن أنها تقوم بتخفيف التوتر لديه.

في رأيي أن التدخين خطية، لكونه محاولة لإحداث تغيير روحي من خلال إشعال سيجارة. نوع من الإعتمادية على غير الله ووسائط النعمة المعينة بواسطته لإحداث التقديس والتغيير الداخلي. وهذا لا يعني أنه لا يمكن أن يكون هناك مؤمن حقيقي مدخن. أعتقد أن هذا وارد. على العكس من ذلك، أرى أنه من الصعب أن يكون الشخص مسيحي حقيقي وسكير في نفس الوقت (١ كو ٥ : ١١). فالخطايا لا تتساوى. تدخين الحشيش أو الماريجوانا أخطر من تدخين التبغ العادي، ولا شك أنه خطية لأنه يقوم بتغييب العقل أو تنميله في كل مرة يتم فيها ذلك.

حاولت في السطور السابقة أن أكون كتابي وموضوعي بقدر الإمكان. وليس لديّ مانع لتعلم المزيد عن هذا الأمر.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس