اِقْرَأ جرودم ولكن ...

واين جرودم لاهوتي محافظ وقامة كبيرة في اللاهوت النظامي. إلا أن عقيدته عن الله والثالوث تشوبها بعض الشوائب. وأحد أخطر ما يطرحه جرودم في لاهوته النظامي الشهير هو خضوع الابن للآب أزليًا Eternal Subordination of the Son ، وخضوع الروح القدس أزليًا للآب والابن. أي أن هناك سلطة وهرمية في الثالوث الأزلي (الثالوث في ذاته).

يقول جرودم:

"على سبيل المثال، إذا لم يكن الابن خاضعًا للآب أزليًا من حيث الدور، فإن الآب ليس ‘آبًا’ أزليًا، والابن ليس ‘ابنًا’ أزليًا. وهذا يعني أن الثالوث لم يوجد منذ الأزل".

لاحظ أن جرودم هنا لا يتكلم عن العلاقات الثالوثية في ظل الخلق والفداء Economic Trinity ، والتي اختار الابن فيها، طواعية، أن يُخضع نفسه للآب. لكنه يتكلم عن الأقانيم "أزليًا"، أي العلاقات الثالوثية الأزلية الداخلية ad intra .

في مقال مستقل، يقول جرودم أن الإسمين أو اللقبين "آب" و"ابن" تفسيرهما، ليس أن هناك ولادة أزلية للابن من الآب وانبثاق أزلي للروح القدس من الآب والابن، كما علّمت الكنيسة على مر التاريخ (وهذا يدل على أن جرودم أساء فهم نيقية والمصلحون)، بل خضوع أزلي من طرف الابن للآب وخضوع أزلي من طرف الروح القدس لكل من الآب والابن:

"لذلك، فإن ما ينطبق في كل مكان على العلاقة بين الأب والابن في المجال الكتابي، ولا يتعارض مع أي مقاطع أخرى من الكتاب المقدس، يجب بالتأكيد تطبيقه على العلاقة بين الآب والابن في الثالوث الأقدس. يشير اللقبين ‘الآب’ و ‘الابن’ إلى اختلافًا أزليًا في دوري الآب والابن. للآب دور قيادي وسلطة ليس لدى الابن، ويخضع الابن لقيادة الآب بطريقة لا يخضع بها الآب للابن. إن اللقبين الأزليين ‘الآب’ و ‘الابن يعطيان إشارة مهمة إلى السلطة الأزلية والخضوع بين أعضاء الثالوث".

إن جرودم في العبارة السابقة يخلط خلطًا شديدًا بين أدوار الثالوث، في ظل الفداء، وبين ما هو الثالوث في ذاته قبل الخلق والفداء ومن دونهما.

وإن كان جرودم يُمدح على تأكيده للأدوار التي عينها الكتاب المقدس لكل من الرجل والمرأة، إلا أنه يرتكب خطأ قياس الله على الإنسان. فيرى أن خضوع المرأة للرجل، وفي نفس الوقت مساواتها معه في الكرامة والأهمية، مؤسس على خضوع الابن للآب رغم مساواته معه في الألهوية والأهمية. ونفس الشيء ينطبق على الروح القدس، فكما أن الأبناء يخضعون للأب والأم، فإن الروح القدس يخضع لكل من الآب والابن رغم مساواته معما.

وطبقًا لكلمات جرودم:

"في الواقع، في العلاقة بين الرجل والمرأة في الزواج، نرى أيضًا صورة للعلاقة بين الآب والابن في الثالوث. يقول بولس: ’ولكن أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح، وأما رأس المرأة فهو الرجل، ورأس المسيح هو الله’ (١ كو ١١ : ٣). هنا، فمثلما للآب سلطان على الابن في الثالوث، كذلك للزوج سلطان على الزوجة في الزواج. دور الزوج موازٍ لله الآب ودور الزوجة موازٍ لدور الله الابن. علاوة على ذلك، فكما أن الآب والابن متساويان في الألوهية والأهمية والأقنومية، كذلك فإن الزوج والزوجة متساويان في الإنسانية والأهمية والشخصية ... وعلى الرغم من عدم ذكرها صراحة في الكتاب المقدس، فإن هبة الأبناء في الزواج، والتي تأتي من الأب والأم، وتخضع لسلطة كل من الأب والأم، تشبه علاقة الروح القدس بالآب والابن في الثالوث".

إن جرودم هنا وقع في خطأين: أولاً قياس الله على الإنسان من خلال تطبيق المفاهيم البشرية عن الأسرة والزواج على الأقانيم، والمعنى اللغوي لكلمتي "أب" و"ابن". والخطأ الثاني هو أنه قام بالخلط بين ما هو الثالوث في ذاته Immanent Trinity، أي العلاقات الأزلية للثالوث بغض النظر عن (وقبل) الخلق والفداء، وبين الثالوث في ظل الخلق والفداء Economic Trinity .

في الثالوث الأزلي (الأنطولوجي)، أي الثالوث في ذاته قبل الخلق والفداء ومن دونهما، لا خضوع لأي أقنوم للآخر فيه. الآب والابن والروح القدس متساوون جميعًا في الألوهية والكرامة والمجد والقوة. الفرق الوحيد بينهم هو ما يسمى بالصفات غير المشتركة للأقانيم Incommunicable attributes . وهذه الصفات التي يتميز بها كل أقنوم عن الآخر، ولا يشارك بها أي أقنوم آخر، هي أن الآب غير مولود وغير منبثق أزليًا، والابن مولود أزليًا من الآب، وأن الروح القدس منبثق أزليًا من الآب والابن. وكما قال أ. أ. هودج، ليس أن الآب أراد ولادة الابن (إراديًا)، بل أن الابن بالطبيعة والضرورة مولود من الآب أزليًا. وليس أن الآب والابن قررا انبثاق الروح القدس، بل أن الروح بالطبيعة والضرورة منبثق أزليًا منهما. فيما عدا هذه الصفات، فإن كل شيء آخر لدى الأقانيم هم يشتركون فيه؛ الجوهر (الصفات).

أن تقول أن هناك خضوع من طرف الابن للآب "أزليًا"، وخضوع من طرف الروح القدس لكل من الآب والابن "أزليًا"، هو أن تقول أن هناك نوع من الهرمية في ذات الله. صحيح أن جرودم يؤكد على المساواة في المجد والكرامة بين الأقانيم، إلا أنه ينسف ذلك بالقول أن هناك خضوع أزلي للابن تجاه الآب، وللروح القدس تجاه الآب والابن.

لهذا أطلق الكثير من اللاهوتيين على هذا الموقف اللاهوتي الذي يسمى بالخضوع الأزلي للابن، والذي يعلّم به جرودم، بأنه شبه آريوسية.

إن أردت أن تقرأ جرودم، إذًأ، اِقْرَأُه، ولكن كن حذرًا!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس