تعليق على بعض تصريحات الدكتور ماهر صموئيل في حواره مع الأستاذة دينا عبد الكريم


صَادَق الدكتور ماهر صموئيل على قول الأستاذة دينا بأن المسيح ثوري، مستخدما النص "الذين فتنوا المسكونة" (أع ١٧ : ٦) ليؤكد من خلال ذلك أن المسيحية ثورية. لكن هذه قراءة غير دقيقة للنص بواسطة الدكتور ماهر صوئيل سببها أنه يقحم أيديولوجيته الإنسانوية Humanism على الحق الكتابي. إذ يبدو أن الدكتور ماهر صموئيل يخلط بين ما يسرده النص وبين ما يستحسنه أو يصادق عليه النص. فليس كل شيء يسرده النص يصادق عليه.

إن التهمة "فتنوا المسكونة" وردت على لسان التسالونيكيين ضد بولس وسيلا. إنها تهمة سياسية بالإنقلاب على الحكم. والدليل على ذلك هو ما يقوله النص لاحقًا: "وهؤلاء كلهم يعملون ضد أحكام قيصر قائلين: إنه يوجد ملك آخر: يسوع. فأزعجوا الجمع وحكام المدينة إذ سمعوا هذا" (أع ١٧ : ٧ - ٨). إن الذين أزعجوا حكام المدينة هم التسالونيكيين بقولهم أن الرسولان فتنا المسكونة. الكلمة اليونانية "فتنوا" (أناستاتو) جاءت في مناسبتين آخرتين في العهد الجديد. والمناسبتان كلاهما سلبيتان. الأولى هي ذلك الاتهام الباطل الذي وُجِّه إلى بولس: "أفلست أنت المصري الذي صنع قبل هذه الأيام فتنة وأخرج إلى البرية أربعة الآلاف الرجل من القتلة؟" (أع ٢١ : ٣٨). والأخرى قالها بولس نفسه عن المعلمين الكذبة الذين أزعجوا الغلاطيين بالإنجيل الكاذب: "يا ليت الذين يقلقونكم (أناستاتو) يقطعون" (غل ٥ : ١٢).

صحيح أن بولس وسيلا ناديا بأن يسوع رب، إلا أنهما لم يقصدا الإنقلاب السياسي كما فهم التسالونيكيين. فقد علّم بولس نفسه في رومية (رو ١٤ : ١ - ٧) بالخضوع لـ "قيصر"، متبعًا بذلك وصية سيده "اعطوا ما لقيصر لقيصر". وصحيح أيضًا أن الإنجيل يزعج الإنسان الطبيعي ويثيره، ولكن يظل أن غير المقصود بذلك هو إثارة الاضطرابات. ولو سلمنا أن كل من المسيح ورسله ثوريون، فإن الثورة التي قصدوها هي الإنجيل وليس، كما سيأتي الذكر، تقديم الإنسان على الدين، والجوهر على المظهر، والعقل على النقل. إن مثل هذه الثورة التي يقصدها الدكتور ماهر صموئيل هي ثورة فكرية، وليست رسالة الخلاص أو الإنجيل الذي يعثر الإنسان الطبيعي. إن المسيح الذي قدمه ماهر صموئيل في هذا اللقاء هو ثوري أو معلم مستنير في أفضل حالاته وليس مخلص العالم من الدينونة وسلطان الخطية!

ولكن، هل فعلاً قدم المسيح الجوهر عن المظهر، والإنسان عن الدين، والعقل عن النقل؟

قدم الجوهر عن المظهر؟
المسيح لم يكن غرضه الأصالة، أو الاختبار الداخلي، بغض النظر عن المعتقد كما يرى الدكتور ماهر صموئيل. فقد صَادَقَ على سؤال الأستاذة دينا بأن مشكلة الإنسان في كل الأديان هي العبادة الشكلية. بدلاً من أن يجيب ماهر صموئيل بأن مشكلة الإنسان ليست العبادة الشكلية بغض النظر عن الدين، بل أن هناك أديان باطلة، ودين واحد فقط هو الحق (المسيحية). لكن هذا لا ينبغي أن يفاجئنا فقد جاوب على سؤال مشابه بالقول "مفيش حاجة إسمها إحنا أفضل من باقي الديانات، في حاجة إسمها إحنا نمتلك منظور للعالم أدق من باقي الديانات". صحيح ان المسيح قدم الجوهر عن المظهر، إلا أن ذلك في إطار عبادة الإله الحي الحقيقي. لهذا قدم المسيح شخصه وعمله الكفاري كالحل لمشكلة الوثنية لدى الإنسان. إن أي عبادة غير حقيقية هي عبادة وثنية، لأنها في صميمها اتكال على الذات.

قدم الإنسان على الدين؟
طبعًا هذا منظور لاهوتي متمركز حول الإنسان. محور الدين (المسيحي) هو الله (في المسيح). وكون الله محور الدين ليس ضد الإنسان بأي حال من الأحوال. فكما قلت مرارًا، أن الديانة التي مركزها الله فقط هي التي تحقق خير الإنسان وراحته كمنتج ثانوي ضروري ونتيجة حتمية لذلك. المسيح شفى في السبت ليس لأن الإنسان فوق الوصية أو مركزها، ولكن لأن وصية حفظ السبت ترى خير الإنسان، وراحته الحقيقية، في مجد الله. ومجد الله كان هو أن يتمجد المسيح في شفاء الإنسان، فيستريح الإنسان في النهاية من خلال هذا الاستعلان. إن الذين يجعلون الإنسان فوق الدين (المسيحية)، يُبعدون الإنسان عن راحته الحقيقية التي هي في الوصية المقدسة: "احملوا نيري عليكم وتعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم، لأن نيري هين وحملي خفيف" (مت ١١ : ٢٨ - ٣٠).

قدم العقل عن النقل؟
هذا ادعاء خاطيء. فلو كان المقصود بالنقل هنا هو التمسك بتفسيرات غير صحيحة للنص (التقليد)، فالمسيح قدم النص على النقل، مستخدمًا العقل كأداة لخدمة النص في مواجهة التفسيرات الخاطئة له: "أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم" (مت ١٥ : ٦)، "أما قرأتم" (مت ١٢ : ٣، ١٩ : ٤، ٢١ : ١٦، ٢٤). ولو كان المقصود بالنقل هنا هو النص المقدس، المسيح لم يجعل العقل فوق النص، لكن جعل العقل أداة لخدمة النص (مت ٢٢ : ٣٢، ٣٤).

فضلاً عن ذلك، يمكننا أن نعيد صياغة ما قاله الدكتور ماهر صموئيل بهذه الصورة:

قدم الجوهر عن المظهر = إعلاء القلب والعلاقة فوق الممارسات الدينية (الكنيسة والعبادة)، علاقة مع القدوس وليس المقدسات.
قدم الإنسان عن الدين = إعلاء الاختبار (الإنساني) فوق العقيدة.
قدم العقل عن النقل = إعلاء العقل (الإنساني) فوق العقيدة.

خلاصة ما سبق هو مركزية الإنسان في مقابل الله، ومركزية الشعور والاختبار في مقابل العقيدة والحق، ومركزية الفرد في مقابل الجماعة. فلا تنخدع بالعبارات المصقولة والبراقة، فهي تحمل خلفها أجندات غير قويمة!

طبعًا لم يأتي أي ذكر للإنجيل في كلام الدكتور ماهر صموئيل، ولا نتوقع منه ذلك. ليس لأنه يخاطب غير المسيحيين على تليفزيون الدولة، بل لأن الدكتور ماهر صموئيل شمولي Inclusivist ، يرى أن الله يستخدم أفضل المعرفة الدينية لدى غير المسيحي، والذي لم يسمع عن المسيح، ليخلصه بها. وإن لم نخاطب غير المسيحيين بالإنجيل، فبماذا نكلمهم؟ بكلام الحكمة الإنسانية المقنع والذي هو حماقة لدى الله (١ كو ١ : ١٦ - ٣١، ٢ : ٤)؟ يبدو أن هذا هو ما فضله الدكتور ماهر صموئيل أن يغفل الإنجيل ويقدم بدلاً منه حكمة العالم التي جهلها الله.

أخيرًا، من لا يقدم لك الرب يسوع المسيح على أنه المُخَلِّص من دينونة الخطية وسلطانها فهو يخدعك، مهما كانت جاذبية ذلك المسيح الذي قدمه لك. لهذا فإن الرب يسوع المسيح، لم يقدم الجوهر عن المظهر، ولا الإنسان عن الدين، ولا العقل عن النقل، بل قدم نفسه لله بلا عيب!

فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ ِللهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَال مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ! (العبرانيين ٩: ١٤)

مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ. (رومية ٣: ٢٤، ٢٥)





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس