الرد على إنكار كريدولوجوس لحصرية المسيح

تلخيص

في حلقة لخدمة كريدولوجوس بعنوان "لماذا يسوع هو الطريق الوحيد" يطرح أندرو أشرف سمير الكثير من المغالطات ليروج للشمولية. والشمولية هي التعليم بأن الله يستخدم المعرفة الدينية المتاحة لدى غير المسيحي ليخلصه بها. وهذه المغالطات اللاهوتية والتفسيرية يمكن تلخيصها في الآتي:
– تهميش الجانب القضائي من الخلاص بجعل النجاة من الدينونة مجرد وسيلة إلى غاية. مع أن المسيح سيظل طول الأبد الخروف القائم كأنه مذبوح، وسيظل القديسيون لابسون ثياب بره التي اكتسوا بها. وستظل صفتنا إلى الأبد أننا "أبرارًا".
– تغيير معنى الكفارة ليصبح جوهر الصليب هو إظهار بشاعة الخطية، وكراهية الله لها، وليس أن المسيح تحمل عنا الدينونة الأبدية كبديل. أي أن الصليب عظة أو إنذار أكثر من كونه كفارة عقابية.
– مغالطة التأكيد على حصرية المسيح، في حين واقع الكلام يظهر عكس ذلك. مجرد التأكيد على حصرية المسيح ليس دليل على المناداة بها. فالهرطوقي يقول أنه يدافع عن الإيمان لكنه في الحقيقة يطعن به. التأكيد على الحصرية يكون بإظهار ذلك فعلا من خلال الشرح والأدلة، وليس بمجرد الادعاء. أن يكون التطبيق متسقًا مع النظرية.
– الفصل بين الأقانيم والطعن في العلاقات الأقنومية. فالآب يُخَلِّصُ مَنْ لا معرفة لهم بالابن. والروح يجدد مَنْ لا معرفة لهم بالابن بل ومَنْ يجدفون عليه. إلا أن الآب لا يعلن نفسه سوى بالابن والمعرفة الواعية عنه. والروح لا يخبر إلا بالابن، ولا يمجد إلا الابن.
– تجاهل الطبيعة الثالوثية لله كحق مركزي في المسيحية بجعل أي إيمان عام بإله غير ثالوثي يُخَلِّص.
– الإنكار غير المباشر لألوهية (الابن) بجعله الطريق إلى الله وليس الغاية (الله نفسه)، وذلك بالقول أن عمله ضروري لكن المعرفة عنه ليست ضرورية. إلا أن الابن هو نقطة الإنطلاق والطريق والمصير أيضًا. المعرفة الواعية بالابن ضرورية لأن الابن الله وإنسان معًا.
– مغالطة إستخدام قديسو العهد القديم للترويج للشمولية بالقول أنهم لم يعرفوا المسيح وبالتالي المعرفة الواعية به ليست ضرورية. لكن هذا تجاهل لنصوص كتابية كثيرة، وللإعلان الكتابي العام، اللذان يقولان أن الآب يعلن عن نفسه فقط من خلال الابن، في العهدين القديم والجديد. مثل نصوص العهد الجديد التي تقول أن الابن هو من ظهر لموسى وهو مَنْ أهلك الشعب في البرية، وأن المسيح نفسه قال أن إبراهيم رآه وفرح.
– الشمولية أيديولجية نفعية بحتة لأنها تقول أنك لن تخلص إلا بالمسيح دون المعرفة الواعية عنه، وكأن المسيح مجرد كوبري.
– مغالطة قدرة الإعلان العام على الخلاص. لكنه لا يستطيع ذلك، لأنه لا يحوي الإنجيل، ولأن الإنسان غير أمين في التعامل معه كما هو واضح من رومية ١. ولهذا فالإعلان العام يدين ولا يخلص لأنه يثبت تعنت الإنسان في رفض الله.
– الفصل بين الأقانيم وبعضهم صَاحَبَهُ أيضًا فصل الكيان الإنساني عن بعضه وتمزيقه، لدرجة أن العقل يمكن أن يجدف على (الابن)، بينما الروح يعمل في القلب. أي طالما تركت مساحة لعمل الروح القدس الذي ليس لديه مانع من التعايش مع التجديف على الابن.
– مغالطة أن المسيح يعرف مَنْ لم يعرفوه. أو أن هناك مَنْ لهم علاقة بالمسيح دون أن يعوا ذلك. لكن، المسيح لا يمكن أن يَعْرِفُنَا في علاقة شخصية دون أن نعرفه بصورة واعية، ذلك لأن معرفة المسيح لنا تشمل تعريفنا بشخصه كَمُخَلِّص وإحضارنا لنوره.
– مغالطة أن الإيمان يمكن أن يوجد بمعزل عن العقيدة، أو بدون عقيدة صحيحة. لكن، فمع أن العقائد يمكن أن توجد بمعزل عن الإيمان، إلا أن العكس ليس صحيح. فالإيمان لا يمكن أن ينشأ أو يوجد بدون العقيدة الصحيحة عن المسيح.
– مغالطة إستخدام مَنْ تقابلوا مع المسيح لإثبات أن الخلاص ممكن بدون المعرفة عن المسيح هي مغالطة فجة. ذلك لأنهم تاقبلوا مع الابن ذاته، بألوهيته وبشريته. وهذا لا يتساوى بأي حال من الأحوال مع مَنْ لم يسمعوا عن المسيح، أو لهم عقائد خاطئة عنه بصورة جوهرية.
– مغالطة تقديم الشمولية على أنها الحل المثالي للمشاكل الموجودة في الحصرية والتعددية وعالمية الخلاص. إلا أنه في حقيقة الأمر لا يوجد فرق جوهري بين الشمولية والتعددية وعالمية الخلاص. فالعامل المشترك بينهم هو أن غير المسيحي يمكن أن يخلص دون معرفة واعية بالمسيح.
– المحاضرة مليئة بالتناقضات. فبينما يهمش الجانب القضائي من الخلاص، لحساب العلاقة مع المسيح، يتحدث عن الخاطيء على أن احتياجه الوحيد هو النجاة من الدينونة، ضاربًا عرض الحائط بالعلاقة الواعية مع المسيح.
– ويبقى السؤال: طالما أن أية معرفة عامة عن الله تفي بالغرض، لدرجة أن مجرد الاعتقاد بالعدل أو الجمال أو الحق يُخَلِّص، لماذا كان من الضروري أن يتقابل المسيح شخصيًا مع اليهود الذين كانت لهم معرفة بيهوه؟ فهم من ناحية يهود ولهم علاقة بيهوه، ومن ناحية أخرى تقابلوا مع الله الابن نفسه (كما في الأمثلة التي سيقت في الحلقة)، وهذا الأمران في حد ذاتها لا يمكن مصالحتهما بالادعاء أن الاعتقاد بأي إله عام غير ثالوثي، وبدون المعرفة الواعية بالابن، يمكن أن يُخَلِّص.

****
كلمة مبدئية

إن هذا الفيديو لـ أندرو أشرف، على قناة كيردولوجوس التابعة لماهر صموئيل وفريقه يحوي تعاليمًا خطيرة. فضلاً عن كونه مليء بالمغالطات والافتراءات والشكوكية وسوء التفسير، فهو يسير على نفس منهج ماهر صموئيل أولاً، في تهميش الجانب القضائي من الخلاص والمتمثل في غفران الخطايا والنجاة من دينونة الجحيم. وثانيًا، يطعن في البدلية العقابية بالادعاء بأن المسيح، لم يحمل عنا دينونة الجحيم في الصليب، بل كان الغرض من صلبه هو إظهار بشاعة الخطية وكم هي كريهة لديه. وثالثًا، إنكار حصرية المسيح من خلال التعليم بالشمولية بأن الله يخلّص من لم يسمعوا عن المسيح على أساس المعرفة الدينية المتاحة لهم.

سأقوم فقط هنا بتنفيد أهم ما جاء بالحلقة. وسأتناول تحليل منهجية أندرو أشرف في التعامل مع القضية وإظهار تناقضاته الذاتية وعدم كتابيته ولا سيما في إنكاره لحصرية المسيح. وسأوضح التفاسير الصحيحة للنصوص التي أساء اقتباسها وتفسيرها.

يحاول أندرو أشرف من البداية أن يأخذ موقفًا وسطًا بين الحصرية والتعددية، وبين الحق المطلق والنسبية. وما يدعوه إلى هذا الموقف الوسط هو أن الأديان تتفق فيما بينها على بعض الأشياء، مثل الله والأخلاقيات، وتختلف جذريًا في أشياء أخرى. إلا أن وضع المسيحية إلى جوار الأديان، ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة بينها وبين باقي الديانات لهو بمثابة القول أن هناك أرضية مشتركة بين النور والظلمة. لكن المسيحية وحدها هي النور وباقي الديانات ظلمة وإن تخللتها بعض الومضات هنا وهناك.

كما أن أندرو أشرف يستخدم نفس طريقة الإرهاب الفكري لماهر صموئيل، ووسيم صبري، إذ يبدو أن هذه منهجية ماهر صموئيل التي قام بتوريثها لكريدولوجوس، بأن اليقين العقيدي سببه هو احتقار الآخرين وضربهم على رؤوسهم. فقد قال ماهر صموئيل كثيرًا أن الانتماء إلى الطوائف (وهو يقصد الوضوح واليقين حول العقيدة) رغبة نفسية غير ناضجة. وأندرو هنا يفعل نفس الشيء ولكن بطريقة مختلفة. إذ يرى أن التيقن من الحق هو كبرياء، وأن المتيقنين من عقيدتهم يريدون من خلال ذلك سحق الآخرين. والحل الذي يقدمه أندرو لهذا الكبرياء هو إدراك محدوديتنا. وطبعًا ما يقصده بالمحدودية هنا هو اللأدرية. اللايقينية. الميوعة اللاهوتية. صحيح أننا لا نعرف كل الحق المتعلق بالله لدرجة إستقصاءه. إلا أننا نعرف حقه عن الخلاص معرفة واضحة وكافية. وهذا ما دعاه رجال الإصلاح البروتستانتي (الذين لا يتبعهم ماهر صموئيل ولا كريدولوجوس) بـ كفاية ووضوح الكتب المقدسة فيما يتعلق بالخلاص.

واستنكار أندرو أشرف على المسيحي الكتابي أن يكون متيقنًا من حصرية المسيح يكمن لديه في أن العقيدة المسيحية تدعو إلى التواضع. إذ يبدو أن التواضع لديه يساوي اللايقين والميوعة حول الحقائق الجوهرية المتعلقة بالخلاص. ولكن العكس صحيح. فهذا هو قمة الكبرياء أن تتشكك فيما أعلن الله عن نفسه في كلمته وفي حصرية الله في المسيح. نحن متيقنون من الحق المتعلق بحصرية المسيح لأننا لم نخترعه أو نستحسنه، بل تسلمناه كنعمة من الله في كتابه الواضح. نحن متيقنون من حصرية المسيح، بحيث أن الذين لم يسمعوا عنه لن يخلصوا، لأننا نرفض الاتكال على الأعمال الصالحة للخلاص. إذ يبدو أن هذا هو ما في خلفية منهج كريدولوجوس، أن المتدينون والمجتهدون وأصحاب الأعمال الصالحة من الديانات الأخرى، سيخلصوا، بما أن لا وصول لهم لرسالة نعمة الإنجيل. لكننا متيقنون من حصرية المسيح لأننا نتكل على الحق الذي أعلنه الله عن نفسه ونتمسك به. فيما عدا ذلك فهو ذات الكبرياء الذي يعامل كلمة الله على أنها غير واضحة وغير كافية ويستحسن لنفسه أمور معينة تروق لمستحكي الآذان متخذًا العقل كمعيار فوق كلمة الله. إن فحوى ما يدعيه أندرو أشرف في مقدمته هو أنه يوجد حقيقة لكن لا ينبغي أن تتمسك بها حتى تكون متواضعًا. فمن الكبرياء أن تقول أن كلام الله واضح وأن معرفة المسيح الواعية مركزية وحصرية وضرورية. ومن التواضع أن تتخذ اللايقين والميوعة منهجًا.

بالإضافة إلى الطعن في إمكانية التيقن من الحق المتعلق بحصرية المسيح، والطعن فيمن ينادون بذلك على أنهم متكبرون يريدون سحق الآخرين، فإن أندرو أشرف يقوم، مثل أستاذه ماهر صموئيل، بتهميش الجانب القضائي للخلاص. وذلك باختزال مشكلة الإنسان في أنه مستقل عن الله وليس أنه مذنب ضد ناموسه. وبالتالي يحتاج إلى العلاقة أكثر من الغفران والتبرير. على أن العلاقة التي يقصدها أندرو أشرف ستضح لنا فيما بعد أنها علاقة واعية من طرف واحد فقط، أي مسيحي يجهل أنه كذلك. مؤمن في علاقة مع مسيح لم يسمع عنه. يدعي أن هدف الخلاص هو العلاقة والاتحاد بالمسيح بينما يقول أنه ليس من الضروري وعي الإنسان بهذا الاتحاد. إن هذا الاتحاد الذي لا يعيه الإنسان أشبه بالقهر أو التعدي إذ يجعل الشخص غير واعٍ لما يحدث له. ويا للعجب، يقول أن الجانب القضائي موجود لكنه يهمشه ويطعن فيه من كل ناحية. وهو يذكرني بمن يبدأ كلامه بالقول مع كامل الاحترام لحضرتك ثم ينهال عليك بالشتائم. وهذا ما يفعله بالضبط مع كل من الجانب القضائي للخلاص وحصرية المسيح، إذ يبدو أنه يؤكدهما بينما هو في حقيقة الأمر يطعن فيهما بكل شراسة.

وفيما يخص قوله في المقدمة أن الهدف من الخلاص لا أن نخلص من شيء (الدينونة) بل أن نخلص إلى شيء (العلاقة مع المسيح). فإن هذا هو نفس منهج ماهر صموئيل عند حديثه عن الاختيار والتبرير. إذ يهمش الخلاص القضائي بجعله مجرد وسيلة إلى غاية. وأندرو أشرف يفعل ذلك بالادعاء بأننا خلصنا لكي نصير أبناء. لكن هذا مأزق مفتعل بجعل أحد جوانب الخلاص غاية والجانب الآخر وسيلة إلى تلك الغاية. إن حقيقة أننا مبررون، بطاعة المسيح نيابة عنا، ومغفور لنا الخطايا لأنه تحمل دينونة الجحيم عنا، باقيتان إلى الأبد. لقد طُرد آدم من الجنة، وإسرائيل من أرض الموعد، بسب ذنبهما وعدم إمكانية التواجد في محضر إله قدوس وعادل. لهذا جاءت الذبائح البدلية لحل معضلة كيف يسكن القدوس وسط المذنبون. ففي جوهر العلاقة مع الله إذًا، والوجود في محضره، وصيرورتنا أبناء له، هو الذبيحة الكفارية التي تجعلنا دائمًا مؤهلين لتلك الامتيازات. لهذا، فإن من لبسوا ثياب العرس لا يخلعنوها بمجرد دخولهم. بل يظلوا متسربلون بها طالما كانوا في العرس. إن من لبسوا ثياب بر المسيح لا يستطيعون إلا وأن يتطلعوا إليها بفخر في كل لحظة. فقد كانوا مدنسون وغير طاهرين وثيابهم ملطخة، إلى أن نزع يسوع عنهم تلك الثياب وألبسهم ذات حلته الملكية من غفران وتبرير ومقام مجيد استحقه هو من أجلهم.

المثير للدهشة أن أندرو أشرف يستخدم رومية ٨ ليهمش الجانب القضائي لحساب الجانب العلاقاتي الاختباري. بينما رسالة رومية هي عن الخلاص القضائي من أولها إلى آخرها. إنه يستخدم ذات النص الذي يثبت مركزية الجانب القضائي في العلاقة مع الله ليطعن به في الجانب القضائي. ولسنا في حاجة إلى إثبات أن موضوع رسالة رومية هو الجانب القضائي للخلاص فهذا يعرفه من لديه محو أمية في الكتاب المقدس.

والطعن في البدلية العقابية هو منهج الدكتور ماهر صموئيل وكريدولوجوس على السواء. وهذا الطعن لا يتم فقط بتهميش الجانب القضائي من الخلاص مثل قول أندرو أشرف بأن "الموضوع أعقد من مجرد العفو أو الغفران ... العفو بعد ارتكاب الجرائم عليه علامات استفهام ". وهو يقصد بذلك أنه لا يمكن العفو عن جرائمنا إلا بعد إدراك بشاعتها في الصليب. وكأن ثمن خطايانا هو أن ندرك كم هي بشعة وكريهة، ونقر بذلك، وحينها فقط سيعفو عنا الله. وما يدعو له أندرو أشرف ليس سوى النظرية الحكومية للكفارة لهيوجو جروتيوس، دون أن يفصح عن ذلك. فالمسيح، طبقًا لأندرو أشرف، قبل أن يُصدر العفو، يدين الجرائم في الصليب. أي أن الكفارة في جوهرها هي إظهار لبشاعة الخطية وليس لغفرانها. وأن ثمن الغفران والعفو هو أن ندرك بشاعة خطايانا. ويستدل على ذلك بنص أيضًا من رسالة رومية "دان الخطية في الجسد" (٨ : ٣). لكن المسيح دان الخطية في الجسد ليس بكون صليبه مجرد إظهار لبشاعة الخطية، هذا صحيح تمامًا من ناحية. ولكنه دان الخطية في الجسد بكونه ذبيحة وكفارة عن الخطايا. إن كان كل ما عمله المسيح في الصليب هو أنه دان الخطية في الجسد، أي لكي يظهر بشاعتها فقط، يصبح ما عمله المسيح مجرد مثال، أو عظة للردع عن الشر وبشاعة الخطية، وليس كفارة عن ذنوبنا. لكن هذا هو الفكر المخفى وراء كلمات أندرو أشرف. لقد حوّل صليب المسيح إلى مجرد مثال أو عظة عن بشاعة الخطية. وسنرى كيف جعل المسيح مجرد كوبري إلى الحياة الأبدية يسير عليه الخاطيء دون أن يعي وجوده.

مجرد ادعائك بحصرية المسيح ليس دليل على أنك تعلم بحصريته

إن المحاضرة في أغلبها محاولة رخيصة للطعن في حصرية المسيح رغم أنه يحاول تأكيد عكس ذلك بعدة طرق. إن تسمية الحلقة بـ "لماذا يسوع هو الطريق الوحيد" لا تعني أن هذا بالضرورة ما تعلّم به حقًا. فهناك من يُسمى "مفيد" لكنه في حقيقة الأمر غير نافع. والهرطوقي يدعي أن هدفه الدفاع عن الحق بينما هو يقوضه ويطعنه. إن المسميات لا تعني شيئًا إلا إن كانت متطابقة مع الواقع الذي تشير إليه. وتعليمك بأن يسوع هو الطريق الوحيد لا يكون بمجرد التصريح بذلك، لكن بإثبات ذلك وإظهاره. بأن يكون التطبيق متسق مع النظرية.

وما يمكن أن يثير الحفيظة في هذه الحلقة هو أن أندرو أشرف يحاول أن يبدو فقط كمن يطرح تساؤلات، بينما هو في الحقيقة يقدم تعاليمًا غير كتابية. يقول: "عايز أسأل سؤال مش هحسم إجابته لكن مناقشته هتعلمنا حاجات كتير". والحلقة بأكملها حسم للسؤال بإقحام الشمولية على المستمع والطعن في حصرية المسيح.

أما السؤال الذي يسأله فهو كالتالي: "هل ممكن ناس تعرف المسيح وتخلص به دون قبوله عقليًا؟". ثم يسأل السؤال بصيغة أخرى: "هل كون المسيح هو الطريق الوحيد معناه إن مفيش طريقة تانية للخلاص غير إن أنا يبقى عندي عقيدة صح عنه؟ ولا ممكن أخلص بالمسيح وأتحد بيه والروح يغير قلبي، حتى لو عندي عقائد متلخبطة عنه أو ماقبلتوش عقائديًا في دماغي؟". ثم يستبق أي محاولة من المشاهد باقتباس النصوص التي تثبت حصرية المسيح مثل أعمال ٤ : ١٢ "ليس بأحد غيره الخلاص"، ومثل يوحنا ١٤ : ٦ "ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي"، ليؤكد أنه يؤمن بها. لكن كما قلت سابقًا، إننا نكون على صواب فقط عندما نكون متسقون مع الحق وليس بمجرد ادعاءنا ذلك.

وقبل أن أتناول النصين المشار إليهما سابقًا، أريد لفت النظر إلى المأزق الذي اختلقه أندرو بالادعاء أن حصرية المسيح شيء مستقل عن المعرفة الواعية به. إلا أن هذا مأزق مفتعل. وتمزيق لروابط الخلاص. إنه يخيرنا بين شيئين لا ينبغي أن نختار بينهما. إذ أن الخلاص يعني أن نعرف المسيح بالقلب وبالعقل. الخلاص يعني أن نعتنق الحق في قلوبنا وعقولنا. الخلاص لا يعني فقط أن يعرفنا المسيح بل أيضًا أن نعرفه معرفة واعية. إذ في معرفته لنا كشف لذاته وإحضارنا لنوره. لهذا يتكلم العهد الجديد مرات كثيرة عن الخلاص على أنه المعرفة الواعية بالابن. على سبيل المثال، يربط المسيح معرفته لخرافه الخاصة بمعرفة الخراف له وسماع صوته وتمييزه عن صوت الباقين "أما أنا فإني الراعي الصالح وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني ... خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني" (يو ١٠ : ١٤ ، ٢٧).

معرفة (الله) الآب لا تكون إلا بالابن ومعرفة الابن لنا تشمل معرفتنا الواعية به

على أنه لو انتبه أندرو أشرف إلى أعمال ٤ : ١٢ "وليس بأحدٍ غيره الخلاص" سيجد أنها لا يمكن أن تستوعب تعليمه بالشمولية. فقد قيلت الآية في سياق تبشير اليهود الذين كانت لديهم معرفة بيهوه، ويقرأون كتابه، ويصلون إليه، ويعملون الطقوس والممارسات التي أمر بها. وعليه فإن ليس بأحد غيره الخلاص تتضمن بالضرورة أن يكون هناك معرفة واعية بالمُخَلِّص. ولو كان الله فعلاً يستخدم المعرفة الدينية المتاحة لدى مَنْ لم يسمعوا عن المسيح ليخلصهم، فما هي حاجة اليهود إلى التبشير والإعلان لهم بأنه "ليس بأحد غيره الخلاص"؟

ويوحنا ١٤ : ٦ "ليس أحد يأتي إلى الآب إلى بي" يؤدي بالأولى إلى نفي الشمولية. ذلك لأن من يأتي إلى الآب لابد أن يعرف عن الابن. وأن مَنْ لم يعرف الابن لم يعرف الآب "لو كنتم عرفتموني لعرفتم أبي أيضًا" (يو ١٤ : ٧). إن مَنْ لم يعرف الابن لا يمكن أن يكون قد عرف الآب، لأن الآب لا يعلن نفسه سوى بالابن "الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر" (يو ١ : ١٨). أن تدعي إذًا أنه يمكن أن يكون هناك معرفة بالآب، دون معرفة واعية بالابن، هو أن تفصل العمل الثالوثي الواحد وتمزقه عن بعضه، ومن ثم تفصل الأقانيم عن بعضهم. هو أن تجعل الآب يعلن نفسه من خلال شخص آخر سوى الابن، بما أن الشمولية تدعى أن المعرفة الواعية عن الابن غير ضرورية. فهل هذا هو الاكرام الذي يستحقه الابن من الآب، بأن يخلص الآب الخطاة من خلال عمل الابن، رغم أنهم يؤمنون بغير الابن؟ إن الشمولية هي إنكار لألوهية المسيح من طرف خفي. جعل المسيح مجرد إنسان والآب فقط هو الألوهية. وإلا لكانت المعرفة الواعية عن المسيح ضرورية. لكن المسيح ليس فقط الطريق، بل هو نقطة الإنطلاق، والطريق، وعلامات الإرشاد، ومحطة الوصول أيضًا. هو الوسيلة والغاية. هو الكاهن والذبيحة، الوسيط والقاضي. هو الطريق والطريقة. أن تقول أن الابن هو الطريق وليس الطريقة، هو أن تقول أن عمل الله الابن الوسائطي محدود وغير كامل وينافسه فيه آلهة أخرى. لكن الشموليون، الذين منهم أندرو أشرف، يقولون أن المسيح هو الطريق ولكنه ليس الغاية. مجرد كوبري.

ويظل السؤال الذي سأطرحه كثيرًا في تفنيدي لهذه الحلقة، إن كانت المعرفة العامة عن الله أو عن أي إله، تكفي للخلاص، بدون المعرفة الواعية عن المسيح، فلماذا يصر الرب يسوع المسيح على تعليم اليهود بأنه لا طريق إلى الآب إلا به؟ إن الرسالة التي يقدمها الرب يسوع عكس ما يتم الادعاء به في هذه المحاضرة.

إننا يمكن أن نربط النقطتين السابقتين، بأن معرفة المسيح لنا تشمل معرفتنا الواعية به، وأن معرفتنا لله الآب تكون فقط من خلال المعرفة الواعية بالابن، من خلال النصين الآتيين، اللذان يؤكدان على الترابط بين معرفة المسيح لنا ومعرفتنا الواعية به، ومعرفتنا بالآب من خلال معرفتنا الواعية بالابن:

"وهذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو ١٧ : ٣).
"لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح" (٢ كو ٤ : ٦).

الإعلان العام لا يخلص بل يدين

ثم يقتبس أندرو أشرف نص رومية (١٠ : ٨ – ١٨) لمحاولة الرد على ما يعلّم به النص من ضرورة المعرفة الواعية عن المسيح للخلاص "فكيف يدعون بمن لمن يؤمنوا به؟ وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون بلا كارز؟". ورده على ذلك يتلخص في فصله للعلاقة بين الإيمان بالقلب والاعتراف بالفم. فالإعتراف بالفم والإيمان بالقلب، لدى أندرو، سببان كافيان. أما الإيمان بالقلب فقط فهو الضروري. أي أن تواجدهما (الإيمان، المعرفة عن المسيح) معًا غير ضروري. إلا أن بولس هنا لا يترك أي مجال لفصل الإثنين عن بعضهما. فالفم يعترف بما في القلب. لكن أندرو أشرف هنا يقوم بتمزيق الكيان الإنساني بجعل هناك إمكانية للإيمان القلبي بدون العقل. نوع من الصوفية أو الباطنية. ترويج لخبرة باطنية داخلية مبهمة منعزلة عن المعرفة العقلية. إلا أن الإيمان لا يمكن أن يوجد بمعزل عن المعرفة العقلية. فالمصلحين قالوا أنه لابد من توافر ثلاث عناصر في الإيمان لكي يكون إيمانًا حقيقيًا. المحتوى المعرفي (نوتيشيا)، التصديق العقلي لذلك المحتوى (أسينسوس)، ثم الاتكال القلبي الشخصي على ما تم معرفته وتصديقه (فيدوكيا). إن الثقة القلبية في المسيح لابد وأن تمر بالعقل أولاً. لهذا يسمي العهد الجديد العقائد بأنها "الإيمان (بيستيس) المُسَلَّم مرة للقديسين" (يه ١ : ٣). ولهذا أيضًا يساوي بولس بين العقائد المسيحية التي كان يَضطهد المسيحيين من أجلها، وبين الإيمان في قوله: "إن الذي كان يضطهدنا قبلاً، يبشر الآن بالإيمان (بيستيس) الذي كان قبلاً يتلفه" (غل ١ : ٢٣). الإيمان والعقيدة متداخلان. الإيمان القلبي (الثقة والاتكال) لا يمكن أن يوجد بدون عقيدة صحيحة. إن الادعاء بإمكانية وجود إيمان بدون معتقد ومعرفة واعية هي استحالة منطقية لأنك لابد أن تعرف شيئًل عمن تثق به.

ثم يعود ليستخدم عدد ١٨ في رومية ١٠ والذي اقتبس بولس بولس فيه من مزمور ١٩ ليؤكد أن السماع يتم من خلال الإعلان العام "لا قول ولا كلام ... الخليقة بتقول حاجة، مش بكلمات، ببراعة التصميم والجمال". فكلمات مزمور ١٩ تخص الإعلان العام الذي فيه السموات تحدث بمجد الله. لكن إستخدام العهد الجديد للقديم قضية كبيرة كُتبت بها الكثير من الكتب. وليس من الضروري أن التطبيق الذي يستعمله بولس في رومية ١٠ يكون متطابق مع نظيره في مزمور ١٩. يكفي أن يكون هناك إستمرارية ولا إستمرارية. فالإستمرارية بين النصين رومية ١٠ ومزمور ١٩ هو أن هناك إعلان عن الله. وأن هذا الإعلان سيصل لجميع الأرض. لكن ليس بالضرورة أن يكون المقصود من الإعلان متطابق في النصين. والدليل على ذلك هو أن نص مزمور ١٩ يشير إلى الإعلان العام بواسطة الخليقة. بينما سياق رسالة رومية يتحدث عن الإعلان الخاص في الإنجيل "إنجيل المسيح ... معلن فيه بر الله بالإيمان" (رو ١ : ١٧ – ١٨). ثم يعود بولس في الأصحاح الثالث ليؤكد على الإعلان الخاص ببر الله الذي ظهر في صليب المسيح: "أما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس ... بر الله بالإيمان بيسوع المسيح ... متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح. الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره، من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله. لإظهار بره في الزمان الحاضر. ليكون بارًا ويبرر من هو بالإيمان بيسوع" (رو ٣ : ٢١ – ٢٥). لقد استعمل بولس في النص السابق ثلاث كلمات يونانية مختلفة (مكررًا إحداها مرتين) لكي يؤكد على كون الصليب إعلانًا عن بر الله "ظهر ... قدمه ... لإظهار ... لإظهار".

على أنه ليس فقط أن إعلان الخليقة العام لا يحوي الإنجيل، فإن الإعلان العام في الخليقة يدين ولا يخلص. ولو إنتبه أندرو أشرف إلى ما تقوله ذات رسالة رومية في أصحاحها الأول لعرف أن الإعلان العام يدين الإنسان ولا يخلصه. فالذين عرفوا الله من خلال إعلانه العام يقول عنهم أنهم لم يكونوا أمناء تجاه ذلك الإعلان "يحجزون (يقيدون) الحق بالإثم ... استبدلوا حق الله بالكذب" (رو ١ : ١٨ ، ٢٥). ثم يؤكد على دينونتم في نفس الأصحاح أيضًا "الذين إذ عرفوا حكم الله أن الذين يعملون مثل هذه يستوجبون الموت، لا يفعلونها فقط، بل أيضًا يسرون بالذين يعملون" (رو ١ : ٣٢). وبعد أن يناقش بولس عدم أمانة اليهود للإعلان الخاص يخلص إلى نتيجة أن الجميع، أمم ويهود، هم تحت قصاص من الله (رو ٣ : ١٩). وليس فقط أن أندرو أشرف يستخدم نص من رسالة رومية لمحاولة إثبات أن المعرفة الخلاصية لله ممكنة من خلال الإعلان العام، متغافلاً أن النص العام لرسالة رومية يؤكد على ضرورة إعلان الإنجيل الخاص، بل يغفل أن غرض من أغراض رسالة رومية هو تعريف بولس بإنجيله لأهل رومية حتى يدعموه في محطته الكرازية القادمة في أسبانيا. مما يعني ضرورة إعلان الإنجيل للخلاص لدى بولس. كما أن حياة بولس نفسها خير شاهد على إيمانه بضرورة إعلان الإنجيل الخاص للخلاص. كم من المشقات والرجم والجلد والضرب والسجن تحملها بولس ليوصل رسالة الإنجيل؟ فهل بعد كل هذا تريد تأويل بولس وكأنه يعلّم بالشمولية؟

توجد قناعات عقلية بلا إيمان لكن لا يمكن أن يوجد إيمان بلا معرفة عقلية

أحد المغالطات التي يستعملها أندرو أشرف في محاضرته لتمترير الشمولية هو الادعاء بأنه قد يكون لدينا قناعات معينة لكننا لا نعيشها عمليًا. مجرد إعتراف ظاهري شفوي فقط بتلك القناعات. ثم يستنتج من ذلك إمكانية وجود الخلاص الحقيقي في القلب دون القناعات أو العقائد. أي أنه طالما لم تؤثر العقائد، أو القناعات العقلية، في سلوكياتنا فهي إذًا غير هامة (كما يزعم). وطالما أن هناك مسيحيين إسميون لديهم عقائد صحيحة بدون إيمان حقيقي، إذًا، فالإيمان الحقيقي يمكن أن يوجد بدون عقيدة. ولكن هذه قفزة غير مُبَرَّرَة ومغالطة صارخة. فبينما يمكن أن يوجد الاعتقاد عن المسيح بدون اتكال قلبي على عمله الفدائي، إلا أنه لا يمكن أن يوجد اتكال أو ثقة في المسيح بدون معرفة واعيه عنه. بكلمات أخرى، فإن الإيمان المُخَلِّص أشمل من القناعة العقلية وأكبر منها. فبينما يمكن أن توجد الأخيرة بدون الأول إلا أن الأول يحتاج إلى الأخيرة لكي يوجد (كما رأينا في عناصر الإيمان الثلاثة).

وعبارة أندرو أشرف بأننا "كبشر مش بيحركنا الحاجات اللي واعيين ليها. (لكن) ممكن نتأثر أوي بحاجات غير منطوقة"، تشبه إلى حد كبير عبارة ماهر صموئيل "ونحن كائنات يحركها ما تحب وليس ما تعرف. وإحنا متجهين، مش ماشيين خالص طبقًا للي إحنا عارفينه (يقصد العقيدة)، لكن طبقًا للي إحنا بنحبه". كلتاهما طعنًا في العقيدة وترويج للصوفية الباطنية وللشمولية حتى وإن لم يفصحا الإثنان عن ذلك. محاولة لترويج الصوفية والعشق من طرف خفي بالقول أن ما يحركنا ليس ما في رؤوسنا بل ما في بطوننا من إختبارات وجوع وعشق إلخ. ولكن هؤلاء الذين تحركهم صوفية بطونهم ينطبق عليهم قول يهوذا الذي دافع عن الإيمان المُسَلّم مرة للقديسين بأنهم "أمواج بحر هائجة مزبدة بخزيهم. نجوم تائهة محفوظ لها قتام الظلام إلى الأبد" (١٣).

يستخدم أندرو أشرف متى ٧ والذي يقول فيه المسيح للمعلمين الكذبة في النهاية "لم أعرفكم قط" ليطعن في أهمية العقيدة للخلاص. فقد كان لأولئك معرفة واعية وعقيدة عن المسيح. وعليه فليس من المهم إعترافهم أو عقيدتهم (كما يزعم)، لكن علاقتهم التي لم تكن موجودة مع المسيح. إلا أن الرد على هذه المغالطة بسيط. فبينما يمكن أن توجد العقيدة الصحيحة بدون اتكال على عمل المسيح، إلا أن العكس غير وارد. إذ أن من يعرفهم المسيح فقط هم من عرفوه من خلال الاتكال عليه. فهذه المعرفة لابد أن تكون متبادلة (كما رأينا أن معرفة المسيح لنا هو أن يكشف لنا ذاته ويحضرنا إلى نوره). إن السياق الذي قال فيه الرب يسوع المسيح ذلك لم يضع من عرفوا العقيدة في مقابلة مع مَنْ لم يعرفوها. بل مَنْ سمعوا كلامه ولم يعملوا به (البيت المؤسس على الرمل)، مع مَنْ سمعلوا كلامه وعملوا به (البيت المؤسس على الصخر). كلا الفرقين سمعا عن المسيح وتعاليمه، ولكن الفرق بينهما هو الثمار التي أظهرت وأيدت اتكال قلوبهم على صدق الرسالة التي سمعوها.

مغالطة إستخدام العهد القديم للترويج للشمولية

يتسائل أندرو أشرف: "هل ممكن الناس تبقى في علاقة عميقة مع المسيح دون وعي إن هما في علاقة عميقة؟ ودون إقرار بجميع العقائد؟ أو بحتى لخبطة في شوية عقائد؟ ده سؤال أنا مش هحسمه. لكن بفكر فيه باللي وَصَلْنَا له. إن العقيدة ما بِتْخَلَّصْش، والاعتراف بالفم ما بِيْخَلَّصْشْ". طبعا هو يضع هنا أبو قرش على أبو قرشين ويخلط الحابل بالنابل. فهو لأنه لا يؤمن بضرورة العقيدة للخلاص، يساوي بين كل من: عدم وجود عقيدة، والعقيدة غير الواضحة، والعقيدة المغلوطة، وسيضيف إلى ذلك، كما سيأتي الذكر، التجديف على المسيح. وبالتالي يتساوى لديه مَنْ لا عقيدة له عن المسيح مع مَنْ لديه عقيدة مشوشة مع مَنْ لديه عقيدة مضادة لدرجة التجديف على المسيح. لقد تطور الموضوع من مجرد عدم وجود عقيدة ليصبح عقيدة مغلوطة بل ومضادة. إذ طبقًا لهذا لمنطق يمكن أن يخلص الآريوسيين والنسطوريين الذين استماتت الكنيسة الأولى في مواجهة أكاذيبهم. بل ويمكن أن يخلص أيضًا شهود يهوه منكري الثالوث وألوهية المسيح. والمورموني الذي يقول أن الآب كان إنسانًا ثم تأله وبعد أن تأله تزوج العذارء وأنجب المسيح منها لا مانع أنه يخلص. إن هذه هي النتيجة المنطقية لما يدعيه أندرو أشرف.

ثم يستكمل عبارته السابقة بالسؤال: "هل العكس ممكن؟ ... لو فكرنا في العهد القديم. هيبقى عندنا استثناء لقاعدة: فقط يخلص من لديه عقيدة صحيحة بالمسيح. لأن مؤمنين العهد القديم أحيانًا كان عندهم عقيدة مش متظبظة أو غلط في حاجات. أو ع الأقل عقيدة غير كاملة".

مرة أخرى، إن أندرو أشرف هنا يساوي قديسو العهد القديم الذين كان لديهم معرفة عن المسيح (الابن)، وإن لم تكن بنفس الوضوح بعد التجسد، كما سنرى، بمن لا معرفة لديهم عن المسيح إطلاقًا. هل كان لدى مؤمني العهد القديم عقيدة غلط عن المسيح؟ أم أن الفرق فقط بيننا وبينهم هو أن مقدار النور الذي وصلهم أقل من النور الذي وصلنا؟ إن ما يدعيه أندرو أشرف هو أشبه بالقول أن الشمس عند الفجر ليست هي نفسها الشمس عند الظهيرة. أو أن من رأوا الفجر عند بزوغه لم يروا الشمس.

يواصل أندرو أشرف مغالطاته قائلاً: "ماعندناش أي دليل إن إبراهيم وموسى، قبل ما يموتوا، الروح قالهم على فكرة إنتو هتخلصوا عشان الله هيتجسد وهيعمل وهيعمل. بالعكس، عبرانيين بيقولنا: إن هؤلاء نظروا المواعيد من بعيد وحيوها. ماشفوش المواعيد بكل تفاصيلها لكن عملو لها باي باي إن إحنا مستنينها ومصدقينها".

لا أعلم إن كان أندرو يعي ما يقوله أم لا. أم أن التعنت في مقاومة الحق أصاب بصيرته فجعله لا يتلفت إلى ما ينطق به؟ إن كانت المشكلة لدى رجال العهد القديم هي أنه لم يكن لديهم نفس التفاصيل التي لدينا (وهذا صحيح)، فهل هذا يتساوى بقولك السابق أنه كان لديهم معرفة خاطئة عن المسيح؟ مثل شهود يهوه والمورمون وباقي منكري ألوهية المسيح والثالوث؟

طبعًا إبراهيم وموسى رأيا المسيح شخصًا قبل تجسده طبقًا للعهد الجديد، وسنثبت ذلك بعد قليل. لكن نريد التأكيد هنا إلى ما أشرنا إليه سابقًا، وهو أن الابن وحده هو المُعْلن للآب، و هذا ينطبق على علاقة البشر بالله في كل العصور، أي قبل وبعد التجسد. يقول تورانس في حاشية كتابه "الإيمان بالثالوث":

"يجب أن نلاحظ أنه قبل التجسد كان كل ما يفعله أو يقوله الله، يتم من الآب بالابن في الروح القدس، ولكن بعد التجسد صار كل ما يفعله أو يقوله الله يتم من الآب بالابن المتجسد في الروح القدس".

إن غياب عقيدة الثالوث فيما ادعاه أندرو أشرف طيلة المحاضرة هو السبب في تعليمه بالشمولية. إذ يوجد، طيلة الحلقة، افتراض خفي لديه بأن أقانيم الثالوث تعمل بمعزل عن بعضها، بل وأحيانًا ضد بعضها البعض كما سيأتي الذكر. ويتضح طعنه الخفي في عقيدة الثالوث أيضًا في افتراضه المستمر بأن أي معرفة عامة ومجردة عن الله تساوي معرفة إله الكتاب المقدس الثالوثي. الثالوث، الذي هو حقيقة مركزية عن الله، وتُمَيِّزُهُ عن كل الآلهة المزيفة الأخرى، وأنه التعليم الذي دافع عنه آباء الكنيسة باستماتة، لأنه يحفظ ألوهية المسيح والروح القدس، عقيدة غير هامة لدى أندرو أشرف لدرجة أن أي معرفة بأي إله تُخَلِّصْ. إن الرسالة التي يقدمها أندرو أشرف رسالة تهمش الثالوث من ناحية، وأقنومية الابن من ناحية أخرى، وفصم العلاقة بين الأقانيم من ناحية ثالثة، في آن واحد من خلال استبدالهما بإله عام مجرد.

عودة إلى الإستخدام المغلوط لإبراهيم وموسى لإثبات الشمولية المزعومة.

بالنسبة لإبراهيم، فالرب يسوع المسيح نفسه يقول "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح" (يو ٨ : ٥٦). ويخبرنا سفر التكوين أن إبراهيم رأى الرب يسوع، الذي هو الابن قبل التجسد، وتحدث معه وجهًا لوجه "فظهر له الرب عند بلوطات ممرا وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار. فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه". وتكوين ١٨ بأكمله يسجل لقاء وحديث أقنوم الابن قبل تجسده مع إبراهيم، بل وأكله من طعام الضيافة الذي صنعه له إبراهيم. ليس فقط أن إبراهيم رأى الابن قبل تجسده، طبقًا لفم المسيح المعصوم نفسه، فإن بولس أيضًا يقول أن إبراهيم كان لديه إنجيل التبرير بالإيمان (وإن لم يكن بنفس الوضوح الذي لدينا) "والكتاب إذ سبق فرأى أن الله بالإيمان يبرر الأمم، سبق فبشر (بروانجيليتزوماي) إبراهيم: أن فيك تتبارك جميع الأمم" (غل ٣ : ٨).

إن إدعاء أندرو أشرف بأن إبراهيم كان لديه نفس نوع إيماننا لكن المحتوى مختلف هو ادعاء عارٍ من الصحة لأن محتوى إيمان إبراهيم هو هو نفسه محتوى إيماننا ولكن الفرق أن الأخير أكثر وضوحًا لأننا فقط نعيش على الجانب المتحقق من الوعد. بينما آمن إبراهيم بنفس وعد الإنجيل قبل أن يتحقق. إنه ادعاء يتعارض مع رؤية إبراهيم للمسيح، وإيمانه بالإنجيل (بروانجيليتزوماي) والتبرير بالإيمان وحده. واقتباسه لقول بولس "فآمن إبراهيم بالله فحسب له برًا"، ثم التعليق على ذلك بقوله أن الفكرة هنا هي "الإيمان بالله"، هي قفزة كبيرة يريد أن يمرر من خلفها الشمولية. بكلمات أخرى إن أندرو أشرف يقول أن "آمن إبراهيم بالله" تعني إيمان عام بالله وليس بالضرورة به معرفة عن المسيح (الابن قبل تجسده) وبالتالي فإن المعرفة العقلية عن المسيح غير ضرورية للخلاص. لكننا أثبتنا خطأ هذا الزعم. فإبراهيم آمن بيهوه (إله الكتاب المقدس)، ورأى الابن قبل التجسد، وصدق الوعد بأنه في نسله سيأتي المسيح الذي سبتارك به جميع الأمم، ورأى نموذج للإنجيل عند ذبحه لإسحق. إن إيمان إبراهيم كان له نفس محتوى إيماننا وإن لم يكن بنفس الوضوح. نفس التبرير بالنعمة بالإيمان، نفس الوعد بالإنجيل ولكن قبل تحققه، نفس الابن قبل التجسد. إن كل من إبراهيم ومؤمني العهد الجديد آمنوا بوعد الإنجيل الفرق الوحيد هو أننا آمنا بالوعد متحققًا بالفعل بينما كان إبراهيم على الناحية الأخرى من الوعد قبل تحققه. والسؤال: إن كان ما يقصده أندرو أشرف أن إيمان إبراهيم كان من نفس نوعية إيماننا هو أنه كان في النعمة، كيف يمكن لشخص لم يسمع عن إله الكتاب المقدس أن يكون له مفهوم عن النعمة بدون الإنجيل؟ وكيف يمكن أن تساوي بين المعرفة التي كانت لدى إبراهيم (الذي رأى الابن شخصيًا) وبين شخص لم يسمع عن المسيح، أو سمع عنه لكن كانت لديه معرفة مغلوطة بصفة جوهرية؟

موسى أيضًا رأى الابن قبل تجسده طبقًا لقول إسطفانوس: "هذا هو (موسى) الذي كان في الكنيسة في البرية، مع الملاك الذي كان يكلمه في جبل سيناء، ومع آبائنا. الذي قَبِلَ أقولاً حية ليعطينا إياها" (أع ٧ : ٣٨). الملاك الذي يقصده هنا هو ملاك الرب، أي الابن المُرْسَل من الآب. فملاك تعني مُرْسَل في العبرية. فَمَنْ ظهر لموسى في العليقة التي لم تحترق هو ملاك الرب، أو الابن المُرْسَل قبل التجسد "وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة ... فلما رأى الرب أنه مال لينظر، ناداه الله من وسط العليقة ... ثم قال أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب. فغطى موسه وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله" (خر ٣ : ٢ – ٦). ليس فقط أن الابن ظهر لموسى عند بداية أحداث الخروج، بل ظل أيضًا مصاحبًا له وللشعب في البرية "وجميعهم شربوا شرابًا واحدًا روحيًا، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح" (١ كو ١٠ : ٤). وفضلاً عن كون الابن هو المُرْسَل من الآب والمُخَلِّص للشعب، كان أيضًا الديان الذي أهلك منهم الذين لم يؤمنوا في البرية. إذ يقول يهوذا (طبقًا للمخطوطات الأكثر موثوقية): "فأريد أن أذكركم، ولو علمتم هذا مرة، أن يسوع بعدما خلّص الشعب من أرض مصر، أهلك أيضًا الذين لم يؤمنوا" (يهـ ٥). (راجع ترجمات ESV ، NET LSB ، LEB ، وهامش ترجمة NET). ولهذا يقول أيضًا كاتب العبرانيين الذي لم يقتبس منه أندرو أشرف سوى النص الذي يروق له فقط "بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يدعي ابن ابنة فرعون، مفضلاً بالأحرى أن يُذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية، حاسبًا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر لأنه كان ينظر إلى المجازاة" (عب ١١ : ٢٤ – ٢٦).

خطأ استخدام من تقابلوا مع المسيح شخصيًا لإثبات إمكانية خلاص مَنْ لم يسمعوا عنه

يقول أندرو أشرف ليبرر إنكاره لحصرية المسيح:

"كتير من معاصرين المسيح، قبل صلبه وقيامته، كان بيقول لبعضهم: مغفورة لك خطاياك، أو إيمانك قد خلصك. والناس دي مكانش عندها عقيدة إن هذا هو الله المتجسد، ولا إنه هيصلب من أجلنا. فواضح إن الناس دي استفادت بعمل المسيح اللي كان لسه هيحصل بطريقة ما لأنها صدقته، لأنها آمنت فيه عشان كده قال إيمانك قد خلصك".

"مغفورة لك خطاياك" قيلت للمفلوج الذي اِسْتُعْلِنَ له المسيح كالله الشافي وكغافر الذنوب. واليهود فهموا ذلك فتسائلوا فيما بينهم "من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده؟" (مت ٩ : ٣، مر ٢ : ٧، لو ٥ : ٢١). مما يعني أن المفلوج أدرك أنه أمام الله (الابن) المتجسد. صحيح أن الصليب يغيب عن المشهد، إلا أنه لا شك أن المفلوج سمع فيما بعد بصلب وقيامة المسيح. وهذا لا ينبغي مساواته بأي حال من الأحوال، كما يحاول أندرو أشرف القول، بمن لم يسمعوا عن المسيح. فقد تقابل المفلوج وجهًا لوجه مع المسيح وغَفَرَ له خطاياه شخصيًا. ولا ينبغي مساواته بمن لهم عقيدة مغلوطة عن المسيح، أو بمن يجدفون عليه، أو بمن لا معرفة لهم به. والنص الآخر الذي قال فيه المسيح مغفورة لك خطاياك في لوقا ٧ كان للمرأة الخاطئة. وهذا النص لا يوجد فيه ما يمنع أن المسيح اِسْتُعْلِنَ لها بصورة ما أنه الله. غياب الدليل ليس دليلاً على الغياب. ولا سيما أنها بكت تائبة عند قدميه مما يدل على أنها أدركت حقيقة مسيانيته. اليهودي لا يمكن أن يتوب إلا إلى الله، ولا يسجد إلا له. ويظل أن الإعلان المبدئي الذي ناله أولئك عن المسيح، ثم نمى فيما بعد بالصلب والقيامة، هو شيء مختلف تمامًا عن القول أن شخص ليس لديه معرفة بالمسيح، ويظل بدون معرفة واعية طيلة حياته، يمكن أن يخلص بما هو متاح لديه من معرفة دينية وثنية. هؤلاء وقفوا أمام الابن المتجسد بذاته وأُعْطُوا الوعد بالغفران أو بالخلاص منه شخصيًا. وهذا لا يمكن بأي حال من الأحوال مساواته بمن لم ينعموا بالمعرفة عن المسيح أو بمن لديهم عقائد مغلوطة بصورة جوهرية عنه أو بمن يجدفون عليه.

كل محاولات السابقة لإثبات الشمولية ثم يعود أندرو أشرف ويدعي أنه لا يريد حسم السؤال ولكنه فقط يثيره "هل ده معناه بالضرورة أنه ينفع ناس تخلص النهاردة من غير ما يبقى عندهم عقيدة؟ لأ فعلاً ماعرفش. بس بشوف إن فيه مساحة لده في العهد القديم وفي المعاصرين للمسيح".

هل نسمي ذلك بالاستخفاف بالساميعن؟ مما لا شك فيه، ولكن الاستخفاف الأثقل وطأة هو الاستخفاف بكلمة الله!

يستخدم أيضًا أندرو أشرف حديث الرب يسوع مع نيقوديموس في يوحنا ٣ عن هبوب الريح حيث تشاء لإنكار حصرية المسيح. يقول: "وده ممكن يقولنا إن فيه ناس كتير، مابيبقاش عندها العقيدة لكن الروح بيبقى شغال فيهم بقوة". ولكن، حديث الرب يسوع مع نيقوديموس لا يشير من قريب أو من بعيد أن هناك إمكانية للخلاص، أو للولادة الجديدة، بدون معرفة واعية عن المسيح. لكن سرية الحدث نفسه داخل الإنسان هي المقصودة. الإنسان لا يستطيع أن يرصد حركة الروح القدس في الولادة الجديدة، لكن هذا ليس معناه أنه يستطيع أن يولد بدون الإيمان الواعي بعمل الابن. أنت لا ترى الريح لكن تسمع صوتها وترصد تأثيراتها. بل إن هذا النص يشير إلى سلطان الله الروح القدس في اختيار أين يهب (حيث يشاء). وهو حتمًا لن يهب بدون الابن. وأن تقول أن الروح يعمل بمعزل عن الابن فهو طعن في الثالوث. لأنه حيث لا يوجد الابن، وحيث لا توجد معرفة واعية عنه، لا يوجد الروح القدس. الروح يُعلن الابن فقط، ويمجد الابن فقط "ذاك يمجدني. لانه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو ١٦ : ١٤). أن تدعي أن الروح يعمل بإنفصال عن الابن هو إنكار غير مباشر لوحدة الثالوث، ووحدة العمل الثالوثي الواحد. هو أن تقول أن الروح يعطي الولادة الجديدة لمن لا يعرفون الابن. كيف إذا يمجد أقنوم الروح القدس شخص آخر أو إله آخر؟ إن الروح القدس الذي هو "هوموأوسيوس" مع الابن، أي نفس الجوهر، لا يمكن أن يخبر عن أو يمجد إله آخر. لقد فصل أندرو أشرف أولاً العلاقة بين الآب والابن بالادعاء أن أي معرفة عامة عن الله، بدون الابن، يمكن أن تخلّص. والآن هو يفصل العلاقة بين أقنوم الابن والروح القدس.

ويظل أن حديث الولادة الجديدة قيل بواسطة الابن شخصيًا لنيقوديموس اليهودي الذي آمن به في النهاية. فقد كان المقصود الأول من هذه الكلمات هو نيقوديموس نفسه، وكل إنسان آخر طبعًا. وشتان الفرق بين نيقوديموس وبين مَنْ لا معرفة واعية لهم بعمل المسيح ويظل هكذا إلى مماته. فنيقوديموس عَلِمَ عن الصلب، وكَفَّنَ جسد يسوع (يو ١٩ : ٣٩). ولاشك أنه سمع عن القيامة بعد ذلك. والسؤال يبقى: طالما أن أية معرفة عامة عن الله أو أي إله تصلح للخلاص، لماذا كان من الضروري أن يتم الكرازة لنيقوديموس الذي كان يهوديًا ويؤمن بالله (يهوه) ويقرأ كتابه ويمارس أعماله؟ وهكذا فإن حديث المسيح مع نيقوديموس يقوض شمولية الخلاص التي يتم الترويج لها في هذه الحلقة.

ثم يستخدام أندرو أشرف قصة ظهور المسيح لبولس لإنكار حصرية المسيح. عجيب هذا المنطق أن تستخدم لقاءات المسيح الشخصية المباشرة مع أناس لِتُبِرِّرُ بها خلاص أناس لم يسمعوا عن المسيح إطلاقًا أو ينكرون ألوهيته. و"صعب عليك أن ترفس مناخس" ليس معناها أن يسوع هو الذي ينخس بولس بينما كان يجهل بولس ذلك (كما يزعم أندرو أشرف). بل تعني أن بولس هو الذي يرفس يسوع باضطهاد أتباعه الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى أذيته كما تُؤْذَىَ البهيمة من رفس المناخس الحديدية التي كانت تستخدم لحثها على العمل أو السير. العمل هنا لم يكن عمل المسيح في بولس. لكن عمل مقاومة بولس ضد المسيح وكنيسته. ولو سلمنا أن ما يقوله أندرو أشرف صحيح بأن يسوع كان ينخس بولس، وليس أن بولس هو الذي كان يرفس يسوع وجسده، يظل أن هذا لا يعني إمكانية الخلاص بدون معرفة واعية عن المسيح. فبولس كان يعرف المسيح ويضطهد أتباعه. صحيح أنه كان ينكر ألوهية المسيح، لكن بإستعلان مجد المسيح له في الرؤيا تبددت لديه الشكوك حول هوية المسيح. إن المغالطة التي يرتكبها أندرو أشرف هنا هي أنه يساوي لقاء المسيح المجيد ببولس بمن لا معرفة لهم بالمسيح، أو بمن ينكرون ألوهيته ويظلوا على هذا الإنكار إلى مماتهم. إن إنكار الشخص لألوهية المسيح أو عمله لا يعني أن المسيح يعمل فيه بصورة خفية. بل يعني أن الشيطان هو الذي يعمل فيه بما أنه إله هذا الدهر الذي أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح. لكن أندرو أشرف يساوي بين إنكار ألوهية المسيح وبين الإيمان المعترف بالمسيح المخلِّص والذي يتضمن إقرارًا بألوهيته. فمن يُخَلِّصُ إلا الله وحده؟

منذ قليل كان الروح القدس هو الذي يعمل بمعزل عن الابن، والآن الابن هو الذي يعمل ضد نفسه. ويظل السؤال، بما أن بولس كان يؤمن بيهوه، وبالعهد القديم، ويقوم بالطقوس والممارسات التي يطلبها يهوه، لماذا كان من الضروري أن يظهر المسيح له؟ أي طالما أن أي إيمان عام بالله يمكن أن يؤدي الغرض، لماذا ظهر المسيح لبولس بينما يؤمن بيهوه أكثر من معظم اليهود؟ إن هذا ينفي ما يحاول أندرو أشرف بالضبط إثباته.

هل يمكن أن يكون الروح القدس متصالح مع التجديف على الابن وغير مكترث به؟

يواصل أندرو أشرف إساءة تفسير النصوص الكتابية بإستخدام متى ١٢ : ٢٧ – ٣٢ قائلاً: "التجديف على الابن ممكن يغفر، لكن التجديف على الروح لا يغفر. هل ممكن نطبق على المقطع ده إن التجديفات العقائدية، أو اللخطبة العقائدية عن المسيح، ممكن تُغفر؟ هل في حد ممكن يبقى قلبه ما بيجدفش على الروح القدس، سايب له مساحة يشتغل لكن مخة فيه مشكلة ما؟ وهنا محتاجين نفكر هي ليه الناس بترفض العقائد المتعلقة بالمسيح. فيه ناس بترفض العقائد المتعلقة بالمسيح لأنهم متكبرين. لأنهم مش عايزين حد يدفع تمن خطاياهم. لأنهم عايزين يستحقوا خلاصهم، ويخلصوا عشان هما كويسين وعملوا أعمال. وفي ناس بترفض العقائد المتعلقة بالمسيح عشان هما مش عايزين النوع ده من الإله. هما عايزين إله قوي مابيتلمسش عشان يخليهم هما كما أقوياء، ومايكونوش عرضة للألم، ومايمشوش سكة يحملوا فيها صليب، ويبقى عندهم استعداد يتخلوا عن حاجات قيمة بالنسبة لهم. في ناس ما بتقبلش العقائد المتعلقة بالمسيح عشان عاملين زي الشاب الغني اللي عنده حاجات متمسك بيها وعشان بيضطر إنه ما يتبعش المسيح. في ناس ممكن ما تبقلش العقائد المتعلقة بالمسيح عشان العقائد دي اتشرحت لهم وحش، أو اتشرحت لهم غلط. أو عشان هما اتربوا بطريقة مصعبة عليهم يفهموا الموضوع ده أو يقبلوه ... فيه أسباب كتير إن الناس ترفض لأنها مش بالضرورة رافضة المسيح ذاته".

إن هذه المغالطة من أسوأ المغالطات التي ممكن أن يصادفها المسيحي الكتابي. إن أندرو أشرف مصرّ على وضع أقنوم الروح القدس في تضاد مع أقنوم الابن. التجديف على المسيح يُغفر وبالتالي يمكن لمن جدفوا على المسيح أن يخلصوا رغم إصرارهم على التجديف؟ إن هذا بالضبط يساوي القول أن رفض ألوهية المسيح، وبالتالي قيمة عمله الكفاري، يعني أن من الممكن أن يَخْلُص الرافض رغم ذلك. إنه بمثابة القول أن الإنسان لا يخلص بسبب إتكاله على ما يعرفه عن المسيح، بل يخلص بالرغم من رفضه المسيح كالله المُخَلِّص. بدلاً من أن الخلاص يكون بتصديق وعد الإنجيل أصبح الخلاص رغم إنكار وجحد والتجديف على المسيح موضوع الوعد. لدى أندرو أشرف يتساوى مَنْ يجدف على المسيح مع من يتكل على عمله ويقر بألوهيته. هل أنت مدرك لما تقوله يا عزيزي؟ هل أنت تعي كل حرف تنطق به؟

ثم كيف يمكن للروح القدس أن يعمل في قلب يجدف على الابن؟ هل الروح القدس يمكن أن يتغاضى عن التجديف على الابن؟ إن هذا يعني أن أقنوم الروح القدس لا يعنيه التجديف على الابن وجحده وإنكار عمله. ويعني أن الروح القدس ليس لديه مانع في تخليص مجدف يجحد الابن وعمله بينما يظل على ذلك الحال دون أن يتوب. في حين أن الابن قال أن الروح يمجد المسيح ويخبر بالحقائق المُخَلِّصَة عنه. لقد جعل أندرو أشرف أن الذي يجحد هنا ليس فقط الذي يجدف على الابن، بل الروح أيضًا. لقد جعل أندرو أشرف أقنوم الروح القدس يجحد أقنوم الابن بالادعاء بإمكانية عمل الروح القدس في قلب لا يتوب عن التجديف على الابن. ثم ما علاقة ذلك بمن لم يسمعوا عن المسيح؟ طبقًا للمنطق المغلوط لأندرو أشرف يتساوى مَنْ ينكر المسيح مع مَنْ لا يعلم عنه شيئًا أيضًا. لكن الإثنان لا خلاص لهما. لأن الخلاص لا يكون إلا من خلال الإقرار بأننا مذنبون عاجزون عن تخليص أنفسنا وأن المسيح هو الله المُخَلِّص من سلطان الخطية ودينونتها.

إن أندرو أشرف ليس فقط يمزق العلاقة بين أقانيم الثالوث، بجعل الروح القدس متصالح مع التجديف على الابن، بل يمزق العلاقة بين الكيان الإنساني أيضًا، بفصل العلاقة بين العقل والقلب "عقله بيجدف لكن قلبه سايب مساحة للروح القدس". العقل يجدف لكن القلب مؤمن؟ أي هراء هذا؟ وأي إنفصام ذلك؟ آب يخلص بدون معرفة عن الابن، وروح قدس يعمل ضد الابن، وقلب يؤمن ضد ما يعتقده العقل. هذه هي رسالة أندرو أشرف! كل هذا في سبيل تبريره لإنكار حصرية المسيح!

لن أخوض في النماذج التي سردها أندرو أشرف عن رفض العقائد عن المسيح، لكن يكفيني القول أن رفض العقيدة الصحيحة عن المسيح هو مجرد عَرَضَ خارجي للمشكلة الجوهرية الداخلية؛ ألا وهي رفض سلطان الله على الحياة. قال يوحنا أن النور جاء إلى العالم، لكن الناس أحبوا الظلمة بدلاً من النور. إن محبتهم للظلمة ثَبُتَتْ من خلال أعمالهم الشريرة وليس فقط لأن أعمالهم شريرة أحبوا الظلمة بدلاً من النور. وأشر أعمالهم هي صلب ابن الله الذي هو النور. بل وحتى الإعلان العام في الطبيعة، والذي يخلو من الإنجيل، رفضه الأشرار طبقًا لرومية ١ "يحجزون الحق بالإثم ... استبدلوا حق الله بالكذب". إن صلب المسيح وقتله رغم أن كل ما عمله لم يكن سوى لخير الإنسان، ورغم أن كل ما قاله كان الحق، لهو أكبر دليل على أن مشكلة الإنسان هي القلب الذي يقاوم سلطان الله على حياته. إننا نؤمن لأننا نتكل على موضوع الإيمان، وعد الإنجيل. أما مَنْ لا يؤمنون فليس لصعوبة عقلية لديهم، بل لأن قلوبهم اختلقت الصعوبات الفكرية لتبرر لنفسها الرفض القلبي "ليس من فاهم طالب الله" (مز ١٤ : ٢، ٥٣ : ٢، رو ٣ : ١١). إن الخطايا اللاهوتية في عقولهم (ولا يمكن وصف الأخطاء اللاهوتية بغير ذلك) هي في حقيقتها شرور عقلية لتبرير شر قلوبهم برفض ربوبية المسيح على حياتهم. وإن كان يمكن للعقيدة الصحيحة أن توجد بدون إتكال قلبي على موضوع العقيدة؛ أي شخص المسيح وعمله. إلا أن الإيمان الحقيقي لا يمكن أن يوجد بدون العقيدة الحقيقية. إن أندرو أشرف لديه عقيدة متفائلة عن طبيعة الإنسان (تنكر الفساد الجذري ضمنًا) لا يبررها اللاهوت الكتابي. أنثروبولجي خاطيء يتفرض صلاح الإنسان وأنه يبحث عن الله. في حين أن الكتاب يؤكد أن الإنسان هارب من محضر الله منذ أولى صفحات الكتاب المقدس (سمعت صوتك ... فاختبئت).

لو أمكن للمجدفين على المسيح أن يخلصوا رغم تجديفهم، إذا فلن يوجد من يهلك، ولن يوجد جحيم. ثم أن الله يغفر خطية التجدف في حالة التوبة عنها، ولكن ليس رغم الإصرار عليها والموت على هذه الحالة كما يُدَّعَى هنا من طرف خفي. ولو أردت إعادة صياغة ما قاله أندرو أشرف يمكن أن تكون على هذا المنوال: "اترك مساحة للروح يعمل في قلبك، وجدف على المسيح كما تشاء، ستخلص في النهاية".

المثير للدهشة هو السؤال التالي الذي يسأله أندرو أشرف. فبعد كل المجهود الذي يبذلة لإثبات أن التجديف على المسيح لا يؤثر على خلاصك طالما تركت مساحة للروح في قلبك، هو أنه غير متيقن من الإجابة على هذا السؤال: "فهل ممكن شخص يبقى مش بيجدف على الروح وسايب مساحة للروح إنه يغير قلبه، والروح وَحِّدُه بالمسيح، لكن لسه عنده مشاكل عقائدية؟ ربما، مش متأكد. طب أمتى هيدرك؟ مش عارف! هل بالضرورة الشخص اللي الروح عمل فيه وهبّ هيخليه يدرك قبل ما يموت؟ أتمنى وهقولكم ليه. هل ممكن يحصل بعد ما يموت إنه يبقى حصل تغيير حقيقي وحاسم بس يدرك ده بعد ما يموت؟ ربما، فعلاً مش عارف! هل في ناس ربنا مابيغيرش ظروها أكتر من كده لغاية ما يموتوا؟ أنا فعلاً ماعرفش! ربنا هو اللي عارف بيشتغل مع الناس إزاي".

إن التعليق المباشر والمختصر على هذا اللغو هو أنه طالما أنك "مش عارف" لماذا لا تترك المساحة لمن يعرف؟ أم أن الهدف هنا فقط هو إثارة الأسئلة الصعبة والشكوك التي تؤدي إلى إنكار حصرية المسيح؟ وما معنى أن تقدم كل هذه البراهين المزعومة ثم تدعي أنك مش عارف؟

الإصرار على أن لا فرق بين مَنْ تاقبلوا مع المسيح شخصيًا وسمعوا البشارة وبين مَنْ لم يسمعوا شيء عن المسيح

يدعي أندرو أشرف:

"عايز أوريكم مثال تاني لناس ممكن تبقى ماشية السكة مع المسيح، والمسيح مأثر عليهم بس هما مش واعيين لده. وهنا المثال هو تلميذي عمواس ... فِضِل ماشي معاهم وهما مش عارفين إنه المسيح ... وبعدين في لحظة معينة لما عمل حاجة معينة انفتحت أعينهما. بس لما انتفحت أعينهما فكروا وقالوا بأثر رجعي، ده وهو عمال يتكلم قلبنا كان ملتهب جوانا. وهنا بنشوف إن ناس كانت ماشية سكة مع المسيح ومتأثرة بيه ومأثر في قلبهم، وقلبهم مولع، لكن أعينهم اتفتحت في وقت معين ولحظة معينة".

طبعًا أن يستخدم أندرو أشرف تلميذي عمواس كمثال للقول أن هناك من يسيرون مع المسيح دون أن يعوا ذلك لهو قمة المغالطة. والسبب في ذلك أنه على الرغم من أنهم لم يعرفا (في باديء الأمر فقط) أن المسيح هو شخصيًا الذي كان يكلمهما، إلا أن ما كان يكلمهما عنه المسيح لم يكن سوى البشارة في العهد القديم. كان المسيح يكلمهما عن شخصه وعمله طبقًا لموسى والأنبياء. إن المسيح كان يكرز لهما بالإنجيل دون أن يفصح لهما (في بادئ الأمر) عن هويته. وهذا ما نفعله نحن عندما نكرز. إننا لسنا المسيح، لكننا نكرز به. المسيح كان يكرز بنفسه إلا أنه لم يفصح عن هويته سوى بعد الكرازة. يقول النص "أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء. أما كان يبنغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده؟ ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الامور المختصة به في جميع الكتب" (لو ٢٤ : ٢٥ - ٢٨). لاحظ أن كل هذه الكرازة، وكل ذلك التعليم الغني، قبل إظهار هويته. ليس ذلك فقط بل إن المسيح مكث معهما، ونتوقع أنه شرح لهما المزيد من الأمور المختصة بشخصه من خلال العهد القديم. بل وكَسَرَ معهما خبزًا. وكَسْر الخبز هو الإنجيل ولكن مُجَسَّدًا للحواس. بل إن العودة إلى بداية القصة تخبرنا أنهما سمعا عن المسيح وكانت لديهما هذه المعلومات عنه: نبي، مقتدر في القول والفعل، صُلب، ولكنه صُلِبَ ظُلمًا إذ كان بريء، وسمعا عن القيامة وإن لم يصدقاها (في بادئ الأمر)، وأنه تم التحقق من القيامة بواسطة البعض برؤية القبر الفارغ (لو ٢٤ : ١٩ – ٢٤). فهل يمكن مساواة هذين اللذان سمعا عن المسيح، وكسرا خبزًا معه، وبشرهما المسيح شخصيًا ببشارة صحيحة عن نفسه من العهد القديم، بمن لم يسمعوا عنه؟ أو بمن لهم عقائد جوهرية مغلوطة عنه؟ أو بمن ينكروه أو يجدفوا عليه أو يجحدوه؟ وأليس إستخدام الرب يسوع للعهد القديم في كرازته لتلميذي عمواس يدل على أن البشارة كانت متاحة لرجال العهد القديم مما يثبت عكس ما ادعاه أندرو أشرف سابقًا أنهم كانوا يجهلون البشارة؟ إذًا المشكلة أن هناك برقع على أذهانهم وليس أن البشارة غير موجودة في العهد القديم (لهذا وصفهما بالغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان).

كما أن نفس السؤال الذي سألناه عن بولس ونيقوديموس واليهود سنطرحه بخصوص تلميذي عمواس. فيما كانت الضرورة أن يظهر لهم المسيح، ويقدم لهما البشارة، رغم أنهما كانا يؤمنان بيهوه، ويقرآن كتابه، ويمارسان الوصايا التي أمر بها؟ بكلمات أخرى، طالما أن الله يخلص مَنْ لهم معرفة عامة عنه، مثل مَنْ لهم معرفة بالعدل أو الجمال أو الحق، أفليس بالأولى أن من لهم معرفة بيهوه يكونون في غنى عن المعرفة عن شخص المسيح؟ يا عزيزي أنت تضع أبو قرش على أبو قرشين. وتخلط الغث بالسمين. وتحرف معنى المكتوب.

ثم يسأل "مرة تانية، هل كل الناس اللي عيونها هتتفح، هتتفتح قبل الموت ولا بعد الموت؟ أنا فعلاً ماعرفش! لكن عمال أشوف إن المسيح ممكن يبقى ماشي سكك مع ناس، والناس دول لسه مش واعيين إنهم ماشيين مع المسيح، والمسيح يبقى مأثر فيهم جدًا. لكن أعينهم لسه ماتفتحتش". طالما أنك لم تعرف اترك المجال لمن يعرف ولمن هو متيقن من الحق الواضح المكتوب. اترك المساحة لمن يكرمون المسيح والمكتوب بحق.

موسى مرة أخرى

المثال الآخر لإنكار أندرو أشرف حصرية المسيح، والذي سمعه من زميله وسيم صبري، هو موسى الذي أرضعته أمه واعتنت به وهو لم يكن يعلم عن حقيقتها. والقياس على ذلك أن هناك أناس هم خاصة المسيح ولهم علاقة به دون أن يعوا ذلك. طبعًا أندرو أشرف وزميله يفترضان أن موسى لم يعلم حقيقة أمه وهو صغير. ولكن إن كان هذا صحيحًا، فمن أين اعتبر اليهود إخوته؟ وكيف كان له هذا الإنتماء لليهود أكثر من مصر حتى أنه قتل المصري وحاول مصالحة الأخوين اليهوديين؟ لقد كبر موسى وهو متشرب تمامًا بحقيقة أنه يهودي أكثر من كونه مصري. مما يدل على أنه عرف هويته الحقيقية وبالتالي عرف من هي أمه منذ صغره. وثانيًا فإن أندرو وزميله لم يتلفتا إلى حقيقة هامة، وهي أنه سواء كانت يوكابد قد أرضعت موسى أو لم ترضعه تظل هي أمه البيولوجية. وليس أن العلاقة نشأت بين موسى وأمه نتيجة الرضاعة. حتى ولو لم تكن قد أرضعته فهي أمه التي ولدته. ثالثًا، فإن موسى كان على اتصال بأمه. لكن من لم يسمعوا عن المسيح، والمجدفين والمنكرين، كيف يكون لهم اتصال بالمسيح، وهم خارج الكنيسة ولا علاقة لهم بالمكتوب؟ أخيرًا، إن قياس أمور الإنسان على أمور الله ربما يكون فيها بعض التشابه لكن لا يمكن أن يكون فيها تطابق. ليس كل ما هو صحيح في عالم البشر يكون صحيح في عالم الله.

ثم يواصل أندرو أشرف: "وبالتالي هل فيه ناس ممكن يبقى ليها علاقة بالمسيح رغم إنها مش مدركة إن ليها علاقة بالمسح؟ رأيي ممكن جدًا. في ناس ممكن تبقى مؤمنة بالعدل .. بالجمال .. بصورة معينة عن الله .. ويبقى المسيح هو اللي واصل لقلبهم بالروح القدس. إيمانهم بالعدل جاي من الروح القدس اللي عمال يشتغل في قلوبهم ويوريهم العدل اللي هو المسيح، ويوريهم الجمال اللي هو المسيح. ويوريهم الحق اللي هو المسيح. فيمكن الناس دي رأيها إنها بتسعى وراء أشياء مجردة أو مباديء، لكن ممكن الناس دي يبقى المسيح شغال في قلبهم وماشي معاهم سكة لكن هما لسه ماوعيوش لده. ولما يفتح عينهم يدركوا إنهما كانوا في علاقة بقالهم سنين معاه لكن أخدوا وقت عشان يدركوا ده. هل بالضرورة ده بيحصل؟ رأيي إنه أكيد بيحصل. لأن كلنا ما آمناش كده. فكلنا المسيح مشي معانا سكة بالروح قعد يغير حاجات وفي وقت وِعِينا للي كان بيعمله. لكن ممكن ناس تقعد أوقات طويلة وتبقى بتجدف عقليًا ع المسيح؟ ممكن. هل ممكن يحصل بعد الموت؟ فعلاً مش عارف!"

ما معنى أنهم يؤمنوا بالعدل والجمال وهكذا يكونوا آمنوا بالمسيح الذي هو العدل والجمال؟ هل الإنجيل هو العدل والجمال؟ أم أن المسيح مات وصلب وقام لكي تُغفر خطايانا؟ يا عزيزي لو انتبهت لمثال تلميذي عمواس الذي استخدمته لأدركت أن المسيح عندما يكلم شخص يكلمه عن إنجيله. كما أن أي مفهوم للعدل أو الجمال غير مترسخ في الكتاب المقدس عرضة لأن يكون مفهوم غير سليم (إن كنت تؤمن بالفساد الجذري). فالعدل لدى البعض في الغرب الآن هو أن يتزوج الشواذ ويتبنوا أطفالاً مثلهم مثل الأسرة العادية. والجمال لدى الكثيرون أيضًا هو جمال المظهر الخادع. والحق لدى الكثيرون في يومنا هذا هو ما يرون أنه كذلك. إذًا لا سبيل أو ضمان لأن يكون لشخص مفاهيم صحيحة عن العدل والجمال والحق بدون الكتاب المقدس. هل ممكن أن تعطينا مثال لشخص وثني ليس لديه اتصال بالحق الكتابي أن يكون لديه مفهوم سليم عن العدل والجمال؟ وعلى فرض أن شخص لديه مفهوم بالعدل والجمال، يظل أن ذلك ليس الإنجيل بل مجرد أفكار فلسفية مجردة. إن أندرو أشرف هنا يناقض منهجه بالقول أن الخلاص بالعقيدة أو الفلسفة بينما يحاول أن يسعى جاهدًا طيلة الوقت للقول أن الخلاص علاقة.

أما القول "لهم صورة معينة عن الله" فينطبق أيضًا على عبدة الأصنام الذي قال عنهم أشعياء أنهم يقطعون الشجرة ثم يشعلوا النار في جزء منها ليطهون عليها طعامهم، ويستدفئون بالحرارة المنبعثة من نيرانها، ثم يصنعون بما تبقى منها تمثالاً للسجود له. هذه أيضًا صورة عن الله. إن أي صورة عن الله لا تتفق مع إله الكتاب المقدس لهي وثن من صنع الشيطان. وتشبيه ما حدث لنا نحن الذين ولدنا في أسر مسيحية مع تلك الأمثلة التي سردها هو تشبيه غير عادل. لأننا ولدنا في الكنيسة وسمعنا الإنجيل مرارًا كثيرة. فلا تقس إذًأ الذين لم يسمعوا عن المسيح بمن ولدوا في الكنيسة وإن كان قد استغرق الأمر معهم بعض الوقت حتى يؤمنوا أخيرًا.

لا فرق جوهري بين الشمولية والتعددية وعالمية الخلاص

وفيما يتعلق باقتباس لزلي نيوبيجن: "الموقف الذي قدمته إقصائي exclusivist بمعنى أنه يصادق على الحق الفريد في الإعلان الذي في يسوع المسيح، لكنه ليس إقصائي بمعنى أنه ينفي إمكانية خلاص غير المسيحي. هو احتوائي inclusivist بمعنى أنه يرفض أن يحد نعمة الله المخلصة لأعضاء الكنيسة المسيحية، لكنه يرفض الاحتوائية التي تعتبر الأديان غير المسيحية وسائط للخلاص. هو تعددي بمعنى أنه يقبل عمل نعمة الله في حياة كل البشر. لكنه يرفض التعددية التي تنكر فردية وحسم عمل الله في يسوع المسيح".

إن السخف الذي يدعيه نيوبيجن، ويروج له أندرو أشرف، يمكن أن نسميه بالفرق بين النظرية والتطبيق. فهو يدعي أنه إقصائي لأنه يصادق على الحق الفريد في يسوع المسيح، بينما هو شمولي لأنه لا ينفي إمكانية خلاص غير المسيحي. إننا يمكن تسمية ذلك بـ "التناقض". فهو يقر بأنه لا خلاص بغير المسيح، لكن عند تطبيق ذلك على غير المسيحيين يناقض ويخالف وينفي نظريته بحصرية المسيح. إن العبارة "إمكانية خلاص غير المسحيين" عبارة خطيرة لا يمكن أن تصدر من مسيحي كتابي يؤمن حقًا بحصرية المسيح. إمكانية خلاص غير المسيحيين متاحة في أي لحظة، على شرط أنهم يؤمنوا بالمسيح إيمانًا واعيًا. لو ظلوا غير مسيحيين فلن يخلصوا. وكان بالأولى أن تُعَرِّفُ الشمولية ولا تختزلها فقط فيمن هم خارج الكنيسة. فهناك من هم خارج الكنيسة، إلا أن البشارة تصلهم بواسطة الكنيسة. والشمولية كما عرفها ستانلي جرينز "يُخَلِّص الله أولئك الذين، بالرغم من أنهم لم يسمعوا عن يسوع، إلا أنهم يستجيبون، بأفضل ما لديهم من معرفة (دينية)، لإعلان الله المتاح لهم". والادعاء برفض الاحتوائية التي تعتبر الأديان الأخرى وسائط للخلاص ينافي نفس منهجك الذي تدعو له بأن هناك من لم يسمعوا عن المسيح ولكن سيخلصوا على حساب عمل المسيح. إن من لم يسمعوا عن المسيح هم أنفسهم أصحاب الديانات الأخرى.

في حقيقة الأمر، لا يوجد فرق جوهري بين عالمية الخلاص Universalism وبين الشمولية. لأن الأولى تقول ان الجميع سيخلصون. والثانية تقول إن الأغلبية ستخلص، بما أن أغلبية البشر متدينون وبما أنه يوجد افتراض خفي بأن الإنسان غير فاسد ويبحث عن الله. هذا من ناحية. من ناحية أخرى، لا يوجد فرق بين الشمولية وبين التعددية Pluralism ، لأن الأولى تقول أنك لست في حاجة للمعرفة عن يسوع لكي تخلص (ويظل هو رغم ذلك المُخَلِّص). ومن لا يعرف عن يسوع هو غير المسيحي من الأديان الأخرى. والثانية تقول إن كل الأديان لها قيمة خلاصية متساوية. إذًا الشمولية والتعددية واليونيفيرسالية أيضًا يشتركون جميعًا في أن الإيمان بيسوع غير حصري.

كلمة ختامية

يتسائل أندرو أشرف أخيرًا "إيه ذنب الناس اللي ماسمعتش؟" ... لكن، ليست الميزة الوحيدة في المنادة بضرورة الإيمان الواعي بالمسيح هو أن هذا يؤدي إلى الاجتهاد في البشارة. بل إن هذا هو السبيل الوحيد في أن نكون أمناء للحق المسيحي. أما عن الادعاء بأن الاختيار يقود إلى الشك في محبة الله. فهو خلط للأمور وسوء فهم للحق الكتابي العام. لأن الله يحب الجميع محبة في نعمته العامة وإن كان قد خص الكنيسة بمحبته الخلاصية. لكن أيضًا أندرو أشرف غير متسق مع نفسه هنا. فهو يتشبث بحرية الإرادة، بينما يؤكد في نفس الوقت أن الله يمكن أن يخلّص إنسان ما من خلال المسيح وفي نفس الوقت دون معرفته عن المسيح. إن هذه صورة أخرى من الاختيار (غير الكتابي) ولكن غير المؤسس على حصرية المسيح. خلصهم المسيح دون أن يخبرهم أنه المخلّص. مسيحية أخرى. إنجيل آخر.

وليست المشكلة الوحيدة في الشمولية هي أنها لا تؤدي إلى الاجتهاد في الكرازة. بل مشكلتها الجوهرية هي أنها خيانة للحق المسيحي. والقول أن هناك مَنْ لم يسمعوا عن المسيح لا يساوي القول أن هناك مَنْ لم يسمعوا عن كل الحقائق المسيحية. الفئة الأولى لم تسمع بالإنجيل. الفئة الثانية قد تكون سمعت عن الإنجيل. والاعتقاد بالشمولية لا يؤدي إلى الثقة في محبة الله للجميع لأن هذا يظل بدوره لا يحل مشكلة غير المتدينين والملحدين. إلا إذا كنت تدعو لعالمية الخلاص. ويبدو أن هذا هو ما تدعو إليه. بل وكما رأينا فلا يوجد فرق عملي أو جوهري بين الشمولية وعالمية الخلاص. وطبقًا لمنطق أندرو أشرف، فإن كان المجدفين سيخلصوا، فمن باب أولى الملحدين وغير المتدينين أيضًا سيخلصوا. أي عالمية الخلاص أيضًا.

ثم يعود ويطعن في الجانب القضائي للخلاص من جديد. فهذا هو الشغل الشاغل لماهر صموئيل وكريدولوجوس. لكن، شتان الفرق بين القول أن خلاص المسيح عظيم وكبير ويشمل كل جوانب الإنسان، وبين أن تقلل من شأن غفران الخطايا والتبرير والخلاص من الدينونة. ويبدو أن هذا هو ما تحاول أن تقوم به فعلاً بما أنك تركز على أن الخلاص هو علاقة غير واعية بالمسيح. إننا لا نختزل الخلاص في الجانب القضائي. لكننا في نفس الوقت ننسب المركزية له. إذ هو الجانب الموضوعي لعمل الله الفدائي والمحور الذي يدور عليه.

باقي الكلام لغو وحشو لا يستحق التعليق عليه. ورغم أنه يحاول أن يبدو طيلة الحلقة أنه متسائل أو باحث محايد إلا أنه يؤكد في النهاية بأن الله يخلص ناس لم تسمع عن المسيح بل ومن يجدفون عليه. أين ذهبت اللاأدرية إذًا؟ أما عن القول أن تعرف مَنْ هو الله من خلال يسوع المسيح، فهذا صحيح طالما لا تقصد به المرقيونية. وهي الادعاء بأن ما في يسوع فقط نقبله دون أي شيء آخر في الكتاب المقدس عن الله مثل الغضب وخلافه. وأن تقول أن تعرف مَنْ هو الله من خلال يسوع المسيح فهذا يتناقض مع محاولاتك لإثبات أنه من الممكن أن توجد معرفة حقيقية بالله بدون المسيح.

وآن الأوان أن نستخدم نفس كلمتك التي تصر عليها أن من يخلصون هم من اتحدوا بالمسيح (دون وعي بذلك). هل من الممكن أن تتزوج امرأة رجلاً (أو العكس) دون أن تعي ذلك، ولا سيما أن العلاقة بين الله وإسرائيل، والمسيح والكنيسة، تشبه بالعلاقة العهدية بين الرجل والمرأة؟ اِسْتَخْدَمْتَ بصورة خاطئة مثال موسى وأمه، لكن كان بالأولى بك أن تنتبه أن أحدًا لا يمكن أن يتحد مع شخص آخر في علاقة دون أن يدخل بوعي وعن رضا في تلك العلاقة.

أخيرًا، يمكنني أن أضيف الكثير والكثير إلى ما قيل. لكن سأختم بلفت النظر إلى أن العلاقة مع المسيح، التي يؤكد عليها أندرو أشرف، هو في الحقيقة ينفيها بكون مَنْ لم يسمع عن المسيح لا يعي شيء عن تلك العلاقة. فقد جعل المسيح ليس هدف العلاقة بل مجرد كوبري يعبر عليه، دون أن يعي حتى وجوده، لكي يصل إلى السماء. بل والأخطر من هذا كله، أنه على الرغم من تهميشه للجانب القضائي في الخلاص، فإن ادعاءه بأن هناك من سيخلصون على حساب عمل المسيح دون أن يسمعوا عنه، لهو تركيز على هذا الجانب القضائي مع الفارق أنه ينكر الحاجة إلى المعرفة الواعية عن المسيح. إن أندرو أشرف ينكر هنا كل شيء يحاول التأكيد عليه. ينكر مركزية العلاقة التي يدعو إليها بجعل المسيح مجرد كوبري إلى الحياة الأبدية والنجاة من الجحيم. ويركز على الجانب القضائي في حين أنه يحاول إقناعنا بأن هدفه هو العلاقة مع المسيح. إن الادعاء بأن الله يخلص من لم يسمعوا عن المسيح من خلال عمل المسيح هي نظرة نفعية بحتة تحقر شخص المسيح. إذ تجعل الغرض هو ما فعله المسيح وليس العلاقة معه التي يحاول أن يدعي أندرو أشرف مركزيتها. لا يوجد تناقض أكثر من ذلك!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس