هل التبرير مجرد وسيلة إلى غاية؟

إحدى الطرق التي يتم الطعن بها في الجانب القضائي من الخلاص (البدلية العقابية، غفران الخطايا، التبرير) هي من خلال جعله وسيلة إلى غاية. أي أن خلاص المسيح لنا من الجانب القضائي للخطية، وهو جانب مركزي، مجرد غرض مؤقت إلى غاية عظمى. فأنت تخلص "من" شئ "إلى" شئ آخر. والآية المفضلة لدى أصحاب ذلك الادعاء هي "لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين. والذين سبق فعينهم فهؤلاء داعهم أيضًا. والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضًا. والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضًا" (رو ٨ : ٢٩ – ٣٠). ويوجد نصوص أخرى يستخدمونها مثل (أف ١ : ٤ ، ١٢). من أشهر من ينادون بهذا الادعاء هو الدكتور ماهر صموئيل.

في هذه السطور سأقدم من النصوص الكتابية، ومن اللاهوت الكتابي العام، ما يؤكد حقيقة أن التبرير لس مجرد وسيلة إلى غاية، بل هو في حد ذاته غاية بالإضافة إلى كونه وسيلة. بل إن هذه الفكرة الأخيرة، بأن الخلاص القضائي وسيلة وغاية في نفس الوقت، كفيلة مبدئيًا بأن تضع النقط على الحروف. إذ يريد أصاحب هذا الادعاء وضعنا في مأزق مفتعل. أن نختار بين كون التبرير وسيلة أم غاية. ولكننا لسنا مضطرون للاختيار بينهما. إذ أن الاختيار بين كون التبرير وسيلة أم غاية يشبه الاختيار بين كون المسيح الطريق والغرض. الاثنان مرتبطان ويظلان هكذا إلى الأبد.

وما ينطبق على التبرير ينطبق على كل جوانب الخلاص القضائي: غفران الخطايا، المصالحة، البدلية العقابية. فهذه جميعها مترابطة ومتداخلة بحيث يستحيل فصلها عن بعضها. من تبرر، أي من حُسِبَ له بر المسيح نتيجة طاعته للناموس نيابة عنا، صُولِحَ مع الله وغفرت له الخطايا أيضًا. كما أن التبرير لم يتم فقط بالطاعة الإيجابية للمسيح في حياته على الأرض بل بالموت والقيامة أيضًا كما يقول بولس "أُسْلِمَ من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرينا" (رو ٤ : ٢٥). فموت الصليب هو طاعة لمشيئة الله واتمام لحكم الناموس. والقيامة، في علاقتها بالتبرير، هي برهان لدى الله (ولنا) على كمال عمل المسيح. وهي، من منظور آخر، القوة ‏التي تُمنح للمتبرر ليعيش طبقًا لمركزه الذي ناله لدى الله.‏

والتبرير، كما أشرت، هو وسيلة وغاية في نفس الوقت، الإثنان معًا. إننا نتبرر لكي نوجد في محضر الله وفي شركة معه. نتبرر لكي نكون مشابهين صورة ابنه. نتبرر لنكون أبناء. لكن كل هذا لا ينفي أن التبرير في حد ذاته غاية. بل إنه يوجد تداخل بين كون التبرير وسيلة وغاية في نفس الوقت. وسنوضح أسباب هذا التداخل كما يلي.

التداخل بين كون التبرير وسيلة وغاية سببه طبيعة الله

فمن يوجد في محضر الله لابد أن تكون صفته البر إلى الأبد. وأن تكون على صورة الابن هو أن تكون بارًا وتظل كذلك إلى الأبد، بما أن الابن بارًا إلى الأبد. نفس الأمر ينطبق على التبني والتقديس. فكل هذه الجوانب من الخلاص مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتبرير. إن الله اختارنا وبررنا لنكون قديسين. والقديس هو من نال البر القضائي أمام الله (التبرير)، وهو من صار شريكًا للطبيعة الإلهية البارة بالتجديد والتقديس.

إن اللاهوت الكتابي العام يؤكد هذه الحقيقة. فمنذ أولى صفحاته نقرأ عن مَلِك قدوس خلق الإنسان على صورته ومثاله وجعله نائبًا ملكيًا له على الخليقة من خلال إخضاعها والتسلط عليها. ثم أعطاه الرب المَلِك وصية لكي يطيعها. لكن الإنسان تعدى على الوصية فَطُرِدَ من محضر الرب المَلِك. لم يخلق الرب جنة عدن كحديقة ليلهو فيها آدم، بل كانت مركزًا لمُلك الرب الإله. وكان آدم مكلفًا، كنائبًا مَلَكِيًا، بالتسلط عليها لمجد الملك الأعظم. ثم نقرأ أيضًا كيف أخرج الرب إسرائيل (كآدم جديد) من أرض مصر ليجعلهم مملكة كهنة. فأعطاهم الناموس لكي يعملوا به. ولكنهم فشلوا في طاعة الناموس فشلاً ذريعًا فخانوا العهد بعبادتهم للآلهة الوثنية وارتكابهم لنفس الشرور التي ارتكبها الأمم الذين طردهم الرب لكي يسكنهم في أرضهم.

في كلتا الحالتين، طُرِدَ آدم وإسرائيل من محضر الله لكونه ملكًا قدوسًا لا يطيق الشر. وفي كلتا الحالتين أيضًا دَبَّرَ الله الذبيحة حتى لا يهلك البشر الخطاة الذين أرادهم أن يسكنوا معه. فقد صنع ذبيحة وكسا بها آدم وامرأته. وأعطى إسرائيل الهيكل والكهنة والذبائح. إن ذبائح العهد القديم كانت لحل معضلة كيف يمكن لإله قدوس أن يسكن بين بشر خطاة فاسدون. وهكذا فقد كان في جوهر علاقة الله بالبشر ذلك الجانب القضائي. فلا يمكن لأحد أن يساكن إلهًا كلي القداسة سوى بأن يكون قديسًا (مزمور ١٥). وأصغر خطية يفعلها الإنسان تكلفة تلك العلاقة بأكملها (غل ٣ : ١٠، يع ٢ : ١٠). لهذا، ففي صميم العلاقة مع الله البر؛ أن يكون الإنسان بارًا، وأن يظل بارًا طالما وُجد في محضره. أن تكون لك علاقة بالله، وأن تسكن معه إلى الأبد، هو أن تكون بارًا. أو بالأحرى أن تكون مبررًا ببر المسيح البدلي. إن سكنى الله مع البشر إلى الأبد هي سكنى الله البار مع الأبرار.

إذًأ، فجعل التبرير مجرد وسيلة إلى غاية ينطوي على تهميش بر الله كصفة، ومن ثم نعمة البر الموهوب لنا بعمل المسيح. وكأن أصحاب هذا الادعاء يقولون أن الله يريد الشركة فقط مع البشر ولكنه لا يهمه أن يكونوا أبرارًا بالفعل وبالكينونة.

التداخل بين كون التبرير وسيلة وغاية سببه القيمة الأبدية لعمل المسيح

إن التبرير ليس مجرد وسيلة إلى غاية بسبب قيمة ما أنجزه المسيح في الكفارة. فاتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص المسيح الواحد جعل كل ما عمله المسيح ذو قيمة أبدية. ذلك لأنه الله نفسه هو الذي عمله. لهذا ينسب العهد الجديد قيمة الدم إلى اللاهوت "كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أع ٢٠ : ٢٨)، "فكم عقابًا أشر تظنون أنه يُحسب مسحقًا من داس ابن الله، وحسب دم العهد الذي قُدِّسَ به دنسًا وازدرى بروح النعمة" (عب ١٠ : ٢٩). ولهذا أيضًا يدعو الدم بأنه "دم العهد الأبدي" (عب ١٣ : ٢٠)، "وَجَدَ لنا فدائًا أبديًا ... فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب، يطهر ضمائركم من أعمالٍ ميتة لتخدمة الله الحي" (عب ٩ : ١٢ ، ١٤). إنه ليس مثل دم الذبائح الحيوانية في العهد القديم التي تعطي طهارة طقسية مؤقتة، بل دم ابن الله نفسه الذي له تأثيرًا أبديًا باقيًا.

إن هذا ما يؤكده بطرس أيضًا ولكن من زاوية أخرى بقوله "افتديتم لا بأشياء تفنى، بفضة أو ذهب ... بل بدم كريم، كما من حملٍ بلا عيب ولا دنس، معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم، ولكنه قد أظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم" (١ بط ١ : ١٨ – ٢٠). فدم المسيح معروفًا قبل تأسيس العالم، ثم أظهر في الأزمنة الأخيرة، ليظل له فعالية أبدية، ذلك لأن له قيمة غير محدودة من حيث الزمان. فدم المسيح معروفًا قبل بدء الزمان والمكان، ثم أظهر في الأزمنة الأخيرة، ويظل فعالاً إلى الأبد.

إن آثار كفارة المسيح باقية إلى الأبد وليست مجرد وسيلة إلى غاية. إن تقول أن التبرير، أو أي جانب من جوانب الخلاص القضائي، هو مجرد وسيلة إلى غاية، هو نوع من الإنكار أو الإقلال من القيمة الأبدية لعمل المسيح.

التداخل بين كون التبرير وسيلة وغاية سببه طبيعة ارتباطنا بالمسيح البار

بما أن المسيح بار، ويظل بار إلى الأبد، وبما أننا نظل متحدون به إلى الأبد، إذًا، فإن البر الذي أخذناه منه عند اتحادنا به، يظل لصيقًا بنا إلى الأبد. إن بر المسيح الذي له بسبب كونه إله كلي القداسة، وبسبب كونه إنسان بار، غير منفصل عن التبرير الذي أخذناه منه. فبر المسيح الشخصي هو أساس التبرير الذي حصلنا عليه. فلكونه إله كلي البر، ولكونه إنسان بار، فإن لعمله الكفاري قيمة عظمى لتبريرنا. فهو الله البار الذي أعطى قيمة لامحدودة لعمه الكفاري. وهو الإنسان البار يسوع الذي كان سجله نظيفًا أمام الله فإستطاع أن يكون بديلاً. هذه القيمة العظمى إذًا تظل باقية طالما نحن مرتبطون به. ولن يفصلنا عنه شئ أيًا كان. عندما تتزوج العروس تأخذ ما لعريسها من كرامة وأمجاد وغنى. بل وتحمل اسم عائلته أيضًا كما يحدث في الغرب. وتظل في هذه المكانة طالما بقيت متحدة بالعهد معه. من السخافة أن تقول أنها فقط في علاقة اتحاد به أو تسكن معه ولا تحمل كراماته أو غناه.

أن تقول، إذًا، أن الخلاص القضائي هو وسيلة إلى غاية هو أن تطعن في الاتحاد الأبدي بين البار والمبررين. المسيح يظل بار إلى الأبد وهكذا من هم متحدون معه.

التداخل بين كون التبرير وسيلة وغاية سببه طبيعة التبرير نفسه

إن الكتاب المقدس يتحدث عن التبرير كصفة، فيصف من هم في علاقة مع الله على أنهم "أبرار". فالعهد الجديد يصف من تبرروا بأنهم "أبرارًا". مثل قوله "لأنه معلن فيه بر الله بإيمان لإيمان كما هو مكتوب: أما البار فبالإيمان يحيا" (رو ١ : ١٧). إن من تبرر صار بارًا إلى الأبد. وأصبح البر صفة لصيقة به إلى ما لا نهاية. يقول أيضًا كاتب العبرانيين في سياق إظهاره أمجاد ذبيحة المسيح الأبدية "قد أتيتم إلى ... كنيسة أبكار مكتوبين في السماوات، وإلى الله ديان الجميع، وإلى أرواح أبرار مُكَمَّلِين، وإلى وسيط العهد الجديد، يسوع، وإلى دم رش يتكلم أفضل من هابيل" (عب ١٢ : ٢٢ – ٢٤). إن كلمة "أبرار" في النصين السابقين ترد كصفة في الأصل اليوناني.

إن التداخل بين كون التبرير وسيلة وغاية يتأكد لنا من حديث الكتاب المقدس عن الذنب كعري وعن الأعمال الصالحة كثياب قذرة وعن التبرير كثياب نظيفة. فهناك ارتباط بين الإحساس بالعري وبين دخول الخطية، وبين الذبيحة التي تستر العري. الذنب هو الإحساس بالعري والخزي الروحيين أمام الله. وورق التين هو محاولات البر الذاتي الفاشلة في تغطية الخزي والذنب. والتبرير هو الاكتساء أمامه بعمل الذبيحة. إن هذه الخلفية تفسر لنا لماذا يصور الكتاب المقدس أعمال الإنسان ومحاولاته في التبرير أمام الله على أنها ثيابًا قذرة، وأن البر الموهوب لنا بعمل المسيح هو الثياب النظيفة الجميلة التي نلبسها. لهذا كان يُرش الدم في يوم الكفارة على غطاء التابوت الذي يحوي لوحي الشريعة. إن ناموس الله الذي كان يتم التعدي عليه في حاجة إلى تغطيته بالدم. وقد استخدم بولس هذا المعنى في قوله "متبررين مجانًا بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة (هيلاستيريون) بالإيمان بدمه، لإظهار بره ..." (رو ٣ : ٢٥). كلمة "هيلاستيريون" هي الكلمة المستعملة في السبعينية لترجمة "غطاء التابوت" (خر ٢٥ : ١٧، لا ١٦ : ٢).

في النصوص الآتية لاحظ هذا الترابط التعليمي: ١ – الإنسان في حالته الطبيعية مثقل بإحساس الخزي والذنب والعري الروحي أمام الله، ٢ – الإنسان يحاول علاج هذا الأمر من خلال بر ذاتي ليس سوى ثيابًا قذرة أمام الله، ٣ – الله يخلص الإنسان بأن يكسوه ببر المسيح وبأن يبيض ثيابه في دم الحمل:

كَهَنَتَهَا أُلْبِسُ خَلاَصًا، وَأَتْقِيَاؤُهَا يَهْتِفُونَ هُتَافًا. (المزامير ١٣٢: ١٦)

فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا. (إشعياء ٦١: ١٠)

وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا، وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ، وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا. (إشعياء ٦٤: ٦)

وَأَرَانِي يَهُوشَعَ الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ قَائِمًا قُدَّامَ مَلاَكِ الرَّبِّ، وَالشَّيْطَانُ قَائِمٌ عَنْ يَمِينِهِ لِيُقَاوِمَهُ. فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ يَا شَيْطَانُ! لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ الَّذِي اخْتَارَ أُورُشَلِيمَ! أَفَلَيْسَ هذَا شُعْلَةً مُنْتَشَلَةً مِنَ النَّارِ؟». وَكَانَ يَهُوشَعُ لاَبِسًا ثِيَابًا قَذِرَةً وَوَاقِفًا قُدَّامَ الْمَلاَكِ. فَأَجَابَ وَكَلَّمَ الْوَاقِفِينَ قُدَّامَهُ قَائِلاً: «انْزِعُوا عَنْهُ الثِّيَابَ الْقَذِرَةَ». وَقَالَ لَهُ: «انْظُرْ. قَدْ أَذْهَبْتُ عَنْكَ إِثْمَكَ، وَأُلْبِسُكَ ثِيَابًا مُزَخْرَفَةً». فَقُلْتُ: «لِيَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةً طَاهِرَةً». فَوَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ الْعِمَامَةَ الطَّاهِرَةَ، وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابًا وَمَلاَكُ الرَّبِّ وَاقِفٌ. (زكريا ٣: ١-٥)

فَلَمَّا دَخَلَ الْمَلِكُ لِيَنْظُرَ الْمُتَّكِئِينَ، رَأَى هُنَاكَ إِنْسَانًا لَمْ يَكُنْ لاَبِسًا لِبَاسَ الْعُرْسِ. فَقَالَ لَهُ: يَا صَاحِبُ، كَيْفَ دَخَلْتَ إِلَى هُنَا وَلَيْسَ عَلَيْكَ لِبَاسُ الْعُرْسِ؟ فَسَكَتَ. حِينَئِذٍ قَالَ الْمَلِكُ لِلْخُدَّامِ: ارْبُطُوا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ، وَخُذُوهُ وَاطْرَحُوهُ فِي الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. (متى ٢٢: ١١-١٣)

فَقَالَ الأَبُ لِعَبِيدِهِ: أَخْرِجُوا الْحُلَّةَ الأُولَى وَأَلْبِسُوهُ، وَاجْعَلُوا خَاتَمًا فِي يَدِهِ، وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ، (لوقا ١٥: ٢٢)

لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ (غلاطية ٣: ٢٧)

عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ، فَسَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ. مَنْ يَغْلِبُ فَذلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا، وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَسَأَعْتَرِفُ بِاسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ. أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ. (رؤيا ٣: ٤، ٥، ١٨)

وَأجَابَ وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ قَائِلاً لِي:«هؤُلاَءِ الْمُتَسَرْبِلُونَ بِالثِّيَابِ الْبِيضِ، مَنْ هُمْ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَوْا؟» فَقُلْتُ لَهُ:«يَا سَيِّدُ، أَنْتَ تَعْلَمُ». فَقَالَ لِي:«هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ (رؤيا ٧: ١٣، ١٤)

عندما يلبس الإنسان بر المسيح، المُحتسب له، فإن يظل مكتسيًا به إلى الأبد. ليس مجرد وسيلة إلى غاية. بل ذات غاية عمل الله الفدائي هو أن نظل ظاهرين أمامه بمجد المسيح البار. أن نظل نعكس أمجاد وجمال هذا الثوب البهي إلى الأبد. أنت لا تخلع ثوب العرس بمجرد دخولك إلى هناك، بل تظل لابسًا له مفتخرًا به. إن عدم وجود ثياب العرس علينا يعني أننا مدانون. وهكذا يظل التبرير صفة نتزين بها إلى الأبد.

أخيرًا، جسد المسيح الممجد سيظل يحمل آثار الآلام كعلامة خالدة

إن العهد الجديد يخبرنا أنه بعد أن قام الرب يسوع المسيح من الموت ظلت آثار المسامير وآثار الحربة باقية في جسده الممجد (لو ٢٤ : ٣٩ – ٤١، يو ٢٠ : ١٩ – ٢٥). إنه أمر لا ينبغي أن نمر عليه مرور الكرام أن تظل آثار الآلام والجروح باقية في الجسد الممجد للرب يسوع. ففي هذا تعليم بأن مركزية الكفارة العقابية ستظل باقية إلى الأبد لهذا ستظل الجروح شاهدة عليها. إنها ستظل علامة خالدة في جسده الطاهر تخبر طول الأبدية عن طبيعة الله وعمله الفدائي. لنفس هذا السبب يصور سفر الرؤيا المسيح في المجد على أنه "خروف مذبوح" (رؤ ٥ : ١٢). ولهذا ستظل ترنيمة الملائكة والمفديين إلى الأبد "مستحق هو الخروف المذبوح ... القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة". والسبب في نفس القرينة "لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة" (رؤ ٥ : ٩).

إن الدم والجروح يظلان أساس العهد مع الرب والسكنى معه إلى الأبد. فعند توثيق الرب لعهده مع إسرائيل يقول "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية" (خر ٢٠ : ٢). عندما كان يدخل الملك في معاهدات مع ملوكًا أقل منه أو مع شعبه كان يبدأ توثيق عهده معهم من خلال التعريف بنفسه وبتاريخه وإنجازاته لهم. لقد دخل الرب في عهد أبدي مع شعبه وأساس هذا العهد هو عمله الفدائي. وسيظل هذا العمل الفدائي الأساس الباقي والراسخ للعهد الأبدي. إن الرب سيظل إلى الأبد مخلصنا الذي حررنا من العبودية وسنظل نحن مخلصون إلى الأبد. لقد خرج إسرائيل "من" مصر "إلى" أرض الموعد لكن تظل آثار الخروج باقية إلى الأبد (أنظر مقال آخر بعنوان: "الخروج أكثر من مجرد حدث تاريخي واحد").

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس