سي إس لويس كاثوليكي يؤمن بالمطهر والصلاة من أجل الموتى والخلاص بالأسرار




عندما نقول أن هذا الواعظ أو ذاك المُعَلِّم كاثوليكي نهدف أكثر من مجرد التمييز الطائفي. إذ نقصد التمييز العقيدي الخطير بين ‏البروتستانتية والكاثوليكية من حيث عقيدة الخلاص أولاً وقبل كل شئ. فالفرق بين البروتستانتية والكاثوليكية كالفرق بين السماء ‏والأرض. وبين النعمة والناموس. الكاثوليكية تعلّم بالتبرير من خلال الإيمان والأعمال معًا. وتعتقد بالخلاص من خلال الأسرار. وتضع ‏القديسيون والعذراء على نفس المستوى مع المسيح. وتنادي بصكوك الغفران والمطهر. ولها نزعة صوفية علّم بها ومارسها كاثوليك القرون ‏الوسطى. في حين أن المنهج الإنجيلي المصلح يعلّم بالتبرير بالإيمان وحده. وأنه لا قيمة خلاصية للأسرار ومن ثم فلا حاجة للمذبح أو ‏الكهنوت لكون التبرير والتقديس متوقفان على فعالية كلمة الله بعمل الروح. وأن له لا مكانة خلاصية أو شفاعية للقديسين أو العذراء. ‏كما أنه لا يوجد فرصة للخلاص بعد الموت. ‏

سي إس لويس، فضلاً عن أنه لم يعلم بالتبرير بالإيمان وحده، فقد علّم بالكثير من التعاليم الكثوليكية السابق ذكرها: السرائرية، المطهر، الصلاة من أجل الموتى، ورأى أن الخلاف بين العقيدتين ‏الإنجيلية والكاثوليكية اختلافًا فرعيًا وليس جوهري. فضلاً عن أنه طعن في البدلية العقابية مثلما يرفضها الكاثوليك. وحول هذه ‏النقطة الأخيرة يوجد مقال آخر مستقل بعنوان "سي إس لويس ينكر البدلية العقابية". ‏

تقول المجلة الأمريكية الشهيرة "المسيحية اليوم":‏

‏"كان كلايف ستابلز لويس (سي إس لويس) أي شيء ماعدا إنجيليًا كلاسيكيًا، سواء من الناحية الاجتماعية أو اللاهوتية. كان يدخن ‏السجائر والغليون، وكان يزور الحانات‎ pubs ‎بانتظام لشرب البيرة مع أصدقاءه. على الرغم من أنه شارك المعتقدات المسيحية ‏الأساسية مع الإنجيليين، إلا أنه لم يوافق على العصمة الكتابية أو البدلية العقابية. وكان يؤمن بالمطهر، وبالتجديد بالمعمودية‎ ‎‏(الاعتقاد ‏بأن المعمودية تعطي الولادة الجديدة وتزيل الخطية الأصلية)". ‏‎[1]‎

لويس حقًا طعن في عصمة الكتاب المقدس إذ وصف عبارات الدينونة أو اللعنة التي وردت على لسان داود في سفر المزامير بأنها حقيرة وشيطانية. وشكك في تاريخية أسفار كأيوب ويونان وإستير. راجع مقال آخر بعنوان "سي إس لويس عن الوحي والعصمة وتاريخية بعض أسفار الكتاب المقدس". ولكن أود التركيز هنا على اعتناق لويس لذات التعاليم التي رفضها المصلحون ورأوا أنها تقوض الخلاص بالنعمة وحدها من خلال وسائطية الإيمان وحده.

ولنأخذ أولاً تعليم لويس بالسرائرية ‏Sacramentalism‏ أي عقيدة الكنيسة الطقسية بأن الخلاص (القضائي) يتم من خلال ‏ممارسة الأسرار والتي أهمها سري المعمودية والإفخارستيا (مائدة الرب). وفي هذين الأمرين بالذات اختلف الإصلاح البروتستانتي ‏اختلافًا جوهريًا مع كنيسة روما. إذ كان المصلحون شديدي الحرص على إنكار أية فعالية للأسرار في التبرير أمام الله. إلا أن سي إس ‏لويس له رأيًا آخر. ففي رسائله إلى مالكوم، يحاول أن يبدو أنه يأخذ موقفًا وسطًا بين المنهج البروتستانتي الذي يعتبر عشاء ‏الرب رمزًا، وبين المنهج الكاثوليكي السرائري، الذي يعلّم بأن الإفخارستيا تنقل لنا حياة المسيح. إلا أنه يظل منكرًا لكونها مجرد ‏رمز من ناحية، ويقول أنها توحدنا معه من ناحية أخرى. يقول لويس:

‏"لا أعرف ولا أستطيع أن أتخيل ما فهم التلاميذ أن ربنا يقصده عندما أعطاهم الخبز والخمر، قائلًا إنهما جسده ودمه، بينما لم يُكسر ‏جسده ولم يُسفك دمه بعد. لا أستطيع أن أجد في أنماط فهمي البشري أي علاقة بين أكل إنسان – وحقًا أن الرب كإنسان له جسد – ‏وبين الدخول في أي وحدة روحية أو شركة معه. وأجد ‏‎‘‎الجوهر‎’‎‏ (بالمعنى الذي قصده أرسطو)، عندما يُجَرَّد من أعراضه (صفاته ‏الخارجية) ثم يُمنح أعراض (مظاهر) جوهر آخر، أمرًا لا أستطيع أن أتفهمه (ولويس هنا يقصد أن الخبز والخمر تظل لهما الخصائص ‏الخارجية بينما لهما جوهر جسد ودم المسيح) ... من ناحية أخرى، لا أتفهم أيضًا أولئك الذين يخبرونني أن العنصران هما مجرد خبز ‏وخمر، يُستخدمان بشكل رمزي لتذكيرني بموت المسيح ... لكن، كما يبدو لي، سيكون من التجديف افتراض أنها اعتباطية. أعتقد جيدًا ‏أنه يوجد في الواقع ملاءمة، بل وضرورة، في اختيارهما. لكنه يظل (أمرًا) مخفيًا بالنسبة لي. مرة أخرى، إذا كانا العنصران، وإذا كان ‏الفعل بأكمله، مجرد ذكرى، فسيبدو بناء على ذلك أن قيمته يجب أن تكون نفسية بحتة، ومعتمدة على حساسية المتلقي في لحظة ‏الاستقبال". ‏‎[2]‎

وإن لم يكن موقف لويس من السرائرية واضحًا بالقدر الكافي في النص السابق (ورغم ذلك قال أنها توحدنا مع المسيح وهذه هي فحوى ‏العقيدة الكاثوليكية وأنكر أنها مجرد رمز)، إلا أنه ذَكَرَ في "المسيحية المجردة" ما يدل على أنه ينسب فعالية خلاصية لكل من المعمودية وعشاء الرب:‏

"هناك ثلاثة أشياء تمد حياة المسيح إلينا: المعمودية، والإيمان، وهذا العمل الغامض الذي يسميه مختلف المسيحيين بأسماء مختلفة – ‏المناولة المقدسة، والقداس، والعشاء الرباني ... وأنا لا أقول أي من هذه الأشياء هو الأكثر أهمية. إذ يود صديقي الميثوديستي أن أقول ‏المزيد عن الإيمان وأقل (بالتناسب) عن الاثنين الآخرين. لكنني لن أخوض في ذلك. أي شخص يصرح أنه يعلمك العقيدة المسيحية ‏سيخبرك، في الواقع، أن تستخدم الثلاثة، وهذا كافٍ لغرضنا الحالي"‏‎.‎‏ ‏‎[3]‎

إن لويس ينسب فعالية خلاصية لكل من المعمودية ومائدة الرب بقوله "تمد إلينا حياة المسيح". وهذا ادعاء بخلاف مع علّم به ‏المصلحون أن فريضتا المعمودية وعشاء الرب هما رمزان أو علامتان لنعمة غير منظورة. لويس أيضًا يرى أن مفهوم "العشاء ‏الرباني" يساوي مفهوم "القداس". ولكن القداس مختلف كل الاختلاف عن المفهوم الإنجيلي لعشاء الرب. فالقداس مؤسس على صلاة ‏كهنوتية لها فعالية (مزعومة) لتحويل عنصرا الفريضة إلى جسد ودم حقيقيين وأن من يأخذهما ينال الحياة. أخيرًا وليس آخرًا، ‏المسيحي حقًا يستخدم الثلاثة: الإيمان والمعمودية ومائدة الرب. إلا أن المسيحي يستخدم الإيمان وحده كواسطة للتبرير. ثم بعد أن ‏يتبرر يستخدم الفريضتان لكي ينمو في الإيمان ويتقدس بهما. ‏

علّم لويس أيضًا بالمطهر الكاثوليكي: ‏

"أنا أؤمن بالمطهر ... المنظور الصحيح يرجع بشكل رائع إلى حلم نيومان. هناك، إذا كنت أتذكر جيدًا، فإن الروح المُخَلِّصَةَ، عند ‏أسفل العرش، تتوسل بأن يتم أخذها وتطهيرها. لا يمكنها ‘بظلامها مواجهة ذلك النور’ لحظة واحدة ... أرواحنا تطلب المطهر، أليس ‏كذلك؟"‏. [4]

وتعليم لويس بالمطهر مرتبط بالاعتقاد أنه يوجد فرصة أخرى للخلاص بعد الموت. وهذا أيضًا ما قاله لويس صراحة في كتابه "الطلاق العظيم":

"أليست الدينونة نهائية؟ هل هناك حقًا طريق للخروج من الجحيم إلى السماء؟ هذا يعتمد على طريقة استخدامك للكلمات. إذا تركوا تلك ‏المدينة الرمادية وراءهم فهي ليست الجحيم. وكل من تركها فإنه المطهر. وربما كان من الأفضل ألا تدعوا هذه البلاد بالسماء"‎.‎

"لا يمكنك أن تعرف شيئًا عن نهاية كل الأشياء، أو لا تعرف شيئًا يمكن التعبير عنه بهذه المصطلحات (ولويس يقصد أنها أمور مبهمة تفوق وصفها بالتعبيرات البشرية). قد يكون الأمر، كما قال الرب ‏للسيدة جوليان، أن كل شيء سيكون على ما يرام، وكل شيء سيكون على ما يرام، وستكون حالة الأشياء كلها على ما يرام. لكن ‏الحديث عن مثل هذه الأسئلة أمر سئ. ‘لأنها أمور رهيبة جدا يا سيدي؟’ لا! ولكن لأن كل الأجوبة خادعة". [5]‏

إن كان لويس يعتقد بالمطهر، وبوجود فرصة أخرى للخلاص بعد الموت، فإن اعتقاده بالصلاة من أجل الموتى يأتي بالاتساق مع هذا المنظور:

"بالطبع أصلي من أجل الموتى. هذا الفعل عفوي للغاية، إنه أكيد للغاية، لدرجة أن البرهان اللاهوتي الأكثر إفحامًا ضده هو وحده الذي ‏سيثني البشر عن ذلك. وأنا لا أعرف كيف ستصمد صلاتي إذا كانت تلك التي من أجل الموتى ممنوعة".‏ [6]

فضلاً عن سرائرية لويس، وتعليمه بالمطهر والصلاة من أجل الموتى، فهو لم يكن يرى فرقًا جوهريًا بين البروتستانتية والكاثوليكية طبقًا لما ذكره في كتابه "المسيحية المجردة". إن فحوى كتابه هي الحديث عن نسخة من المسيحية مجردة من الخلافات الطائفية. أو الأرضية المشتركة التي تجمع بين المسيحيين. فالإنسان عندما يؤمن بالمسيح يدخل إلى القاعة الرئيسية في البيت (المسيحية المجردة). ومن القاعة الرئيسية سيجد غرف أخرى متفرعة منها (الطوائف). الجميع إذًا داخل البيت. ولكن من هم داخل البيت يستطيعون اختيار الحجرات (الطوائف، العقائد) الخاصة بهم. إلا أنه هذا ليس ما اعتقده المصلحون الذين رأوا الخلاف مع كنيسة روما اختلافًا جوهريًا كما ذكرنا أعلاه. إن الاختلاف بين البروتستانتية والكاثوليكية اختلاف على ذات جوهر الإنجيل. فبينما يعلم كلا المنهجان بضرورة المسيح (فيما عدا كاثوليكية مجمع الفاتيكان الثاني التي تنادي بالشمولية وبهذا فهي استغنت عن ضرورة المسيح)، إلا أنهما يختلفان جوهريًا حول كفاية المسيح. الكاثوليكية تضع الإيمان إلى جوار الأعمال، واستحقاق المسيح إلى جوار استحقاقات القديسين والعذراء، وتحمل المسيح للدينونة إلى جوار تحمل الإنسان لدينونة المطهر. إن هذا منهج يطعن في كفاية المسيح بصورة جوهرية.

هذا الافتتان البروتستانتي بـ سي إس لويس إذًا هو غير مبرر. لأنه إن كان هذا هو التعليم الذي ينادي به لويس فهو في تضاد مع الكتاب المقدس والتعليم القويم والمنهج المصلح. إذا علينا أن نعرف حقيقة منهج لويس ولا سيما أن له مروجون كثيرون مثل ماهر صموئيل وأوسم وصفي. فأوسم وصفي ترجم له بعض الكتب. وماهر صموئيل نصح في إحدى عظاته بقراءة سي إس لويس. وأنا لا أحرم قراءة لويس أو أقول أن كل ما يقوله لويس خاطئ. فكما يقولون إن الساعة المتوقفة صحيحة مرتين في اليوم. ولست أنكر عبقرية لويس. ولكن هدفي فقط هو التحذير من مجمل تعاليمه المضادة للحق الكتابي والمنهج البروتستانتي. ولا سيما أننا نستطيع رصد تلك التعاليم الكاثوليكية في عظات ماهر صموئيل. على سبيل المثال، ففي فيديو بعنوان "كيف يكون المسيح قد أخذ عقوبتي بالموت الأبدي واستمر موته ثلاثة أيام؟" يتسائل ماهر صموئيل قائلاً ما المانع أن تكون عقوبة الجحيم مؤقتة. وفي عظة حديثة له عن التبرير في اجتماع شباب مصر الجديدة عَلّم بعقيدة البر المغروس التي يعلّم بها الكاثوليك. فضلاً عن التوجه اللاطائفي له. إن هذا الاتفاق بين ما عَلَّمَ به سي إس لويس وبين ما يقوله ماهر صموئيل ليس صدفة.

‎[1] Barnes, By Bob Smietana, with additional reporting by Rebecca. n.d. “C. S. Lewis Superstar.” ‎ChristianityToday.com. Accessed March 9, 2022. ‎https://www.christianitytoday.com/ct/2005/december/9.28.html.
[2] Lewis, Letters to Malcolm, HarperOne, Epub, 2017
[3] Lewis, Mere Christianity, HarperCollins e-book, p.61‎
[4] Lewis, Letters to Malcolm, HarperOne, Epub, 2017
[5] Lewis, The Great Divorce, HarperCollins e-book
[6] Lewis, Letters to Malcolm, HarperOne, Epub, 2017


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس