آلام المسيح وأمجاده التي بعدها: رسالة العهد القديم الواضحة

تكلم العهد القديم بوضوح عن آلام المسيح والأمجاد التي بعدها. عدم رؤية اليهود لآلام المسيح في العهد اقديم لأنهم كانوا متشبعين بفكرة الإنتصار العسكري للمسيا نظرًا لظروفهم السياسية، وعدم رؤيتنا نحن الآن للآمجاد، ولا سيما مجد المسيح كملك وقاضي بسبب تأثرنا بفكرة المسيح المحب فقط نظرًا لظروفنا الثقافية كمن نعيش في عصر التسامح (المزعوم)، وبسبب الفجوة الزمنية والمعرفية التي بيننا كمسيحيين وبين العهد القديم، لا ينفي في حد ذاته وضوح العهد القديم فيما يتعلق بآلام المسيح وأمجاده.

لقد رأى بولس أن قراءة العهد القديم بدون المسيح يدل على وجود برقع، وهذا البرقع لا يبطل إلا في المسيح "بل أُغلظت أذهانهم، لأنه حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باقٍ غير منكشفٍ، الذي يُبطل في المسيح" (٢ كو ٣ : ١٤). تطبيقًا لذلك، فإن اعتبار آلام المسيح والأمجاد التي بعدها الهيرمانوتيك الجوهري (المبدأ التفسيري) الذي ينبغي أن يُفَسَّر من خلاله العهد القديم، يفترض وضوح آلام وأمجاده في العهد القديم.

وليس أقل من الرب يسوع المسيح نفسه الذي علّم بوضوح العهد القديم فيما يتعلق بآلامه وأمجاده. إن حديثه مع تلميذي عمواس يثبت ذلك: "فقال لهما: أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء، أما كان ينبغي أن يتألم المسيح ويدخل إلى مجده؟ ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لو ٢٤ : ٢٥ - ٢٧). إن توبيخ الرب يسوع المسيح لتلميذي عمواس يعني أنهما كان من المتفرض بهما أن يعرفا أمرًا واضحًا كهذا. يعلق اللاهوتي جويل بيكي على هذا النص قائلاً: "لقد أُعْلِنَ عن اتضاع وتمجيد المسيح في جميع أنحاء العهد القديم بوضوح بحيث يكون الناس مذنبين أخلاقيًا إذا لم يروا ذلك".

بولس أيضًا، في احتجاجه أمام الملك أغريباس قال أنه لا ينادي إلا بما جاء في موسى والأنبياء. يقول بولس "وأنا لا أقول شيئًا غير ما تكلم الأنبياء وموسى أنه عتيد أن يكون: إن يُؤَلَّم المسيح، يكن هو أول قيامة الأموات" (أع ‎٢٦ : ٢٣). لاحظ أن بولس هنا يفترض وضوح ما تكلم به الأنبياء وموسى، والذي هو آلام المسيح ثم مجده، حتى أن بولس يقول أنه لا يتكلم بشىء آخر سواه.

في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس وفي سياق شرحه للإنجيل، يؤكد بولس على فكرة وضوح الخط اللاهوتي الذي يمتد عبر أنحاء العهد القديم، أي آلام المسيح والأمجاد التي تعقبها. يعلّم بولس أن المسيح "دُفِنَ، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب، فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضًا: أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب" (١ كورنثوس ١٥ : ٣ ، ٤). وهنا نجد مرة أخرى، أن الآلام (الموت)، والأمجاد (القيامة)، هما بحسب الكتب.

يؤكد بطرس أيضًا مسألة وضوح العهد القديم حول آلام المسيح وأمجاده: "الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء، الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم، باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم، إذ سبق فشهد للآلام التي للمسيح، والأمجاد التي بعدها" (١ بط ١ : ١١). إن الأنبياء عرفوا أن المسيح سيتألم ثم يُمجد فأخذوا يبحثون عن الوقت الذي سيتم فيه ذلك.

يتأكد لنا مما سبق أن موضوع آلام المسيح والأمجاد التي بعدها كان أمرًا واضحًا في العهد القديم. وعدم وضوحه لنا هو تقصير من طرفنا نحن وليس غموضًا في النصوص. كما أن هذا يعني، وهو الأمر الأهم على الإطلاق هنا، أن من خلصوا في العهد القديم خلصوا بناء على إيمانهم بأمجاد المسيا وآلامه. إن الفرق بيننا نحن مؤمني العهد الجديد وبين مؤمني العهد القديم ليس فرقًا في موضوع الإيمان الذي يخلص، بل في مدى وضوحه. لقد آمنوا بنفس النور الذي آمنا بهم. نورهم هم كان فجرًا أما نورنا نحن فهو نور الظهيرة. إنه نفس النور الذي نظروه من بعيد فحيوه وصدقوه. لا يوجد خلاص بدون المسيح، سواء في العهد القديم أو في العهد الجديد. ذلك لأنه ليس هناك مُعْلِن عن الخلاص، ومخلص، سوى الابن نفسه، في كلا العهدين. وليس هناك موضوع للخلاص، سوى آلام الابن وأمجاده التي بعدها، في كلا العهدين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس