حتى نادر شوقي الكاريزماتي لم تسلم منه البدلية العقابية

تقريبًا ساعة ونصف يمتدح في اللاهوت الشرقي والتأله ويطعن في الجانب القضائي من الخلاص، والمتمثل في غفران الخطايا والبدلية العقابية، واصفّا التعليم بأن المسيح تحمل عنا غضب الله على أنه هرطقة.

في مؤتمر إيمانيات المسيحيين الأوائل والعظة المعنونة "تجسد وتأله"، يضع نفس التركيز الذي يضعه أنصار الأرثوذكسية الشرقية على التجسد والقيامة، على حساب الصليب ومن ثم غفران الخطايا والبدلية العقابية. لدرجة أنه يرى أن مجئ المسيح في الجسد لم يزل يحدث:

"المسيحيين الأوائل ماكنوش بِيَرُوا التجسد قصة حصلت بالنسبة لهم ... كل ما تقرا كتب الآباء بصفة خاصة، التجسد مش أكشن حصل، التجسد حالة مستمرة. يسوع ما زال عمال بييجي في الجسد. يسوع جه في الجسد حقيقي ... بس يسوع عمال بيأتي في الـ ... وكانوا بيروا إن كل مرة بيقفوا قدام الرب كان بيحصل حالة تجسد. الكلمة صار جسدًا ... ‘حل بيننا’ مش مظبوطة، في الأصل ‘حل فينا’. الكلمة صار جسدًا وحل فينا. كلمة ‘حلّ’ هي ‘سكن’، عمل خيمته فينا ... الكنيسة كانت بتدرك إن التجسد حالة مستمرة شغالة جوة الكنيسة عشان كده الكنيسة عمالة تتغير ... الكنيسة عمالة تجري طول الوقت وراء الرب عشان يزداد التجسد بتاع يسوع فيها ... الكنيسة في حالة استقبال للتجسد المستمر ... يسوع أخدهم فيه عشان هما يبقو هوّ".

طبعًا هذا تخريف وتجديف، لأنه يزيل الفرق بين الخالق والمخلوق. مجئ المسيح في الجسد مختلف عن حلوله أو حضوره أو اتحاده بالكنيسة. الأول هو اتحاد اللاهوت بالناسوت بحيث أن شخص الابن اتحد بطبيعة بشرية والتصق بها إلى الأبد. وعلى قدر عظمة اتحاد المسيح بالكنيسة إلا أنها ليست شخصًا واحدًا معه كاتخاذه لطبيعة بشرية في التجسد. إن اتحاد اللاهوت بالناسوت جعلنا نقول بكل ثقة أن يسوع هو الله. في حين أننا لا نستطيع في نفس الوقت أن نقول أن الكنيسة هي الله (رغم اتحادها بالمسيح اتحاد أبدي). إذ يعد التصريح الأخير نوع من التجديف وإزالة للفرق الخطير بين الخالق والمخلوق. الرب يسوع المسيح هو الله المتحدان في شخصه الألوهية والبشرية. الابن المتجسد متحد بالكنيسة لكن الكنيسة ليست هي الله. كما أن تصور المسيح في الكنيسة لا يعني أنه مجئ له في الجسد. ذلك لأن جسده يظل محدود لم يفقد خصائصه البشرية. لكن يبدو أن الضرورة استدعت لدى صاحب هذا الادعاء أن يزيل الفارق الخطير بين تجسد الابن من ناحية، وبين اتحاده بالكنيسة بعد التجسد من ناحية أخرى، حتى يقحم أيديولوجية التأله على الحق المسيحي.

ثم يطعن في البدلية العقابية مستخدمًا قول كاتب العبرانيين "ذبيحة وقربانًا لم ترد، ولكن هيأت لي جسدًا" (عب ١٠ : ٥). مدعيًا أنه "في كل العهد القديم الفوكس (التركيز) ذبيحة الخطية، في العهد الجديد الفوكس هو جسد يسوع ... أنا جاي عشان المشيئة مش جاي عشان أقدم ذبيحة خطية (وكأن المسيح يقول ذلك!)". حتى أنه يستخدم هذا النص للهجوم على الصليب بصفة عامة والبدلية العقابية بصفة خاصة لدرجة تهميش ورفض ذبيحة المسيح والصليب. أي أن إرادة الله أنه كان يتجسد أكثر من أن يُصلب.

ولكن، هل كاتب العبرانيين هنا يقول أن الله لم يرد ذبيحة المسيح، أم أنه لم يرد ذبائح العهد القديم المتكررة ذات التأثير الوقتي؟ بل إن أي مسيحي فاهم كتابه المقدس بصورة جيدة لا يستطيع أن ينفي عن الرب أنه راد ذبائح العهد القديم. ذلك لأنها كانت إرادته ومشيئته التي أمر بها في ناموسه (سفر اللاويين بأكمله!) إلى أن تأتي ذبيحة المسيح الكاملة والأبدية "مرة وإلى الأبد". وهذا هو موضوع العبرانيين؛ أفضلية ذبيحة المسيح على ذبائح العهد القديم الوقتية المتكررة، وليس نفي الضرورة أو الحاجة إلى ذبيحة المسيح كما يتم التعليم زورًا. بل إن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك. إن كاتب العبرانيين اقتبس قول مزمور ٤٠ : ٦ – ٨ الذي يقول فيه أن الله يريد الاستماع والخضوع له وليس الطقوس الجوفاء. إنه لا ينفي أن الله يريد الذبائح (فكيف ينفي داود التقي الذي قدم ذبائح هذا الأمر)، بل يريدها بالتوجه القلبي الصحيح. لا يريدها مُفْرَغَة من معناها. إلا أن كاتب العبرانيين أضاف إلى هذا النور نورًا جديدًا من خلال تطبيق النص على عدم فعالية الذبائح الحيوانية المتكررة. أي أن الله أراد ذبيحة المسيح الواحدة والكافية أكثر بكثير جدًا من الذبائح الحيوانية المتكررة التي لها فعالية مؤقتة. فضلاً عن ذلك، فإن ذات النص الذي يستخدمه نادر شوقي للتركيز على التجسد وللطعن في البدلية العقابية يربط الإثنان معًا مع التأكيد على الكفارة العقابية "فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع مرة واحدة" (١٠). لقد كانت مشيئة الله إذًا أن يأتي الابن ويتخذ جسدًا ويصلب كبديل.

يواصل نادر شوقي كلامه متوقعًا اعتراض السامع على هذه التعاليم غير الكتابية:

"هو يسوع مش كفارة لخطايانا؟ مِيَّة في المِيَّة، لكن كل القصة دي عشان فقط كفارة لخطايانا؟ لأ. فرق ضخم جدًا بين إنجيل الكفارة، وبين إنجيل التجسد وإنجيل الغلبة. بالمناسبة الإنجيل اللي كانوا بيركزوا عليه في الكنيسة الأولى كان إنجيل الغلبة. لو كان كل اللي بيكرزوا بيه هو إنجيل الكفارة ويقفوا قدم نيرون ويقولهم: إنتوا مسيحيين هقتلكم. ولو القصة كلها بس كانت خطية، كانت ناس كتير يمكن سابت المسيحية. لكن الإنجيل اللي كان بِيُكرز بيه إنجيل غلبة، لما كانوا بيقفوا قدام نيرون كانوا بيقولوا إحنا غالبين".

طبعًا واضح جدًا تهميش البعد القضائي لصليب المسيح والطعن في الخلاص من دينونة الخطايا. والأدهي هو الادعاء بأن هناك إنجيل للتجسد. وهل التجسد إنفصل عن الصليب حتى أن هناك إنجيل تجسد وإنجيل كفارة؟ أم أنهما نسيجًا واحدًا في العمل الفدائي الواحد؟ في نفس سياق التجسد والذي دُعي فيه المسيح "عمانوئيل"، أي الله معنا، أُخبرنا بأن تجسده كان لكي "يخلص شعبه من خطاياهم" (مت ١ : ٢١ - ٢٣). وسر التقوى العظيم (التجسد) مرتبط ارتباط شديد ومركزي بالصليب "وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فيلبي ٢ : ٦ - ١١).

وفي العبارة التالية يتضح جدًا الغرض من الطعن في الصليب والكفارة العقابية:

"الهدف من الفداء ... رومية ٨ ... ليكونوا مشابهين صورة ابنه ... الهدف ثيوسيس. لما كتبوا كتاب إن هدف الفداء هو التأله ماكنوش بيهرطقوا".

ولكن ما قلته سابقًا سأقوله هنا أيضًا. إن تبرير المسيح لنا ليس وسيلة إلى غاية، بل غاية في حد ذاته. فستظل في يديه آثار المسامير وفي جنبه آثار الحربة إلى الأبد (لو ٢٤ : ٤٠، يو ٢٠ : ٢٠). وسيظل هو الخروف الذي في وسط العرش (رؤ ٧ : ١٧). وسنظل نحن متسربلون بثياب بره إلى الأبد (زكريا ٣ : ٤، رؤ ٧ : ١٤). وستظل صفتنا "أبرارًا" (رو ٥ : ١٩)، أي متبررين بكفارته إلى الأبد.

ثم يقرأ نادر شوقي أقوال الآباء من كتاب "تأله ناسوت الرب يسوع" لجورج حبيب بباوي لإثبات التأله. من المفترض أن الحركة الكاريزماتية هي حركة بروتستانتية بصفة عامة لأنها تجد جذورها في حركة القداسة لجون ويسلي. إلا أن نادر شوقي بذلك يتنصل من الجذور البروتستانتية. الأدهى من ذلك أنه يدعي أن الكنيسة الشرقية لم تتلوث بالفلسفات اليونانية والرومانية ولهذا لديها الإنجيل النقي. بينما الكنيسة الغربية هي التي تلوثت بتلك الفلسفات، وهو يقصد بذلك الإصلاح البروتستانتي. يقول:

"اللي إحنا بنقوله ده بالنسبة للكنيسة الغربية لوغاريتمات ... لأن الكنيسة الغربية وصلت لها المسيحية بعد ما عدت بفيلتر اليونان وروما. الكنيسة الغربية ماستقبلتش المسيحية البيور اللي اتولدت في الشرق الأوسط. لكن استقبلت المسيحية بعد ما عدت ع الفلسفة بتاعة أرسطو واليونان".

ما هذا الهراء والتخريف؟ هل تردد كلمات سمعتها من أنصار الأرثوذكسية الشرقية بدون فهم؟ هل تعليم الكتاب المقدس بأن الله قاضي، وبأن الخطية ذنب، وأن أحد الجوانب المركزية للخلاص هو نجاة من دينونة الخطايا في الجحيم، هو تأثر بالمفاهيم اليونانية الرومانية؟ لو كان هكذا الحال إذا فأنت تقرأ كتابًا مقدسًا غير الذي نقرأه. بل إن الأرثوذكسية الشرقية هي التي تأثرت بمفاهيم غير كتابية بتفريقها بين جوهر الله وطاقاته.

ثم يقول:

"الخلاص والتأله حاجة واحدة ... الإنجيل بتاع الكنيسة الأولى كان إنجيل الغالبين ... ماكانش إنجيل الكفارة لإرضاء الله ... ماعرفش عنك، بس سمعت هذه الجملة من قبل: إن ربنا كان غضبان جدًا، ويسوع بس وقف في النص عشان يهدي غضب الله من الفساد اللي في العالم ده، فيسوع كان لازم يدفع الدم ... فكان هذا الإله المتعطش للدم هِدِي عن البشرية لما ابنه سفك الدم ... دي هرطقة. دي مش قصة الخلاص بتاعنا. قصة الخلاص بتاعنا مش إن الابن سفك الدم عشان الآب يرضى عنا ... الكنيسة الأولى ماكانتش بتحكي عن كده خالص. والكتاب المقدس مش بيحكي عن كده خالص".

طبعًا هذه الصورة الكاريكاتورية التي يرسمها نادر شوقي للبدلية العقابية مقصودة ومغرضة للطعن والتشويه فيها. ذلك لأن كل من الآب والابن قدوسان يغضبان من الخطية. وكل من الآب والابن يحبان الإنسان. لهذا ضحيا كل منهما بصورة مختلفة. فالاب بذل ابنه (رو ٣ : ٢٦)، والابن بذل نفسه (يو ١٠ : ١٥، ١٧). هما نفس الجوهر ونفس الصفات. كلاهما، في الصليب، وفي نفس الوقت، كانا غاضبان من شر الإنسان، ويحبان الإنسان المقاوم والكاره لله. لهذا عمل كلاهما عملاً كفاريًا واحدًا؛ إذ أرسل الآب الذي يحب الإنسان ابنه الوحيد ليبذله ويضحي به، والابن الذي يحب الإنسان، ارتضى عن سرور وطيب خاطر، لأنه يحب الآب أولاً والإنسان ثانيًا، أن يتجسد ويتضع ليسترضي عدل الله، حتى يكون الله بار ويبرر من هو من الإيمان بيسوع (رو ٣ : ٢٦). أي لكي يكون الله عادلاً في تبريره الفاجر من خلال استيفاء العدالة باسترضاءها في البديل الذي سدد الدين.

إن كم التشويه لعمل الله هنا خطير. هل يُعتبر "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة خطية" (عب ٩ : ٢٢) تعطش للدماء؟ بل إن إنكار ‏ضرورة سفك الدم للخطية يدل على نظرة سطحية ومختزلة لقداسة الله وعدله. ويدل على تعطش لرغبة غير مشروعة (التأله) كتلك ‏التي كانت في جنة عدن "تصيران كالله". إن التركيز في الكتاب المقدس بعهديه على ‏الدم (٣٦١ في العهد القديم و ٩٧ في العهد الجديد) يعكس حقيقة قداسة الله التي لا تطيق الخطية. وعدله الذي لا يستطيع التغاضي عنها. أما عن سفك ابنه للدم فهو يعكس محبته التي ‏ارتضت للآب أن يتجسد ابنه حتى يسفك الدم كبديل عن الخطاة. إن نادر شوقي لا يطعن في صورة مختلقة عن الله وخلاصه، بل في ذات ما يعلنه الكتاب المقدس حول المسيح وعمله. إن قصة ‏الكتاب المقدس من أوله إلى آخره تُعَلّم بإله قدوس لا يستطيع أن يسكن مع الخطاة، فطرد الإنسان من جنته مدبرًا له الذبيحة. وطرد ‏إسرائيل من محضره في سبيين كبيرين واعدًا إياهم بالمسيا المتألم والممجد.‏

إن خلاصة ما يدعيه نادر شوقي هي أن الإنسان ليس مذنبًا يحتاج إلى بديل عقابي يتحمل عنه عقاب الخطية، بل مشروع إله، أي يحتاج إلى التأله، أن يصير إله ولو صغير. المسيح لم يتجسد ليكفر عن خطايا إنسان مذنب، بل ليؤله إنسان صالح أو على الأقل غير مذنب. هذه هي البدعة cult التي يدعو لها نادر شوقي.

أخيرًا، فإن ترويج نادر شوقي للتأله (على حساب البدلية العقابية) يأتي بالاتساق مع تركيزه على الإيمان على أنه قوة خالقة. ففي جوهر التعليم الكاريزماتي الخمسيني بأن "كلمة الإيمان" تخلق، لدرجة أن الله ملتزم بها إن خرجت من أفواهنا بالإيمان (كما يزعمون). ذلك لأنك عندما تنطق كلمات بالإيمان فأنت تنطق بها كإله يخلق واقعًا جديدًا. ولهذا الموضوع، أي علاقة التأله بالإيمان الذي يخلق، سأفرد مقال خاص.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس