تعليم "الآلهة الصغيرة"

تلخيص

‏– تُعَلِّم حركة "كلمة الإيمان" الكاريزماتية بأن الله عندما خلق آدم استنسخ إلهًا آخر مثله. وهذا الإله (آدم) عندما سقط خَسِرَ ‏ألوهيته لحساب الشيطان. لهذا تأنس الله، لكي يؤله الإنسان الساقط من جديد، أو ليعيد له ألوهيته المفقودة. الفداء إذًا هو إعادة تأليه ‏للإنسان.
‏– عندما ينطق المسيحي بكلمات الإيمان، فهو يخلق الواقع مثلما خلق الله بكلمته. المسيحي هو إله آخر أو مسيح آخر قادر على أن ‏ينطق بالوجود وبالخلق وبالتغيير.
‏– حركة كلمة الإيمان لها دعاة في مصر أيضًا. وإن لم يكونوا بنفس الجرأة والوضوح اللذان لدى نظرائهم الأمريكان، إلا أنهم ‏ينسبون للإيمان قوة خالقة منافسة لسلطان الله على الأرض. نادر شوقي، بتعليمه عن التأله (الثيوسيس)، ومن ثم قدرة ‏المسيحي على تغيير الأزمنة والواقع والتشريع والقضاء، هو مثال واضح على هذه الأيديولوجية.
‏– حركة كلمة الإيمان، بتعليمها عن إنسان متأله يستطيع أن ينطق بالوجود والتغيير والتشريع، تخطئ خطئين جوهريين: الأول ‏هو طمس الفارق الخطير بين الخالق والمخلوق وجعل الاختلاف بين المسيح والمسيحي هو اختلاف من حيث درجة الألوهة وليس ‏نوعها. الخطأ الثاني هو الطعن في، أو تهميش، الجانب القضائي من الخلاص، بما أن الفداء هو إعادة تأليه الإنسان.

*****

هل تسائلت من قبل عن سبب تركيز الكاريزماتيون والخمسينيون (وبالتحديد أنصار حركة "كلمة الإيمان") على الإيمان الذي يستطيع أن يخلق واقع جديد؟ وعن سبب كونهم ينسبون هذا الدور الضخم للإيمان؟ هل اختاروا الإيمان بصورة عشوائية ليضخموا به أم أنه مرتبط ومتسق مع باقي منظومتهم التعليمية؟ إن تركيز هذه المجموعات على الإيمان الذي له القدرة على الخلق ليس اعتباطيًا، بل يجد أساسه وخلفيته في الاعتقاد بأن الإنسان "إله" وإن كان إلهًا صغيرًا، وفي بعض الأحيان نسخة طبق الأصل من الله ومسيحه. فهو إلوهيم آخر ومسيح آخر. في السطور التالية سنوضح العلاقة التي تربط الألوهية المزعومة للإنسان وبين الإيمان الخالق لدى حركة "كلمة الإيمان" الكاريزماتية.


يلخص ديفيد كلاود (أحد نقاد الحركة الكاريزماتية) معتقد حركة "كلمة الإيمان" كالتالي:

"بشكل عام، تُعَلِّم حركة كلمة الإيمان أن الشفاء مضمون لأولئك الذين لديهم إيمان، وأن يسوع كان غنيًا وأنه يرغب لأتباعه أن يكونوا مزدهرون ماليًا، وأن الإيمان هو قوة خَالِقَة يمكن استخدامها لتشكيل عالم المرء، فعندما سقط آدم خسر طبيعة الله وأخذ طبيعة الشيطان، وأن الخلاص يتطلب إزالة طبيعة الشيطان من الجنس البشري، وأن المسيح لم يكفر عن الخطية بموته ودمه، بل بأخذ طبيعة الشيطان على الصليب ثم الذهاب إلى الجحيم والانتصار على الشيطان هناك والولادة الجديدة وبالتالي محو طبيعة الشيطان من الإنسان، وأن يسوع يؤسس جنسًا جديدًا من المسحاء الصغار الذين يتساوون معه ويمكنهم أن يفعلوا ما فعله".

جوستين بيترز، وهو قس أمريكي وأحد أكبر نقاد حركة كلمة الإيمان، يلخص فحوى هذا المذهب في النقاط التالية:

– خُلِقَ آدم كصورة طبق الأصل من الله.
– ولكن آدم سقط.
– وبسقوط آدم صودرت ألوهيته إلى الشيطان والله، ومن ثم فقد سلطانه أو أحقيته على الأرض.
– الشيطان هو الإله الشرعي لهذا الدهر.
– عندما يخلص الإنسان يستعيد ألوهيته مرة أخرى.

إن تلخيص كل من كلاود وبيترز ليس مبالغة من طرفهما أو ادعاءات لا صحة لها حول ما يعلم به أنصار كلمة الإيمان. فعندما نستعرض بعض تصريحات معلمي هذه الحركة سيتأكد لنا أن هذا حقًا ما يعلمون به. سأضع تصريحات أنصار هذه الحركة في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم سأقدم مثالان على أنصار هذه الحركة في مصر مع بعض التعليقات.

"إنه (بني هين مشيرًا إلى نفسه) إله صغير يسير في جسد صغير ويقول باسم يسوع. أتى الله من السماء (يقصد يسوع)، وصار إنسانًا، وصَيَّرَ البشر آلهة صغيرة. عاد (يسوع) إلى السماء كإنسان، ويَمْثُل أمام الآب كإنسان، وأواجه أنا الشيطان كابن الله. قال يسوع اذهبوا باسمي، لا تقل أنا عندي (كذا)، بل قل أنا هو I am ، أنا هو، أنا هو، أنا هو. كرروا ورائي هذا القول: بداخلي الإنسان الإله (يقصد يسوع). الآن، دعنا نقولها بصورة أفضل من ذلك؛ أنا الإنسان الإله (ويقصد أنه المسيح المتجسد)". (بيني هين)

"الإنسان ... خُلق على قدم المساواة مع الله، ويمكنه أن يقف في محضر الله دون أي وعي بالدونية ... جعلنا الله مثله قدر الإمكان ... لقد جعلنا على نفس مستوى الوجود الذي له … المؤمن يُسمى المسيح ... هذا ما نحن عليه؛ نحن المسيح!". (كينيث هايجن)
"المؤمن هو تجسد على قدر ما كان يسوع الناصري تجسدًا". (كينيث هايجن)

"لم يكن [آدم] مثل الله قليلاً. لم يكن مثل الله تقريبًا. لم يكن حتى خاضعا لله … آدم مثل الله بقدر ما تستطيع أن تتخيل، تمامًا مثل يسوع ... كان آدم، في جنة عدن، هو الله الظاهر في الجسد". (كينث كوبلاند)
"إن السبب في أن الله خلق الإنسان هو رغبته أن يستنسخ نفسه". (كينيث كوبلاند)
"عندما أقرأ في الكتاب المقدس عن الذي يقول ‘أنا’ هو I am ، أبتسم وأقول نعم، أنا هو أيضًا". (كينيث كوبلاند)

"هل تعرف ماذا يسميك الكتاب المقدس؟ إنه يقول أنك إلوهيم صغير، أنت إله صغير". (بولا وايت)
"يسوع هو الابن الوحيد المولود (من الآب)، فهو ليس وحده الابن الوحيد المولود، أنا ابن الله" لاري هوك مخاطبًا بولا وايت. ثم تهز بولا وايت رأسها لنفي أن يسوع وحده هو ابن الله معلقة على ذلك: "إنه البكر (أي أنه بكر الآلهة)".

"إذا كان كل شيء يعمل ثمرًا كجنسيه، فإننا نرى الآن أن الله يثمر الإنسان". (كريفلو دولار)
"بصفتنا كائنات روحية تمتلك طبيعة الله، لدينا القدرة على خلق الأشياء بكلماتنا تمامًا مثلما فعل الله (تكوين ١)". (كريفلو دولار)

"إن هذا أمرًا صادمًا! لكن يجب أن يُعطى الله الإذن للعمل في عالم الأرض هذا نيابة عن الإنسان ... نعم! أنت المتحكم في الأمور! فإذا كان الإنسان يملك السيطرة، فمن ذا الذي لم يعد يملكها؟ الله … عندما أعطى الله آدم السيادة، كان هذا يعني أن الله لم يعد له السيادة. لذلك، فإن الله لا يمكنه أن يفعل أي شيء على هذه الأرض إلا إذا سمحنا له أو أذننا له بالصلاة". (فريدريك برايس)

"مثلما تنجب الكلاب جراء والقطط هرر، فإن الله لديه آلهة صغيرة. إلى أن نفهم أننا آلهة، ونبدأ في التصرف مثل الآلهة الصغيرة، لا يمكننا إظهار ملكوت الله". (إيرل بالك)

"كلماتنا لها قوة خلاقة. عندما نُخرج الكلمات من أفواهنا، فإننا نمنحها الحق في أن تصير واقعًا. يوجد شفاء في فمك. المعجزة في فمك". (جويل أوستين)

هذا الفكر موجود لدى أنصار حركة "كلمة الإيمان" في مصر وإن لم يكن بنفس الإفصاح والوضوح الموجودان به لدى نظرائهم الأمريكان. فالأمريكان من الاتساق والصراحة والجرأة أن يعلنوا عن حقيقة مذهبهم. فنجد مثلاً الأب دانيال يعظ كثيرًا عن الإيمان الذي يستطيع أن يخلق واقع جديد ويعطي الأوامر لله (كما سنرى). ونجد أيضًا نادر شوقي الذي يعلّم صراحة بـ "التأله" (الثيوسيس) وأن المسيحي حامل للحضور الإلهي (ثيوفورس)، وبناء على ذلك يستطيع من خلال الإيمان الخالق أن يخلق واقعًا جديدًا ويغير الأزمنة ويعطي تشريعات وقضاء.

يقول الأب دانيال في هذين المقطعين:

"يعظم إنتصارنا على الحزن، على الهم، على المرض ... لن يخرج من فمي كلمات إنهزامية. دايمًا هتكلم كلام فيه إيمان، بإني منتصر، بإني ناجح ... لا يجب أن تخرج من أفواهنا كلمات إنهزامية. ما تقولش إن أنا هفشل، ماتقولش إن أنا هتغلب ... قول كلمات الإيمان، الرب هينجحني ... بإسم يسوع تخرج من شفاهنا كلمات الإيمان اللي تنقل الجبال". (فيديو بعنوان: كلمات الإيمان وليس الهزيمة – الأب دانيال)

لماذا حَرِصَ الأب دانيال هنا على تحذير مستمعيه ضد النطق بكلمات إنهزامية، وفي نفس الوقت التحريض على كلمات الإيمان والغلبة؟ السبب في ذلك هو أن كلماتك لها القدرة على خلق الواقع. صحيح أني لم أسمع أن الأب دانيال يقول أن المسيحي إيلوهيم آخر أو مسيح آخر، إلا أنه وصل إلى ذات النتيجة المؤسسة على هذا الفكر.

"لن تتحقق مشيئة الرب، لن أنتقل من الواقع المؤلم أو الصعب، إلى المستقبل التعويضي بدون ما أصلي بإيمان أن تتحقق هذه المشيئة ... ‘من جهة عمل يديّ أوصوني’ (إش ٤٥ : ١١)، وتجد في بعض الترجمات كلمة ‘اوصوني’ تأتي: أؤمروني. يعني إله كل نعمة شايف إن صلاتي لما يبقى فيها إيمان أَمْرْ ليه. لكي يحقق مشيئته. مشيئة الرب أيها الأحباء تظل معطلة لأن هو أراد هذا، إلى أن نتحد معه ... حينما تصلي هكذا مشيئة الرب تتحقق من جهة عمل يديّ ... لكني لن أعمل قبل أن تأمرني، أنا أأمر الرب؟ يقولك ده تعبير عن قوة الإيمان" (فيديو بعنوان: عندما يكون الواقع صعب – الاب دانيال)

مرة أخرى، ومع أني لم أسمع أو أقرأ الأب دانيال يقول صراحة أننا آلهة، أو أننا تألهنا (ومن يدري ربما قالها هنا أو هناك)، مثلما يقول أنصار كلمة الإيمان في أميريكا. إلا أنه وصل لنفس النتيجة التي وصلوا إليها؛ فإن (كلمات) إيمانك يخلق الواقع مثل الله، لهذا لا تتكلم كلامًا إنهزاميًا. كما أنك عندما تصلي فأنت تأمر الله أو تصدر الأوامر له. ومشيئته ليست مشيئة إله كلي السلطان، ليست مشيئة نافذة المفعول بغض النظر عن الإنسان، بل معطلة، والإنسان هو الذي يُفَعِّلَها بسلطان كلمات الإيمان الخالق. وبالمناسبة القراءة الصحيحة (طبقًا لأغلب الترجمات المحافظة والحديثة) للنص الذي اقتبسه الأب دانيال هي "كيف تجرأون على أمري (أو وصيتي) من جهة أبنائي وعملي؟".

إلا أن نادر شوقي يروج بأكثر صراحة وشراسة لفكرة التأله وكلمات الإيمان القادرة على أن تخلق مستقبل أو واقع. لاحظ هذه الكلمات الآتية التي قالها في عظته "تجسد وتأله":

"المسيحيين الأوائل ماكنوش بِيَرُوا التجسد قصة حصلت بالنسبة لهم ... كل ما تقرا كتب الآباء بصفة خاصة، التجسد مش أكشن حصل، التجسد حالة مستمرة. يسوع ما زال عمال بييجي في الجسد. يسوع جه في الجسد حقيقي ... بس يسوع عمال بيأتي في الـ(جسد) ... وكانوا بيروا إن كل مرة بيقفوا قدام الرب كان بيحصل حالة تجسد ... الكنيسة كانت بتدرك إن التجسد حالة مستمرة شغالة جوة الكنيسة عشان كده الكنيسة عمالة تتغير ... الكنيسة في حالة استقبال للتجسد المستمر ... يسوع أخدهم فيه عشان هما يبقو هوّ".

"الهدف من الفداء ... رومية ٨ ... ليكونوا مشابهين صورة ابنه ... الهدف ثيوسيس (التأله). لما كتبوا كتاب إن هدف الفداء هو التأله ماكنوش بيهرطقوا".

"الخلاص والتأله حاجة واحدة ... الإنجيل بتاع الكنيسة الأولى كان إنجيل الغالبين ... ماكانش إنجيل الكفارة لإرضاء الله".

إن نادر شوقي قال نفس ما قاله معلمي حركة كلمة الإيمان في أميريكا ولكنه صاغه بطريقته الخاصة. لقد قالوا أننا مسحاء، بينما يدعي شوقي أن التجسد لم يزل يحدث. وأن يسوع لم يزل يأتي بالجسد، وهو على ما يبدو فإنه لا يرى فرق بين يسوع نفسه وحضوره في المسيحي. وأن الهدف من الفداء لا كفارة الخطية، بل التأله، أن تصير إلهًا.

هذا التأكيد على ألوهية الإنسان سيوضح لنا لماذا يرى نادر شوقي أن الإيمان يستطيع أن يخلق واقع ومستقبل وأزمنة، ولماذا يرى أن كلمات الإيمان هي تشريع وقضاء.

يدعي نادر شوقي في دوريته الشهرية "خدمة ساعتين كل يوم":

"نحن لا نؤمن بالقدرية.
القدرية هي أن كل ما يجرى مكتوب علينا ونحن ليس لنا أي تأثير فيه. إن كان هذا هو الحال فلماذا نؤمن او نصلي؟
الإيمان يصنع تغييرات ويؤثر على مستقبل وأحداث.
الصلاة تصنع تاريخ مختلف عن التسلسل الأرضي للأحداث. لأن الصلاة تأتي بالسماء التي لديها القدرة على تغيير أمور الأرض.
وقت للتشريع الروحي: لا يحدث شيء في الملكوت إن لم يخرج صوت لكلمة الرب. هذا الصوت يطلق إمكانية خلق وتغيير وتشريع يصنع تاريخ للأزمنة القادمة. كل مرة كان حزقيال يرى شيء كان الرب يقول له: تنبأ يا ابن ادم. بمعني يجب أن تنطق ما رأيته بصوتك لكي يحدث. هذا الوقت هو الذي ستنطق فيه بكل ما أعطاه الرب لك ووعدك به الرب لكي تشرعه فى السماويات كملك أمام ملك الملوك وأمام العيان و أرواح الشر". (الأسبوع الأول من عام ٢٠١٧)

إن نادر شوقي يطعن في سلطان الله مستخدمًا مفهوم غير مسيحي "القدرية" (وهي قوة غير عاقلة). فهو يرى أن الإنسان هنا صاحب المشيئة وليس الله. وأن مشيئة الإنسان هي التي تصنع الأحداث، وتخلق الواقع، وليس مشيئة الله. إن الله بلا مشيئة والإنسان (المسيحي) يُشَرِّع للأحداث والواقع والتاريخ والأزمنة.

يقول أيضًا:

"كل كلمة إيمان خارجة عن المرحلة القادمة لن تسقط بل تصنع مستقبلاً.
الرب يريد أن يملأ فمك بكلمات وتتشريعات وأحكام تؤثر في المرحلة المقبلة.
إلى نهاية العام مستوي السلطان الخارج من صلواتك يؤثر علي حصادك الروحي والعملي". (رسالة أكتوبر ٢٠٢١)

"أعلن إيماني بَتغير الأزمنة في حياتي إلى ترقية في السلطان اليومي.
أعلن إيماني أن صوتي الخارج بكلمة الرب يصنع تأثير في الأيام". (سبتمبر ٢٠٢١)

"تشجع لعبور بوابات هذه الأزمنة التي تبدو مستحيلة. لا تستسلم للمشاعر السلبية لكن ليكن الإيمان هو الكلمة التي تملأ قلبك وفمك لكي تمتلك كل ما في قلب الله لهذا الزمن". (يونيو ٢٠٢١)

هل لاحظت هذا الدور السيادي الضخم للإيمان بالمقارنة مع دور الله أو سلطانه؟ فبينما يغيب الله من المشهد، يستحوذ الإيمان على الصورة كلها. فالإيمان، كما يزعم نادر شوقي، يصنع مستقبلاً، ويُغَيِّر الأزمنة. وأن كلمات الإيمان هي تشريعات وأحكام تؤثر في التسلسل الأرضي للأحداث. إلا أن الكتاب المقدس يقول أن من يسيطر على الأحداث، لا تشريعاتنا التي تخرج من أفواهنا، بل كلمة قدرة المسيح (الابن الأزلي): "الذي به أيضًا عمل العالمين ... حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب ١ : ٣)، "لأنك خَلَقَت الأشياء، وهي بإرادتك كائنة وخُلقت" (رؤ ٤ : ١١). إن الكتاب المقدس يربط بكل وضوح بين الخلق وأعمال العناية "عَمِلَ العالمين (بكلمته) ... حامل كل الأشياء بكلمة قدرته"، "خَلَقَت ... بإرادتك كائنة وخُلِقَت". لكن يبدو أن لأنصار حركة كلمة الإيمان رأي آخر. إنهم يضعون كلمات إيمانهم فوق "كلمة قدرته" التي هي حاملة لكل الأشياء. لاشك أنه لاهوت متمركز حول الإنسان ينسب كل السلطان له ويزيح الله من المشهد. ففي صميم هذا المنهج اعتقاد بالألوهة. لا ألوهة الرب خالق وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، بل ألوهتهم هم.

إن هذا المذهب المسمى "كلمة الإيمان" يمكن رصده من خلال مصطلحات معينة يستعملها أنصاره. مثل "تنبأ على حياتك"، "اتكلم لنفسك بالإيمان"، "إعلن إيمانك"، "أنا بعلن وبـ أشرع". هذه فقط نماذج لبعض ما يستعملونه من عبارات تخفي ورائها إنسان متأله تستطيع كلماته أن تخلق ليس فقط واقعًا شخصيًا لصاحبها بل وتأثيرًا كونيًا على الأحداث والأزمنة.

نستطيع أن نستخلص مما سبق إذًا أن مذهب "كلمة الإيمان" الكاريزماتي لا يلغي فقط الحدود أو الفواصل بين المسيحي العادي وبين والرسل الذين أُعْطُوا امتيازات خاصة جدًا من الله (فهم يدعون أنهم يعملون نفس أعمال الرسل المعجزية ويستقبلون الوحي والإعلانات مثلهم). بل إنهم أيضًا يزيلون الفارق الخطير بين الخالق والمخلوق من خلال التعليم بإنسان متأله ينطق بكلمات الإيمان التي تخلق الواقع وتشرع وتقضي للأزمنة والأحداث. إن حركة كلمة الإيمان، بتعليمها بإنسان متأله، وأنه مسيح صغير، أو تجسد آخر لله وللمسيح، تهمش وتقلل من قيمة كون المسيح هو وحده الذي يَحِلُّ فيه كل ملء اللاهوت جسديًا. بحيث أنهم جعلوا الفارق بين "المسيح" وبين "المسيحي" هو فارق في درجة الألوهة وليس نوعها. بعضهم يقول هذا صراحة والبعض الآخر يطبق هذا المبدأ دون الإفصاح عن ذلك. يصبح، إذًأ، الخطأين الخطيرين لحركة "كلمة الإيمان" الكاريزماتية، ليس فقط تهميش الفارق بين "المسيح" و"المسيحي"، بل أيضًا الطعن، أو في أضعف الحالات تهميش الجانب القضائي للكفارة (بما أن غرض الفداء هو استعادة الألوهة المفقودة).



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس