كيف تقرأ سفر نشيد الأنشاد

لا يوجد في نص سفر نشيد الأنشاد ما يجعل قراءته مجازية بصورة أساسية. ولو كانت القراءة التي يبنغي أن نقرءها لهذا السفر هي قراءة مجازية (كقصة تشير إلى معنى خفي من وراء النص المباشر)، فما الذي يمنع من جعل سفر التكوين مجازيًا أيضًا بحيث أن الخلق والسقوط ليسا تاريخيين أو حرفيين؟ وهكذا فإن القول أن نص سفر نشيد الأنشاد يُقْرَأ (بصفة أساسية) مجازيًا عن المسيح والكنيسة يفتح الباب لكافة التصورات والخيالات الشخصية التي لا تدعمها القراءة الحرفية المباشرة للنص.

فضلاً عن ذلك فإن هذا المنهج المجازي في القراءة لا يتفق والمبدأ المصلح بالقراءة التاريخية النحوية Historical-grammatical . أي قراءة النص طبقًا للمعنى الحرفي المباشر ووفقًا للقواعد النحوية وفي ظل السياق التاريخي له.

والقراءة المجازية كانت هي الطريقة المتبعة طيلة القرون الماضية لقراءة سفر نشيد الأنشاد، بواسطة كل من اليهود والمسيحيين، إلى القرن التاسع عشر. والسبب في هذا الرسوخ لتلك القراءة المجازية لنشيد الأنشاد هو التأثر بالمفاهيم اليونانية الكلاسيكية القديمة بأن المادة شر والروح خير. لهذا فإنه الأوصاف الزوجية أو الحميمية المستخدمة في هذا السفر لا يمكن أن تعني ما تعنيه بصورة مباشرة. فلجأ يهود الإسكندرية إلى رمزمة سفر النشيد بسبب تأثرهم بالفلسفة اليونانية. وحذا رجال كنيسة الإسكندرية من بعدهم هذا الحذو. وظلت هذه القراءة راسخة إلى القرن التاسع عشر حين تم العثور على اكتشافات أثرية، في شرق أدنى، لأشعار حبية Love Poems تتبع نفس الأسلوب الأدبي المتبع في سفر النشيد. كل هذه الأسباب جعلت أغلب باحثي العهد القديم يتخلون عن قراءتهم الرمزية التي ظلت راسخة لقرون عديدة قبل وبعد مجئ المسيح إلى وقت الاكشتافات الأثرية في القرن التاسع عشر.

إن كانت القراءة المجازية لا تصلح، فما البديل؟ البديل هو القراءة الطبيعية الحرفية المباشرة للنص على أنه مجموعة من الأشعار الحبية التي يعبر فيها حبيبين (زوجين) عن أشواقهما الحميمة. وهذا يأتي بنا إلى غرض السفر والرسالة المحورية فيه. إن السفر يمتلئ باللغة والإشارات العدنية التي تسترجع إلى الأذهان تلك الصورة الأصلية للعلاقة بين الرجل والمرأة والتي كانا فيها كلاهما عريانان ولا يخجلان (٤ : ١٢، ١٦، ٥ : ١، ٦ : ٢، ١١). ولكن بدخول الخطية والسقوط حدث هذا الاغتراب بين الرجل والمرأة. والسفر يريد افتداء العلاقة الحبية في الزواج إلى ما قبل السقوط كتلك التي كانت في عدن.

هل هذا معناه أن سفر نشيد الأنشاد لا يشير إلى علاقة المسيح بالكنيسة أو بالمؤمن؟ ينبغي أن نفرق بين كون الرسالة الأساسية من السفر هو تقديس النظرة إلى الزواج واستعادتها إلى الحالة العدنية ومن ثم غسلها من أي مفاهيم متدنية (مثل المفاهيم اليونانية التي تحتقر الجسد)، وبين تطبيق السفر تطبيقًا ثانويًا على علاقة المسيح بالكنيسة. ما من شك نستطيع أن نتعلم شئ من هذا السفر عن علاقة المسيح بالكنيسة على شرط أن تظل القراءة الحرفية هي الأساس. فبما أن العلاقة بين الله وشعبه إسرائيل شُبِّهت بالعلاقة العهدية الزوجية، وبما أن علاقة المسيح بالكنيسة وُصِفَت في العهد الجديد كعلاقة العريس بالعروس، إذًا، نستطيع أن نخلص من ذلك إلى أن سفر النشيد يشير إلى ما هو أعظم؛ إلى تلك العلاقة العهدية الباقية بين الرب وشعبه، وبين الرب والمؤمن. إن الزواج صُمم ليعكس وليشير إلى علاقة روحية أكثر بقاءً واشباعًا وحميمية من العلاقة الزوجية. ولكن ينبغي أن نحرص هنا على ألا نجعل هذا يؤثر سلبًا على رؤيتنا للعلاقة العهدية الزوجية بما أن الغرض الأساسي من السفر هو فدائها من النظرة الدونية لها.

بقيت ملاحظة أخيرة وهي أن باحثي العهد القديم لا يرون أن هناك قصة واحدة تجمع هذه الأشعار. فبعض المفسرون يرون أن هناك قصة لها حبكة ومكونة من ثلاث أشخاص: عروس وعريس (الراعي) يهيمان شوقًا بينما يقف الملك (سليمان) في طريق هذه الأشواق بمحاولة شراء العروس وضمها إلى الحريم الخاص به. في حين يرى فريق آخر من المفسرين أن شخصيات القصة هما اثنين فقط: الملك سلميان وحبه للفتاة القروية شوليمث. ولكن كبار باحثي العهد القديم يرون أنه لا يوجد دارما (تاريخية) واضحة في النشيد بل هو عبارة عن مجموعة من الأشعار الحبية جُمِعَت معًا.

أخيرًا، فإن الهجوم على الكتاب المقدس بسبب الأوصاف الحبية الحميمة المستخدمة فيه يدل على نظرة دونية لذات الأشياء التي خلقها وقدسها الله؛ الجسد والعلاقة الحميمة. إن خالق الجسد والعلاقة الزوجية هو الله نفسه. وإن كانت هذه الأشياء دنسة فهذا هجوم واتهام للخالق نفسه بذلك بما أنه مصدرها. فبدلاً من أن نقحم نظرتنا الدونية على الأشياء التي خلقها الله، علينا أن نفعل العكس، أي ندع السفر يغسل أذهاننا التي تلوثت بالمفاهيم غير الكتابية، من خلال إخضاعها للرسالة التي يريد أن يوصلها لنا السفر. ليس من الصواب إذًا أن نخجل من هذا السفر المقدس الذي اعترف بقانونيته الأنبياء والرسل والمسيح نفسه. بل الذين يتهمون الله بأنه يخلق أشياء دنسية هم الذين ينبغي أن يخجلوا من هذه الإهانة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس