هل تخلصنا المعمودية من غضب إبليس وغضب العالم كما يعلّم الأقباط الأرثوذكس؟

وصلني السؤال التالي على الخاص:

"سلام صديقي، ما رأيك بهذا الرأي الارثوذكسي (للقمص إرميا بولس)، أنه في فرق بين غضب الله من جهة، وهذا نخلص منه بدم المسيح. وبين غضب إبليس والعالم الذي نخلص منه بالمعمودية من جهة أخرى. والمثالين المستخدمين هما: خروج الشعب من مصر بسبب الدم الذي رُشَّ على الباب، وغضب فرعون الذي يمثل إبليس، (فقد) كان الخلاص عندما اعتمدوا في البحر لموسى. والمثال الآخر هو نوح، عندما خلص ومن معه بالماء من غضب الناس. ولكنهم خلصوا بالفلك الذي يرمز للصليب من غضب الله".

إحدى الطرق التي يستخدمها الأقباط الأرثوذكس في إثبات صحة عقيدتهم هي قصص العهد القديم كرموز. والسبب في ذلك هو أن طبيعة قصص العهد القديم كرموز تسمح بِمَطَّها وتأوليها لإستيعاب تقريبًا أي رأي أو جهة نظر. فسلم يعقوب مثلاً يرمز إلى العذارء، مع أن الرب يسوع المسيح طبقه على نفسه مباشرة (يو ١ : ٥١). وفي الادعاء أعلاه فإن قصتي الطوفان والخروج تم مطهما وتأوليهما لتجعلا مياه المعمودية واسطة للخلاص من إبليس ومن العالم. من المثير للدهشة أن الأقباط الأرثوذكس ينسبون كل شئ إلى المعمودية؛ الولادة الجديدة، وغفران الخطايا (وهذا لا يمكن مصالحته بأن دم المسيح يخلصنا من غضب الله). وهذه المرة ينسب القمص إرميا بولس لها الخلاص من إبليس والعالم. حتى أنه لم يعد للمسيح لزومًا. لكن هنا سنفحص فقط الادعاء المتعلق بأن المعمودية تخلص من غضب إبليس وغضب العالم.

بالنسبة للمثال الأول المتعلق بأحداث الخروج، بأن الدم يُخَلِّص من غضب الله بينما تُخَلِّص المعمودية من غضب إبليس والعالم:

صحيح أن عبور إسرائيل في البحر على جانبيهم، والسحابة من فوقهم، شَكَّلَ نقطة فاصلة بين ماضي العبودية وبين الحياة الجديدة في الحرية مع الرب. إلا أنه من منظور آخر، فإن إسرائيل لم يَخْلُص من غضب فرعون بمعموديته في البحر والسحابة، بل بإهلاك الرب لفرعون في مياه البحر الأحمر. لهذا فعندما ترنموا نسبوا الخلاص من فرعون إلى الرب وليس إلى المياه: "حينئذ رنم موسى وبنو إسرائيل هذه التسبحة للرب وقالوا: أرنم للرب فإنه قد تعظم. الفرس وراكبه طرحهما في البحر" (خر ١٥ : ١). أي لم يخلصوا من فرعون بمعموديهم في البحر والسحابة، بل (بصفة أساسية) بإغراق فرعون وإهلاك الرب له. فالخلاص من فرعون كان بالنعمة والواسطة هي المياه.

إن إسرائيل لم يخلص من فرعون فقط. بل خلص من المياه أيضًا. لقد كانوا في مأزق، فالعدو خلفهم والمياه أمامهم. كانوا في حاجة للخلاص من الإثنين؛ أي العدو والمياه. وقد خلصوا من الإثنين بقوة الله. وإن شئت استعمال الرموز، خلصوا من المياه بقوة عصا موسى. وموسى كالوسيط هو رمز للمسيح المخلص والوسيط الوحيد. إذًا فهم خلصوا بسلطان موسى الوسيط من سلطان فرعون. ونحن نخلص من سلطان الشيطان بالنعمة عندما ينقلنا الرب إلى ملكوت ابن محبته.

ولو أخذنا بالتطبيق الحرفي للقصة، فإن فرعون اعتمد في المياه أكثر من إسرائيل. بكلمات أخرى، فإن إسرائيل لم يبتل بالمياه. بل فرعون. إذًا فإن فرعون من منظور ما اعتمد في المياه. والمياه غطت فرعون. فهل يحتاج إبليس أن ينزل إلى مياه المعمودية لكي يهلك فيها كما حدث في الخروج، ولكي نخلص من غضبه حقًا؟ هذا إن أردت التطبيق الحرفي!

الأهم من كل ما سبق، فإن من خلصوا من فرعون، ومن المياه، أهلك الرب أكثريتهم في البرية. إذ لم ينفعهم هذا الخلاص الزمني المؤقت، لأنه لم تكن فيهم كلمة الإيمان: "لكن بأكثرهم لم يُسَرَّ الله، لأنهم طُرِحُوا في القفر" (١ كو ١٠ : ٥). إن أغلب الذين اعتمدوا في مياه البحر الأحمر، أهلكهم يسوع نفسه (الابن) في البرية "أن يسوع بعدما خلص الشعب من أرض مصر، أهلك أيضًا الذين لم يؤمنوا" (يه ٥ : ١). طبقًا لأكثر المخطوطات موثوقية فإن الذي أهلك الشعب كان بالتحديد "يسوع" (أنظر حاشية ترجمة NET). يقول كاتب العبرانيين أن السبب في إهلاك الرب لأغلبية من اعتمدوا في البحر والسحابة هو أنه لم يكن لديهم الإيمان، إذ لم تنفعهم المعمودية "لأننا نحن أيضًا قد بُشِّرنا كما أولئك، لكن لم تنفع كلمة الخبر أولئك، إذ لم تكن ممتزجة بالإيمان في الذين سمعوا" (عب ٤ : ٢). وسواء كان المفهوم هو أن كلمة الخبر التي سمعوها لم تكن ممتزجة بالإيمان فيهم، أو سواء كانت القراءة الصحيحة هي أن الذين سمعوا كلمة الخبر لم يُتْحِدوا إيمانهم بإيمان من خلصوا (كالب ويشوع)، يظل أن واسطة الخلاص الأبدي هو الإيمان. "الإيمان وحده" كما تُعَلِّم العقيدة الإنجيلية.

مرة أخرى، إن أردت استعمال الرموز، فإن من خلصوا من فرعون، ماتوا لاحقًا بالحيات المحرقة في البرية (عدد ٢١ : ٦). والحية أيضًا رمز للشيطان. ذلك لأنه لم يكن لديهم الإيمان المُخَلِّص. لم ينفعهم حتى المن المعجزي الذي أكلوه (يو ٦ : ٤٩). للمزيد أنظر مقال آخر بعنوان "العلاقة بين فريضتا المعمودية وعشاء الرب وبين الخلاص"، والمقال يشرح كيف كان لأهل كورنثوس مفهوم مشابه لما يعلّم به الأقباط الأرثوذكس أن سري المعمودية وعشاء الرب يخلصان، إذ يستخدم بولس ذات أحداث الخروج لتفنيد هذا الخطأ.

أخيرًا، من الخطأ مساواة غضب الله بغضب إبليس (والعالم). صحيح أن سفر الرؤيا يتحدث عن غضب إبليس (رؤ ١٢ : ١٢)، إلا أن قوة إبليس تكمن في خداعه. فهو يقتل من خلال الخديعة. إسمه "الحية القديمة" و"كذاب وأبو الكذاب". ما يؤذي الإنسان ليس غضب إبليس بل خداعه. لكن الرب له غضب أعظم بما لا يقاس لأنه الديان والقاضي. الرب يغضب على الإنسان لأنه كلي القداسة يكره الخطية. ثم أن الحديث عن غضب إبليس جاء في سياق أحداث النهاية وما تبقى له من زمان قليل. بل إن سفر الرؤيا يحذر من غضب الله وغضب الخروف أكثر بكثير جدًا مما يحذر من غضب إبليس (رؤ ٦ : ١٦، ١٧، ١٤ : ١، ١٩، ١٥ : ١، ٧، ١٦ : ١، ١٩، ١٩ : ١٥). أن تضع غضب الله بالمساواة مع غضب إبليس هو نوع من الثنائية Dualism . هو أن تجعل إبليس ندًا لله. لكن، من خَلُصَ بالإيمان في الرب المُخَلِّص، خَلُصَ بالتبعية من إبليس أيضًا من خلال نفس الإيمان في الرب المُخَلِّص والفادي. من خَلُصَ من غضب الله بالإيمان بعمل المسيح النيابي، خَلُصَ أيضًا من غضب إبليس وخداعه بنفس وسائطية الإيمان في عمل المسيح المُخَلَّص.

بل إن غضب إبليس ليس له سلطان علينا بدون غضب الله. أو أن سلطان إبليس سلطانًا اشتقاقيًا. لأن الرب سمح له بهذا السلطان على الإنسان لكون الإنسان رافض ومقاوم للرب. إن من يَخْلُص من غضب الله بالإيمان يَخْلُص تلقائيًا وبالتبعية وبالضرورة من غضب إبليس بنفس الإيمان. لذلك، فأن تعطي للمعمودية فعالية مساوية لفعالية الدم، وكأن الدم يخلص من غضب الله، والمعمودية تخلص من غضب إبليس، هو أن تقول أن دم المسيح غير كافٍ ويحتاج إلى تكميل، أو أنه يخلصنا من جانب معين ولا يخلصنا من جانب آخر. لكن ذات الدم الذي خلصنا من غضب الله هو نفسه الذي سحق إبليس "إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض، الذي كان ضدًا لنا، وقد رفعه من الوسط مُسَمِّرًا إياه بالصليب، إذ جَرَّد الرياسات والسلاطين، أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم" (كو ٢ : ١٤ – ١٥). أنظر أيضًا (مت ١٢ : ٢٩، أف ٤ : ٨، عب ٢ : ١٤).

بالنسبة للفلك والطوفان:

صحيح أن نوح خَلُصَ من غضب الله على العالم القديم من خلال الفلك الذي دخل فيه هو وأسرته. وصحيح أنه خَلُصَ من شرور العالم القديم من خلال المياه التي أغرقت الأشرار كما يقول بطرس "إذ كان الفلك يبنى الذي فيه خَلُصَ قليلون أي ثماني أنفس بالماء" (١ بط ٣ : ٢٠). إلا أن هذا لا يعني أن الخلاص يكون مناصفة بين الفلك والمياه. إن فحوى قصة الطوفان لا أن يَخْلُص نوح من الأشرار، بل أن يَخْلُص من دينونة الله الآتية على العالم. فقد كان الخطر الأعظم هو خطر غضب الله على العالم.

والمقابلة التي يعقدها بطرس بين مياه الفلك وبين مياه المعمودية لا تعني أن مجرد النزول في مياه المعمودية يُخَلًّص من شئ. والدليل هو أنه يتبع ذلك بتوضيح ما يقصده "الذي مثاله يخلصنا نحن أي المعمودية، لا إزالة وسخ الجسد، بل سؤال ضمير صالح عن الله، بقيامة يسوع المسيح. الذي هو في يمين الله. إذ قد مضى إلى السماء، وملائكة وسلاطين وقوات مُخْضَعَة له" (١ بط ٣ : ٢١، ٢٢). إن ما يقوله بطرس هنا هو بالضبط عكس الادعاء المطروح بأن المعمودية تخلص. إذ يُعَلّم بطرس بأن مجرد النزول في مياه المعمودية قد يطهر الجسد لكنه لا يستطيع فعل شئ للضمير المثقل بالذنب، والذي يحتاج إلى موت وقيامة يسوع المسيح. ينسب بطرس الفعالية كلها إلى قيامة المسيح الإنتصارية (وموت المسيح ضمنًا أيضًا). فبقيامة المسيح وصعوده وجلوسه عن يمين الله أُخْضَعَ الكل له ونحن فيه. جلس عن يمين الله كنائب ورأس من أجلنا ونحن ممثلون فيه. بقيامته سحق الأعداء ونحن فيه.

لهذا يقول كاتب العبرانيين أن الإيمان هو الواسطة التي خَلَّصَت نوح "بالإيمان نوح لما أوحي إليه عن أمور لم تُرَ بعد خاف، فبنى فُلكا لخلاص بيته، فبه دان العالم، وصار وارثًا للبر الذي حسب الإيمان" (عب ١١ : ٧). وهنا يقول كاتب العبرانيين أن نوح خَلُصَ من العالم بإيمانه في الله أيضًا. إذ من خلال ذلك الإيمان، الذي عمل فيه "به دان العالم". لقد كان موضوع إيمان نوح منصبًا على الإنذار بغضب الله، وبالخلاص الذي أعده الرب في الفلك للنجاة من هذا الغضب. وهذه كانت فحوى إيمان نوح التي بها دان العالم. إن ذات البشارة وذات الإيمان بها، الذي خلصه من دينونة الله، هما ذاتهما من خلصانه من شر وغضب العالم القديم.

وما قلناه سابقًا عن الخروج نطبقه هنا عن الفلك والطوفان. فمن خَلُصَ من غضب الله بالفلك، خَلُصَ بالتبعية من غضب العالم وشره في نفس الحدث الواحد. صحيح أن المياه أهلكت العالم القديم، لكن من منظور آخر فإن جُدران الفلك فصلت بين نوح والعالم الخارجي. لهذا ينسب بولس الخلاص من العالم إلى دم المسيح "الذي بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير حسب إرادة الله وأبينا" (غل ١ : ٤). أنظر أيضًا (غل ٦ : ١٤).

أخيرًا، ليس معنى ما قلناه سابقًا أن المعمودية ليست وصية واجبة الطاعة بواسطة الذين آمنوا وخلصوا. إطلاقًا. هي وصية واجبة النفاذ ولكن لكل مَنْ آمن وخَلُص بالفعل. والمعمودية هي مجرد رمز غير منظور للشهادة عن النعمة غير المنظورة التي نلناها بالفعل قبل أن نعتمد. والنعمة التي نلناها مؤسسة على عمل الرب يسوع المسيح النيابي. مما يعني أن الادعاء بأن الخلاص يكون بالمعمودية يتجاهل معمودية الرب يسوع المسيح النيابية عنا. أي أن طاعة المسيح النيابية عنا للناموس، في نزوله للمعمودية، إذ كان يُكَمِّل كل بر من أجلنا، اِحْتُسِبَت لنا. إن إسرائيل الذي اعتمد لموسى في البحر والسحابة فشل فشلاً ذريعًا فيما بعد لأنه لم يؤمن بالمخلص إيمانًا حقيقيًا. لذلك هلكوا في البرية. فجاء الإسرائيلي الحق، الرب يسوع المسيح، الذي بعدما دُعي من أرض مصر وهو صبي (مت ٢ : ١٥)، مثل إسرائيل، وبعدما اعتمد من يوحنا المعمدان (مت ٣ : ١٣ – ١٧)، مثل إسرائيل أيضًا الذي اعتمد لموسى، اِقتيدَ بواسطة الروح لِيُجَرِّبَ من إبليس في البرية (مت ٤ : ١)، مثلما جُرِّبَ الشعب في البرية، فأثبت يسوع نقاوته وبره، مُعْتَمِدًا كالإسرائيلي الحق. من خلال هذه الطاعة النيابية للمسيح، والتي كانت معموديته جزءًا منها، خلصنا نحن. إذ حُسِبَت لنا تلك الطاعة النيابية (رو ٥ : ١٩، غل ٤ : ٤). وهذا العمل نتمتع به فقط عندما نضع ثقتنا في قيمته. الإيمان هو الواسطة التي تمسك بقيمة عمل المسيح النيابي.

"أشكر الله أني لم أعمد أحدًا منكم إلا كريسبس وغايس ... لأن المسيح لم يرسلني لأعمد بل لأبشر. لا بحكمة كلام لئلا يتعطل صليب المسيح" (١ كو ١ : ١٤ ، ١٧).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس